أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - المولود في المنفى كائن مكونٌ من الحكايات -أمسية صيفية-* مجموعة أحمد الركابي القصصية















المزيد.....

المولود في المنفى كائن مكونٌ من الحكايات -أمسية صيفية-* مجموعة أحمد الركابي القصصية


سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 1912 - 2007 / 5 / 11 - 03:16
المحور: الادب والفن
    


تبلور في السنين الأخيرة جيل جديد من أبناء المنفيين العراقيين، ممن ولدوا وترعرعوا في المنفى، لا يعرفون عن أوطانهم سوى أقاصيص وحكايات يسمعونها من آبائهم وأمهاتهم. فعاد العراق كياناً عزيزاً.. أمنية مستحيلة، وحلم حكايات، مبنياً في مخيلتهم من القص الشفوي، ومن ما يرونه في التلفزيون من لقطات وبرامج ونشرات أخبار، ومن خلال التلفون أو الرسائل. للجيل الجديد تكوينه المختلف وهمومه وأحلامه التي يصعب فهمها في أغلب الأحيان.

من هذا الجيل تحديداً ظهر القاص "أحمد الركابي " فقد ذكر في اللمحة الموجزة في الصفحة الداخلية الأخيرة من المجموعة أنه ولد في "براغ"(1969) وانتقل برفقة أهله بين عدة منافي عربية قبل أن يصل إلى السويد بسن التاسعة عشرة ويستقر فيها. عن خصوصية هذه التجربة الجديدة والمختلفة يكتب "أحمد" نصوصاً قصصية قصيرة تضيف بعداً جديداً للنص العراقي المكتوب بالمنفى.

فمن أول نص " في الطريق إلى روزفلتا" تظهر الهموم المختلفة لأبناء هذا الجيل. فبدلاً من عودة المنفي إلى الوطن للبحث عن أمكنة طفولته وصباه، نجد الراوي بضمير المتكلم يصل "براغ" في صيف(1992) أي بعد قرابة ربع قرن للبحث عن مكان ولادته، أما أمكنة طفولته فسوف لا نعثر على ملامح مستقرة لها في أي نص من نصوص المجموعة. مجموعة اللقطات الصغيرة التي يحويها هذا النص القصير تجعل منه عميق الدلالة. ففي السطور الأولي يخبرنا الراوي عن رقم الغرفة التي ولد فيها، والتي كانت سجناً زمن الاحتلال الألماني في الحرب العالمية الثانية، فيتخيل الراوي أحد المعتقلين الذين رزحوا في جحيمه آنذاك يشغل نفس غرفة ولادته، أما المشهد الصغير الأخر فهو الحوار الطريف الذي تبادله صدفة وهو في طريقة إلى بناية المشفى مع السائق الذي تبين أنه يتكلم العربية وعندما يعلم أن الراوي من العراق يدقق عن مكان سكنه سائلا عن أسم المدينة، لأنه عمل في العراق ويعرف تفاصيل دقيقة عن مدنه، مما يجعل الراوي يشعر بأنه يركب ذات التاكسي، التي فرّ بها أهله من العراق قبل عشرين عاماً، هرب الأهل حدث قبل ولادته طبعاً، لكنه منسوج في ذاكرته عن طريق الحكي وتكرار القص الشفوي لتلك النقطة المفصلية في حياة ووجود الراوي. هذان المشهدان يتداخلان مع وصف الجو الماطر الموحش وسؤاله العابرين في الشارع عن عنوان المشفى، ثم وقوفه جوار المبنى المتروك والخرب في تصعيد لحظة الضياع الروحي للمنفي من الجيل الثاني وهو يقف محطماً لصق باب المشفى " أدفن وجهي بين القضبان. نسمات عليلة تداعب وجنتي. أجوّل عيناي في المكان فلا أرى إلا الخراب. لا مولودين جدد، لا أمهات سعيدات ولا صراخ أطفال. لا شيء من ذاك الماضي هنا إلا أنا وما تبقى من أحجار البناء. هنا بدأت وهنا ينتهي شارع روزفلتا وبحثي عن مكان الولادة"(ص14). في المشهد الأخير من النص نجد الراوي شارد الذهن في صالة المطار وقرب سلم الطائرة ترجو المضيفة من الركاب التنحي، كي يفسحوا المجال لأحد الأمهات في الصعود، في لقطة تعيده هي الأخرى إلى حكاية أخرى من الحكايات المكونة لذاكرته والتي سمعها من شفتي والديه، فأمه كانت قد قصّتْ له كيف سمحوا لها وهي تحمله طفلا في أيامه الأولى الصعود إلى الطائرة قبل الركاب. فيرى نفسه الطفل ذاك مثلما شاهد نفسه في التاكسي وسط "براغ" وكأنه مع والديه في تكسي هروبهما من العراق. هكذا يحفر النص في كيان المنفي من الجيل الثاني فيرينا كيفية تحوله إلى كائن مبني من الحكايات والذكريات العائمة، المفتقد أبداً إلى سلام من شب في المكان الأول.

