أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - العفيف الأخضر - رهانات التعليم الديني التنويري ثلاثة : رد الاعتبار للآخر وللمرأة وللعقل















المزيد.....



رهانات التعليم الديني التنويري ثلاثة : رد الاعتبار للآخر وللمرأة وللعقل


العفيف الأخضر

الحوار المتمدن-العدد: 574 - 2003 / 8 / 28 - 03:50
المحور: مقابلات و حوارات
    


 
طالبت بإغلاق جامعة الزيتونة سنة 1956، لأنها ”كانت تغسل عقول طلبتها بالفقه القديم“. في رأيك، ألا ينطبق هذا على الفقه والفكر الذي تنشره الجامعات الإسلامية التقليدية كجامع الأزهر والقرويين وغيرها؟

مؤسسات التعليم الديني التي لم تجدد المواد التي تعلمها لطلبتها ولم تجدد طريقة تعليم المواد القديمة بامكاني أن اتهمها بتهمة غسل أدمغة طلبتها بفقه القرون الوسطى بكل ما تحمله من الأوهام والأحكام المسبقة ضد المرأة وغير المسلم والعقل التي سادت في هذه العصور. من السخف تجريم هذه العصور، فقد كانت منطقية مع نفسها، لكن من الإجرام في حق مستقبلنا ومستقبل أبنائنا تقديم ثقافة القرون الوسطى الدينية اليوم في مدارسنا وجامعاتنا كحقائق عابرة للتاريخ كما لوأنه لم يجد أي جديد في ميدان الفكر الديني وفهم الظاهرة الدينية منذ عشرة أو سبعة قرون، هل بإمكان مسلم عاقل أن يتصور أن أبي حنيفة ومالك والشافعي وابن القاسم وسحنون فضلا عن الونشر سي ونجم الدين الطوخي والشاطبي لوبقو أحياء لكسروا أقلامهم وخاطوا أفواههم قائلين : لنا حسبكم ما قلناه لكم قبل قرون وبعد ذلك لاجديد تحت الشمس.

ماهي هذه المواد الجديدة المطلوبة للتدريس؟

إبن عباس نصح بالرجوع إلى الشعر الجاهلي لفهم القرآن فهما حديثا يحرر الوعي الإسلامي من مخاوفه اللاعقلانية من ”الكفار وحداثتهم“ إلا إذا علمناه لأبنائنا بعلوم الحداثة التي تدرس بها الظاهرة الدينية في جامعات ومعاهد للعالم. من هذه العلوم الضرورية جدا لفهم الظاهرة الدينية تاريخ الأديان المقارن وسوسيولوجيا الأديان وعلم النفس والألسنية مثلا لاحصرا. دراسة تراثنا الديني بهذه العلوم يحرر وعينا الإسلامي من سلطة النص التي لاتقبل السؤال ”سمعنا وأطعنا“ وأرسلنا عقولنا في إجازة طويلة كليل بلا آخر. تنفيذ الارنابيين لفتوى إهدار الدماء دون أدنى نقاش إحدى ثمار ثقافة الطاعة العمياء لسلطة النص. لعلك تذكر أن الاسلامي الذي نفذ فتوى عمر عبد الرحمان في فرج فودة سأله القاضي لماذا قتلته؟ أجابه لأنه علماني فسأله وما معنى علماني؟ أجابه لاأعرف. حسبه أن المفتي يعرف أما هو فالة صماء لتنفيذ الفتاوى. وعندما سأل القاضي الكاتب الإسلامي المعروف محمد الغزالي، الذي حضر المحاكمة كشاهد، عن عقاب قاتل فرج فودة أجابه لاعقاب له لأنه نفذ في القتيل حد الردة الذي تقاعس الإمام عن تنفيذه وعندئذ صرخ القاتل ”الآن أموت وضميري مرتاح“.

روج فهمي هويدي لحيلة قائلة بأن فتاوى إهدار الدماء لاتصدر إلا عن ”شبان لم تساعدهم دراستهم على التعمق في الدين“. والخلاصة أن المناهج الدينية التي لاتسمح لطلبتها بالدراسة الكافية للدين هي المسؤولة عن الإرهاب. وإذا كنتم تريدون التخلص من العنف الديني ضاعفوا ساعات التعليم الديني. ابتلع الجميع تقريبا طعم هذا الخطاب المحرض على توسيع دائرة فاعلي وجمهور الإرهاب باسم الإسلام، فبتنا نقرأ في الصحافة المعتدلة ”الارهابي“ أصدر فتوى رغم أن مستوى دراسته الدينية لايؤهله لإصدار الفتاوى، وهذا خطأ جسيم لإنه يعني إمكانية إضفاء الشرعية على فتاوي العنف إذا كان مصدرها ”مؤهلا دينيا“ وتأكيد ضمني لمغالطة أن التعمق في دراسة الدين يحصن صاحبه من التورط في الإرهاب.”شيخ الإسلام“ ابن تيمية الذي أصدر ”الفتاوى“ الشهيرة التي كفر فيها المعتزلة والفلاسفة والمتصوفة والأشاعرة بمن فيهم فيلسوفهم أبي حامد الغزالي والشيعة الذين أفتى بأن ”من شك في كفرهم فقد كفر“.. هذه الفتاوى التي هي اليوم مصدر لفتوى القاعدة وغيرها من ”قواعد“ الإرهاب الديني فهل كان ”شيخ الإسلام“ يشكو من نقص في المعلومات الدينية أم كان يشكو من فائض فيها مرفوق بفائض من التعصب والسادية والحقد الدفين على ثقافة الاختلاف والعقل والحياة والأحياء؟ هل عمر عبد الرحمان الحاصل على دكتوراه في علوم الشريعة من الأزهر والذي أفتى بتكفير محمد عبد الوهاب وقتل فرج فودة وهجيب محفوظ والسادات وتفجير مركز التجارة العالمي والمحكوم عليه بالمؤبد من أجل الإرهاب ينقصه التكوين الديني؟ وهل محمد الغزالي القيادي في الإخوان المسلمين والمؤلف لعشرات الكتب الدينية التي تعتبر مرجعا لاغنى عنه تنقصه المعارف الإسلامية عندما طالب بإطلاق سراح قتلة فرج فودة لأنهم نفذوا حد الردة فيه؟ وهل حسن الترابي الذي أفتى بشنق المتصوف محمد محمود طه ينقصه التكوين الديني؟ وهل يوسف القرضاوي الذي كفر الروائي حيدر حيدر وكفر أيضا قراء نعم قراء- روايته ”وليمة لأعشاب البحر“ كما قضى بالردة على الشاعر التونسي أولاد أحمد من أجل قصيدة جاهل بأحكام الشريعة؟ وهل راشد الغنوشي الذي يرأس تنظيمه الإسلامي منذ أكثر من 30 عاما. الذي أفتى بشرعية قتل السادات ووجوب قتل جميع الحكام المسلمين لأنهم ”لم يعودوا منا“ بل هم ”متمردون على شريعة الرحمان وإرادة الشعب وهم في الحقيقة أولياء الشيطان وأذناب أعداء الإسلام“(الحريات العامة في الدولة الإسلامية ص 183 ، بيروت 1993) ينقصه هو أيضا ”التكوين الديني الصحيح“ ؟

