أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلام إبراهيم - الكتابة والتجربة الكاتب النص الحياة1















المزيد.....

الكتابة والتجربة الكاتب النص الحياة1


سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 1891 - 2007 / 4 / 20 - 12:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


سألوني عن تجربتي الكتابية مع أول نشري لنصوص قصصية في الصحف والمجلات العربية.. دوخني السؤال فخلدت إلى ذاتي متفحصا.. وجدتني أتسأل:

ـ

ماذا أقول عن تجربتي القصصية ؟ كيف اعبر وأنا اشعر بأني أخوض في المسافة الضحلة المفضية إلى محيط الإبداع الزاخر والعصيب المحيط الذي لا يمنح أسراره إلا لمن منح موهبة ودأب على تطويرها العمر كله. ما زلت في المخاضة أخطو نحو الأمكنة العميقة أحاول الغوص في أعماقها واكتشاف الجديد ‍‍ هل سأتمكن؟ لا ادري‍‍ ؟؟

فرغم كتاباتي قرابة أربعين قصة قصيرة بين 1972-1982 نشرت منها واحدة في صحيفة التآخي 1975 وتركت بقيتها في الوطن. ورغم كتابتي عشرات القصص أثناء وجودي بين رجال العصابات في الجبل 1982-1988 نشرت بعضاً منها في مجموعتي الأولى ـ رؤيا اليقين – اشعر بأنني كنت ابحث في متاهة الكلمات والنفوس .. الوجوه والأحلام .. الأحداث والأفكار عن جسد نص يخصني، عن تكوين يتخلق من تفاعل عناصر المتاهة في نفسي ، بناءٍ أشيده من ثمرة روحي لأرتكن إليه وقت تعبي بغبطة عاشق كنت ابحث .. أغزل بصمت فوضى الكلمات .. أجهد إلى استخراج ما تشيده مخيلتي من أمكنة وحيوات وأحاسيس أتصيد بالحبر الجاف مناخ خيالاتي بطقوسها الغربية الحزينة، شموسها، أنهارها، وجوه بشرها، أشجارها، عصافيرها، وحيواتها المختلفة عما أراه بعيني المجردتين..

كنت أحاول أن أشيد خيال اللحظة قبل انفلاتها..

كم من مناخاتٍ وأشكالٍ أفياءٍ ، جدران وعصافير ، بيوت ومشاعر؟ ، كم من الوجوه والمرايا؟.. كم من الانفعالات ومضت وتبددت في سديم الرأس.

كنت أهرع إلى خلوة الورق طفولة الإنسان والظلال لأحتدم بمحنة الكلمات التي تتوهج وتضيء بين أصابعي أحيانا فأرقص طرباً . وترمّدني غالباً عندما تذهب فورة الروح لأستيقظ وأجدها عليلة مرصوفة بشكل مغاير لما كان متخلقاً في المخيلة من أشكال وظلال ووجوه وروائح. أترمد شاعراً بضالتي وعجزي قبل أن أشتعل بالغضب من وهن الكلمات ، ومن اهتزاز الجسر الموصل بين أمكنة المخيلة واشتباك الحروف وحكمة المفردة وبلاغة الجملة وطلاوة السرد.

الكتابة سر الكاتب ، ولحظتها قدر الكاتب ، كيف تنبعث لحظة الكتابة ؟ أهي غريزة ؟ أهي صنعة ؟ أهي مزيج من كليهما ؟ أم أنها تجلًّ غامض لأسرار النفس الإنسانية تتكثف في كل عصر بذات مبدعيه؟

بغتة تضطرم الروح وتهدر بالكلمات ، في الاصطخاب ذلك تتبلور القصة بأمكنتها وأزمنتها وحيواتها المعذبة من بشر وحيوان شجر وماء ، والمكثفة بلحظة الكتابة المجهولة حيث تضاف للكاتب قوة لا يدرك هو كنهها اللحظة العذاب ، اللحظة النشوة التي في مسافاتها يتخلق الجمال في فعل يحاكي فعل الخالق الجليل الحاضن بذاته فساحة الأكوان..

