أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - نايف حواتمة - خارطة الطريق من خطة للتنفيذ إلى ورقة للتفاوض زيارة عباس شارون لواشنطن دوران في الجزئيات الصغيرة















المزيد.....


خارطة الطريق من خطة للتنفيذ إلى ورقة للتفاوض زيارة عباس شارون لواشنطن دوران في الجزئيات الصغيرة


نايف حواتمة

الحوار المتمدن-العدد: 564 - 2003 / 8 / 15 - 05:19
المحور: القضية الفلسطينية
    


خارطة الطريق من خطة للتنفيذ إلى ورقة للتفاوض
زيارة عباس  شارون لواشنطن دوران في الجزئيات الصغيرة

 

 ( 1 من 2 )

 لم يعد من الممكن الحديث عن "خارطة الطريق" دون ربط ذلك بما جرى في قمتي شرم الشيخ والعقبة، حيث جاءت النتائج لتلقي ظلالاً من الشك على مدى جدية تعاطي إدارة بوش مع قضايا الصراع العربي ـ الإسرائيلي، والفلسطيني ـ الإسرائيلي، وبدلاً من اتخاذ هذه الإدارة موقفاً متوازناً يمتلك الحدود الدنيا من النزاهة والحيادية، عادت إلى ثابت سياساتها التي مارستها منذ وصولها إلى البيت الأبيض، وعماد هذه السياسات خوض الحرب لصالح "إسرائيل"، فمارست بالتناغم مع حكومة الإرهابي شارون ضغوطاً كبيرة على الدول العربية، وعلى الجانب الفلسطيني بشكل خاص، نزولاً عند الشروط الشارونية الأربعة عشر على خطة " خارطة الطريق" التي تنسف عملياً جوهر هذه الخطة وتحيلها إلى ورقة تفاوضية نقطة نقطة في مجرى التطبيق العملي، بدلاً من التنفيذ المتزامن تحت رقابة اللجنة الرباعية الدولية كما تنص الخارطة نفسها.
 تعتقد الإدارة الأمريكية المنحازة نسبياً للفهم الشاروني للتسوية بأن الظروف المستجدة بعد الاحتلال الأنكلو ـ أمريكي للعراق وما آل إليه وضع النظام الرسمي العربي جراء ذلك من تفاقم التفكيك والتآكل، مترافقاً مع نجاحها في فرض " قيادة جديدة ومختلفة " للشعب الفلسطيني (حسب الزعم الأمريكي ـ الإسرائيلي) باتت تمكن من فرض تسوية حسب المقاييس والشروط اليمينية الإسرائيلية، وحصر الرقابة بالإدارة الأمريكية، وبعبارة أخرى الانفراد الأمريكي كما كان منذ مفاوضات واشنطن 1991 ـ 1993 إلى أوسلو 1993 ـ 1999 وحتى يومنا، ومثلت نتائج هاتين القمتين بداية تدهور خطير نحو مسار مدمر يحاول فرض المفهوم الإسرائيلي لخارطة الطريق بما يفرغها من مضمونها ويحولها إلى مجموعة إملاءات بجوهرها أمنية مفروضة عن الجانب الفلسطيني، في حين تنصَّل وبشكل كامل الجانب الإسرائيلي من معظم الاستحقاقات المترتبة عليه حسب ما ورد في خارطة الطريق،فضلاً عن تقديمه خطاب قرار حكومة شارون في قمة العقبة الذي ربط "خارطة الطريق" بالشروط والتفاهمات الأربعة عشر مع إدارة بوش، وهو ما زاد من عدم توازنها وهي غير متوازنة أصلاً.
 إن ما سعى إليه بوش وشارون في قمتي شرم الشيخ والعقبة لا يعدو كونه محاولة مكشوفة للقفز عن قضايا الصراع الأساسية الملحة والشائكة نحو طلبات المرحلة الثالثة، شطب حق العودة مقدماً، عودة سفراء مصر والأردن، عودة العمل الطبيعي لمكاتب الاتصال والمكاتب التجارية الإسرائيلية في العواصم التي افتتحت بها سابقاً ومبادرة باقي الدول في اتخاذ خطوات تطبيعية، وقبل حلّ أيّ من أركان الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي الواردة في المرحلة النهائية (القدس، الحدود، اللاجئين، الاستيطان … الخ).
لهذه الأسباب خطة طريق غير متوازنة:

