أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - العفيف الأخضر - كيف نجفف ينابيع الإرهاب؟















المزيد.....


كيف نجفف ينابيع الإرهاب؟


العفيف الأخضر

الحوار المتمدن-العدد: 504 - 2003 / 5 / 31 - 05:26
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


الجمعة 30 مايو 2003 05:42 

 

• ضرورة تجريم فتاوى إهدار دماء المسلمين وغير المسلمين.
• وظيفة الفتوى تجفيف الضمير الأخلاقي لتحويل الانتحاري إلي صاروخ موجه.
• أوامر الإمبراطور الياباني للانتحاري " لا تعد حباً " وتعليمات هتلر للجلادين بحرق اليهود أحياء كانت فتاوى مماثلة في وظيفتها لفتاوى فقهاء الإرهاب الإسلامي.
• التعليم الديني الموجود يغذي التعصب الذي هو ينبوع الإرهاب.
• التعليم الديني المنشود يجب أن يغذي التسامح والفكر النقدي وحوار الثقافات والديانات.
• فقهاء الإرهاب المغاربة أفتوا ببتر حلمة ثدي المرأة المتبرجة.
• الشيخ الزمزمي أفتى بجواز قتل بن بركة ثلاث مرات والغنوشي أفتي بتحكيم السيف في رقاب الحكام المسلمين علي غرار اغتيال السادات.
• إعلام وتعليم دينيان بديلان هما الكفيلان بتجفيف ينابيع الإرهاب الدينية.