في "جامع الطوابع" تأتينا الشخصية القصصية المتكونة في المنفى بشكلٍ أخر، فهي متشبثة بالحكاية أكثر من الواقع. الحكاية المروية من الأهل عن ذلك المكان البعيد الأول المستحيل. فالطالب في هذا النص القصير جداً كان يحلم دوماً وهو يجمع الطوابع بأمكنتها، فيتعرف على تلك الأمكنة بالمخيلة معرفة الحالم الحميمة، لكنه عندما يكبر ويزورها، قصر برمنغهام في لندن، ضفاف النيل يكتشف أن الحلم أحلى كثيراً من الواقع. فيمزق كل الطوابع الأجنبية، ويبقي على طوابع بلده الأصلي يبحث فيها عن قريته وبيت أهله. في "نافذة الماضي" نجد الشخصية القصصية تنتبه لأول مرة في زمن الغربة إلى فجوة تحت الشمس، يراها لوحده دون الآخرين. فيقرر السفر إليها في رحلة خرافية صانعاً من ورق الصحف أجنحة ليجد عند بابها رجل شيخ يخبره بأنه الماضي وخلفه بابي الحزن والسعادة، فيرتعب عائداً إلى الشرفة هارباً من الدخول إلى باب الماضي. في "الكاتب" يجد المنفي نفسه وقد قارب الخمسين ناضباً، غير قادرٍ على الكتابة، مريضاً، مهدود القوى، يجلس إلى منضدة الكتابة وسط الغرفة المزدحمة بأسرة أبنائه الثلاثة، متأملا الماضي، السجن، الظلم والعدل، الحياة والموت، وفي الموت يصل إلى قناعة بأن ملك الموت متواطئ مع الطاغية، فيتخيل بغداد وأخبار الذبح فيها. ويحرر رسالة إلى الخالق كي يقيم محكمة لملك الموت المتواطئ وينقلها في بث حي على شاشات التلفزة، حتى يطمئن الناس بأن العدل لازال حياً. في اليوم التالي يعثرون على جثة الكاتب الأجنبي أمام دائرة البريد متشبثاً في رسالته فتدفن معه. النصين الأخيرين يقتربان من عوالم "زكريا تامر" من حيث التكثيف والبنية الغرائبية، لكنهما يتسقان مع تيمة الكاتب وأجوائه المختلفة تماماً. في "يوم جميل للموت" يبني الكاتب نصه القصير جداً على هيئة حوار بين منفي وحبيبته أو زوجة أقترن بها حديثاً، لكنه لا يستطيع أن يقول لها أحبك بشكلٍ مباشر، فتطلب منه ذلك، فيقولها. تعاتبه لماذا لا يقولها من نفسه قبل أن تطلب منه ذلك، فيسألها:"أتعلمين ماذا يفعل المنفى في الإنسان؟" فتهز رأسها نافية، فيكثف في جوابه لها تيمة كل النصوص حيث يحول المنفى الإنسان إلى شخص تملكه الأشياء البعيدة وتجعله لا يحس بما قريب "أول الأمر يكون المرء كالمعدن المصهور حامياً، سهل التكوين، تضعينه في أي قالب شئت، ثم تأتي مطرقة الغربة تدق روحه في كل يوم حتى يتحول إلى حديد صلب.. لكن المنفى يعلم الإنسان أن يحب أكثر.. أن يحب الأشياء البعيدة"(ص52). النصوص التي عرضت لها، من نمط النصوص المتأملة في فحوى التجربة والحياة، بنيتها مشادة على تفاصيل صغيرة أو تفصيل واحد جوهري يلقي ضوء ساطعا على التجربة وتيمتها. نمط الأقصوصة التي أختارها الكاتب قلما تنجح فنياً رغم كثرة من يكتبها، وحتى الكاتب البارع في هذا النمط من القص نجد أن لديه العديد من النصوص المخفقة. ما يثير الإعجاب في نصوص "أحمد الركابي" هو نجاح كل نصوص "أمسية صيفية" من حيث انتقاء المادة الخام، طريقة عرضها، لغة النص البسيطة جداً. دقة اختيار المفردة الدالة، وضوح التيمة المختفية خلف الحدث وطريقة سرده الدقيقة من الجملة الابتدائية إلى جملة ختام النص.