تعصفني اللحظة في جنونها الغامر، فأجدني مهموماً في التعبير عن أمكنة المخيلة ومخاض نفسي في ملجأ وسط سهوب البصرة المقفرة المحرقة بعد أن يؤوب الجند إلى أفرشتهم أو ينشغلوا في الرد على قذائف الإيرانيين المتباعدة في أوقات هدوء الجبهة، أو حين أفض بكارة الورق المدعوك في جيوب البدلة الكردية الفضفاضة لائذا بظل صخرة على قمة جبل ناسيا واجبي بحماية رفاق موشكين على الاشتباك في قتال داخلي، أو أسهر جوار مدفأة الصفيح المتجمرة ألقمها بالمزيد من الحطب قبل أن أنحني على الورقة المضاءة بنور فانوس أغبر كليل، أخط جرح الحرف على وقع شخير المقاتلين المتعبين، وخطوات الحراس المناوبين من فجوة القاعة، من أحشاء حلكة الليل لأنسحر بعدها بهمس الصلاة وتصاعد إيقاع يستجلب إلى أعماقي رهبة غامضة يرددها الفلاحون الكرد وهم ينودون كالسكارى في عمق السحر

–الله حي … الله حي .. لا اله إلا الله

يخدرني النغم الواثق .. يسكرني حد الإغفاء، في الصبيحة قد أمزق السطور التي كتبتها وأنثر أشلاء الورق في الأودية العميقة والمسالك البعيدة وأجرجر قدمي بذيل المفرزة شارداً عن التفاصيل اليومية وحالماً طوال الوقت بقربي من الوصول إلى لحظة الإمساك بمناخات وبنى عوالم تثقل نفسي بضوء اللغة البارق..

أصبحت واثقاً بأن الإنسان ليس سوى حالم كبير.. أبدي يعيش لحظته الراهنة في مزيج فريد من أمكنة المخيلة والواقع، ولا يختلف عن المبدع إلا بكون الأخير منح الموهبة جعلته يستطيع احتضان ذلك المزيج والمناخ بشرك الكلمات والمعاني..

في صيف 1987وصلت إلى أقصى الخيبة والأسف على موتي الوشيك . كنت شديد الحزن أعالج سكراتي محروقاً كمن شوي بفرن، تعز علي النفس والرؤية.

تأرجحت على حافة الموت لأيام .. وشعرت بأسف عميق ليس على الحياة ولا على موتي غريباً بين الصخور ولا على ترك زوجتي الجميلة التي أعيش معها قصة حب محترمة إلى الآن، ولا على ابني الذي تركته خلفي في مدينتي الجنوبية البعيدة فهذا لابد منه عاجلاً أو أجلا، ولكن أسفا على قضائي دون أن استخرج وأحيط وأشيد على الورق أمكنة وحيوات مخيلتي بأنفاسها ومشاعرها ولهاثها وأسرارها الدفينة والعصية على البوح ، أسفت رغم خطي أكثر من عشرين قصة حاورت فيها الإنسان من الداخل في مأزق خيارات صعبة في مواجهة الموت والخسارة ولا معقولية الحرب والتطبع بأحكام الغرائز عن اغتراب الإنسان والتباس معناه..

