اسعد عبدالله عبدعلي
الحوار المتمدن-العدد: 8535 - 2025 / 11 / 23 - 09:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في سابقة مدوية ومفاجئة، أفادت التقارير الاخبارية بأن الادارة الامريكية تمارس ضغوطًا على أوكرانيا, بهدف إبرام اتفاق يُوصف بأنه استسلام مُهين أمام موسكو، وهو ما يُعتبر أضخم هزيمة عسكرية واستراتيجية للغرب منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية! وتُعدّ هذه اللحظة إذلالًا غير مسبوق، ومن المتوقع أن تُسجل في صفحات التاريخ على أنها المرة الأولى التي يُذعن فيها الغرب بالكامل لروسيا, من دون أن تضطر الأخيرة لخوض اشتباك عسكري مباشر مع حلف الناتو, كيف يمكن لأوروبا الغربية ان تقبل هذا الاذلال؟ هل نحن في بداية فترة جديدة تنهي سطوة أوروبا الغربية على العالم, بعد عقود من الترف والحياة المرفهة؟
وتكمن المفارقة والصدمة في أن واشنطن ذاتها هي من تقود جهود الضغط! من أجل الإعلان الرسمي عن بنود هذه الصفقة التي تُمثل إقرارًا بالهزيمة أمام موسكو.
• الكشف عن وثيقة "الاستسلام"
تشير تقارير أمريكية وأوروبية حديثة، صدرت قبل ساعات قليلة، إلى أن الإدارة الأمريكية، وتحديداً في عهد ترامب، تمارس ضغطًا هائلاً على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للتوقيع على مسودة اتفاق سلام جديدة مع موسكو. وبحسب ما نقلته وسائل الإعلام الغربية، فإن هذه المسودة تتضمن 28 بندًا كارثيًا.
إن القراءة المتعمقة لفقرات هذه الوثيقة توحي بأنها صيغت في مكتب فلاديمير بوتين بالكرملين وليست في البيت الأبيض! إنها في جوهرها وثيقة تنازلات كاملة الأركان: تتضمن التخلي عن أراضٍ سيادية، والتنازل عن حق الانضمام إلى حلف الناتو، إضافة إلى تقليص شامل لحجم القوات المسلحة. كل هذه التضحيات مقابل مجرد وقف إطلاق النار.
• ما السبب لإعلان إيقاف حرب متعجل؟
دعونا نضع هذا التساؤل: لماذا وصلت أوكرانيا إلى هذا المأزق؟ ولماذا تضغط الولايات المتحدة فجأة على زيلينسكي للتوقيع بالإكراه على وثيقة استسلام؟
الجواب: إن السر يكمن في الحقيقة المروعة التي تتكشف في أوروبا الآن، والتي لم يعد بوسع الإعلام الغربي إخفاؤها: الا وهي ان أوكرانيا تنهار داخليًا وبطيئًا, حيث فشل الهجوم المضاد الذي شنته كييف عام 2023، وقد عُلّقت عليه آمال كبيرة لاستعادة الأراضي، فشلاً تاريخيًا مدويًا, وكذلك عامل آخر وهو النقص الحاد في القوات والمعدات, حيث يعاني الجيش الأوكراني حاليًا من نقص حاد في الذخيرة ونقص غير مسبوق في الجنود، حيث تشير التقارير الغربية إلى هروب أعداد هائلة من المقاتلين من مواقعهم... بالإضافة الى النقص في المعدات الثقيلة, وكذلك طول خطوط الجبهة, كل هذا ادى إلى انهيار الدفاعات الأوكرانية في عدة قطاعات, وتكبد خسائر حرجة تقترب من مصطلح التدمير المطلق.
في المقابل، تتقدم روسيا بسرعة غير متوقعة في دونيتسك و زاباروجيا و خاركيف. وقد سيطرت رسميًا على 90% من إقليم دونباس, والذي كان سبب الحرب، وحوالي 70% من زاباروجيا وخيرسون، بالإضافة إلى السيطرة الكاملة على مناطق حدودية في سومي ودنيبرو.
• فوضى وشلل في أوروبا الغربية
يمكن تلخيص ما يحدث بالجملة: شلل أوروبا الاستراتيجي, ففي الوقت الذي تنهار فيه كييف، تكافح أوروبا للحفاظ على صمودها, حيث دخلت أوروبا في حالة مخيفة؛ إذ تعاني من أسعار طاقة باهظة نتيجة نقص النفط والغاز، وتضخم متزايد، وصعود اليمين المتطرف, مع ضعف الاستعداد العسكري, حيث قوات الناتو غير مُدربة وغير مستعدة لخوض حرب غير تقليدية, باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ الدقيقة. فالدخول في مثل هذه الحرب يعني مقتل مئات الآلاف من جنودها، نظرًا لأسلوب الحرب الروسي الجديد, والذي يعتمد على آلاف المسيرات الرخيصة لتدمير الآليات والوحدات العسكرية باهظة الثمن.
هذا التهديد دفع جنرالاً فرنسياً كبيراً إلى التحذير الرسمي للمواطنين: "استعدوا لفقد أولادكم في الحرب", في حال دخول فرنسا في معركة مستقبلية ضد روسيا.
وفي هولندا، بدأت السلطات بتوزيع كتيبات إرشادية حول كيفية العيش ثلاثة أشهر دون كهرباء وماء، مما يؤكد مدى اقتراب الخطر.
