عمر حمش
الحوار المتمدن-العدد: 8568 - 2025 / 12 / 26 - 00:10
المحور:
الادب والفن
ذاك الرجل من أفقده صوابه .. حين أتوه به؛ ظنّه كالآخرين، ساعةً ويخرّ، أوثقه إلى المقعد، الذي خلع إحدى قوائمه، وجعلها هراوة، وقال له:
لا تعوّج .. إن وقعت؛ قتلتك.
صارع عموده الفقريّ، وخذل ساقيه، وبعد أيامٍ؛ أتاه ..
فكّ عصبة عينيه؛ وصاح:
لا تعترف .. يا بطل.
رفع رجل المقعد، وهوى بها .. صارت تروح، وتجيئ .. جُنّ فوقه، وصراخه صار لازمة إيقاع .. ظنّ أقصاها ساعة، ظنّ أقل، دقائق ويذوي، يتدحرج كورقة ريح.
في المعتقل كانوا يسمونه: السفاح.
لكنّهم كانوا يخفتون، يسقطون بين ساقيه، ثمّ ينزع الوثاق، يفكّ أصفاد اليدين، ويهيئ الأوراق، ويكون قد هجع النّواح، وصار همهمة .. يكتب ما شاء، يزيد ما شاء، وكفّ الآخر ترتعش بالقلم.
هي ضربة واحدة، ربما اثنتان، عشرة، يستنجدُون، وهم ينوحون، وهو يضحك بلذةٍ عارمة:
لا تعترف
ينبحون كجراءٍ، ثمّ يموؤون كقطط .
يفتح درجا، ويقفله ..
وضعنا ربّك هنا ..
لكنّ ذاك الرجل من قهره، لم يستنجد، لم ينادِ، والمصيبة أنّه ابتسم، فعلا ابتسم، صرخ في البدء، لكنّه عاد صمت، وعندما زادته الهراوة؛ ابتسم ..
مال بالمقعد، لكنّه ارتفع .. حدّق في السقف، وراح بعيدا، وبدا مرتاحا كمن ملك الدنيا.
لحظتها كانت الابتسامة تتسع، تعمّ العينين المحدّقتين، والجبين المضيئ المرتفع.
بعدها تناسخت، نزلت عن المقعد المعوّج، وصعدت المكتب الأملس، ثمّ تكاثرت على الجدران.
وحده المحقّق كان عبس، والهراوة الشاحبة ارتخت.
حين حملوه؛ أدخلوا جسده الثلاجة، لكنّ ابتسامته ظلّت، غادر المحقّق؛ فلاحقته .. عبرت بيته كطيرٍ رشيق، اقتحمت غرفة نومه، ثمّ خرجت، تقافزت بمدخل الشارع كحارس، ويرقبها المحقّق من النافذة، وهو ذاهل، وظلّ صامتا؛ لا يجيب، وزوجته تسأله عن سرّ تحوله الطارئ.
#عمر_حمش (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