أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اسعد عبدالله عبدعلي - تأخر الرواتب مصيبة فقط على محدودي الدخل














المزيد.....

تأخر الرواتب مصيبة فقط على محدودي الدخل


اسعد عبدالله عبدعلي

الحوار المتمدن-العدد: 8569 - 2025 / 12 / 27 - 12:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان يردد في داخله: حين يشيخُ الشهرُ مبكراً.. عن الضائقة المالية الشهرية المزمنة التي تحصل له, سار خطوتُ نحو السوقِ, يجرُّ خيبات متراكمة، وفي جيبه بضعُ دنانير, هي كلّ ما تبقى من "دينٍ" استلفهُ من صديقٍ, بعد ان ضاقت به السبل هو الآخر, كان الدخول إلى السوق رحلةً اضطرارية لتأمين الرمق الأخير من الاحتياجات الضرورية، في زمنٍ بات فيه الراتبُ كقطعة ثلجٍ توضعُ تحت شمس تموز؛ يتبخرُ عند منتصف الشهر، تاركاً إيانا في مهبّ الديون والتدبير المرّ.
لكنَّ شيئاً ما كان يهمسُ بالغرابة؛ السوقُ الذي اعتدتُ زحام أجساده وتداخل أصوات باعتِه، بدا اليوم شاحباً وكأنه استيقظ من كابوس! المحالُّ مشرعة الأبواب، لكنَّ الوجوه غائبة، والممراتُ خاليةٌ إلا من أشباحِ العابرين. وقفتُ أمام شابٍ يملأ فراغ محله بملابس زاهية لم تجد من يلمسها، سألتهُ بنبرةٍ غلفها الاستغراب: "أين الناس؟ لماذا يبدو السوق مهجوراً هكذا؟"...نظر إليّ بعينين أرهقهما الانتظار، وأجاب بصوتٍ مخنوق:" الرواتبُ محبوسةٌ في أدراج الحكومة، والناسُ هنا محبوسون في دوامة العسر, حين تجفُّ الجيوب، تذبلُ الأسواق وتتوقفُ الحياة."
وبينما كنتُ أحاول استيعاب الصمت الثقيل، وقع نظري على مشهدٍ مزّق قلبي: شاهدت رجلٌ وزوجته، يرتديان من الثياب أنظفها ومن الوقار أجمله، وقفا بصمتٍ أمام واجهة محلّ للدجاج المشوي. كانت رائحة الشواء تملأ المكان، وعيونهما تلمعُ بحسرةٍ مكتومة لا تخطئها العين؛ كأن جداراً من الزجاج يفصلُ بينهما وبين رغبةٍ بسيطة لا يملكان ثمنها.. لم يطُل وقوفهما؛ تبادلا نظرةً منكسرة، ثم انسحبا بوقارٍ حزين نحو دكان "فالح أبو العمبة". هناك، حيثُ الفلافل هي الملاذ الأخير للكرامة والبطون الجائعة، اشتريا لفافةً يتقاسمان فيها الصبر قبل الزاد، وغابا في زحام الهموم.


• مصائب تأخير دفع الرواتب
يعد تأخير صرف الرواتب الشهرية للموظفين في العراق أزمة حقيقية, تمس صميم الاستقرار المعيشي والاجتماعي, حيث يرتبط دخل ملايين الأسر بشكل كلي بهذه المبالغ البسيط الذي يسمى بالراتب, لتأمين أدنى متطلبات البقاء, ويؤدي هذا الارتباك المالي إلى شلل تام في القوة الشرائية داخل الأسواق المحلية, مما يتسبب في ركود اقتصادي يلقي بظلاله على أصحاب المحال والمهن الحرة.
كما يضع الموظف تحت ضغط نفسي هائل, نتيجة عجزه عن سداد الإيجارات المتراكمة وفواتير الخدمات والديون التي استدانها لتسيير أمور حياته اليومية مما يولد حالة من الاحتقان الاجتماعي, وتراجعاً ملحوظاً في الإنتاجية الوظيفية, وشعوراً بعدم الأمان الوظيفي والمستقبلي, فضلاً عن إجبار الكثير من العوائل على تقليص نفقات التعليم والرعاية الصحية الضرورية, وهذا التذبذب يفتح الباب أمام زيادة المشاكل الأسرية, واللجوء إلى الاقتراض بفوائد تثقل كاهل المواطن, وتجعله يدور في حلقة مفرغة من العوز والحاجة المستمرة.