في الواقع ما ينقص فقهاء الإرهاب هو عقلانية العلوم الحديثة المتخصصة في دراسة الظاهرة الدينية عندما كانوا على مقاعد الدراسة قبل أن يتجذر تعصبهم وساديتهم الدموية. ولو درسوا الدين بمساعدة العلوم الإنسانية الحديثة لحررتهم من وهم الحقيقة الدينية المطلقة أي من التعصب الديني الذي هو ينبوع الإرهاب الديني.

قال وزير التعليم الديني السابق محمد الشرفي من قرأ فولتر لن يكون متعصبا، شخصيا لست متأكدا من ذلك تماما، لكني أراهن على أن الأغلبية الساحقة ممن سيدرسون الدين بتاريخ الأديان المقارن والسوسيولوجية الدينية وعلم النفس والألسنية إلخ، لن يكرروا تفجيرات الدار البيضاء ولا جدة، ولانيويورك وواشنطن ولن يذبحوا الأطفال ويبقروا بطون الحوامل في الجزائر ولن يغرسوا سكينا في رقبة نجيب محفوظ.

كيف تقي هذه العلوم دارسيها من التعصب؟

لانها تنزل الظاهرة الدينية في التاريخ فتحولها من حقيقة مطلقة لايرقى إليها الهمس إلى حقيقة نسبية خاضعة لمتطلبات الزمان والمكان والنسبية الدينية هي ترقيات التعصب. ولأنها فضلا عن ذلك تزيح اللثام عن أسرارها وألغازها فلا تعود مستعصبة على التحليل العقلاني، التاريخي، السوسيولوجي النفسي، اللغوي أو الانتروبولوجي أو الفلسفي، وبالتالي عن النقاش البرهاني. والتعصب كما لاحظ فيلسوف فرنسي معاصر غير ممكن في المجالات التي يكون فيها البرهان ممكنا. لذلك لاوجود للتعصب في الرياضيات والفيزياء، كما قال. هذه العلوم والمعارف الإنسانية تجعل الظاهرة الدينية في متناول العقل، وثانيا قابلة للقراءات العلمية لتحليل خط تطورها ووظائفها الاجتماعية والنفسية والثقافية..أما القراءة التعبدية، الإيمانية القديمة فهي ليست عقيمة معرفيا وحسب، بل هي أيضا منتجة لليقين الديني الأعمى إذن، لرفض العقل والحداثة واستحلال الجهاد والاستشهاد لمقاومتها. إعتبار التشريع الوضعي والدستور شركا بالله والديموقراطية كفرا وحقوق الإنسان ضلالا مبينا..منطقي تماما بمنطق فقه القرون الوسطى لكنه لن يكون منطقيا، بل ربما لن يكون موجودا أصلا بفقه التعليم الديني التنويري الذي أدعوا إليه والمؤطر بالعلوم المذكورة، مثلا تاريخ الأديان المقارن الذي اقترح تدريسه في الثانوي والعالي، يساعد التلميذ والطالب على فهم تطور ظاهرة التدين وتلاقح وتناسل المعتقدات من بعضها البعض حتى ليبدو كل منها كحلقة في سلسلة منذ المعتقدات الأسطورية فالوثنية فالتوحيدية. في إطار هذه الإضاءة التطورية التاريخية المقارنة لاتعود ظاهرة التدين طلسما مغلقا على الفهم يسمح للفقهاء وتجار الدين بالادعاء بأن العقل قاصر أمامها لايستطيع تحليلها لأنها معجزة ربانية تتعالى على الفهم العقلي لاينفع معها إلا إيمان العجائز والتسليم الأعمى ”سمعنا وأطعنا“ عندما يعرف التلميذ والطالب مثلا أن قصة آدم وخلق الكون وطوفان نوح قوم لوط لم تظهر في سفر التكوين التوازني ثم في القرآن فجأة بدون مقدمات بل ظهرت قبلهما في الأساطير التوارتي ثم في القرآن فجأة بدون مقدمات بل ظهرت قبلهما في الأساطيير السومرية والديانة البابلية الوثنية بقرون فإنه لايعود ثمة مجال في رأسه للقراءة التعبدية، أي الإيمانية واللاعقلانية للنص الديني بل لايعود ثمة من مجال إلا لقراءة عقلانية تاريخية مستنيرة بحقائق العلم والتاريخ مفتوحة على النقاش البرهانية وعلى التأويل العقلاني المستبعدين تعريفا للتعصب الذي هو حاضنة الإرهاب.

يكف انتقلت الأساطير السومرية والديانة الوثنية البابلية إلى اليهودية؟

خلال السبي البابلي في القرن الخامس قبل الميلاد وطوال سبعين عاما ترجم أحبار اليهود-كانوا آنذاك يسمعون بالعبرانيين-قصة خلق آدم من أسطورة سومرية تسميه ”أدبا“ أي الرجل الصلصالي لأنه خلق من صلصال وأسموه في العبرية آدم واشتقاقا من أديم الأرض، وهو المعنى نفسه له في القرآن.. وترجموا قصة خلق العالم في سبعة أيام وقصة طوفان نوح من ملحمة جلجامش إلخ. الخلاصة انه مع هذا الفهم التاريخي المقارن للنصوص الدينية تتلاشى سلطة النص فلا يعود التمرد على قوانين العقل وقوانين المجتمع ممكنا، جرائم 16 ماي في الدار البيضاء هي جرائم سلطة النص، جرائم اليقين الديني الاعمى، جرائم التعليم الديني الظلامي والاعلام الديني الظلامي الدي تخصص فيه ”حزب العدالة والتنمية“ خاصة فيما يخص التحريض على عداء المرأة خلال مناقشة مشروع إدماج المرأة في التنمية الدي قتلوه في المهد. أقسى صفعة للارهاب هي نشر هذا المشروع كما هو اليوم.