 خطة الطريق حسب منطوق نصها وجدولتها الزمنية أتت غير متوازنة، لأنها تقدم " الأمني على السياسي"، وتغفل الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي المقدمة منها الدولة المستقلة كاملة السيادة، اللاجئين، الحدود، الاستيطان، الأسرى، القدس، وتدين حق شعبنا المشروع في مقاومة الاحتلال والاستيطان.
 جاء في مقدمة خارطة الطريق النص الوارد حرفاً (إن حلاً للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي على أساس دولتين يمكن تحقيقه فقط من خلال إنهاء العنف والإرهاب، وعندما يكون للشعب الفلسطيني قيادة تعمل بحزم ضد الإرهاب … الخ). وورد في البند السابع من المرحلة الأولى ( وتدعو "المقصود القيادة الفلسطينية" إلى الوقف الفوري للانتفاضة المسلحة وجميع أعمال العنف ضد إسرائيل في كل مكان، وتكف جميع المؤسسات الفلسطينية عن التحريض ضد إسرائيل). وفي هذا جورٌ واضح على الشعب الفلسطيني، حيث أن مضمون هذين النصين يُثَبّت المفهوم الإسرائيلي الأمريكي القائل بأن النضال الوطني التحرري الفلسطيني بكل أشكاله: انتفاضة، مقاومة مسلحة، عمل دعاوي، يندرج تحت تصنيف الإرهاب المدان والغير مبرر.
 وهنا لا بد من القول بأن الإدارة الأمريكية التي أفرجت عن خطة الطريق بعد أخذٍ ورد وطول انتظار، دام لأكثر من ستة أشهر تدرك أن فعل الانتفاضة والمقاومة وتراكماتها الوطنية الفلسطينية وتأثيراتها عكست نفسها على الحالة العربية شعوباً وأنظمة ( قرارات قمة القاهرة أكتوبر/ تشرين أول 2000 السياسية والمالية لدعم الانتفاضة والمقاومة رسمياً وشعبياً، عمان مارس/ آذار 2001، بيروت مارس/ آذار 2002 مبادرة السلام العربية).
 وأدت الانتفاضة إلى تفاعلات دولية عكسها العديد من قرارات مجلس الأمن وأهمها: القرار 1397 الذي أقر للمرة الأولى وبالإجماع حق الشعب الفلسطيني بدولة فلسطين بحدود 4 حزيران/ يونيو 1967، خطاب رؤية بوش في 24/6/2002، وأمام تفاعلات الانتفاضة وانهيار المسيرة الأوسلوية تنامى دور الاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة، روسيا لأول مرة بعد عشر سنوات من التفرد الأمريكي بمصائر الصراع في الشرق الأوسط، منذ مؤتمر مدريد 31 أكتوبر/ تشرين أول 1991 حتى اندلاع الانتفاضة والمقاومة في 28 أيلول/ سبتمبر 2000، وعليه تم تشكيل اللجنة الرباعية الدولية بعد خطاب بوش 24/6/2002 وهو ما رسّم قبول واشنطن بدور للاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة، روسيا في البحث عن حل للصراع من خلال اللجنة الرباعية الدولية.
 من هنا نستنتج أن المقاومة الشعبية الفلسطينية الباسلة لجنود الاحتلال وقطعان المستوطنين على مختلف أشكالها شكلت الرد والمعادل في وجه السياسات الدموية الاحتلالية التوسعية الشارونية، وهي التي شكلت سداً منيعاً في وجه سياسات النفق الأوسلوي المظلم الذي اندلعت الانتفاضة رداً على وبديلاُ عن بؤس طريق أوسلو، التي وصلت إلى الطريق المسدود ومن ثم الانهيار، بفعل تعنت السياسات الإسرائيلية الرافضة للاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وهذا يوضح سبب السعي الأمريكي ـ الإسرائيلي المحموم لتجريد الشعب الفلسطيني من حقه المشروع هذا، لكن الغير مفهوم حقاً تلك السياسات الرسمية العربية التي تتناقض مع قرارات قمم القاهرة، عمان، بيروت العربية، معطوفاً عليها سياسات حكومة محمود عباس التي تساوقت مع هذا الطرح الأمريكي في قمتي شرم الشيخ والعقبة، والعودة الأخيرة من واشنطن بأيدي فارغة وأوهام الكلام الذي تطاير كثيره في زيارة شارون لواشنطن 30/7/2003.
 السيد محمود عباس في قمة العقبة أدان ما أسماه بالإرهاب والعنف، ولم ينسَ أن يبدي تفهمه وبحرقة لعذابات اليهود على مر التاريخ متناسياً عذابات المسيح الفلسطيني الذي ما زال مصلوباً منذ النكبة الوطنية القومية الكبرى 1948 على خشبة الاحتلال والقهر والمجازر اليومية على أيدي حكومات الاحتلال المتعاقبة التي صادرت حقه في العيش على أرضه مستقلاً وصاحب سيادة.
