أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - -التناقض التركي- بين الديمقراطية والعلمانية!















المزيد.....

-التناقض التركي- بين الديمقراطية والعلمانية!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 1903 - 2007 / 5 / 2 - 12:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تركيا ظَهَرَت الآن في وضوح أشد من ذي قبل على حقيقتها الداخلية المتناقضة.. إنَّها "تركيتان"، "شرقية"، وإنْ وقعت جنوبا في الجغرافيا، و"غربية"، وإنْ وقعت شمالا في الجغرافيا. تركيا، الآن، أو من الآن وصاعدا، إنْ لم يُرمَّم ولو مؤقتا، توازنها الداخلي ـ الخارجي المؤقَّت أيضا، سَتُرينا، نحن الذين لم تتحرَّر عيوننا وأنظارنا بَعْد من القبضة القوية لـ "الجاذبية العراقية"، فصولاً من اشتداد الصراع بين مَيْليها الذاتيين المتضادين: المَيْل إلى العودة، ولو جزئيا، إلى ما كانت عليه، هويةً وثقافةً وانتماءً، قبل عهد مصطفى كمال أتاتورك الذي يوصف بأنَّه مؤسِّس تركيا الحديثة، والمَيْل إلى المحافظة على "الأتاتوركية"، والمضي فيها قُدُما، بَعْد تحويل "جَزْرِها" إلى "مدٍّ" جديد، في وقت شرع الاتحاد الأوروبي يَفْتَح أبوابه، ولو في حذرٍ وتأنٍ، لانضمام تركيا، المستوفية لكثير من شروطه ومطالبه، إليه.

ما حَدَثَ في تركيا لم يكن السبب الذي أشعل فتيل هذا الصراع، الذي كان يكمن تارةً، ويَظْهَر طورا، بل كان "القشَّة التي قصمت ظَهْر البعير"، أو "قطرة الماء التي جعلت الكأس تفيض". وهذه "القطرة"، أو تلك "القشَّة"، إنَّما هي الانتقال الوشيك لوزير الخارجية التركي عبد الله غول مع زوجته المُحَجَّبة إلى القصر الرئاسي، الذي تكمن أهميته في كونه رمزا من أهم رموز "الأتاتوركية"، بوجهيها "القومي" و"العلماني"، وبمَيْلِها إلى الغرب.

بحسب المعايير والموازين الغربية، تُعَدُّ تركيا الدولة الديمقراطية الوحيدة في العالم الإسلامي؛ ويُنْظَر إلى تجربة "حزب العدالة والتنمية" بزعامة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، في حُكم تركيا، عَبْر البرلمان والحكومة، على أنَّها خير تجربة في المزاوجة بين الإسلام "المعتدل" والديمقراطية "الغربية".

وقد بدت إدارة الرئيس بوش، في "ربيعها العراقي"، راغبةً في التأسيس لدولة عراقية جديدة، تحاكي، في نظامها السياسي، قدر الإمكان، "ديمقراطية"، و"علمانية"، النظام السياسي في تركيا، وفي علاقتها الاستراتيجية بالولايات المتحدة، ألمانيا واليابان؛ ولكنَّ الرياح العراقية جرت بما لا تشتهي سفينتها، فتحوَّل العراق من "قوَّة جذب"، على ما أرادت وتوقَّعت، إلى "قوَّة نَبْذ (وطرد)"، فجواره العربي، من شعبي وحكومي، تطيَّر، وازداد تطيُّرا، من "المثال العراقي"، حتى غدا هذا "المثال" رادعا يردع كل من تسوِّل له نفسه تصديق، أو مصادقة، "الإصلاح السياسي والديمقراطي.."، المتدفِّق من "منابع خارجية". ولكم أنْ تتصوَّروا ما يمكن أن يتمخَّض عنه التفاعل الحتمي بين الفشل المؤكَّد للنموذج العراقي والفشل المحتمل للنموذج التركي!

إنَّ تركيا هي الدولة الوحيدة في العالم الإسلامي التي يمكن أن يَخْرُج أكثر من مليون من مواطنيها في تظاهرة، تأييدا لـ "العلمانية"، ويهتف المتظاهرون فيها بشعارات من قبيل "تركيا علمانية وستظل علمانية"، و"لا للشريعة"، و"لا لأسْلَمة الدولة (التي تُتَّهَم حكومة أردوغان بأنَّها تسعى إليها)". وهي الوحيدة في العالم الإسلامي التي للمَيْل إلى الغرب فيها هذا الوزن الشعبي. وقد رأيْنا رمزية واضحة في هذا إذ احتشد مئات الآلاف من المتظاهرين، تأييدا لـ "العلمانية"، في ساحة تشاكلايان في الشطر الأوروبي من اسطنبول.