السوسيولوجيا الدينية تعلمه مثلا كيف يستخدم الفاعلون الاجتماعيون السياسيون والدينيون الدين لخدمة مصالحهم التي لاعلاقة لها في الواقع بالدين. نعرف مثلا أن إمام دار الهجرة، مالك ابن أنس، تسلح بهذه الحقيقة السوسيولوجية الدينية فلم يرو في ”الموطأ“ إلا 300 حديث ولم يعتمد منها إلا القليل لعلمه أن الفرق الاسلامية المتنافسة أو المتناحرة وضعت الأحاديث لاستخدامها لتغدو سلطة نص فوق المساءلة. أبو حنيفة صاحب فقه الرأي، أدرك هو الآخر بحسه النقدي هذه الحقيقة السوسيولوجية فلم يعتمد في ”مسنده“ إلا بضعة أحاديث معطيا الأولوية في استنباط الاحكام الفقهية للرأي والقياس. لكن أحمد بن حنبل المتأخر عنهما تعامى عن تلك الحقيقة فملأ مسنده بـ 55 ألف حديث ظاهرة الوضع والتزوير لكن الحنابلة اعتمدوها بالامس لتكفير شرائح بكاملها من المسلمين ومازال الوهابيون وحركات الاسلام الظلامي تتخذها مرجعا لتكفير المجتمعات المسلمة المعاصرة.

علم النفس يعلم التلميذ والطالب أن الدين يلبي حاجتين أساسيتين في النفس البشرية هما الحاجة الى الحماية الأبوية والحاجة النرجسية الى الخلود. ويعلمه ان تجذر هاتين الحاجتين النفسيتين جعل الدين متجذرا في النفسية الانسانية. اللـه في اللاشعور هو رمز الأب الحامي. الانسان الهش نفسيا واجتماعيا يلوذ أمام مصائب الحياة برب - أب رؤوف رحيم ليحميه منها ويعزيه عنها بعد وقوعها. لاشعور الانسان مبرمج للخلود لا للموت، عندما كنت في بداية المراهقة كنت أراهن على أن يكتشف الطب في حياتي دواء يجعلني أعيش 300 عام، أما الآن فتحقيق مثل هذا الاكتشاف يخيفني. طالما الموت واقعة لامفر منها فإن الخلود بعد الموت يسهل إلى حد ما قبولها باعتبارها قوسين زائلين. يفسر فرويد عدم انتشار اليهودية بعدم تلبيتها لهذه الرغبة النرجسية العميقة في الخلود، لأنها لا تعد معتنقيها بحياة أخرى بعد الموت، وهكذا فالدين يساعد الانسان على إعطاء حياته معنى بعد الموت وبالتالي تجعل الموت وأرزاء الحياة محتملة. الفلسفة بدورها تساعد الانسان على إعطاء حياته معنى في الحياة بالتطابق مع القيم الانسانية. وحدهما الدين والفلسفة يعطي كل منهما للوجود معنى. كما الفلسفة والعلوم الانسانية تعلم التلميذ والطالب الفكر النقدي، أي مساءلة المسلمات غير الرياضية عن إثبات شرعيتها العقلانية أمام محكمة العقل، ساحة البرهان بامتياز، ساحة النقاش المتعارض والحوار وكلها ترياق التعصب والعنف.

هل تدرس الجامعة الزيتونية في تونس هذه العلوم ؟

نعم تدرسها جميعا. السوسيولوجيا الدينية وعلم النفس والالسنية وتاريخ الاديان المقارن، كتاب فراس السواح : ”مغامرة العقل الأولى : دراسة في الاسطورة“ (دار كنعان دمشق) المصدر الاساسي لدرس تاريخ الاديان المقارن في الزيتونة، الفلسفة تدرس في السنوات الأربع. كما تدرس في الثانوي في السنتين النهائيتين، من التعليم الثانوي. والبرنامج ترجمة للبرنامج الفرنسي، كما تدرس الفلسفة في جميع الاختصاصات المهنية والعلمية بما فيها الطب بسنواته الست لتدريب التلامذة والطلبة على اكتساب المرونة الذهنية والفكر النقدي وملكة البرهان. خلو التعليم المهني والعلمي من الفلسفة والعلوم الانسانية في البلدان العربية والاسلامية الأخرى جعلها مشكلة للحركات الاسلامية الظلامية، مثلا رابح كبير، ممثل الجبهة الاسلامية للإنقاذ في ألمانيا، فزيائي وغالبيى كوادرها مهندسون، بن لاذن مهندس في الكميوتر وأيمن الظواهري طبيب... أبو أحمد عبد السلام، أول مسلم حائز على جائزة نوبل في الفزياء، ينتمي الى ”الزاوية الاحمدية“ التي تقدس نبيا خاصا بها هو ”أحمد“ لهذا كان ممنوعا من الدخول إلى السعودية بتهمة ”الردة“ وكان يكرس ست ساعات يوميا لشؤون الزاوية ونصف مرتبه وكل ما حصل عليه من جائزة نوبل، وكم حاول إدخالي في دينه.

وهكذا فتدريس العلوم الانسانية والفلسفة الغربية وتحديث الاعلام الديني وخطبة الجمعة وغيرها من المناشط الدينية وتحديث قوانين الاحوال الشخصية هي الرد الناجع في المديين المتوسط والبعيد على الحركات المعادية للعقل باسم الاسلام. أما القمع فلايجدي إلا على المدى القصير، وشرط أن يكون إجراء ظرفيا وفي إطار القانون وحقوق الانسان، لكنه إذا لم يكن عنصرا ثانويا في كل اصلاحي متكامل وكان كل شيء، فانه مفيد جدا لهذه الحركات العنيفة ذات البنية النفسية السادية-المازوخية والمهووسة بالشهادة أي بالنحر والانتحار. فحذار حذار من القمع الاعمى الذي يحول الارهابيين الاسلاميين الى شهداء ويخلد قضيتهم كما قال ماركــــــــس.

الجامعة الزيتونية هي إذن الوحيدة التي لاتغسل أدمغة تلامذتها بالفقه القديم ضدا على الازهر والقرويين ؟

تماما، لذلك ظل التعليم الديني الظلامي مشتلة لتخريج فقهاء ومنفذي الارهاب. إليك مثلين أحدهما من المدرسة الازهرية المصرية والآخر من المدرسة الوهابية السعودية. ”المعاهد الأزهرية“ أي المدارس الدينية التابعة للأزهر مازالت تغسل أدمغة تلامذتها من الابتدائي الى الثانوية العامة (الباكالوريا) بالفقه القديم المعادي للمرأة ولغير المسلم وللعقل وغرائز الحياة الجميلة، لتغذي فيهم غريزة الموت والسادية الدموية والميكروفاشية اللصيقة بالنفس البشرية تماما كما تفعل المؤسسة الدينية في معظم البلدان العربية التي غدت متخصصة في إنتاج وإعادة إنتاج التعصب الديني.

