قحطان الفرج الله
الحوار المتمدن-العدد: 8570 - 2025 / 12 / 28 - 15:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إنَّ السَّبق اللغوي وخيانة اللغة للفكرة كثيرًا ما يُوقِعان المتلقي في الإيهام والاتهام، ولا سيّما حين نعيش في مجتمعٍ مبنيٍّ على المصالح والمهاترات، تعلو فيه الحروب السياسية، وتُسنّ فيه مخالب التخوين والطعن، ليست المشكلة في الكلمة ذاتها، بل في السياق الذي تُستَخدم فيه، وفي الحمولة الأخلاقية والسياسية التي تُراد لها. فـ(التطبيع) ليس مصطلحًا مغلقًا أو حكرًا على حالةٍ بعينها، بل هو فعل لغوي ومعنوي يتغيّر مع موضوعه وغايته. غير أن خيانة اللغة للفكرة، أو الاستعجال في التقاط المصطلح خارج سياقه، كثيرًا ما يحوّل النقاش من فهم المقصد إلى محاكمة النيات.
حين تحدّث الكاردنال السيد ساكو عن (التطبيع مع العراق)، لم يكن يتحدث عن تطبيعٍ سياسي مع كيانٍ محتلٍّ قائمٍ على القتل والتهجير واغتصاب الأرض، وهو يدرك ــ قبل غيره ــ أن القانون العراقي يجرّم هذا النوع من التطبيع، وأنه موقف وطني لا يقبل المساومة. بل كان حديثه موجّهًا نحو معنى آخر للتطبيع: تطبيع دول العالم مع العراق نفسه، بعد سنوات طويلة من العزل، والتهميش، والتشويه،فالتطبيع مع العراق، كما قصده، هو تطبيع حضاري قبل أن يكون سياسيًا؛ هو إعادة العراق إلى مكانه الطبيعي في الوعي العالمي بوصفه مهد الديانات، ومنبع القيم الروحية، وأرض أول نداء للسماء. وهو تطبيع ثقافي وسياحي وديني، يُعيد فتح أبواب أور وبابل أمام العالم، لا ليُفرض العراق على أحد، بل ليُعاد اكتشافه بوصفه ذاكرة الإنسانية المشتركة، وهنا يجب الفصل بوضوح بين
التطبيع مع كيانٍ مارق هو اعتراف بالقوة الغاشمة، وتكريس للاحتلال، ومكافأة للجريمة.
و التطبيع مع العراق فهو اعتراف بالحضارة، واحترام للتاريخ، وإنصاف لأرضٍ لم تعتدِ على أحد، بل كانت دائمًا ساحةً للأديان، وملتقى للثقافات، وجسرًا بين السماء والإنسان.
الخلط بين التطبيعين ليس خطأً لغويًا فحسب، بل هو ظلمٌ للمقصد، وتشويه للفكرة، ومصادرة لحق العراق في أن يُعامَل كدولةٍ طبيعية، لا كقضيةٍ ملتبسة. فالعراق لا يطلب شرعنة احتلال، ولا يبحث عن غفرانٍ سياسي، بل يدعو العالم إلى أن يتعامل معه خارج منطق العقاب الجماعي، وأن يرى فيه ما كانه دائمًا: وطن الرسالات، لا وطن الصراعات.
بهذا المعنى، يصبح التطبيع مع العراق فعلَ إنصاف، لا خيانة؛ وعودةً إلى المنطق، لا خروجًا عليه.
#قحطان_الفرج_الله (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