تركيا كانت، وستظل، مجتمعا لصراعٍ حاد بين ميول متضادة.. بين "المَيْل القومي" و"المَيْل الديني (الإسلامي)"؛ بين "المَيْل إلى ديمقراطية يعتدل فيها، وبها، التطرُّف العلماني (الذي تمثِّله المؤسَّسة العسكرية على وجه الخصوص)" و"المَيْل إلى علمانية تؤكِّد وجودها ولو عَبْر نفي الديمقراطية، أو بعضها".

لقد اعتدل "الإسلام السياسي" في تركيا، عن اضطرار أو عن اقتناع، بَعْد، وبسبب، تجربة أربكان؛ وجاء اعتداله بما يلبِّي، على ما توقَّع "حزب العدالة والتنمية" وزعيمه أردوغان، شروطا ومطالب كثيرة لممثِّلي "النظام العلماني" من حزبيين وعسكريين، وللاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وكان لغول ذاته مساهمة كبرى في إظهار وتأكيد هذا الاعتدال حتى على مستوى العلاقة مع إسرائيل. أمَّا أردوغان فقد خَرَج، أو كاد أن يَخْرُج، من جلده إذ أعلن، في غمرة سعيه لطمأنة ممثِّلي "النظام العلماني"، وحارسه الأوَّل الجنرال كنعان إيفرين، أنَّ حزبه ليس إسلامياً، وإنَّما علماني.

على أنَّ كل هذا الاعتدال لم ينجح في جَعْل "العلمانيين" يجنحون لإظهار شيء من الاعتدال في تطرُّفهم العلماني، وكأنَّهم لا يريدون التخلِّي عن فَهْم هذا الاعتدال بما يتَّفِق مع مبدأ "العِرْق دسَّاس"، أو مبدأ "التَمَسْكُن حتى التَمَكُّن".

"الإسلام المعتدل" في تركيا، ممثَّلا بأردوغان وحزبه، ما زال يتمتَّع بوزن شعبي وبرلماني يفوق الوزن ذاته الذي يتمتَّع به "العلمانيون الأقحاح" من عسكر، وأحزاب، ومنظمات غير حكومية؛ ويتمتَّع، أيضا، وعلى ما يبدو، بوزن دولي وإقليمي كبير، يَسْتَمِدُّ بعضا منه من خوف (دولي وإقليمي) من أن يتمخَّض انتصار المؤسَّسة العسكرية لـ "العلمانية" عن "فوضى" في تركيا، تمتزج فيها عناصر وخواص وملامح من التجربتين الجزائرية والعراقية.

الجيش، مع الأحزاب المؤيِّدة له في الدفاع عن "النظام العلماني"، تخطَّى، في مواقفه المُعْلَنة، "نقطة اللاعودة"، فهو لن يتخلَّى عن سعيه لمنع غول من الوصول، عَبْر البرلمان، الذي يسيطر "حزب العدالة والتنمية" على الغالبية العظمى من مقاعده، إلى القصر الرئاسي، الذي للمؤسَّسة العسكرية مصلحة جلية في بقائه في قبضة "علماني قُح". أمَّا "المحكمة الدستورية"، التي لن تَخْرُج من "جلدها العلماني"، فيريد لها الجيش أن تُصْدِر قرارها، أو حُكمها، بما يتَّفِق، على الأقل، مع رغبته، ورغبة الأحزاب العلمانية، في الذهاب إلى انتخابات برلمانية مبكرة، لعلَّ الأزمة التي اشتعل فتيلها تؤثِّر في نتائج تلك الانتخابات بما يُضْعِف النفوذ البرلماني والسياسي لـ "حزب العدالة والفضيلة"، ويُبقي في يد المؤسَّسة العسكرية ما تحرص على أن يبقى لها من سلطة ونفوذ.

بقرار، أو حُكم، من هذا القبيل، قد يُنْزَع، ولكن إلى حين، فتيل الانفجار، فالانتخابات النيابية المبكرة قد تأتي بنتائج تذهب بتوقُّع الجيش والأحزاب العلمانية، وقد تسمح تلك النتائج لـ "حزب العدالة والتنمية" بانتزاع القصر الرئاسي من براثن "العلمانيين الأقحاح"، فلا يبقى لدى المؤسَّسة العسكرية، عندئذٍ، من خيار سوى التسليم بـ "الهزيمة الديمقراطية التاريخية"، أو الانقضاض بـ "عصبيتها العلمانية الأتاتوركية" على النتائج الانتخابية، بكل ما يعنيه ذلك من توسيع وتعميق للتضاد في العلاقة بين "الديمقراطية" و"العلمانية"، في تركيا "الدولة"، وفي تركيا التي يراد لها أن تكون "النموذج" و"المثال".