يدرس تلامذة المعاهد الازهرية في السنة الاولى والثانية والثالثة ثانوي (الادبي والعلمي) في مادة الفقه كتاب ”الاقناع في ألفاظ أبي شجاع“ تأليف شمس الدين محمد بن أحمد الربيني، الخطيب الشافعي المتوفى سنة (550هـ) منذ حوالي عشرة قرون، فماذا يدرسون فيه ؟ كل ماكان مطابقا للوعي الديني آنذاك، والذي يعد مطابقا له في القرن الحادي والعشرين. يقرأون مثلا وجوب إقامة الحد على المخمور والسارق والزانية والمرتد وتارك الصلاة رغم أن هذه الحدود لاوجود لها في القانون اليوم. الفجوة بين وعي التلامذة الديني والواقع المعيش يملؤنها بتكفير الدولة والمجتمع ”المتمردين على شريعة الرحمان“ كما يقول الغنوشي. وهذا أقصر الطرق لتمكين حركات الإسلام الظلامي من إقناع هؤلاء الطلبة بكفر الدولة والمجتمع التي تقاعست عن تطبيق حدود الله وحقوقه على عباده أي العبادات : يقول الكتاب مثلا في باب حكم تارك الصلاة على ضربين : أحدهما أن يتركها غير معتقد بوجوبها، فحكمه المترد والثاني أن يتركها كسلا معتقدا بوجوبها، فيستتاب، فإن تاب وصل وإلا قتل حدا وكان حكمه حكم المسلمين، الاقناع ج3 ص240 الصف الثالث ثانوي أما في الشرح فيقرأ المراهق المصري: ”إذا ترك الصلاة غير معتقد لوجوبها يقتل كفرا وتحرم الصلاة عليه ويدفن في مقابر المشركين. أما إذا تركها كسلا فيقتل حدا ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين“. التلميذ (15 و16 و17 عاما) الذي يغسل دماغه من قداسة الحياة البشرية التي هي الحق الأول في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وقعت عليه مصر كيف لايغدو قاتلا بالقوة ينتظر أول فرصة سانحة ليصبح قاتلا بالفعل؟ خاصة وهو يرى حواليه ملايين المصريين من تاركي الصلاة ”كسلا“ لكن القضاء المصري المدني والشرعي لايحرك ساكنا لمحاكمتهم واستثابتهم قبل قتلهم؟ كيف لا ”يكفر عندئذ الدولة والمجتمع و”يخرج شاهرا على الناس سيف الإرهاب“؟

المثل الثاني من المدرسة الوهابية السعودية المتخصصة في التحريض على الإقصاء والتفكير والعنف واراقة الدماء، في كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب لتلامذة الصف الأول متوسط فبماذا يغسل هذا الكتاب ادمغة ملايين التلاميذ الذين تتراوح اعمارهم بين 11 و12 عاما ؟ : ”الأديان التي يتبعها الناس ويخضعون لها فهي باطلة، قال تعالى ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه“ ... ويقول أيضا : ”العالم من جن وإنس يجب عليه أن يدخل في دين الاسلام ويترك اديانه الباطلة وإلا فإن مصيره النار قال (ص) : ”والذي نفس محمد بيده لايسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار“ (رواه مسلم) (نفس المصدر ص 34).

من يُغسل دماغه بمثل هذا الإقصاء والتعصب والكراهية لغير المسلم، اليهودي والنصراني، كيف لايكون عضوا في القاعدة أو نصيرا لها ؟ يجب أن تحدث معجزة لكي لايقع ذلك.

ماهو التعليم التنويري البديل الذي تدعو العالم العربي إلى تبنيه ؟

أولا وباختصار هو التعليم المطبق في تونس منذ 1990، وتونس بلد عربي ومسلم ولا تقع في المريخ، وبإمكان خبراء التربية وصانع القرار التربوي في دول الجامعة أن يطلعوا على المناهج التونسية ويدرسوا التجربة والصعاب التي واجهتها في البداية، خاصة مسألة الكادر التعليمي المقتنع بالتعليم الديني الجديد أو القادر على تدريسه، وكيف تغلبت عليها إلخ..

ثانيا، مشروعي للتعليم التنويري يقوم على ثلاثة رهانات كبرى : رد الاعتبار للآخر، خاصة اليهودي والمسيحي، ورد الاعتبار للمرأة إذن للمواطنة الحديثة ورد الاعتبار للعقل، إذن للحداثة بما هي انتصار العقل على النقل، وللعلمانية على الثيوقراطية وللديمقراطية على الأتوقراطية.

رد الاعتبار للآخر، للـ ”كافر“ بلغة التعليم الظلامي السائد، رهان على تحرير الوعي الاسلامي من العائق الديني الأول الذي أعاقه عن استقبال الحداثة بدون عقد ولا شعور بالذنب. ومازال يعوقه عن استبطان مؤسساتها وعلومها وقيمها.

نعرف من الدراسات الاتنولوجية أن وعي القبائل البدائية مسكون بالاثنية المركزية (النرجسية الجمعية) وبالسلفية (عبادة الأسلاف). الاثنية المركزية هي وهم القبيلة عن نفسها بان قيمها الخاصة هي قيم عامة، أي كونية صالحة لكل الناس وفي كل زمان ومكان. وهي النفي المطلق للحق في الإختلاف فدينها هو سيد الأديان ولغتها هي أم اللغات وتقاليدها هي سدرة منتهى الرقي، من هذه القناعة السادجة تخرج النرجسية الدينية، أي التعصب والارهاب وتخرج العنصرية. السلفية أي عبادة الاسلاف تعبر عن نفسها في الوعي الفردي والجمعي البدائيين بالنفور الرهابي من كل جديد عن تقاليد الأسلاف. بعض القبائل البدائية تشرع، خلال الازمات في تنقية تقافتها من العناصر المستوردة من الغرب وتقتل أعضاء القبيلة الذين أدخلوها كتكفير عن خطيئة الانحراف عن تقاليد السلف الصالح وكل سلف صالح، لأنها تؤمن بأن ابتعادها عن روح الأسلاف جعل البركة تختفي والأزمة تجيء ولامفر من ”العودة الى الينابيع“، الى الأصول والجذور والأسلاف لاسترضائهم. عبادة الأسلاف البدائية ليست إلا محاولة لاسترضائهم باتباع وصاياهم حرفيا : ”نجلس كما كانوا يجلسون ونأكل كما كانوا يأكلون ونقضي حاجاتنا البشرية كما كانوا يفعلون“ كما تقول إحدى القبائل البدائية الاسترالية. هل تختلف السلفية الوهابية عن هذه القبيلة المتوحشة في شيء ؟.