 يؤكد " التقرير العربي عن التنمية البشرية لسنة 2002 " أن: "معدل زيادة الدخل لكل فرد من سكان العالم العربي، خلال العشرين سنة الماضية، كان الأكثر انخفاضاً في العالم باستثناء إفريقيا جنوب الصحراء. إذا تواصل الاتجاه الحالي للنمو 5،0 % سنوياً في المتوسط، فينبغي للمواطن العربي 140 عاماً ليضاعف دخله مقابل أقل من عشر سنوات في مناطق العالم الأخرى". نعم لابد من مائة وأربعين سنة، في المتوسط، ليستطيع سكان العالم العربي، الغني بالماء والنفط، مضاعفة دخولهم ! لماذا ؟ لأن هذا العالم مكبل بسلسلة من الأمراض المزمنة: هو مريض بنصفه المشلول، المرأة، التي حكم عليها فقه القرون الوسطي بأن لا تنتج شيئاً آخر سوي القنبلة الديموغرافية التي تحكم بالاعدام علي كل جهد تنموي، مريض بفقدانه كل مصداقية دولية في حقبة تمثل فيها المصداقية رأس مال دبلوماسي ثمين، مريض بنخبه الفاقدة لكل شجاعة سياسية أو فكرية، أو دينية، مريض بدكتاتورياته الدينية والدنيوية، المدنية والعسكرية، الطائفية والعائلية العاجزة عن حل أزماته وحتى عن إدارتها بنجاح لإنضاج شروط حلها، مريض بمعارضاته العاجزة بدورها عن أن تكون بديلا قادراً علي امتلاك مشروع مجتمعي وعاجزة حتى عن إعادة تعريف نفسها كقوة اقتراح ومبادرة جديدة أكثر واقعية وعقلانية من النخب السائدة، مريض بغياب تداول الأجيال علي الحكم فيه، مريض بتعليمه الذي يقدم له سنوياً هدايا مسمومة بملايين أنصاف الأميين والمتعصبين، مريض بعجزه الفضائحي عن تحديث الإسلام بعد أن عجز طوال قرنين عن أسلمة الحداثة المستحيلة وأخيراً مريض بالإرهاب الذي غدا بعد الهجرة السرية السلعة الثانية التي يهرب منها ما زاد عن حاجته إلي العالم الذي يزداد كل يوم رهاباً من سلعتيه غير المرغوبتين. كل ذلك جعل العالم العربي، في المعادلة الدولية، كل يوم أقل وزناً. ويقضي الأمر حين تغيب تيم / ولا يستأذنون وهم حضور. كما جعل _ وهي بارقة الأمل الوحيدة _ شبابه وقواه الحية بما في ذلك جيوش صدام وميليشياته وحرسه الجمهوري يرفضون قتال الجيوش الأمريكية _ البريطانية و 80 % من سكانه، حسب إستطلاع فضائية " الجزيرة " يرحبون بأي تدخل عسكري خارجي يخلصهم من كابوس الحكومات التي كرست عبقريتها الشريرة لمنع التداول بالقضاء سياسياً أو جسدياً عن بديلها الممكن.
 واشنطن تهدد الآن الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتحريك انتفاضة شعبية فيها لإسقاطها وبإمكانها، بعد العراق، أن توجه التهديد نفسه لتسعة علي عشرة علي الأقل من حكام العالم العربي ! وقديماً قال شاعر: أنا لا أذود الطير عن شجر / قد بلوت المر من ثمره!
 قبل 11 / 9 كان العالم يخشى تغيير نخب العالم العربي السائدة خشية استبدالها بما هو أسوأ منها. أما بعد هذا التاريخ فقد اتضح بأنه لا يوجد ما هو أسوأ منها. وهكذا وجدت نفسها فجأة أمام خيارين أحلاهما مر: إما أن تشرب حليب السباع فتنقلب علي نفسها وإما أن يتقدم العالم لقلبها.
 نخب الكتلة السوفيتية كابدت عجزاً مشابهاً طوال عقود لكنها استطاعت بعد سقوط جدار برلين و سقوط الجمود الاديولوجي الماركسي _ اللينيني معه الذي كان يشل قواها عن الانقلاب علي نفسها وتجديد دمائها ومشروعها المجتمعي أن تتحرر منه. فهل تستطيع نخب العالم العربي، بعد سقوط بغداد دون قتال، أن تسقط أيضاً جمودها الديني الأسطوري الذي أفقدها كل شجاعة سياسية _ دينية _ مثل تلك التي تحلت بها النخبة البورقيبية غداة الاستقلال _ لتنفيذ إصلاحات باتت منذ الآن قضية حياة أو موت لمستقبل شعوبها ؟ المناسبات المأساوية هي عادة أفضل اللحظات التاريخية للإجابة علي الأسئلة المؤجلة. فهل سنغتنم الفرصة الذهبية التي قدمتها لها العمليات الانتحارية الأخيرة في الرياض والدار البيضاء للمبادرة إلي تجفيف ينابيع الإرهاب الدينية بالتدابير الأولية _ لكن البالغة الأهمية _ التالية: تجريم فتاوى التحريض علي قتل المسلمين وغير المسلمين، الاعتراف للمرأة المسلمة وغير المسلمة بحقوقها التي كفلتها لها مواثيق حقوق الإنسان وحرمتها منها الشريعة كالحقوق المدنية وحق المرأة المسلمة في المساواة في الشهادة والإرث وحق المرأة غير المسلمة في إرث زوجها وأبنائها المسلمين وحضانة أبنائها من زوجها المسلم إذا ترملت... ؟ الاعتراف للأقليات الدينية، الطائفية والأثنية واللغوية بحقوقها المهدورة علي نحو لا مثيل له خارج العالم العربي والإسلامي، فتح كوة أمل أمام الشباب اليائس من المستقبل وإعادة هيكلة شاملة للتعليم عامة وللتعليم الديني خاصة؟
 الانتحاري _ الاستشهادي مكتئب. أول أعراض الاكتئاب فقدان التعلق بالحياة وتالياً الميل الجارف إلي الانتحار والنحر أيضاً. ليسوا قلة المكتئبون الذين ينتحرون وينحرون معهم ذويهم دونما حافز ديني علي ذلك. تقوم فتوى إهدار الدماء بوظيفتين: الأولي تأجيج ما يسميه علم النفس "الحقد البدائي " أو الفطرة العدوانية التي ‘فطر الناس عليها. فمن الثابت علمياً اليوم أن الطفل عند الولادة مزود بطباع الإنسان منذ عشرة آلاف عام، حسبك أن تقدم له عصفوراً البيادر إلي فصل رأسه عن جسده، والثانية تجفيف ضمير القاتل الأخلاقي بتحريره من واجب إحترام الحياة البشرية. حياة الانتحاري الفاقدة للمعني تكسبها الفتوى أسمي المعاني الدينية:
 الشهادة. قلما عرف في حياته الشهوة فتعده بحوريات تعود لهن بكارتهن بعد كل مضاجعة وغالباً ما يتداول مع أخوته الكثيرين علي فراش واحد بمعدل 3 ساعات لكل واحد منهم فتقدم له الفتوى شيك بدون رصيد بسبعين قصراً في الجنة ! وباختصار تسمي جريمته جهاداً وانتحاره شهادة بكل مزايا الجهاد والاستشهاد لأسرته في الحياة وله هو نفسه بعد الممات. استشهد المحلل النفساني جرار ماندل في كتابه " تاريخ للسلطة " بمشهد من فيلم "وصلت يا أيكرا" عندما يقول ايف مونتان للجمهور: "أزف إليكم هذا الخبر السيئ ثلثا المتحضرين يتحولون بين دقيقة وأخرى إلي جلادين بشعين بمجرد أن تطلب منهم السلطة ذلك ودونما إرغام"!
 جلادو معتقلات الموت النازية كانوا يرمون باليهود في أفران الغاز بضمير مطمئن لأن سلطة المرشد "الفوهر " أفتت لهم بذلك، والانتحاري الياباني ينفذ حرفياً "فتوى" آمريه باسم الإمبراطور _ الإله "لا تعد حياً" فيحطم طائرته في سفن العدو الأمريكي!
وهكذا يمكن القول أنه ما من جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية إلا ووراء إقترافها فتوى. سلطة الفتاوى الدينية هي التي زينت للانتحاريين المسلمين ارتكاب جرائمهم. الدولية الإسلامية بقيادة القرضاوي أفتت للانتحاريين بقتل النساء والأطفال اليهود بذريعة أن: " لا وجود لمدنيين في إسرائيل فكل سكانها جنود احتياط " إذن محاربون للإسلام ! وكيف لا يكرر الإرهابيون مأساة 11 / 9 في كل بلد يتسللون إليه عندما يفتى لهم الشيخ سفر عبد الرحمن الحوالي بأن مأساة 11 / 9 هي مجرد " معاملة بالمثل " جائزة شرعاً وكيف لا يقتلون كل أمريكي يعترض سبيلهم عندما يفتي لهم الشيخ علي بن الخضير بأن كل الأمريكيين محاربون للإسلام: " يجوز قتل من قاتل منهم ومن لم يقاتل كالشيخ الهرم والأعمي والذمي باتفاق العلماء " !