 إن في هذا محاولة لليّ عنق الحقائق، فالمقاومة المسلحة هي نتاج قهر وممارسات الاحتلال واستمراره والتوقف عنها لا يكون إلا برحيل الاحتلال وتفكيك الاستيطان، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة، في دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة، عاصمتها القدس المحتلة وبحدود 4 يونيو 1967، وحل مشكلة الشعب اللاجئ عملاً بالقرار الأممي 194 كما ورد بقرارات القمم العربية بعد الانتفاضة وآخرها مبادرة السلام العربية (مارس/ آذار 2002). وإذا كان صحيحاً بأنه لا يمكن حل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي عسكرياً، فهذا يعني أن تفهم " إسرائيل" بأن عليها الإقلاع عن سياسة القتل والتوسع والاحتلال والجدار الفاصل، مقابل الأمن الذي تنشده بدعوتها لإيقاف أعمال المقاومة والتحريض ضدها.
 وخطة " خارطة الطريق" غير متوازنة لأنها تجعل تنفيذ الالتزامات "حسب الأداء" "بالتوالي لا بالتوازي"، حيث أن المطلوب من الجانب الفلسطيني هو القيام بسلسلة خطوات طويلة ومرهقة ذات طابع أمني مع ما يحمله هذا من محاذير، على أن يقوم بعدها الجانب الإسرائيلي بخطوات، بعد أن يكون قد قيّم مدى التزام الجانب الفلسطيني بتنفيذ ما هو مطلوب منه، أي يجعل من " إسرائيل" الخصم والحكم، ويضع بالتالي زمام المبادرة بيد شارون والأحزاب الإسرائيلية اليمينية المتطرفة لتعطيل تنفيذ أي خطوات أو التزامات من جانب إسرائيل، يضاف إلى هذا الخلل الكبير بكون مدتها (أي الخارطة) طويلة تمتد لثلاث سنوات، وتنفذ على ثلاث مراحل، وهو ما يوقعها في ذات الخلل الذي وقعت فيه مسيرة أوسلو التي انتهت بالنفق المسدود بسقف مايو/ أيار 1999، وكانت الانتفاضة والمقاومة من جديد لفتح أفق التسوية السياسية عملاً بالقرارات الدولية.
 حول حل قضية اللاجئين ورد في المرحلة الثالثة النص التالي (وتشمل حلاً واقعياً وعادلاً وشاملاً ومتفقاً عليه لموضوع اللاجئين) وهنا نلاحظ أن الإدارة الأمريكية أخذت بالمفهوم الإسرائيلي في تفسيرها لهذا النص وبدا هذا واضحاً في خطاب الرئيس بوش في قمة العقبة من خلال ما عبر عنه تحت عنوان (التزام بأمن إسرائيل كدولة يهودية)، ولطالما ردد أركان الإدارة الأمريكية بعدم واقعية حل العودة كونه يمس بأمن دولة إسرائيل وطابعها اليهودي وهذا طرح شاروني، ولا يمثل فقط محاولة لشطب حق العودة مقدماً كشرط إسرائيلي للقبول بما ورد في الخارطة، بل يتعدى ذلك إلى كونه يعرض للمخاطر حق مليون ونصف فلسطيني في المثلث والجليل والساحل والنقب في الحياة على أرضهم وأرض أجدادهم تحت ما يسمى (ضمان طابع يهودية دولة إسرائيل) ويرمي بهم نحو المجهول وخطط الترانسفير. إن هذا الموقف الأمريكي المعبر عنه "بتفهم" المخاوف الإسرائيلية، يمثل قرصنة على القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، التي ضمنت حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم حسب القرار الدولي رقم 194 الصادر عام 1949، والمفجع في الأمر أن راعية الديمقراطية في العالم تضع كل ثقلها لتكريس طابع عنصرية دولة إسرائيل، من خلال تبني هذا الطرح وقطع الالتزامات للمحافظة عليه ؟!! .
 في حين تجعل الخارطة من قضايا الحدود، القدس، المستوطنات، قضايا تفاوضية تبدأ في المرحلة الثالثة 2005، وخطورة هذا الطرح أنه لا يتبنى المبادئ التي طرحتها قرارات الشرعية الدولية ! أي مبدأ الانسحاب الكامل من كل المناطق التي احتلتها إسرائيل في عدوان 5 يوينو/ حزيران 1967 إلى ما وراء حدود 4 حزيران/ يونيو 1967. إن خارطة الطريق تمثل عودة لسياسة الخطوات الصغيرة التي تم تجريبها في أوسلو، وانتهت إلى ما انتهت إليه من فشل ذريع، بما يجعلها عرضة للغرق في التفاصيل التفاوضية.