• ما هي بنود الاتفاقية المذلة؟
تتساءل التقارير عن مدى خطورة الوضع، وتكشف عن تفاصيل البنود المزلزلة للاتفاقية.. التي أهمها:
اولا: التنازل عن الأراضي والاعتراف بها: حيث تنص البنود على أن تتنازل أوكرانيا رسميًا عن إقليمي دونباس وشبه جزيرة القرم، والاعتراف بهما كـأراضٍ روسية بصفة رسمية.
ثانيا: السيطرة على المناطق المحتلة: يجب على كييف التخلي بالكامل عن السيطرة على خطوط التماس والاشتباك في منطقتي خيرسون و زاباروجيا. كما سيتم تقسيم حصة الطاقة المولدة من المحطة النووية في زاباروجيا بين أوكرانيا وروسيا بالتساوي.
ثالثا: نزع السلاح وتعديل الدستور: يُطالب الاتفاق أوكرانيا بتعديل دستورها لـ حظر الانضمام النهائي لحلف شمال الأطلسي، مع نزع سلاحها الهجومي وتحديد سقف لقواتها المسلحة لا يتجاوز 600 ألف جندي.
• ما هي مكاسب روسيا من وقف الحرب؟
يُطرح التساؤل مهم جدا.. وهو: يا ترى ما هي مكاسب روسيا من ايقاف الحرب خصوصا في فترة تقهقر الجيش الاوكراني؟
إن التنازل الروسي، الذي يُقدم بكل تقدير واحترام، يتمثل في مقابل السماح لروسيا بالعودة التدريجية إلى منظومة الاقتصاد العالمي، واستعادة مكانتهم و مقعدهم في مجموعة الثمانية الاقتصادية, هذا يحدث بعد أشهر قليلة فقط من وصف الدول الغربية لروسيا بأنها "ستكون منبوذة على المدى الأبدي"!
أن التنازل المُفترض من روسيا هو في حقيقته مكسب هائل لها. فبدلًا من أن تخسر، هي تستعيد مكانتها الدولية والوصول إلى الاقتصاد العالمي، مُلغية بذلك كافة العقوبات وخطابات النبذ التي أطلقها الغرب في وقت سابق, مثلا الأصول المُصادرة تتحول إلى رأس مال شراكة.
يتضمن الاتفاق بندًا يمنح روسيا الحق في المشاركة في مشاريع مشتركة مع الولايات المتحدة وأوروبا, وستتم هذه المشاركة عبر صندوق استثمار ضخم يتم تأسيسه تحديدًا من الأصول الروسية, التي كانت الدول الغربية قد صادرتها كإجراء عقابي بعد الغزو، والتي تُقدر بحوالي 100 مليار دولار أمريكي, حيث ستُعاد هذه الأموال المُصادرة إلى روسيا لاستثمارها في مشاريع مشتركة.
والأدهى من ذلك، هو أن الولايات المتحدة ستحصل على نسبة 50% من أرباح مشاريع إعادة إعمار أوكرانيا، التي ستُمول جزئيًا بأموال روسيا المُجمدة في أوروبا، في حين سيتكبد الأوروبيون الخسارة الأكبر, أي أنهم سيكونون الخاسرين من الصفقة.
• شرعنة الاحتلال الروسي للأرض الاوكرانية
ان الكارثة الأعظم، والتي جعلت الصحف والمحللين يصفون هذه الاتفاقية بأنها إعلان هزيمة شاملة ونهائية ، فتكمن في أن بنودها تمنح روسيا اعترافًا دوليًا غير مباشر بسلطتها وسيطرتها على الأراضي التي احتلتها من أوكرانيا. وفي المقابل لا تحتوي الاتفاقية على أية فقرة تضمن بشكل فعلي أو قاطع, عدم قيام روسيا بمهاجمة أوكرانيا مجددًا في المستقبل, مما يجعل كل هذه التنازلات الاوربية بلا قيمة استراتيجية لأوكرانيا. "التسوية"، بينما تترك أوكرانيا في وضع ضعيف وغير مضمون، وتُحول العقوبات الغربية إلى أداة لتمويل الشراكات الجديدة مع موسكو.
ووصفته صحيفة "التلغراف" البريطانية بأنه "استسلام مفروض" وليس "سلامًا متفاوضًا عليه", يُطلب من أوكرانيا، وهي الدولة التي سلمت سلاحها النووي بموجب اتفاقية بودابست عام 1994 مقابل ضمانات أمنية من أمريكا وبريطانيا وروسيا، أن تُوقّع اليوم على وثيقة هزيمة وتخلٍّ عن السيادة والأرض.
• الرسالة صارخة للصين
تمثل هذه الاتفاقية سابقة بالغة الخطورة في التاريخ العالمي؛ فإذا تمكنت قوة نووية كـ روسيا من غزو والاستيلاء على أراضي دولة حليفة لأمريكا وأوروبا وتحقيق النصر، فإن هذا يفتح الباب أمام أي دولة قوية مسلحة نوويًا لفعل الشيء ذاته.
هذه الرسالة وصلت بوضوح إلى الصين. وهذا هو السبب وراء البركان الذي يغلي في شرق آسيا، مع مؤشرات قوية على أنه على وشك الانفجار في بحر الصين الجنوبي. تبدو الصين وكأنها تستعد لهجوم نهائي وشيك على جزيرة تايوان. وقد تسببت هذه التطورات في أزمة كبيرة مع اليابان، التي أعلنت ولأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية أنها ستعود للتسلح الكامل، وأنها ستتدخل عسكريًا في حال غزو تايوان.
#اسعد_عبدالله_عبدعلي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