وكيف لا يقتل الانتحاري أي حاكم مسلم يقع في مرمي سلاحه عندما يقول له الشيخ راشد الغنوشي:
" فالأمراء المتحدث عنهم في النصوص هم أمراؤنا " أما الحكام المسلمون المعاصرون " المتمردون علي الشريعة فهم أذناب الشيطان " لذلك وجب تحكيم السيوف في رقابهم ! أو عندما يقول له الشيخ عبد الباري الزمزمي في الأسبوعية " التجديد "، لسان " حزب العدالة والتنمية " المندمج ظاهرياً في المجتمع السياسي المغربي بنوابه في البرلمان: المهدي بن بركة ليس شهيداً " فكيف يكون شهيداً من لو جاز قتله ثلاث مرات لكان ذلك جائزاً في شرع الله ؟"
 من ترفع عنهم مثل هذه الفتاوى الإرهابية الشعور الصحي بالذنب حيال جريمة القتل ومن يغسل مثل هذا الإعلام المسموم أدمغتهم لا يتورعون عن قتل " أطفال المسلمين إذا احتمي بهم الكفار " كما علمهم ذلك فقه القرون الوسطي الذي مازال يسمم وعيهم !
خطبة الجمعة ومواعظ الدعاة تلعب نفس دور الفتاوى والإعلام: "أثناء وقوع الجريمة [ في الدار البيضاء ] قال الكثيرون أن رائحتها كانت في الأجواء [.. ] من خطب الجمعة ومواعظ دينية وأشرطة سمعية بصرية وجماعات دينية (... ) تعتبر تارك الصلاة كافراً وتحرم الموسيقي وتوصي ببتر حلمة ثدي المرأة المتبرجة"
( المختار عماري: الأحداث المغربية 20 / 5 / 2203 ). "تكفي العودة إلي بعض مؤلفات رموز السلفية الجهادية وتصريحاتهم الصحفية كما هو حال أبو عبيدة، عبد الكريم الشاذلي، الذي يعتبر الاحتكام إلي الدساتير شركاً ووضع الدساتير من الثمار الخبيثة للعلمانية التي هي الجاهلية المعاصرة [... ] والبرلمان ونوابه أوثان والإسلام في المغرب يعيش مؤامرة باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان" ( يونس دافقير: نفس المصدر السابق ).
في السعودية 50 ألف مسجد حول المتأسلمون كثيراً منها إلي منابر للتحريض علي إهدار دماء المسلمين وغير المسلمين. طردت الحكومة السعودية منهم 27 / 5 / 2003 _ 1710 إمام وخطيب جمعة وداعية ومؤذن وهو مؤشر إيجابي علي الإتجاه إلي إسكات الدعاية إلي القتل. لكن لا شيء يمنع الإرهابيين المهووسين بالقتل من التسلل إليها ليذكروا فيها أسم بن لادن بدلاً من اسم الله. ربما كان الحل الأنجع هو غلقها في وجوههم كما فعلت تونس في 1991 عندما أغلقتها في وجه الإرهاب المتستر بالإسلام وفتحها للصلاة فقط... لأن الإسلام السياسوي جرد المساجد من وظيفتها الأصلية كأماكن للعبادة ليحولها إلي أوكار للإرهاب.
من أين جاءت هذه الفتاوى وخطب الجمعة ومواعظ الدعاة ودعاية بعض الإعلاميين ؟ وكيف جندت الانتحاريين لتنفيذها بضمير مطمئن ؟ وكيف أوجدت جمهوراً يهلل لهم ؟ الأسباب عدة أشدها خطورة الإعلام المتأسلم والتعليم المنحط والتعليم الديني ذو المناهج الفقهية العتيقة والمدرسين الذين تشربوا هذا التعليم بدورهم والذين تنتمي شريحة واسعة منهم إلي تنظيمات الإسلام السياسوي. وهكذا فالإعلام والتعليم يتعاونان علي غسل أدمغة التلاميذ والطلبة من كل ذرة عقل ليتنافسا علي تلويثها بفقه القرون الوسطي وخاصة أكثر مدارسه تعصباً: الحنبلية. تأثر هذا الفقه كثيراً بمناخات الحروب الصليبية الجهادية وترعرع في منتصف ليل الحضارة العربية الإسلامية عندما ملأ خفافيش الفقهاء المتعصبين ساحتها فكفروا المنطق والفلسفة والمعتزلة والأشاعرة والشيعة الذين أفتى الفصامي ابن تيمية بأن " من شك في كفرهم فقد كفر " وأغلقوا باب الاجتهاد واضعين بذلك حداً حاسماً لفقه الدراية لحساب فقه الرواية وعسكروا الفقه