أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عائد زقوت - الطموح الفلسطيني: بين الوصاية والدولة














المزيد.....

الطموح الفلسطيني: بين الوصاية والدولة


عائد زقوت

الحوار المتمدن-العدد: 8495 - 2025 / 10 / 14 - 19:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في لحظة سياسية فارقة يتقاطع فيها الإنساني بالاستراتيجي، شهدت قمة شرم الشيخ، الاثنين 13 أكتوبر 2025، حراكًا دوليًا مكثفًا تجاه غزة، لكن هذه المرة ليس عبر العدوان أو عبر فصول جديدة من الأزمات الإنسانية، بل من خلال مقترح لإنشاء إدارة دولية للقطاع بمشاركة فلسطينية رمزية، وذلك في إطار خطة أميركية من عشرين بندًا يجري بحث تفاصيلها حاليًا في شرم الشيخ بمشاركة أطراف عربية ودولية.

إلا أن هذا المقترح يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول مستقبل القضية الفلسطينية:
هل يمثّل مفترقًا تاريخيًا يمكن أن يمهّد الطريق لإقامة الدولة الفلسطينية المنشودة؟
أم أنه سيفضي إلى تكريس واقع الدولة الواحدة بتركيبة غير متكافئة؟

تتزايد هذه التساؤلات خاصةً بعد تصريح الرئيس ترامب خلال القمة، والذي أشار فيه إلى “رغبة الكثيرين في مشروع الدولة الواحدة”، ما يُعدّ إشارة واضحة إلى احتمالية انزياح المسار عن حل الدولتين الذي شكّل لسنوات مرجعية التسوية المنشودة.
وفي هذا السياق يبدو الحديث عن إدارة دولية في ظاهره، خطوة إنسانية تهدف إلى إعادة إعمار غزة وتهيئة الظروف لحياة طبيعية بعد سنوات من الحصار والحرب التدميرية، غير أن الهدف السياسي الأعمق لدى كافة المشاركين باستثناء واشنطن يتمثل في ابتكار صيغة انتقالية تنقل إدارة القطاع تدريجيًا إلى السلطة الفلسطينية، تمهيدًا لإحياء خيار الدولتين.
هذا السيناريو يفترض أن تكون الإدارة الدولية مرحلة انتقالية لا وصاية طويلة الأمد، تمتلك تفويضًا واضحًا يضمن إعادة الإعمار، وتوحيد الأجهزة الأمنية، وإجراء انتخابات فلسطينية عامة، وتوفير ضمانات أمنية لإسرائيل تسمح برفع الحصار والانسحاب التدريجي.
نجاح هذه العملية قد يجعل من غزة بوابة لإحياء صيغة الدولتين، وربما الفرصة الأخيرة لإنقاذها من الاحتضار السياسي.

غير أنّ هذه الرؤية تصطدم بواقع أكثر تعقيدًا، حيث يلوح في الأفق احتمال آخر أكثر واقعية في ضوء المعطيات الحالية، يتمثل في أن تتحول الإدارة الدولية إلى آلية لتدوير الصراع وإدامة الوضع القائم، أي أنها قد تتحوّل من جسر نحو الدولة، إلى غطاءً لإدارة الاحتلال بأشكال متعددة، بحيث تبقى السيطرة الأمنية والحدود والمعابر بيد إسرائيل، فيما تتولى جهة دولية إدارة الشؤون المدنية والإغاثية للسكان عبر لجنة مدنية محليّة.
وهنا تكمن المفارقة التاريخية، فغزة التي كانت دومًا النموذج الأصعب في المشروع الوطني الفلسطيني، قد تتحول عبر هذه الإدارة إلى نموذج لـ"تدوير الأزمة" بدلًا من حلها، في انتقال جوهري من سياسة التحرر إلى سياسة الإدارة.

في هذه الحالة يتكرس واقع الدولة الواحدة بحكم الأمر الواقع، حيث يعيش نحو سبعة ملايين فلسطيني وسبعة ملايين اسرائيلي بين النهر والبحر تحت نظام حكم واحد غير متكافئ الحقوق، ويغدو الحديث عن دولتين منفصلتين مجرد شعار لتجميل واقع السيطرة القائم.
وهذا بدوره يشكل استمرارًا لنمط الرعاية الاستعمارية السابقة، لكن بلباس إنساني معاصر "وصاية ناعمة" تقدم نفسها كرعاية وتنمية، بينما تحافظ على الهياكل الأساسية للسيطرة.

وعلى المدى القصير، ستواصل العواصم الكبرى التمسك بخطاب الدولة الفلسطينية لتبرير تدخلها في غزة، غير أنه في الأمد البعيد يبدو أكثر ميلاً إلى تثبيت واقع الدولة الواحدة. فغياب الإرادة السياسية الإسرائيلية، وتردد القوى الدولية في ممارسة ضغط حقيقي على اسرائيل، واستمرار الاستيطان وتفاقم المعضلة الأمنية المرتبطة بسلاح حماس والفصائل الأخرى واستمرار الانقسام الفلسطيني، كلها عوامل تجعل من مشروع الدولة الفلسطينية أقرب إلى الوهم السياسي منه إلى الاحتمال الواقعي.
ووراء هذا الطرح يكمن تحدٍّ سياسي حقوقي فالإدارة الدولية تميل بالضرورة إلى نموذج فلسطيني"مقبول دوليًا" أي منزوع السياسة تقريبًا، يقتصر دوره على إدارة الخدمات، وهو ما يتعارض مع أي مشروع سياسي ديمقراطي حقيقي قد يفرز خيارات غير مريحة للدول المانحة.