النصوص المتبقية تعتمد بنيتها على الطرفة، تنشغل باحثة في تفاصيل حياة المنفى الصغيرة بشؤونها اليومية، لا من أجل مجرد الطرافة، ولكن عبر سرد الحدث الساخر يصل النص إلى حكمته التي تعلن عن رؤية الكاتب وثقافته. ففي "تعزية" يقوم الراوي بزيارة جاره السويدي لتعزيته بموت كلبه، وفي الطريق إلى بيت الجار يحاول السارد إيجاد المفردات المناسبة مترجماً عن العربية جمل التعزية إلى السويدية دون أن يجد ما يناسب. فيستعين بمشاهداته التلفزيونية التي تدله على الجملة المناسبة، ويجري حواراً مكثفاً مع العجوز الذي يرفض الارتباط مع امرأة عجوز لأنه يعتقد أن معاشرة الكلاب أسهل من معاشرة البشر، وفي نهاية الزيارة القصيرة يشكر السارد ويجزم أن في بلد الزائر لابد أن تكون للكلاب قيمة رفيعة!. وهنا يفجر الكاتب النص بهذه المفارقة الطريفة وبدلاً من الشرح والتعليق على ما يجري للبشر في وطنه نجده ينهي النص بجملة ذات دلالات رمزية عميقة تغني عن كل شرح وتطويل، فما أن يسمع كلام العجوز السويدي حتى يروح يشرد شروداً عميقاً. في "أمسية صيفية" يشاد النص على طرفة من نوع أخر، فالمنفي العائد من العمل يجلس في شرفة شقته بالطابق الأول، ليشاهد مباراة هوكي جليد بين روسيا التي ولد فيها والسويد التي يقيم فيها. لا يتحمس لأي فريق ثم يغضب على نفسه لأنه يشاهد مباراة لا طعم لها دون انحياز، فيحرك يديه غاضباً فيسقط قنينة الكولا على كتف جاره الجالس في حديقته بالطابق الأرضي، فيصرخ الجار السويدي في نهاية الأقصوصة:"اللعنة عليك أيها العربي الملعون أصلا، بل ألف لعنة. في "مهاجرون في مقهى" نطالع شريحة أخرى من اللاجئين الذين يعيشون على هامش الحياة الأوربية، بطالة، بخل، تقتير فواحد من الثلاث فلسطيني تجهض زوجته بسبب سوء التغذية، فلا يطبخون سوى البطاطا أرخص خضرة في السويد، والأخر اللبناني يعيش على صيد السمك ويجعل زوجته تحبل كل عام طمعاً في مخصصات الأطفال، التي يكنزها لشراء البيوت في لبنان. شخصيات لا هم كبير لديها، تهرأت منظومتها الأخلاقية فاستحالت إلى مجرد مخلوقات كسولة نهمة إلى المال.

هذه المجموعة المكتوبة قصصها في سنة واحدة (1994) كما هو مذيل في نهاية كل نص تشكل رغم كونها مجموعة أولى من أهم مجاميع القصة القصيرة جداً العراقية المكتوبة في السنين الأخيرة.



#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)       Salam_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنفي ميت حي -البيت الأخضر - مجموعة عبد جعفر القصصية
- قاب قوسين مني- مجموعة -هدية حسين- القصصية تصدع بنيان المجتمع ...
- أصغي إلى رمادي لحميد العقابي الذات حينما تدمرها الطفولة والح ...
- الكتابة والتجربة الكاتب النص الحياة5
- الكتابة والتجربة الكاتب النص الحياة 5
- ما بعد الحب رواية هدية حسين 1
- ما بعد الحب رواية هدية حسين2
- الحرب خربت كل شيء كم كانت السماء قريبة- رواية -بتول الخضيري-
- الكتابة والتجربة الكاتب النص الحياة2
- الكتابة والتجربة الكاتب النص الحياة3
- الكتابة والتجربة الكاتب النص الحياة4
- كتاب يهجو الطغاة ويعرض لصريخ الضحايا -مصاطب الآلهة- مجموعة - ...
- عن معاناة اللاجئين في الشمال الاسكندنافي التأليف بين طبقات ...
- المنفي كائن مشطور بين ثقافتين العنكبوت- مجموعة -علي عبد العا ...
- الكتابة والتجربة الكاتب النص الحياة1
- عراقيون أجناب رواية فيصل عبد الحسن علامات نضوج رواية القرية ...
- عراقيون أجناب رواية فيصل عبد الحسن علامات نضوج رواية القرية ...
- المتاهة قصة قصيرة
- رؤيا المدينة
- التتر- قصيدة ذات بنية ملحمية متموجة تفضح زمن الطاغية ومن تعا ...


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - المولود في المنفى كائن مكونٌ من الحكايات -أمسية صيفية-* مجموعة أحمد الركابي القصصية