”مخالفة الكفار“ خاصة في فقه الحروب الصليبية وكما استبطنها الحنابلة والوهابية المعاصرة والحركات الاسلامية الظلامية التي تماهت بهم فقهيا تندرج في منطق النرجسية الدينية وعبادة الاسلاف معا. كل انحراف عن عبادة الاسلاف بتبني مظهر من مظاهر حداثة ”الكافر“ يعتبر مصدر جميع الشرور ومجلبة لغضب السماء. اعتبر رجال الدين في تونس الجفاف الكبير الذي اعقب صدور قوانين الاحوال الشخصية في 1956 غضبا من اللـه على بورقيبة واعتبر الاخوان المسلمون زلزال القاهرة في التسعينيات احتجاجا على منع وزير التعليم للحجاب في المدارس واعتبر اسلاميو الجزائر الزلزال الاخير احتجاجا سماويا على ”حزب فرنسا“ بما ان حداثة ”الكافر“ اليوم في كل مكان وتتسلل من الابواب والنوافذ إلى ”دار الاسلام“ فقد تحول ”وجوب مخالفة الكفار“ إلى عقدة اضطهاد : ”اليهود والصلبيون“ يحاصرون دار الاسلام من الخارج وعملاؤهم من العلمانيين يعيثون فيها فسادا من الداخل والرد هو الارهاب.

هذه الثقافة الخائفة والمخيفة يغذيها التعليم والاعلام الدينيين وخطب الجمعة وكتابات الاسلام التقليدي والاسلام الظلامي والجهادي.

يقول راشد الغنوشي موضحا لبرنامج ”نهضته“ لتطبيق الحكم الإسلامي في تونس : ”تطهير العالم من الكفر“ و”توجهات الإسلام هي في الحرص على مخالفة الكفار حتى عد شيخ الإسلام (ابن تيمية) ذلك مقصدا من مقاصد الشريعة“ (الحريات العامة في الدولة الاسلامية. ص 21 و25 بيروت 1993) ويؤكد أيمن الظواهري في كتاب ”الفرسان تحت راية النبي“ 2000 : تحرير فلسطين هدف ثانوي للقاعدة، ولكننا مضطرون لتبنيه لأن الجماهير لاتفهم، ولابد لها من وقت طويل لكي تفهم هدفنا الأساسي وهو ”الولاء والبراء“ أي ”الولاء للمومنين والبراء من الكافرين ومعبوداتهم“ ومؤسساتهم وعلومهم وخاصة الإنسانية وقيمهم العقلانية

إذا كانوا يكرهون ”الكفار“ و”دارهم“ الى هذا الحد، فكيف سمحوا لأنفسهم باللجوء الى الغرب الكافر والمحارب للإسلام كما يزعمون ؟

استبطان ”مخالفة الكفار“ و”دار الحرب“ جعل قادة الاسلام الظلامي وكؤادرهم الذين طلبوا اللجوء الى الغرب لايستقرون فيه الا اذا حصلوا على فتاوي ترخص لهم الاقامة فيه ”اضطرارا“... فالمسلم لايحق له في فقه القرون الوسطى خاصة الحنبلي ان يسافر الى دار الكفر الا مضطرا او لإلحاق الاذى بها.

صدمة الاستعمار للوعي الاسلامي الذي استبطنه كعودة ظافرة للحروب الصليبية جعلته يتخلى عن القاعدة الفقهية القديمة القائلة ”الاصل في الاشياء الإباحة مالم يرد نص صريح قطعي الدلالة يفيد التحريم“ فأصبح الاصل في كل ما هو حديث، أي غربي التحريم الى ان تأتي فتوى، إذا أتت - تحلله : البرنيطة والحنيفية، التلفزيون، الديمقراطية، العلوم الدقيقة والعلوم الانسانية والمنطق والفلسفة إلخ.

كيف نعيد صياغة الوعي الاسلامي لفتحه على الحداثة التي هي اليوم بالنسبة لنا قضية حياة أو موت؟ برد الاعتبار لـ ”الكفار“ ولحداثتهم عبر التعليم والاعلام خاصة الدينيين وتبني القوانين الحديثة خاصة قوانين الحالة الشخصية والدساتير الحديثة وحقوق الانسان ومعايير السلوكيات الحديثة. امبراطور اليابان المستنير هوستو هيتو فاجأ حاشيته أثناء مأدبة في 1868 وهو يستخدم الشوكة الغربية بدلا من العيدان التقليدية اليابانية ويستمع إلى كونسرتو غربي بدلا من الموسيقى اليابانية التقليدية. عندما نزع الملك محمد الخامس في 1956 الحجاب عن وجه ابنته أمام الملأ وعندما ترجل بورقيبة من سيارته في نفس التاريخ ونزع بلطف أبوي الحجاب عن وجه فتاة جميلة في مسقط رأسه المنستير قائلا : ”وجهك جميل فلما إذن تغطينه بهذا الكفن؟“ كان هذان الزعيمان التارخيان يدشنان رمزيا المشروع الحداثي الذي اختاراه لشعبيهما، هل بإمكان زعماء اليوم أن يقوموا بلفتات رمزية وفعلية من هذا القبيل أم أن الحركات الاسلامية الظلامية قد مرت من هنا فارغمت الجميع على ممارسة الاسلاموية بدون إسلاميين؟

الرهان على مشروع مجتمعي الحداثة رائده والعقلانية منطلقه يتطلب إذن فتح الوعي الاسلامي المعاصر، الذي واصل التعليم والاعلام الدينيان وخطب الجمعة والفتاوي والدروس التحريضية في المساجد وكتب الدعاة كالقرضاوي إغلاقه على الحداثة، ذلك يقتضي من صانع القرار والمكونات الحديثة للمجتمع المدني العمل المدروس على إزالة انسداده النرجسية الدينية وعبادة الاسلاف من التعليم والاعلام والمنشط الدينية الأخرى من جهة وتكثيف التلاقح الثقافي مع البلدان الحديثة وخاصة الشركات العربية الاوروبية والعربية-الامريكية في جميع المجالات من الاقتصادي الى الثقافي.

بالتأكيد العولمة وثورة الاتصالات، عاملان رئيسيان للتلاقح الثقافي لكن تضييق الفجوة الهائلة بين الوعي التقليدي الاسلامي والوعي الكوني الحديث يتطلب تأطير هذا التلاقح بوعي لتكثيفه وتسريع وتائره. فبين الوعي الاسلامي الماضوي والوعي الديني المعاصر المتصالح مع قيم العقل سنوات ضوئية.

حققت الصين من التقدم الاقتصادي في عقدين ما حققته بريطانيا في قرنين اساسا بسبب النزع السريع لفتيل قنبلة الانفجار السكاني. هذا هو معيار الوتيرة التي يجب ان تتقدم بها مجتمعاتنا العربية المتأخرة جدا حتى بالقياس الى الصين المتخلفة.