الإدارة الدولية، في أفضل الأحوال، قد تؤجل انهيار خيار الدولتين لكنها لن تحييه. فهي تُدار تحت غطاء الوصاية الناعمة وبدوافع استقرار، لكنها ستظل خاضعة للتوازنات الإسرائيلية والدولية، لا للطموح الوطني الفلسطيني.
ومع مرور الوقت، قد تتحول إلى شكل جديد من الوصاية المقنّعة، تُبقي غزة تحت إدارة مدنية رمزية بينما تستمر السيطرة الإسرائيلية على الأرض والسماء والمعابر.
وهكذا نجد أنفسنا أمام حقيقة واضحة أننا فعليًا في واقع الدولة الواحدة، لكن بدرجتين من المواطنة، مواطنة كاملة للإسرائيليين، و"رعاية" متفاوتة للفلسطينيين أي مواطنة منقوصة في الداخل، حكم ذاتي محدود في الضفة، وإدارة دولية مقيدة في غزة.

وهكذا قد يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام مفارقة قاسية: المشروع الذي طُرح تحت شعار إعادة الأمل للدولة الفلسطينية، قد يكون هو ذاته الذي يغلق بابها الأخير.
وبين إدارة دولية مؤقتة تتحول إلى دائمة، وحلم وطني مؤجل منذ عقود، تبقى غزة مرآة للمأزق الفلسطيني الأكبر، البحث عن دولة في واقع يتّسع فيه الاحتلال ويتقلص فيه الأفق السياسي يومًا بعد يوم.
ويبقى السؤال المصيري الذي تطرحه هذه الإدارة: هل يمكن تحويلها من أداة لتدوير الصراع إلى أداة للتحوّل نحو مسار يقود فعليًا إلى دولة فلسطينية سياسية؟
أم ستكون الفصل الأخير في مسار حل الدولتين، ليس لأنها تهدف إلى ذلك، بل لأنها تتيح للقوى الفاعلة تجنّب القرارات الصعبة حول السيادة والحدود واللاجئين، مع الاستمرار في إدارة الوضع الراهن إلى ما لا نهاية.
وهكذا يبقى الطموح الفلسطيني معلقا بين إدارة لا تملك السيادة، ودولة لا تجد طريقها الى الوجود.



#عائد_زقوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصر.. سند فلسطين ودرع العروبة
- ناصر القدوة.. في قلب الحسابات الفلسطينية المُقبِلة
- غزة.. بوابة النظام الإقليمي الجديد
- مصر في قلب عاصفة غزة.. ضغوط متجددة ومعادلة إقليمية معقدة
- ورقة التوت الأخيرة: هل تُخفي خطة ترامب نهاية المشروع الوطني ...
- خطة ترامب لغزة.. وقفٌ ممكنٌ للحرب أم سرابٌ سياسيٌّ؟
- كوانتيكو تحتضن اجتماعاً غامضاً للبنتاغون
- -قطر تتحالف مع باكستان… الشرق الأوسط على أبواب معادلة جديدة-
- بين غزة والفضائيات خطاب التضليل وصناعة المأساة
- أَصْلُ الحكاية
- بَسْ الدّجاجة تَفْهَم
- لَفْتُ انتباهة
- الموت بإسم الحقيقة
- لا أَسَفَ على الهَرَج
- على بوابة نهاية الحرب
- إعلاء الذات زمن الحروب جريمة حرب
- ممر غزة المائي الأميركي ولادة للشيطان
- صناعة الفشل ... المُتألهون زورًا
- زيارة غانتس لواشنطن هل تُشكل خطرًا على نتنياهو
- فصائل منتهية الصلاحية


المزيد.....




- الرئيس التنفيذي لآبل يتلقى دمية لابوبو وهاتف آيفون في الصين. ...
- ترامب: -المرحلة الثانية- من اتفاق غزة بدأت لكن -المهمة لم تن ...
- قوافل مساعدات تنتظر دخول غزة وإسرائيل تسمح فقط بنصف العدد ال ...
- حماس تعزز انتشار قواتها الأمنية في غزة وتحكم قبضتها على القط ...
- الصليب الأحمر يتسلم جثامين 45 أسيرا فلسطينيا
- الفقد والإبعاد يبدد فرحة عائلة الروم بتحرير أسيريها عماد وجه ...
- فيديو جديد يُظهر لحظة إشعال رجل النار في قصر شابيرو حاكم بنس ...
- غزة تدخل أخطر مراحل ما بعد الحرب.. سلام على حافة الهاوية؟
- قوافل مساعدات تنتظر دخول غزة وإسرائيل تسمح فقط بنصف الكمية
- إيران ـ أحكام سجن طويلة بحق فرنسيين بتهم -التجسس والتعاون مع ...


المزيد.....

- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عائد زقوت - الطموح الفلسطيني: بين الوصاية والدولة