في أوروبا، جاء التزاوج بين "الديمقراطية" و"العلمانية" خيارا يحظى بتأييد وقبول الغالبية الشعبية العظمى؛ أمَّا في تركيا فجاءت "التجربة الأتاتوركية" بما يُظْهِر ويؤكِّد التنافر والتضاد بين "الديمقراطية" و"العلمانية"، فـ "الإسلام السياسي" يمكن أن يعتدل بما يؤسِّس لأحزابه مصلحة في التصالح مع الديمقراطية "الغربية"؛ ولكن الجيش، مع الأحزاب العلمانية، لم يصبح لديه بَعْد من المصلحة ما يَحْمِله على الاعتدال في تطرُّفه العلماني، وعلى تذليل العقبات، بالتالي، من طريق "تقويم" هذا "التناقض التركي" بين الديمقراطية التي اتَّسَعت لـ "الإسلام السياسي"، واتَّسَع لها، إذ اعتدل، وبين العلمانية التي "تعسكرت" في تركيا فحسب.

الغالبية العظمى من الأتراك تفهم العلمانية "المُعَسْكَرة" على أنها نفيٌ للديمقراطية؛ أمَّا الجيش (والأحزاب العلمانية) فيفهم المزاوجة بين الديمقراطية و"الإسلام السياسي المعتدل" على أنها نفيٌ متدرِّج لـ "العلمانية"، و"الأتاتوركية" على وجه العموم.

ولقد حان، على ما أحسب، لتركيا، الشعب والمجتمع المدني، أن "يقوِّم" التناقض التركي بين الديمقراطية والعلمانية بمنأى عن تأثير وضغوط المؤسَّسة العسكرية، وبما يُظْهِر ويؤكِّد أنَّ برزخا قد أقيم بين العسكر والسياسة، فـ "النموذج" لن يكون مستوفيا لمعناه الحقيقي إذا لم يبدأ بما يجب أن يبدأ به، وهو الفصل النهائي والتام بين العسكر والدولة.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جيش العاطلين عن الزواج.. في الأردن!
- دمشق تُعْلِن -اكتمال التجربة الديمقراطية-!
- أوثانٌ ولكن من أفكار ورجال!
- هل من -فرصة حقيقية- للسلام؟!
- حتى لا يغدو -التطبيع أوَّلا- مطلبا عربيا!
- محادثات لتجديد الفشل كل أسبوعين!
- -الناخِب الجيِّد-.. هذا هو!
- متى يصبح العرب أهلاً للسلام؟!
- -ثقافة الموت- التي يجب تغييرها!
- -استضافة- في كردستان أم -استيعاب- في غزة؟!
- جرائد يومية أم أوراق يانصيب؟!
- -مبادرة- البرزاني!
- -زلزال- فجر الجمعة المقبل؟!
- -عمرو خالد-.. إلى متى؟!
- لماذا -تطرَّف- العرب في قمة الرياض؟!
- لِتُعْلِن إسرائيل -مبادرتها-!
- عندما يُسْتفتى الشعب!
- -قمة التضامن العربي-.. مع بوش!
- لا تعديل ل -المبادرة- ولكن..!
- -القانون- لا يميت الأحزاب وإنَّما يدفنها!


المزيد.....




- مسؤول: أوكرانيا تشن هجمات ليلية بطائرات دون طيار على مصفاة ن ...
- -منزل المجيء الثاني للمسيح- ألوانه زاهية ومشرقة بحسب -النبي ...
- عارضة الأزياء جيزيل بوندشين تنهار بالبكاء أثناء توقيف ضابط ش ...
- بلدة يابانية تضع حاجزا أمام السياح الراغبين بالتقاط السيلفي ...
- ما هو صوت -الزنّانة- الذي لا يُفارق سماء غزة، وما علاقته بال ...
- شاهد: فيديو يُظهر توجيه طائرات هجومية روسية بمساعدة مراقبين ...
- بلومبرغ: المملكة العربية السعودية تستعد لعقد اجتماع لمناقشة ...
- اللجنة الأولمبية تؤكد مشاركة رياضيين فلسطينيين في الأولمبياد ...
- إيران تنوي الإفراج عن طاقم سفينة تحتجزها مرتبطة بإسرائيل
- فك لغز -لعنة- الفرعون توت عنخ آمون


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - -التناقض التركي- بين الديمقراطية والعلمانية!