رهان الرهانات هو تحديث التعليم بتبني البرنامج الفرنسي في الثانوي خاصة في الإنسانيات والفلسفة كما فعلت تونس، وتحديث التعليم الديني وتطهيره من النصوص الدينية التي ساهمت حتى الآن في سد الوعي الاسلامي في وجه الحداثة مثل نصوص النرجسية الدينية ونصوص عبادة الاسلاف والنصوص ”العلمية“ التي غدت عائقا لاستقبال واستبطان الحقائق العلمية الحديثة المنافسة لها والنصوص السجالية ضد ”الكفار“. لقد كان الشيخ رشيد رضا، رغم انتكاسة السلفية بعد صدمة إلغاء الخلافة في 1924 بعيد النظر بل ملهما عندما اقترح تفسير ”المنار“ فسخ أحكام ايات السيف باعتبارها مقتصرة على مشركي ويهود ونصارى فترة التوترات والحروب النبوية ضدهم. ومن الضروري، في المقابل، تدريس النصوص الدينية، التي تساعد على إزالة انسدادات الوعي الاسلامي وفتحه لاستقبال ةاستبطان مؤسسات وسلوكيات وعلوم وقيم الحداثة. وفي هذا المنظور أقترح على صناع وأصحاب القرار التربوي تدريس الآيات ”الاممية“ الثلاث في الابتدائي والمتوسط والثانوي والعالي لإزالة انسداد ثنائية الكفر والايمان ورد الاعتبار لـ ”الكافر“ الذي سوته هذه الآيات بالمسلم وست أديانه، ”الباطلة والمهلكة“ كما يزعم محمد بن عبد الوهاب، بالاسلام : ”إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين اشركوا، إن اللـه يفصل بينهم يوم القيامة“ (17 الحج). وهكذا لا يعود الفصل بينهم، أي تصنيفهم الى من هم على الدين الحق ومن منهم على الدين ”الباطل“ شأنا عائدا للمسلمين بل يغدو شأنا خاصا باللـه وحده. وهكذا وضعت هذه الآية حدا لهوس التبشير والرغبة النرجسية-السادية في قيادة البشرية إلى ”الجنة بالسلاسل“ أي بـ -الجهاد والاستشهاد الى قيام الساعة“ الذي تغسل به المدرسة الوهابية أدمغة صغار المسلمين داخل السعودية وخارجها. أما الآيتان الأخريتان اللتان أقرتا المساواة في الاجر عند اللـه وفي النجاة من ”الخوف والحزن“ في الدنيا بين المسلم وغير المسلم فهما : ”إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن باللـه واليوم الآخر وعمل صالحا فلم أجرهم عند ربهم“ (62 البقرة) و”إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن باللـه واليوم الآخر وعمل صالحا فلاخوف عليهم ولاهم يحزنون“ (29 المائدة).

انسداد الانسدادات في الوعي الاسلامي، منذ دخلت الحضارة العربية الاسلامية في طور الانحطاط فتخلت عن العقلانية الدينية  الاسلامية بانتصار الحنبلية وخاصة منذ الحروب الصليبية والذي يشكل عائقا دينيا كبيرا مستبطنا بعمق أعاق حتى الآن استقبال واستبطان حداثة ”الكفر“ هو ”ثنائية الكفر والايمان“ المانوية، الساذجة فكريا والعنصرية دينيا. المؤمن ”المسلم“ سليل خير أمة أخرجت للناس، مكتف بذاته، دينه سيد الاديان هو حق  الحق وهي باطل الأباطيل والفقه، كدينه، في منتهى الكمال ”لغة أهل الجنة“ وكلاهما إذن في غنى عن الاصلاح والتطور والتجديد، أما الكافر فدينه ”باطل ومهلك لصاحبه“ ولغته لغة الانحلال ومؤسساته وقوانينه وعلومه وقيمه وضعية إذن وضعية وكافرة فهي إذن إحدى المنكرات مخالفتها وتغييرها ومحاربتها واجب ديني يثاب فاعله ويأثم تاركه. يقول راشد الغنوشي في معرض تعريف الدستور الذي ستحكم به الدولة الاسلامية في تونس والعالم الاسلامي، ستكون ”محكومة بسلطة التشريع الاعلى الصدر عن اللـه و”تحتكم“ إلى القرآن والسنة والتسليم بهما حد فاصل بين الكفر والايمان (الحريات العامة... ص99).

الآيات الاممية الثلاث مدخل سديد وثمين لتطهير وعي الاجيال المسلمة الصاعدة من ثنائية الكفر والايمان. كما اقترح إبراز الآية 117 الاعراف وتفسير ابن عباس والرازي لها في الصفحة الأولى من كل كتاب مدرسي في التربية الدينية سواء أكانت مرصودة للتعليم العام أو للتعليم الديني لمساعدة وعي الاجيال الصاعدة على استبطانها بنفس القوة التي استبطن بها وعي ضحايا التعليم الديني الظلامي ثنائية الكفر والايمان ”وماكان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون“ يفسرها ابن عباس قائلا : ”إن اللـه لا يعذب على الشرك بل على الظلم“ ويقول الرازي ”ماعامل الناس بعضهم على السداد والصلاح فان اللـه لايعذبهم ولو كانوا كفارا“. وإرفاق هذين التفسيرين بقول المصلح التونسي الشيخ محمد بيرم الاول، ”السياسة الشرعية هي مايكون الناس معه اقرب الى الاصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول ولانزل به وحي“.

تدريس تاريخ الاديان المقارن في التربية الدينية سواء في التعليم العام أو الديني في الثانوي والعالي خاصة كتاب فراس السواح : ”مغامرة العقل الاولى : دراسة في الاسطورة“ وكتاب مؤرخ الاديان المقارن بروفسور الكوليج دو فرانس، جان بوطير و”بابل والكتاب المقدس“ (دار كنعان، دمشق) قدم له كاتب هذه السطور بمدخل عن ”المقاربة العلمية للظاهرة الدينية“، لحقن الوعي الاسلامي الغض بديناميك نظرية التطور الديني سواء في ما يتعلق بتناسل الديانات من بعضها البعض الذي يصل أحيانا إلى حد التماثل كما في حالة تلاقح اليهودية مع الديانتين المصرية والبابلية أو حالة تلاقح الاسلام مع الديانتين المسيحية واليهودية وخاصة هذه الاخيرة حتى ان مؤرخ الحضارات ارنولد توينبي اعتبر ”الاسلام الديانة اليهودية الثانية“ نظرا لكثرة تشابه وتماثل آيات وسور قرآنية مع آيات وإصحاحات توراثية. هكذا يعي المسلم واقع أن الديانات متلاقحة مع بعضها البعض وليست ناسخة لبعضها البعض كما توهم الوعي الاسلامي التقليدي ومازال. والتقدم  خطوة الى الامام بتوعية الوعي الاسلامي المعاصر بواقعة أخرى مهمة هي ان هذا التلاقح الديني تسارع اليوم الى درجة أن بعض الاخصائيين في تاريخ الاديان يتوقعون ان يولد في المستقبل دين تركيبي موحد على غرار المحاولة الجريئة والسابقة لأوانها التي حاولها امبراطور الهند، المغولي محمد أكبر، في القرن 16، بيد أن الدين التركيبي الموحد هذه المرة سيكون محصلة تلاقح ذاتي عضوي بين الديانات تصنعه ثورة الاتصالات والمتزج بين ساكنية الارض سواء بالسياحة أو بالهجرة.