خارطة الطريق من خطة للتنفيذ إلى ورقة للتفاوض
الاستيطان والجدار العازل تقرير مصير المفاوضات مسبقاً


نايف حواتمه ●
 ( 2 من 2 )

 تشكل مساحة المستوطنات أكثر من  7% من مساحة الضفة الغربية، و33% من قطاع غزة، يسكن فيها زهاء 220 ألف مستوطن حسب تقرير صادر عن وزارة الداخلية الإسرائيلية 2002، وعدد المستوطنات في مجموع الأراضي الفلسطينية المحتلة 205 مستوطنة منها 16 في القدس و19 في غزة، والباقي في الضفة الفلسطينية المحتلة. مع ملاحظة أن نسبة الـ 7% في الضفة الفلسطينية لا تشمل المناطق التي ضمتها " إسرائيل" إلى القدس الكبرى، وتعتبر الانسحاب منها مسألة غير قابلة للتفاوض، وهي باتت تشكل مع الحدود القديمة للقدس الشرقية حوالي 20% من مساحة الضفة الفلسطينية، وكذلك لا تشمل المناطق التي صادرتها سلطات الاحتلال لإقامة ما يسمى بالجدار العازل حيث صادرت ما نسبته 2 ـ 3% من الأراضي الملاصقة للمناطق المحتلة 1948، علماً بأن الجدار لم يكتمل بناءه بعد، وفي حال اكتمال جدار (العزل الغربي وجدار العمق) على طول حدود 1948 مع اندفاعات داخل أراضي الضفة الغربية، وجدار العزل الشرقي على طول الحدود الأردنية الفلسطينية "الأغوار" تكون "إسرائيل" قد ضمّت عملياً ما نسبته 42.5% من إجمالي مساحة الضفة الغربية تضم ما مجموعه أكثر من 186 قرية وبلدة فلسطينية يسكنها زهاء 720 ألف فلسطيني. سيكون عليهم الحصول على تأشيرات خاصة للدخول إلى أراضيهم، مع ملاحظة أنها تعتبر من أخصب المناطق الزراعية في فلسطين، وهذا يشكل تدميراً للزراعة الفلسطينية وتقطيعاً لأوصال الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحويلها عملياً إلى ثمانية جزر منفصلة. وهذا يفضح الكذبة التي أشاعها باراك بعد فشل مباحثات كامب ديفيد (يوليو/ تموز 2000) بأنه كان على استعداد للانسحاب من 96% من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ويحاول تكرارها اليوم شارون بحديثه عن تنازلات مؤلمة. (راجع كتاب حواتمه "أوسلو والسلام الآخر المتوازن"، وكتاب "أبعد من أوسلو … فلسطين إلى أين ؟ ").
 ولا يشكل إعلان حكومة الإرهابي شارون تفكيك بعض المستوطنات العشوائية سوى ذر للرماد في العيون، ومحاولة لتكريس مفهوم شديد الخطورة يحاول الإيحاء بوجود مستعمرات قانونية وأخرى غير قانونية، وكأن قرارات سلطة الاحتلال تمتلك الحق القانوني في التصرف بالأرض الفلسطينية ؟!! إنه تصرف من لا يملك بما لا يملك. وجعل قضية الاستيطان موضوعاً تفاوضياً دون الإقرار بمبدأ تفكيك المستوطنات، لا يفتح على رحيل قوات الاحتلال ومستوطنيه بالكامل، وبقاء أي من هذه الكتل الاستيطانية يمنع أي تواصل جغرافي للدولة الموعودة.
رصاصة الموت البطيء الشارونية على الخارطة:
