أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جليل إبراهيم المندلاوي - مقاعد فارغة وامتيازات مضمونة














المزيد.....

مقاعد فارغة وامتيازات مضمونة


جليل إبراهيم المندلاوي
كاتب وصحفي

(Jalil I. Mandelawi)


الحوار المتمدن-العدد: 8571 - 2025 / 12 / 29 - 20:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في اليوم الذي كان يفترض أن يفتح فيه مجلس النواب العراقي أبوابه للتاريخ، في دولة تُدار بالتصريحات وتُقاس المسؤولية بعدد الصور وليس بعدد الجلسات، قرر 37 نائبا أن يفتتحوا دورتهم البرلمانية برسالة واضحة للشعب: "لا تنتظروا منا الكثير.. نحن لم نأتِ أصلا"، فحسب الدائرة الإعلامية لمجلس النواب، حضر الجلسة الأولى 292 عضوا، فيما تغيب 37 نائبا دون بيان الأسباب، عبارة قصيرة، لكنها كافية لتلخيص دورة نيابية كاملة، سبعة وثلاثون ممثلا للشعب اختفوا في أول اختبار حقيقي، وفي أول لحظة يُفترض أن يقول فيها النائب: "أنا هنا"، لكنهم لم يكونوا هنا، ولم يقولوا شيئا، غابوا عن الجلسة الأولى تحديدا، تلك التي يفترض أنها يوم العرس الديمقراطي والتعارف الرسمي بين النائب وكرسيه، لكن يبدو أن الوقت لم يسمح للسيد النائب حيث كان مشغولا جدا، ربما بمواعيد أهم من تمثيل الشعب، كازدحام المرور، أو قيلولة وطنية، أو اجتماع طارئ مع المصلحة الشخصية، دون أن يضطر حتى لاختلاق كذبة رسمية تحفظ ماء الوجه، لغياب أنيق وصامت، وكأنه يقول للشعب: "انتخبتمونا؟ ممتاز.. لا تزعجونا الآن".
الجلسة الأولى ليست تفصيلا هامشيا ولا موعدا ثانويا يمكن تأجيله، إنها امتحان الحضور السياسي الأول ومن يفشل فيه، لا يحتاج إلى فرصة ثانية، فهي الافتتاح الرسمي لعقد سياسي بين النائب والناخب، ومن يتغيب عنها كأنه يوقّع العقد ثم يلقيه في أقرب سلة مهملات. ومع ذلك، لا مساءلة ولا استجواب، ولا حتى سؤال عابر: "أين أنتم؟".. وكأن الغياب حق دستوري غير منصوص عليه، أو ربما بند سري في العقد يقول بوضوح: الحضور اختياري، والراتب إلزامي.. ويبقى العزاء الوحيد أن هؤلاء الغائبين على الأقل وفروا على الدولة ثمن القهوة والشاي فشكرا لهم على هذا التوفير في زمن الأزمات، ونتمنى أن يواصلوا توفيرهم بشكل دائم من خارج القاعة.
أما السؤال الذي يبدو ساذجا في ظاهره فهو: لماذا يحرص النائب على الحضور أصلا، وهو لم يأتِ أساسا لتشريع القوانين أو لمراقبة أداء الحكومة، ما دام البرلمان يُختزل عنده في كونه منصة للترقية الاجتماعية؟ فالعنوان البرلماني وحده كفيل بفتح أبوابٍ كانت موصدة، وتحسين شروط القروض، وتأمين وظيفة لابن العم الثامن في إحدى الوزارات، وفضلا عن ذلك تبدو الرؤية "الاستراتيجية" لهؤلاء واضحة، إذ أدركوا أن القرارات الحقيقية لا تُتخذ تحت قبة البرلمان، بل في الردهات والمطابخ السياسية، فاختاروا التوجه مباشرة إلى مصدر القوة، وهكذا يغدو المقعد غاية بحد ذاته، لا وسيلة لخدمة الناس ولا أداة لتحمل المسؤولية.
المنطق البسيط يقول إن أول قرار جريء يجب أن يصدر بعد انتخاب رئيس المجلس ونائبيه هو استبدال كل نائب غائب بأول خاسر في دائرته، على الأقل الخاسر حضر المعركة، أما الغائب فقد انسحب قبل صافرة البداية، وبديهيا فإن هذا الاجراء ليس انتقاما، بل محاولة متأخرة لخلق آلية رقابية حقيقية، ورسالة واضحة مفادها إن المقعد النيابي ليس غنيمة، وإن التغيب دون سبب لا ينسجم مع تمثيل الشعب، فالخاسر الذي حضر ربما يكون أصدق تمثيلا من فائز لم يكلف نفسه عناء الحضور.. لكن حتى هذا الحل قد لا يكفي، فاستبدال الغائب بالخاسر قد يُنتج جيلا جديدا من "الحاضرين غيابيا"، لذلك، ربما نحتاج إلى حل أكثر عدلًا وشفافية، كابتداع نظام اليانصيب الوطني للتمثيل النيابي.. كل مقعد شاغر بسبب الغياب يُحوَّل إلى قرعة وطنية، يشارك فيها كل مواطن تجاوز الثلاثين، والفائز ينال المقعد لمدة أسبوع كامل، مع كل الامتيازات.. سيارة مع سائق، حصانة من مخالفات السير، ووجبة غداء رسمية، وإذا تغيب الفائز بالقرعة، يُعاد السحب يوم الاثنين التالي، وهكذا نضمن عدالة توزيع الفرص، ونمنح الشعب تجربة ديمقراطية حقيقية، ونحقق في الوقت نفسه وفرا كبيرا في الرواتب، لأن النائب الأسبوعي سيكون سعيدا بالخدمة المجانية، وربما أكثر التزاما من نائب منتخب اعتاد الغياب باسم التفويض الشعبي.
فأعضاء المجلس لم يُنتخبوا ليختبروا مرونة الكراسي، ولا ليقيسوا سماكة السجاد تحت أقدامهم، بل ليمثلوا شعبا سئم الوعود والحضور الانتقائي. فالمشهد يوحي بأن غاية بعض المتغيبين ليس تشريعا ولا رقابة ولا خدمةً للناس، بل تمثيل ذواتهم فحسب، امتيازات تُجنى، وحصانة تُستثمر، ولقب "سعادة النائب" الذي يُستخدم أكثر مما يُمارس، فالنائب الذي الذي لا يرى ضرورة لحضور الجلسة الأولى، لن يكترث لاحقا بسماع شكوى ناخب، أو مناقشة قانون، أو حتى ضغط زر التصويت إذا كان بعيدا عن مقعده، فيبدو إن المهم لديه هو المنافع الشخصية واللقب والحصانة، وكل ما يسبق كلمة "نائب" وما يتبعها من امتيازات أما الجلسات فهي تفصيل يمكن الاستغناء عنه، أو مناسبة يحضرها فقط حين تقتضي الصورة ذلك.
في النهاية، لا يمكن لوم الكراسي الفارغة، فهي على الأقل حضرت في وقتها أما من غابوا، فقد أثبتوا منذ اليوم الأول أنهم يفهمون التمثيل النيابي بوصفه لقبا اجتماعيا لا مسؤولية وطنية، فالمشكلة ليست في 37 نائبا غابوا عن الجلسة الأولى، بل في ثقافة سياسية ومنظومة كاملة لا ترى في الغياب خيانة للأمانة، بل "مرونة سياسية"، حيث يصبح الصمت فضيلة والمقعد حقا أبديا.. وهكذا يبدأ مجلس النواب العراقي الجديد بمقاعد فارغة، ووعود ممتلئة بالهواء.. فاللهم احفظ برلماننا من الحضور الدائم، وارزقنا نوابا يكون غيابهم كحضورهم، وحضورهم كغيابهم، ووعودهم كرواتبهم: شهرية ومضمونة بغض النظر عن الأداء.