تدريس الكتب الكفيلة بالاسهام في تجديد الفكر الاسلامي وفتح الوعي الاسىمي على الآخر وحداثته في التعليم الثانوي والعالي  وتوفيرها في المكتبات الجامعية. اقترح هنا بعضا منها على سبيل المثال لا الحصر : كتاب المؤرخ المصري عبادة عبد الرحمن ”عهد عمر : نظرة جديدة“، كتب محمد اركون وخاصة ”قراءة في القرآن“، كتب العروي وخاصة ”العقل“، كتب فاطمة المرنيسي وخاصة ”الحريم“ كتب المستشار محمد سعيد العشماوي وخاصة ”الحجاب“، كتب هشام جعيط وخاصة ”الفتنة الكبرى“، كتب جمال البنا وخاصة ”تجديد الفقه“، كتاب عبد الوهاب المؤدب ”أمراض الاسلام“ وكتاب فتحي سلامة ”التحليل النفسي على محك الاسلام“ كتاب قضل عبد الرحمن ”ضرورة تحديث الاسلام“، كتابا مكسيم رودنسن ومكسيم غوركي ”محمد“، وكتاب عبد الكريم خليل عن ”الشريعة“ وكتب قاسم أمين ”تحرير المرأة“ و”امرأتنا في الشرعة والمجتمع“ للطاهر الحداد، وكتاب مصطفى التواتي ”التعبير الديني عن الصراع الاجتماعي في الاسلام“، وكتاب علال الفاسي والطاهر عاشور ”مقاصد الشريعة“ وتفسير المنار.

تكثيف التبادل بين الاسلام العربي والاسلام الاوربي وخاصة الفرنسي العلماني مع الجمعيات الفرنسية الاسلامية العلمانية التي قبلت في قيادتها انطونيت صفير كممثل عن المسيحيين واقترح عليها قبول البير ميمي كممثل لليهود العرب، وايضا مع ”الحركة الاسلامية الجديدة“، التي أنشأها منذ شهرين في فرنسا مفتي مرسيليا الفيلسوف والمجدد للفكر الاسلامي صهيب بن الشيخ والتي حدد لها اهدافا يتعرف كل المصلحين والمجددين للفكر الاسلامي عن انفسهم فيها : انقاد الاسلام من استخدام حركات الاسلام الظلامي له، تكييف الاسلام مع الواقع الدولي، اعتماد الاجتهاد اساسا لتطوير الاسلام وتجديده، التصدي للحركات الظلامية الغريبة عن سماحة الاسلام، ضرورة تعايش جميع الديانات وحوارها. وفي هذا الاتجاه قال مفتي مرسيليا إن حركته تفتح ذراعيها لغير المسلمين للانخراط فيها... وللحركة فرع في الجزائر وسيكون لها قريبا فروع في المغرب وتونس والسعودية...

أصل الآن الى الرهانين الاخرين لمشروع التعليم الديني التنويري الذي اقترحه على نخب العالم العربي، السياسية والثقافية وهما :

رد الاعتبار للمرأة في الاعلام والتعليم الدينيين بإقصاء النصوص التي استبطنت دونيتها ”ناقصة عقل ودين“، وأمرت بضربها واعتبرتها قاصرة أبدية يسوسها الرجل الى الابد ؟ إصدار قوانين أحوال شخصية على الطريقة التونسية وتدارك ثغرة القوانين التونسية، المساواة في الارث بين الرجل والمرأة. تدريس حقوق الانسان في جميع الفروع وفي جميع مراحل التعليم لتحصين وعي الاجيال الطالقة ضد انتهاكها والسكوت على انتهاكها وايضا لتحرير الوعي الاسلامي من قيمتي الحلال والحرام القديمتين اللتين عقمتاه متخصيبه بالقيم الانسانية.

رد الاعتبار للعقل الذي اعتبره التعليم الظلامي، كالمرأة قاصرا ابديا، باقصاء النصوص المعادية له من التعليم وإحياء العقلانية الدينية الاعتزالية والفلسفية وتعزيزها بالعقلانية الدينية الحديثة المتمثلة في الاختصاصات العلمية التي تدرس الظاهرة الدينية في معاهد وجامعات العالم.

ما مدى سلامة الدعوة القائمة على تأصيل مفاهيم ”العقلانية والتفكير والتجديد والاجتهاد“ من داخل الحقل الديني، عوض الاستناد الى فكر الانوار، خاصة أن تاريخنا شهد اجتهادات عدد من الفلاسفة والمفكرين أمثال المعتزلة، الذين أعطوا الاولوية للعقل، وقطعوا الطريق على فكر متحجر يرى في الاقتباس من الغرب أو تبني الافكار الانسانية التي انتج، كفر وخروج عن الدين ؟

العودة الى العقلانية الاعتزالية والفلسفية لن تكون منتجة إلا اذا كانت جزءا من كل هو عقلانية العلوم الانسانية المعاصرة، العقلانية الاسلامية قامت على التأويل العقلي للنص لأن اللـه كما قال ابن رشد، لايمكن ان يعطينا عقولا ويعطينا شرائع مخالفة لها. لكن التأويل للنص الدين لايغني عن دراسة النص من زوايا تاريخ الاديان المقارن، السوسيولوجيا الدينية وعلم النفس والالسنة إلخ، من دون الاضاءات التي تلقيها هذه المعارف، على النص بظل طلسما مغلقا على الفهم العقلاني والحال أن هدف العقلانية الدينية الحديثة هو جعل النص في متناول العقل. لا تستطيع ثقافتها وتعليمها، الذي هو العامل الاوللإعادة إنتاجها، أن يكونا مكتفيين بذاتهما، فتطهير ثقافة ما من الروافد الاجنبية هو حكم عليها بالاعدام لأن التلاقح الثقافي هو قانون تطور الثقافات مثلما قانون الانتخاب الطبيعي، هو قانون تطور الانواع الحية. لآداعي للخوف من اتهام الحركات الاسلامية الظلامية لنا بـ ”الكفر“ يجب أن تكون لنا شجاعة أفكارنا وقناعاتنا مهما كانت النتائج... كلما وصلني تهديد من الغنوشي أقول لنفسي : تعددت الاسباب والموت واحد.