 إن صيغة الموافقة التي جاء بها بيان الحكومة الإسرائيلية 25/5/2003 صيغة مخادعة. الإسرائيليون لم يوافقوا صراحة على الخارطة، بل صادقوا على بيان رئيس الوزراء شارون الذي أعلنه في 23/5/2003: " بأن إسرائيل توافق على قبول الخطوات المحددة في خارطة الطريق، استناداً إلى بيان الإدارة الأمريكية الصادر بنفس التاريخ، الذي تتعهد به الولايات المتحدة الأمريكية لمعالجة ملاحظات إسرائيل على خارطة الطريق بجدية عند تطبيق الخريطة "، وأصبح معلوماً بأن التحفظات الإسرائيلية بجوهرها تفكك الأسس التي قامت عليها خطة الطريق وتدفعها نحو الهلاك في مجرى التنفيذ والتطبيق وأبرز هذه الملاحظات (التعديلات) هي:
 أن يمنع الطرف الفلسطيني العمليات الفدائية ويحبطها، ليس فقط ضد المدنيين، بل بشكل كامل بما في ذلك داخل الأرض المحتلة عام 1967، وحل البنية التحتية للمقاومة، بدون فرض قيود على نشاطات الجيش الإسرائيلي، والتقدم في التنفيذ يكون وفقاً لأداء الطرفين وليس وفقاً لجداول زمنية محددة، وهذا ما أكد عليه شارون من جديد في 1/8/2003، الرقابة على تنفيذ الخطة هي بيد الإدارة الأمريكية لا بيد اللجنة الرباعية الدولية، الدولة الفلسطينية الموعودة بحدود "مؤقتة" و "منزوعة السلاح"، والإعلان من قبل الطرف الفلسطيني أن إسرائيل دولة يهودية، وهذا بمعنى أو بآخر للتنازل عن حق العودة، ورمي العرب داخل "الخط الأخضر" نحو المجهول، الخطة تقوم على أساس قراري مجلس الأمن 248 ـ 338 (لاحظ الصيغة على أساس وليس تنفيذ)، ولا مكان للمبادرة السعودية عملياً، جيش الاحتلال يعيد انتشاره وفقاً "لتقديراته الأمنية "، وإذا ما ربط كل هذا بكون الخطة غير متوازنة أصلاً ندرك أهداف التعديلات الإسرائيلية. فهي تريد من خلال اشتراطاتها إغراق خطة الطريق، وبالتالي العودة إلى سياسة الخطوات الصغيرة، حيث يتم قضم هذه الخطة تدريجياً كما جرى مع تقرير "ميتشيل" وخطة "تينيت"، وتحولها إلى ورقة في الأدراج غير قابلة للتطبيق.
 مقابل الالتزامات لإسرائيل التي ضَمَنَها الرئيس بوش لخطابه في قمة العقبة، اكتفى بمجرد كلمات معلقة في الهواء للفلسطينيين. جاءت على شكل وعود وغاب في نص الخطاب وما تلاه من مباحثات أي نوع من ممارسة الضغوط على الجانب الإسرائيلي بغية إلزامه بما هو مطلوب منه، في حين مثل خطاب الأخ أبو مازن سذاجة سياسية، وانحناء غير مبرر وغير مفهوم للابتزاز الأمريكي الإسرائيلي، حيث غاب عن خطابه مبدأ التمسك بتوازي الالتزامات بين الجانبين، ورفض تقديم الأمني على السياسي، وأغفل الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي المقدمة منها الدولة المستقلة كاملة السيادة، اللاجئين، الحدود، الاستيطان، القدس، الأسرى، وبدلاً من كل هذا جاءت هذه الكلمة لتحفل بسيل من التعهدات التي تتجاوز حتى ما تطلبه خارطة الطريق نفسها على ما فيها من إجحاف. ولم يخف أبو مازن أنه راح "ضحية مشاريع الصياغة الأمريكية لخطابه" كما ورد على لسانه في اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في 7/6/2003 برام الله برئاسة عرفات وحضور ممثل الجبهة الديمقراطية وفصائل منظمة التحرير الأخرى، وأضاف أنه لم يطلع على خطاب شارون وتفاجأ به، وأكد أن خطابه تم بموافقة عرفات وبالتنسيق معه، ثم كرر هذا في مؤتمره الصحفي برام الله (9/6/2003).