• ضرورة دفع غرامة تأخير دفع الرواتب للمواطن
تعد المطالبة بفرض غرامة مالية على الجهات الحكومية أو المؤسسات, في حال تأخير صرف الرواتب حقاً قانونياً وأخلاقياً, يهدف إلى حماية كرامة المواطن واستقراره المعيشي, فمثلما تفرض الدولة غرامات على المواطن عند تأخره في تسديد فواتير الكهرباء أو الضرائب أو القروض المصرفية, فإن العدالة تقتضي التعامل بالمثل عندما تقصر الجهة المشغلة في الإيفاء بالتزاماتها المالية في الوقت المحدد.
حيث إن الراتب ليس منحة بل هو مقابل جهد مبذول وارتباطات حياتية لا تقبل التأجيل, وتكمن ضرورة هذه الغرامة في كونها تعويضاً مادياً عن الأضرار النفسية والمادية التي تلحق بالموظف, نتيجة تراكم الفوائد البنكية عليه أو اضطراره للاقتراض بأسعار باهظة لتسيير شؤون عائلته.
كما أن وجود تشريع يفرض غرامات التأخير سيعمل كأداة ضغط فاعلة لإجبار المؤسسات المالية والإدارية على تنظيم حساباتها بدقة, وتجنب التلكؤ في إطلاق المستحقات مما يعزز الثقة بين المواطن والدولة, ويضمن تدفق السيولة في السوق بشكل منتظم, ويحمي الاقتصاد الوطني من الهزات المفاجئة, ويضع حداً لسياسة التسويف التي تدفع ثمنها الطبقات العاملة وحدها.


• الحلول المقترحة لتلافي أزمة تأخير الرواتب
تتمثل الحلول المقترحة لإنهاء أزمة تأخير الرواتب في العراق, في تبني استراتيجية شاملة تعتمد على تنويع مصادر الدخل, بدلاً من الاعتماد الكلي على الريع النفطي, الذي يضع الدولة تحت رحمة تقلبات الأسعار العالمية, كما يتطلب الأمر تفعيل الأتمتة الإلكترونية الشاملة للنظام المالي والمصرفي, لضمان سرعة انتقال الأموال بين وزارة المالية والبنك المركزي والمصارف المواطنة, بعيداً عن الروتين الإداري القاتل.
ويبرز أيضاً مقترح إنشاء صندوق سيادي خاص للطوارئ يُقتطع من وفرة النفط في أوقات الصعود يخصص حصرياً لتغطية الرواتب في أوقات الأزمات المالية, بالإضافة إلى ضرورة حصر الأعداد الحقيقية للموظفين من خلال نظام البصمة الموحدة, للقضاء على ظاهرة الفضائيين وتكرار الرواتب التي تستنزف موازنة الدولة دون وجه حق.
مع أهمية تعزيز القطاع الخاص ليصبح شريكاً في استيعاب اليد العاملة, وتقليل الضغط عن القطاع العام, مما يؤدي في النهاية إلى استقرار مالي, يضمن تدفق المستحقات في مواعيدها الثابتة, ويعزز من هيبة المؤسسات الحكومية أمام المواطن.



#اسعد_عبدالله_عبدعلي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة: لوحة صامتة
- أسباب ارتفاع أسعار البيض في العراق
- الكيان الصهيوني وإثيوبيا يضعان خطة ضد مصر
- أزمة الحصول على بيت في العراق
- روسيا تنتصر, وأمريكا تذل أوروبا
- الحب وحده لا يكفي في زمن الجميني
- الانتخابات طريقنا لإصلاح الواقع
- مؤتمر العريش بين خبث نتنياهو وطموحات ترامب
- لماذا المشاركة بالانتخابات مهمة جدا؟
- الموناليزا في باب المعظم
- صوتك يبني .. المشاركة بالانتخابات هي الحل
- قمة الدوحة والتحديات الكبيرة
- فريقنا الكروي نحو مشنقة الثورة
- لماذا الحكومة اللبنانية تسعى لنزع سلاح حزب الله ؟
- ضرورة خط باص حكومي -المصلحة- الى باب المعظم
- دوافع انتاج مسرحية صاروخ العابد
- غريب ما حصل مع الرئيس!
- الأكراد وموقفهم من الانتخابات القادمة
- عدي صدام والفترة المظلمة للرياضيين العراقيين
- ترامب والرغبة بالسيطرة على قناة السويس


المزيد.....




- ساهم بالعديد من الاكتشافات.. عالم الآثار الجنائية هذا في مهم ...
- فيديو متداول لـ-تحطيم عناصر الأمن السوري شجرة عيد الميلاد-.. ...
- اليمن.. العليمي يعلق على استجابة السعودية لحماية المدنيين من ...
- -2025 عامٌ مات فيه الغرب، والمقبل قد يكون أسوأ- - مقال في ال ...
- غزة: غاراتٌ وقصفٌ مدفعي وأزمة وقود بالمستشفيات.. وترامب يحضر ...
- -هل يعرف أحد ما هي؟-.. ترامب يرفض اتباع خطى إسرائيل في الاعت ...
- زيلينسكي: الهجمات الروسية الأخيرة تؤكد رفض موسكو إنهاء الحرب ...
- كأس أفريقيا تنعش أسواق الرباط وتحوّلها إلى فضاءات نابضة بالح ...
- الملك تشارلز يثمن وحدة التنوع المجتمعي ببريطانيا
- بالاو توافق على استقبال مهاجرين مرحلين من الولايات المتحدة


المزيد.....

- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اسعد عبدالله عبدعلي - تأخر الرواتب مصيبة فقط على محدودي الدخل