تتحدث عن عوامل ثلاث اعتبرتها مفسرة لسؤال محير، يحاول ان يتبين أسباب لجوء النخب العربية الى تعليم أجيال المستقبل تعليما يتعارض مع مصالحها الموضوعية، من استيطان بعضها بهذا الاسلوب عن شرعية مفتقدة وافتقار بعضها لرؤية استراتيجية في المجال التربوي. وأتساءل الا يمكن ان تكون هذه النخب أنانية، فقد عايشنا في المغرب تجربة مثقفين ومفكرين يدرسون ابناءهم في مؤسسات تعليمية تابعة للبعثات الاجنبية فيما تبح أصواتهم في التجمعات واللقاءات التعبوية، وهي تدعو المواطنين الى تعليم ابنائها تعليما تقليديا حفاظا ”على الهوية“ ؟

القاسم المشترك بين جميع هذه النخب السياسية والفكرية هو الجبن السياسي والفكري. لذلك وغيره من الاسباب فهي عاجزة عن المبادرة الخلاقة وأكثر عجزا عن حل أزمتها. لذلك هي لم تعد تفكر في مستقبل نظامها بل في مستقبلها الخاص، وهذا أحد أسباب فسادها المالي. قادة الحركات الاسلامية مصابون بانفصام الشخصية المتمثل في سياسة الوجهين وبما هم سياسيون -لاسياسيون عقلانيون- فإن وسيلتهم لخداع الجمهور هي الشعارات الشعبوية السهلة جدا، مثلا عباس مدني كان في الثمانينيات يغرغر شعار التعريب الفوري لكن عندما واجهه أحدهم في ندوة صحفية بواقعة أن ابنيه يدرسان في مدرسة البعثة الفرنسية... تلعتم.

أرجو أن تعذر أسئلة صحفي الاهرام العربي الذي استغرب تزامن دعوتك للاصلاح الديني في البلاد العربية مع الدعوة الامريكية في الموضوع، ناسيا أنك دعوت إلى إغلاق جامعة الزيتونة سنة 1956، وتعذر ايضا استغرابي دعوتك لإغلاق هذه الجامعة في سنة 1956، لما كانت الكثير من الدول العربية والاسلامية تبحث عن وسيلة للتخلص من الاستعمار، الذي لم يكن يواجهها فقط بفكر الانوار، مستعينة في حشد عزائم الناس بالخطاب الديني. فالاستغراب هنا ليس بالضرورة نابعا من ”اثنية مركزية أو نرجسية جمعية“ تعتبر نفسها النمودج الذي يقلده الآخرون.

عندما طالبت بغلقها كانت تونس مستقلة، والذي أغلقها، ربما استجابة لندائي، هو أب تونس الحديثة بورقيبة. استخدام الجهاد ضد ”الكافر“ في تحرير الجزائر هو احد الاسباب التي أوصلتها إلى حيث الآن : أغنى بلد مغاربي بالموارد الطبيعية والبشرية وأكثر بؤسا واهتزازا للاستقرار. ومن غير المستبعد أن تعرف الدولة الفلسطينية إذا قامت مصيرا ربما اسوأ من المصير الجزائري لنفس السبب : فيتنام وإفريقيا الجنوبية لم تتحررا بالجهاد وهما أحسن حالا من البلدان العربية التي تحررت به.

شعارنا الاجدى تاريخا هو أن نتحدث مع جمهورنا بلغة الحقيقة حتى ولو لم يستسغها في البداية، لكن مادام خطابنا متطابقا مع المهام الحقيقية التي تطرحها الحقبة التاريخية.. فلابد للجمهور من أن يتقبله بعد أن ييأس من تجار الأوهام الدينية.


--------------------------------------------------------------------------------

أجرى الحوار : المختار عماري
”الاحداث المغربية“ - غشت 2003

 



#العفيف_الأخضر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عوائق توطين الديمقراطية في المجتمعات العربية
- العلمانية الفرنسية ليست ضد الدين
- ردا علي الشيخ عبدالقادر محمد العماري إن الحق والرجوع إليه خي ...
- لماذا النرجسية الدينية عائق ذهني لاندماجنا في الحداثة؟
- في سبيل تعليم ديني تنويري
- الإسلاميون والمثقفون: مشروع اضطهاد
- كيف تضافر جرحنا النرجسي ونرجسيتنا الدينية علي تدمير مستقبلنا ...
- كيف نجفف ينابيع الإرهاب؟
- تجفيف ينابيع ثقافة الجهاد والاستشهاد
- الحرب الامريكية علي العراق: أين الخلل، وما هي الدروس المستفا ...
- العراق: إلغاء الجهاد من برنامج التعليم
- ساعدوا العراق علي الانتقال من قوانين الغاب إلي قوانين العقل
- محاولة لفهم دلالة الزلزال العراقي
- الديمقراطية تقتضي الفصل بين المواطن والمؤمن
- هل تقليد العدو هو السبيل إلي الحداثة؟
- لماذا يرفع سيزيف العربي الحجر الثقيل ليقع على قدميه؟
- ماذا قالت لي الصواريخ المتساقطة عل عاصمة الرشيد؟
- لماذا كنت أول من طالب صدام بالاستقالة – الإقالة ؟
- راشد الغنوشي وأفكاره الثابتة
- الثقافة الغربية مطلوبة


المزيد.....




- إيلون ماسك ونجيب ساويرس يُعلقان على حديث وزير خارجية الإمارا ...
- قرقاش يمتدح -رؤية السعودية 2030- ويوجه -تحية للمملكة قيادة و ...
- السعودية.. انحراف طائرة عن مسارها أثناء الهبوط في الرياض وال ...
- 200 مليون مسلم في الهند، -أقلية غير مرئية- في عهد بهاراتيا ج ...
- شاهد: طقوس أحد الشعانين للروم الأرثودكس في القدس
- الحرب على غزة| قصف إسرائيلي مستمر وبلينكن يصل السعودية ضمن ج ...
- باكستان.. مسلحون يختطفون قاضيا بارزا ومسؤول أمني يكشف التفاص ...
- كلاب المستوطنين تهاجم جنودا إسرائيليين في الخليل
- بلينكن يصل إلى السعودية للاجتماع مع وزراء خارجية دول مجلس ال ...
- ما علاقة الحطام الغارق قبالة سواحل الأردن بالطائرة الماليزية ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - العفيف الأخضر - رهانات التعليم الديني التنويري ثلاثة : رد الاعتبار للآخر وللمرأة وللعقل