حتى لا نغرق في النفق المظلم مرة أخرى:

 بغية إعادة الأمور إلى نصابها، وإيجاد إمكانية واقعية للبناء على النقاط السليمة الواردة في خارطة الطريق على محدوديتها، علينا أن نتبع الخطوات التالية:
 ضرورة وقفة سريعة وحازمة من قبل القيادة الفلسطينية لمواجهة هذا التطور بما يمثله من خطر على مصير القضية الوطنية، وعودة إلى سياسة تقديم التنازلات الفلسطينية المسبقة والمجانية للجانب الإسرائيلي، وهذا يتطلب أولاً التمسك الحازم برفض التعديلات الإٍسرائيلية، ومؤشر الخطر يتضاعف في ما أشرنا من تأكيد أبو مازن خلال اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي رأسه عرفات "بأن ما ورد في خطابه تم بموافقة عرفات عليه" وعاد أبو مازن ليؤكد هذا علناً في مؤتمر صحفي ( رام الله 9/6/2003)، وتأكيد أبو مازن في الاجتماع المشترك بين اللجنة التنفيذية ولجنة المفاوضات العليا (رام الله) 31/7/2003. إنه لم يصل بزيارة واشنطن إلى أي نتائج ملموسة بشأن "وقف الاستيطان، تفكيك البؤر الاستيطانية، وقف بناء الجدار الفاصل" وهي الالتزامات الإسرائيلية في خارطة الطريق مقابل الهدنة، ووقف إطلاق النار من فصائل المقاومة. وهنا يجب أن نؤكد بأنه لم يعد مقبولاً التصرف بالقرار الوطني الفلسطيني من خلف ظهر الشعب ومؤسساته القيادية الشرعية، وهو ما يتطلب العودة للوحدة الوطنية السياسية البرنامجية الحقيقية، وللمسيرة الحوارية التي بدأناها في الضفة الفلسطينية وغزة والقاهرة، وصولاً نحو الخروج باتفاق سياسي وطني شامل يجمع الجميع على القواسم الوطنية المشتركة، بما يعيد بناء مؤسسات الشعب الفلسطيني على أسس ائتلافية ديمقراطية وفي المقدمة منها: مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، ومد ذلك ليطال مؤسسات السلطة الفلسطينية، بما يبعد شبح الحرب الأهلية الرهيب ويلجم سياسات العبث والإضرار بالحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا، التي تمارسها جهات فئوية أدمنت الاستئثار والتفرد بالقرار الوطني الفلسطيني من خلف الشعب ومؤسساته الشرعية، والاستقواء على شعبها وفعالياته وفصائله الوطنية بالقوى الخارجية، خلافاً لما تتطلبه المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني.
 نستذكر جميعاً أننا لا نزال في مرحلة تحرر وطني من الاستيطان والاحتلال، تشترط للنجاح إعادة بناء الوحدة الوطنية ببرنامج سياسي موحد وقيادة وطنية موحدة وحكومة اتحاد وطني، فنحن جميعاً لسنا في مرحلة ما بعد الاستقلال "سلطة ومعارضة" وقانون الديمقراطية بالتداول السلمي على السلطة.