واختزلوا 6232 آية قرآنية إلي آيات القصاص والسيف التي لا تتجاوز 448 آية والحال أن المصحف ليس مدونة جزائية ولا موسوعة للعلوم الحربية أو للفزياء الفلكية أو للجغرافيا أو للتاريخ أو للطب بل هو حصراً كتاب روحي كما قالت الفقيهة المصرية بنت الشاطئ منذ 1965 لكن صوتها لم يجد آذاناً صاغية إلا لدي النخبة التونسية. لماذا. لأنها الوحيدة التي تسلحت بالشجاعة السياسية والفكرية والدينية فطورت أفكار محمد عبده وتلامذته إلي أقصي منطقها الإصلاحي: القراءة التاريخية للقرآن. أي الاجتهاد في ما فيه نص لتكييف الإسلام مع متطلبات الحداثة. ثم خصبت الإصلاح الإسلامي بفلسفة الأنوار الفرنسية التي أحلت قوانين العقل محل قوانين الغاب والقيم الإنسانية الكونية محل القيم الإثنية والدينية المتعارضة مع حقوق الإنسان والمواطن وأخضعت النقل للعقل أي للفكر النقدي. لكن العقل ليس في حالة حرب مع الدين بل يفهمه علي ضوء العلوم المرصودة لدراسته كتاريخ الأديان المقارن والسيوسيولوجيا الدينية وعلم النفس... لكن الدين الذي لا تخضع أحكامه الدنيوية للفكر النقدي ولا يؤطره العقل بقيمه وعلومه ومؤسساته يسقط في التعصب أي يتحول إلي ظلامية وتفتيش في الداخل وإرهاب في الداخل والخارج علي غرار ما تري في كثير من البلدان العربية والإسلامية. ما العمليات الانتحارية في الرياض والدار البيضاء باليوم وفي نيويورك وواشنطن بالأمس إلا إحدى تجليات انفلات النقل من رقابة العقل بمساعدة الإعلام والتعليم السائدين.
رغم مأساة 11 / 9 وقبلها إغتيال السادات وفرج فوده ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ واصلت النخب العربية، المدمنة علي سياسة النعامة، غسل أدمغة شبابها بهذا الفقه الميت والمميت. فما العمل لقلب الإتجاه ؟ حتى الآن مازال الرهان علي أن تقرأ النخب العربية والإسلامية مهامها المقرؤة والمرئية علي أرض الواقع اشكالياً. لأن دلائل عدة تتضافر يوماً بعد يوم لتشهد علي عجزها العميق عن حل أزماتها المزمنة. من هنا ضرورة تدخل المجتمع السياسي الدولي والمجتمع المدني العالمي ليساعد النخب الحديثة علي فرض تعليم وإعلام عقلانيين بديلين للإعلام والتعليم السائدين.
نجاح تدخل الاتحاد الأوربي لإرغام ملالي طهران العتاة علي " تعليق " حد الرجم مؤشر واعد علي احتمال نجاح تدخل جماعي للدبلوماسية الدولية والإعلام العالمي والمجتمع المدني العالمي كمنظمة العفو الدولية والمنظمة الأمريكية لحقوق الإنسان وجمعيات حقوق الإنسان في البلدان العربية والإسلامية والمنظمات النسائية في كل مكان لفرض إعلام وتعليم يهيكلان المخيال الجمعي بقيم حقوق الإنسان والمواطن واحترام العقل بما هو قيمة القيم وتعزيز مبدأ الواقع علي حساب التخييلات الهاذية وغرس فكرة الدولة _ الأمة ضداً علي وهم الخلافة الإسلامية الفصامي واحلال التضامن الحديث المتطابق مع القيم الإنسانية محل التضامن البدائي الإثني والديني الذي يلخصه شعار " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً " !
هذا التضامن الديني هو اليوم في البلدان العربية المحرك الأول للجهاد والاستشهاد. معظم مخططي ومنفذي العمليات الانتحارية داخل البلدان العربية والإسلامية وخارجها بما في ذلك العمليتين الأخيرتين في جدة والدار البيضاء هم من " الأفغان العرب " الذين هبوا للجهاد في أفغانستان والبوسنة والشيشان استجابة لنداء التضامن الديني بعيداً عن فكرة الوطن والدولة الأمة لأن الفقه العتيق علمهم أن المسلمين أمة واحدة وأن ولاء المسلم هو للدين لا للوطن وأن تعاون المسلم مع غير المسلم خدمة لمصالح مشتركة أو تحالف المسلم مع غير المسلم لرد عدوان مسلم ناقض من نواقض الإيمان: زعيم الإسلاميين الكويتيين قال أنه لم يعارض ضم صدام للكويت إلا لأن صدام لم يكن مسلماً أي أنه لو كان أمير المؤمنين الملا عمر هو الذي غزا الكويت لأستقبله بالأحضان ! موقفه الذي يعتبر " خيانة " بمفهوم الدولة _ الأمة مطابق للشرع بمفهوم الفقه الإسلامي العتيق لأن مفهوم الوطن لم يكن معروفاً في القرون الوسطي. لأن الفقه الإسلامي عجز عن مواكبة التطورات التاريخية المتسارعة التي بدأت مع العصور الحديثة فإن الإسلام التقليدي والسياسوي اليوم يعيش خارج الزمان !
النواة الصلبة في فقه الإرهاب المعاصر الانطوائى هي الانغلاق النرجسي علي " نقاء الهوية ": الولاء غير المشروط للمسلمين المتأسلمين فضلاً عن ذلك والبراء المطلق من غير المسلمين سواء أكانوا أفراداً أو دولاً أو منظمات دولية كمنظمة التجارة العالمية أو منظمة الصحة العالمية وحتى الأمم المتحدة التي طالب بن لادن الدول الإسلامية بالانسحاب منها. عقيدة " الولاء والبراء " الانغلاقية قاسم مشترك بين جميع حركات الإسلام السياسوي الانغلاقية لذا قال عنها أيمن الظواهري في كتابه " فرسان تحت راية النبي " أنها هي " هدفنا الأساسي" أما الأهداف الأخرى مثل تحرير فلسطين فهي " أهداف ثانوية " تبنتها القاعدة لكونها مفهومة من " جماهير الأمة " بينما عقيدة الولاء والبراء " غير مفهومة منها " !.
 فما هي النتيجة العملية للإيمان ب " الولاء والبراء " هي وجوب القطيعة السياسية، الدبلوماسية، الاقتصادية والثقافية مع غير المسلمين واعتبار البلدان غير المسلمة " دار حرب " وسكانها " بمن فيهم الأعمي والمقعد " بل وحتى ملايين المسلمين المقيمين أو المواطنين فيها " إذا كانوا يدفعون الضرائب " محاربين للإسلام إذن لا أمان لهم !.
عقيدة الولاء والبراء من صميم فقه القرون الوسطي ومن أجلها نسخ هذا الفقه أجمل آية أممية في القرآن:
"إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين: من آمن بالله واليوم الآخر وعمل عملاً صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم" 62 / 2. القاسم المشترك هو الإيمان و "العمل الصالح" لصالح الإنسان والباقي تفاصيل.
الإعلام والتعليم الدينيان البديلان المرصودان لتجفيف ينابيع الإرهاب الدينية يجب أن ينطلقا من إعادة الاعتبار لهذه الآية التي يجب أن تنسخ الآيات السجالية مع اليهود والنصارى المناقضة لها. فهي تؤسس حقاً لشرعية حوار الأديان كافة بما في ذلك مع الصابئة: عبدة الكواكب. نسخ هذه الآية أسس لصدام الديانات والثقافات واحترابها حتى انتصار الإسلام عليها جميعاً ب "الجهاد إلي قيام الساعة" أو الفناء المتبادل.
الإعلام والتعليم البديلان يجب أن يوعيا الأجيال الطالعة وجمهور المسلمين بأن القرن الحادي والعشرين إما أن يكون قرن حوار الديانات والثقافات أي الشراكات الإقليمية والدولية والمواطنة العالمية أو لا يكون. لأن التحديات كونية ومشتركة والرد الصائب عليها لن يكون إلا كونياً ومشتركاً فالإنسانية المعاصرة علي ظهر قارب واحد في بحر هائج. طريق نجاتها هو التعاون والتلاقح والشراكة والاندماج الاقتصادي والسياسي والثقافي. أما عقيدة "الولاء للمسلمين والبراء من غير المسلمين" فهي أفضل وصفة للانتحار الجماعي للمسلمين إذا لم يقطعوا معها ويجففوا إعلامياً وتعليمياً منابعها. فهل هم فاعلون بعد جدة والدار البيضاء أم سبق السيف العذل؟
 