أسفت على موتي المبكر الوشيك لقوة إيماني بأنني على وشك الوصول إلى بابي المضيء الذي ما لبثت أن طرقته أول مرة بعد طول معاناة في خريف 1987 بنص – الصراط المستقيم – تجاوزت هاوية العدم ، بقيت حياً معلولاً ، ووجدتني في لحظة بارقة في بحر ليل من ليالي صيف اوردكاه زرعان- خوي ـ المنزوية في أقصى الشمال الإيراني مضاءً بدفق الكلمات المتراكضة المتسقة التي أوصلتني شرخ بابي المنير واولجتني من شقة الضيق لألتذ بفعل الكشف عن فضاء محيط ظللت أبحث عنه من 1982-1988 فضاء متخلق في أتون نفسي فكتبت نص – رؤيا اليقين – المتخلق اصلاً من عالم النوم ومجاهله، ففي غبش مختلف استيقظت مذهولاً من الرؤيا، بكيت وأنا استعيد رحلتي الحزينة. تسللي في أحشاء ليل دامس إلى بيت جدي القديم الذي هد قبل ثلاثين عاماً ، مذهولاً من وضوح الحلكة وعبق الروائح وباحة الدار المندرسة، وأمي بصمتها الجليل وهي توقد أصابع الشمع وتسقي آس الأضرحة القائمة وسط الغرف الخالية. من الحلم شيد النص وتهيكل ممتلئاً بالشأن البشري في التجربة المحددة.





#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)       Salam_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عراقيون أجناب رواية فيصل عبد الحسن علامات نضوج رواية القرية ...
- عراقيون أجناب رواية فيصل عبد الحسن علامات نضوج رواية القرية ...
- المتاهة قصة قصيرة
- رؤيا المدينة
- التتر- قصيدة ذات بنية ملحمية متموجة تفضح زمن الطاغية ومن تعا ...
- التتر- قصيدة ذات بنية ملحمية متموجة تفضح زمن الطاغية ومن تعا ...
- التتر- قصيدة ذات بنية ملحمية متموجة تفضح زمن الطاغية ومن تعا ...
- التتر- قصيدة ذات بنية ملحمية متموجة تفضح زمن الطاغية ومن تعا ...
- السفارة العراقية ومجلس الجالية في الدنمارك: ظروف مريبة في أن ...
- فلم جلجامش 21 للمخرج العراقي طارق هاشم حكاية العراقي التائ ...
- رؤيا اليقين
- بائع خردوات في سوق هرج ومنفي عاجز في غرفة بأسكندنافيا
- الكاتب النص الحياة الكتابة ليست نزهةً ولا لعبا بالكلمات2
- الكاتب النص الحياة الكتابة ليست نزهةً ولا لعباً بالكلمات 3
- الكاتب النص الحياة الكتابة ليست نزهةً ولا لعباً بالكلمات 4
- الكاتب النص الحياة الكتابة ليست نزهة ولا لعبا بالكلمات 5
- الكاتب النص الحياة الكتابة ليست نزهة ولا لعبا بالكلمات-1
- الكاتب النص الحياة الكتابة ليست نزهةً ولا لعبا بالكلمات6
- في أروقة الذاكرة رواية هيفاء زنكنة القسم الثاني
- رواية في أروقة الذاكرة لهيفاء زنكنه رواية تؤرخ لتجربة الق ...


المزيد.....




- فن الغرافيتي -يكتسح- مجمّعا مهجورا وسط لوس أنجلوس بأمريكا..ك ...
- إماراتي يوثق -وردة الموت- في سماء أبوظبي بمشهد مثير للإعجاب ...
- بعد التشويش بأنظمة تحديد المواقع.. رئيس -هيئة الاتصالات- الأ ...
- قبل ساعات من هجوم إسرائيل.. ماذا قال وزير خارجية إيران لـCNN ...
- قائد الجيش الإيراني يوضح حقيقة سبب الانفجارات في سماء أصفهان ...
- فيديو: في خان يونس... فلسطينيون ينبشون القبور المؤقتة أملًا ...
- ضريبة الإعجاب! السجن لمعجبة أمطرت هاري ستايلز بـ8 آلاف رسالة ...
- لافروف في مقابلة مع وسائل إعلام روسية يتحدث عن أولويات السيا ...
- بدعوى وجود حشرة في الطعام.. وافدان بالإمارات يطلبان 100 ألف ...
- إصابة جنديين إسرائيليين بجروح باشتباك مع فلسطينيين في مخيم ن ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلام إبراهيم - الكتابة والتجربة الكاتب النص الحياة1