#جليل_إبراهيم_المندلاوي (هاشتاغ)       Jalil_I._Mandelawi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعلان بيع وطن
- رباعيات.. بلا عنوان
- بقايا اعتذار
- ما بعد الحادية عشرة ليلا
- في قبضة الجلاد
- صمت المواقيت
- فوضى ما قبل التنقيح.. العراق بين الكوميديا والمأساة السياسية
- نبوءة (ثلاثية التجلي)
- ممزّق .. كهذا الوطن
- كوتا الهوية المفقودة وتمدد الوهم القومي
- من يمثل من؟.. نائب يجرّب السلطة على الشعب بدل أن يمارسها لأج ...
- في حضرة الألم
- وداعا ترمب
- سهل نينوى.. هواجس بلا حدود
- خلّوا سبيل الناقة
- حين يعجزون.. يغطون الشمس بغربال
- حين تنتصر الذاكرة
- الأنفال.. جرحٌ لا يندمل وذاكرة لا تموت
- بان زياد.. موت معلّق
- رقصة الكبرياء الأخيرة


المزيد.....




- -قفزت عليه لأوقف القتل-.. أحمد الأحمد يروي تفاصيل مواجهة مسل ...
- من هم القادة الذين نعتهم القسام وما الأدوار التي شغلوها؟
- روسيا تتهم أوكرانيا بمحاولة شن هجوم على مقر بوتين وزيلينسكي ...
- من -الإبادة- في ميانمار لمخيمات البؤس.. -للقصة بقية- يرصد مأ ...
- لماذا لن تنهي الضربات الأميركية الأزمة في نيجيريا؟
- ترامب يجري اتصالا -إيجابيا- ببوتين حول أوكرانيا
- أزمة باقية.. واشنطن وكراكاس من 2025 إلى 2026
- عاجل| مندوب الصومال في رسالة لمجلس الأمن: نرفض بشكل قاطع أي ...
- روسيا تصد هجوما أوكرانيا على مقر لبوتين وتتوعد بالرد
- ترامب يهدد بشن هجوم جديد على إيران إذا أعادت بناء برنامجها ا ...


المزيد.....

- صفحاتٌ لا تُطوى: أفكار حُرة في السياسة والحياة / محمد حسين النجفي
- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جليل إبراهيم المندلاوي - مقاعد فارغة وامتيازات مضمونة