[email protected]
إيلاف خاص

 



#العفيف_الأخضر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجفيف ينابيع ثقافة الجهاد والاستشهاد
- الحرب الامريكية علي العراق: أين الخلل، وما هي الدروس المستفا ...
- العراق: إلغاء الجهاد من برنامج التعليم
- ساعدوا العراق علي الانتقال من قوانين الغاب إلي قوانين العقل
- محاولة لفهم دلالة الزلزال العراقي
- الديمقراطية تقتضي الفصل بين المواطن والمؤمن
- هل تقليد العدو هو السبيل إلي الحداثة؟
- لماذا يرفع سيزيف العربي الحجر الثقيل ليقع على قدميه؟
- ماذا قالت لي الصواريخ المتساقطة عل عاصمة الرشيد؟
- لماذا كنت أول من طالب صدام بالاستقالة – الإقالة ؟
- راشد الغنوشي وأفكاره الثابتة
- الثقافة الغربية مطلوبة
- هل ينقلب صدام على نفسه ؟
- أميركا : هل حوّلتها سياستها الخارجية ضحيةً آثمة ؟
- متى سنقيم الحداد على ما فات ومات؟
- وعد الحرب على العراق ووعيدها؟
- المثقفون والعمليات الانتحارية : هذيان جماعي !
- بشائر انقلاب في الفكر الإستراتيجي الفلسطيني
- لماذا نحن جبناء فكرياً وسياسيا؟
- رسالة لـ-حماس-: متى تنقضون حلفكم غير المكتوب مع شارون ؟


المزيد.....




- تربية أخطبوط أليف بمنزل عائلة تتحول إلى مفاجأة لم يتوقعها أح ...
- البيت الأبيض: إسرائيل أبلغتنا أنها لن تغزو رفح إلا بعد هذه ا ...
- فاغنر بعد 7 أشهر من مقتل بريغوجين.. 4 مجموعات تحت سيطرة الكر ...
- وزير الخارجية الفرنسي من بيروت: نرفض السيناريو الأسوأ في لبن ...
- شاهد: أشباح الفاشية تعود إلى إيطاليا.. مسيرة في الذكرى الـ 7 ...
- وفد سياحي سعودي وبحريني يصل في أول رحلة سياحية إلى مدينة سوت ...
- -حماس- تنفي ما ورد في تقارير إعلامية حول إمكانية خروج بعض قا ...
- نائب البرهان يبحث مع نائب وزير الخارجية الروسي تعزيز العلاقت ...
- حقائق عن الدماغ يعجز العلم عن تفسيرها
- كيف تتعامل مع كذب المراهقين؟ ومتى تلجأ لأخصائي نفسي؟


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - العفيف الأخضر - كيف نجفف ينابيع الإرهاب؟