أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عائد زقوت - بين التّطبيل والتّهبيل: إدارة المأساة بلا سياسة














المزيد.....

بين التّطبيل والتّهبيل: إدارة المأساة بلا سياسة


عائد زقوت

الحوار المتمدن-العدد: 8571 - 2025 / 12 / 29 - 19:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تقف القضية الفلسطينية اليوم عند مفترق تاريخي حقيقي، تتقاطع فيه المأساة الإنسانية غير المسبوقة، التي يعيشها أهل غزة تحت وطأة حرب مفتوحة وتدابير ممنهجة تُفاقم معاناتهم مع لحظة سياسية مأزومة تتراجع فيها القدرة على الفعل الوطني المنظّم في مواجهة الحالة الذوابية الممنهجه للكيانية السياسية.

وفي خضم هذا المشهد المعقّد، لا تبدو الأخطار الخارجية وحدها مصدر التهديد، بل يبرز خلل داخلي يتمثل في استمرار إنتاج خطاب سياسي وإعلامي يُوظِّف الألم الفلسطيني ضمن حسابات فئوية وأهداف أيديولوجية بقائيّة، على حساب أولويات وطنية جامعة تستجيب لحجم التحدي القائم.

وتزداد خطورة هذا الخلل حين يُغلَّف بلُغَة دينية ووطنية فضفاضة، تُسهم بعض القيادات والمنابر والأقلام المُبَرِرة والمُمَرِرة الأسيرة لأنويّتها الحزبية في إعادة إنتاجها، فتتحوّل السياسة من أداة مُساءلة وبناء إلى مساحة تبرير ومزايدة. وبهذا، يُدْفَع النقاش العام نحو ضجيج خطابي يُستَهلَك فيه الألم الإنساني، بينما تُهمَّش الأسئلة الجوهرية المتعلقة بالمسار السياسي، ووحدة التمثيل، وجدوى الخيارات المطروحة في واحدة من أكثر المراحل حساسية في تاريخ القضية الفلسطينية.

إنّ تجاوز مرحلة "التّطبيل والتّهبيل" لا يمكن أنْ يتم عبر استبدال خطاب بآخر، بل يتطلب مراجعة سياسية شاملة تُعيد الاعتبار للسياسة بوصفها فعلًا مسؤولًا ومؤثرًا.
وفي هذا السياق، تبدو الحاجة ملحّة إلى إعادة الاعتبار لبرامج سياسية واقعية، قابلة للتنفيذ والقياس، وقادرة على تحقيق نتائج ملموسة في مجالات الصمود، والحماية، وتثبيت الحقوق، بعيدًا عن الشعارات الفضفاضة أو الوعود غير القابلة للتحقق.

كما يفرض الواقع ضرورة فصل الخطاب الديني والوطني عن الصراعات الداخلية الضيقة، وعن الأجندات الخارجية التي تحاول توجيه البوصلة الفلسطينية بما يخدم مصالحها الخاصة، فاختلاط السياسة بالمبالغة الخطابية، وتغليب التّطبيل على التحليل، لا يُفضي إلى تعزيز الموقف الوطني، بل إلى تشويه الوقائع وإضعاف القدرة على الفعل والتأثير. فالقضية الفلسطينية لا تحتمل مزيدًا من الارتهان، ولا يمكن إدارتها بمنطق المحاور، بل بمشروع تحرري جامع، يتطلب خطابًا مستقلًا ومسؤولًا يعكس المصلحة الوطنية العليا، ويُنصف معاناة الناس، ويُعيد الاعتبار للأولويات، ويُخضع الأداء السياسي لمعايير النقد والمحاسبة.


وفي قلب هذه المراجعة، يجب إعلاء صوت الضحايا، ووضع المعاناة الإنسانية في صدارة الأولويات السياسية، والتوقف عن اختزال الإنسان كأداة ووسيلة، لا بوصفها مادة للتوظيف الخطابي، بل معيارًا لتقييم السياسات والقرارات. فالمعاناة في غزة، وفي عموم فلسطين، ليست تفصيلًا عابرًا، بل هي جوهر القضية وسببها وغايتها.

إلى جانب ذلك، لا يمكن الحديث عن تجاوز الأزمة دون الشروع الجاد في بناء مؤسسات وطنية قادرة على استيعاب التعددية السياسية دون تمزيقٍ للنسيج الوطني، ومنظمة التحرير ممثله الشرعي والوحيد. مؤسسات تُدار بمنطق الشراكة والمُساءلة، وتُحصِّن القرار الوطني من التفرد والارتجال، وتُعيد الاعتبار للعمل الجماعي بوصفه شرطًا أساسيًا للصمود والاستمرارية.