 أما على الصعيد العربي فإن المطلوب هو دعم جدي عربي يستند إلى قرارات المؤتمرات العربية، بما يوقف حالة التردي التي وصلت إليها الرسميات العربية، جراء ما آلت إليه الأمور إثر الأحداث الكارثية التي رافقت وأعقبت العدوان الأمريكي البريطاني على العراق ومن ثم احتلاله، فإذا ما خُوطبت أمريكا بلغة المصالح التي جربت وأثمرت أثناء حرب أكتوبر/ تشرين أول 1973، وتعانق عناصر القوة العربية (السلاح والنفط والمصالح الاقتصادية)، وإذا ما خرجت هذه المخاطبة من الحدود اللفظية إلى الممارسة على أرض الواقع يمكن لها أن تأتي ثمارها الإيجابية وتدفع الولايات المتحدة على انتهاج سياسات أكثر توازناً وأقل ممالأة لإسرائيل، ولنا بعديد الدول وبملايين البشر الذين نزلوا إلى الشوارع في مدن العالم على امتداد القارات الخمس سند في مواجهة الاستعلاء والغلو الأمريكي.
 إن هذا يتطلب محاصرة تفشي روح الهزيمة، فنضالات أبناء شعوب المنطقة قادرة على إفشال ما يخطط له صقور الإدارة الأمريكية، المحافظون الجدد الأمريكيون من تغيير جيوسياسي للمنطقة، كمقدمة لفرض سيطرتهم عليها بالكامل، فالولايات المتحدة الأمريكية لن تكون مطلقة اليد، وبالنضال الدؤوب والمثابر يمكن ردع الروح العدوانية الأمريكية التي انطلقت من عقالها بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001. وهنا نستعيد التأكيد بأن على السلطة الفلسطينية والدول العربية أن تستوعب درس العراق، فحصانة الأنظمة الحاكمة لا تكون إلا بالتصالح مع شعوبها من خلال إطلاق الحريات والبدء بإصلاحات بنيوية تمكن من ممارسة حقيقية للديمقراطية. إن قمع الشعوب بغية تقديم خدمات لأمريكا، لن يمنع حتى الإدارة الأمريكية نفسها كما فعلت مراراً من جعل خطايا هذه الأنظمة القمعية سبباً كافياً للتدخل في شؤونها الداخلية، وحتى كمقدمات للعدوان، كما جرى مع النظام التوتاليتاري (الشمولي) الدكتاتوري العراقي السابق.
 وشرط نجاح أي تسوية يتطلب أن تكون شاملة، وهنا لا بد من تجاوز خلل اكتفاء خارطة الطريق بإشارة عامة للمسارين السوري واللبناني وهذا يحتاج معالجة سريعة، تستوحي مبادرة السلام العربية والقرارات الدولية، وإعادة الحياة لهذين المسارين التفاوضيين على أساس تطبيق قرارات الشرعية الدولية، التي تضمن الانسحاب الكامل من كل الجولان السوري المحتل حتى حدود 4 يونيو/ حزيران 1967، واستكمال الانسحاب من مزارع شبعا اللبنانية.
 وهنا أخلص للقول بأن نتائج قمتي شرم الشيخ والعقبة شكلتا منزلقاً خطيراً تحت ضغط الإدارة الأمريكية التي تتقاطع مع الفهم الإسرائيلي لخارطة الطريق وهو ما يحولها إلى بقايا خطة بلا طريق، ويجعلها ورقة تحت ضغط "موت سريري كما يخطط شارون" في مجرى التطبيق العملي، وزيارة أبو مازن لواشنطن لم ولن تشكل خطوة نوعية في تصحيح السياسة الأمريكية (وقائع الاجتماع المشترك بين اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واللجنة العليا للمفاوضات بحضور أبو مازن، نبيل شعث، محمد دحلان، سلام فياض في رام الله 31/7/2003).
 إن إعادة الاعتبار إلى هذه الخطة وجعلها مشروعاً ذا صدقية يفتح على إمكانية قيام تسوية شاملة متوازنة قابلة للحياة يتطلب وقبل أي شيء آخر إعادة التوازن لهذه الخطة، ورفض الاشتراطات الشارونية، والتمسك الحازم بالفهم الذي أُجْمِعَ عليه بداية في اللجنة الرباعية الدولية ومفاده بأن هذه الخطة وضعتْ للتطبيق وليس للتفاوض.


● الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين



#نايف_حواتمة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بمناسبة ثورة 23 يوليو 1952 حواتمه في حوار حول التجربة الناصر ...
- أيها - الإسرائيلي - المحتل قف … وفكر
- وجود -إسرائيل - حق تاريخي أم أمر واقع
- في البدء كانت فلسطين وستبقى فلسطين التضامن مع اليهود -الإسرا ...
- حواتمه يجيب على أسئلة دنيا الوطن
- مقابلة نايف حواتمه
- مقابلة مع نايف حواتمه
- تهافت خطاب - صراع الحضارات -و - صراع الأديان - الصراحة عن ال ...
- حوار اللحظة الراهنة مع نايف حواتمة
- الكلمة التي وجهها الرفيق نايف حواتمة الأمين العام للجبهة الد ...
- حواتمه وقضايا المرحلة في حوار استراتيجي
- رغم إضافات على رؤية بوش خطة اللا طريق الأمريكية أمام الوادي ...
- مقابلة نايف حواتمه مع صحيفة النهار واشنطن لم تستوعب الدرس جي ...
- ما بعد مجازر غزة ونابلس
- ثورة 23 يوليو إنجازات استراتيجية عظمى وأخطاء كبرى
- مشروع الإصلاح الوطني والتغيير الديمقراطي
- اجتياح ومقاومة.. الآن إلى أين؟
- جولات زيني: بين توسعية شارون والخلل الذاتي الفلسطيني والعربي
- الشـــرق الأوســـط وزلـــزال القنــابل الطــائـرة


المزيد.....




- الخرطوم تطالب بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث -عدوان الإمار ...
- استمرار الاحتجاجات في جامعات أوروبا تضامنًا مع الفلسطينيين ف ...
- الرئيس الإيراني: عقيدتنا تمنعنا من حيازة السلاح النووي لا ال ...
- مظاهرة ضد خطة الحكومة لتمديد استخدام محطة -مانشان- للطاقة ال ...
- الدفاع الروسية تعلن حصيلة خسائر القوات الأوكرانية خلال أسبوع ...
- أطباء المستشفى الميداني الإماراتي في غزة يستأصلون ورما وزنه ...
- مجلس أميركي من أجل استخدام -آمن وسليم- للذكاء الاصطناعي
- جبهة الخلاص تدين -التطورات الخطيرة- في قضية التآمر على أمن ا ...
- الاستخبارات الأميركية -ترجح- أن بوتين لم يأمر بقتل نافالني-ب ...
- روسيا وأوكرانيا.. قصف متبادل بالمسيرات والصواريخ يستهدف منشآ ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - نايف حواتمة - خارطة الطريق من خطة للتنفيذ إلى ورقة للتفاوض زيارة عباس شارون لواشنطن دوران في الجزئيات الصغيرة