وفي ذات السياق، لا تبدو المشكلة في تعدد الآراء أو اختلاف التقديرات، بل في غياب الحد الأدنى من المسؤولية السياسية والأخلاقية في إدارة الخطاب العام. فحين تُستبدل المراجعة الجادة بالتبرير، والنقد البنّاء بالتّطبيل، تتحوّل السياسة إلى ممارسة معزولة عن الواقع، وتدخل القضية في حلقة استنزاف ذاتي لا تقل كلفة عن الاستهداف الخارجي، وقد تكون أشد فتكًا بمستقبل القضية الفلسطينية.



هذه ليست لحظة تسجيل مواقف أو رفع سقوف خطابية، بل لحظة مراجعة وطنية شاملة، يُعاد فيها الاعتبار للسياسة بوصفها أداة بناء وتوجيه، لا وسيلة تضليل أو تعبئة فارغة، ولحظة انتقال من إدارة الأزمة إلى محاولة الخروج منها فإمّا مراجعة سياسية شُجاعة تفتح أُفقًا وطنيًا قابلًا للحياة، وخطابًا يرتقي إلى مستوى التضحيات والتحديات القائمة، أو استمرار في الدوران داخل مساحة التّطبيل والتّهبيل، وما ينتج عنها من وَقاح كبير، بكل ما تحمله من كلفة وطنية باهظة.



#عائد_زقوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أُفول فرانس–إفريقيا... تحوّلات موازين القوى العالمية
- غزة بين الإعمار والهيمنة: كيف تُدار الطاقة بعد الحرب؟
- في ذكرى رحيل أمي
- حين يُصبح الألم وقودًا... ويحيا نهج الشيطان
- تركيا أُنموذجًا لاختبار واشنطن نظامًا جيوسياسيًا شرق أوسطيًا ...
- حِينَ يَنهضُ القَلبُ من حُطامِهِ
- العلاقات المصرية الإسرائيلية.. بين الأمن والسيادة-- إدارة ما ...
- بين الصهيونيّة الدينيّة والصهيونيّة الليبراليّة: إسرائيل إلى ...
- من وعد بلفور إلى الاعتراف الأوروبي: قرن من التحوّلات بين الو ...
- حين يتكلم التاريخ بلسان مصر
- أولوية الشّعب: بين الحُكم والسّلاح
- الإعلان الدستوري : بين إدارة الضرورة ومعضلة الشرعيّة
- إلغاء القمة ورسائل توماهوك: السياسة الأميركية بين القوة والح ...
- بين التّحديات والمسؤوليّة: نحو تحويل وقف الحرب إلى فرصة وطني ...
- بين السلطة والضمير: استراحة على شاطئ التاريخ
- الطموح الفلسطيني: بين الوصاية والدولة
- مصر.. سند فلسطين ودرع العروبة
- ناصر القدوة.. في قلب الحسابات الفلسطينية المُقبِلة
- غزة.. بوابة النظام الإقليمي الجديد
- مصر في قلب عاصفة غزة.. ضغوط متجددة ومعادلة إقليمية معقدة


المزيد.....




- شاهد إسراع أم لحماية طفلها وسط زلزال بقوة 7 درجات في تايوان ...
- مكالمة -إيجابية- بين ترامب وبوتين بعد محادثات زيلينسكي في فل ...
- روسيا تتهم أوكرانيا باستهداف مقر إقامة بوتين بطائرة مسيّرة
- جون سيمبسون: -غطيتُ 40 حرباً، لكنني لم أرَ عاماً مثل عام 202 ...
- تحضيرات لتسلم منصب عمدة نيويورك.. هل يوحد زهران ممداني المجت ...
- تركيا: اشتباكات بين الشرطة وتنظيم داعش تُسفر عن سقوط قتلى من ...
- -مسرح للجريمة-.. بعثة أممية تكشف عن ظروف إنسانية مروعة في ال ...
- شهداء على طريق النصر والتحرير
- سوريا: قتلى وجرحى في احتجاجات باللاذقية تندد بتفجير مسجد في ...
- البرلمان العراقي الجديد يعقد أولى جلساته ويختار هيبت الحلبوس ...


المزيد.....

- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عائد زقوت - بين التّطبيل والتّهبيل: إدارة المأساة بلا سياسة