عمر حمش
الحوار المتمدن-العدد: 8348 - 2025 / 5 / 20 - 19:30
المحور:
الادب والفن
قبيل هذه الحرب؛ حدثني الشيخ جميل عبر الهاتف النقّال عن شيءٍ من مشاهداته في أمريكا.
كلّ ما قاله؛ أدهشني.
لكن لماذا سألته عن المعكرونة؟
أنا عن نفسي لم أحبها أبدا، ودوما رأيتها عجينا تقطّع، ثمّ نُشّف، وطُبخ؛ فصار أمعاءً.
قال الشيخ: لم أتذوقها في أمريكا.
واستطرد: كرهت سماها من أيام رَشتة أمّي.
استغرقت في ضحكٍ، وقد أعادني إلى أيام الهجرة الأولى؛ حينما كانت أمهاتنا يتدبرن قوتنا من طحين وكالة الغوث وعدسها.
الشيخ جميل مثلي، لا ينسى، ولن ينسى مهما حسن حاله، فهو المبتَلى كغيره من أدباء نكبتنا بذاكرته العنيدة.
صباح التكية:
اليوم انتظرنا وصول عربة الحمار .. هلل الصغار، وتدافع الخلق، وعلا الصياح، وقال من هم حولي:
جاءت.
جوعى نحن، ننام على لحم بطوننا.
هرول الصغار مع الطناجر الفارغة إلى دست التكية.
الطباخون لا يتقنون الطبخ، وفي غياب الخبز، سنتخيل الأرز المعجّن لذيذا.
قد يكرمنا الطباخون بحبات الفاصولياء العائمة، أو بقليلٍ من شوربة العدس الأصفر.
لكنّ هذه المرّة عاد الصغار بمعكرونة.
وددت لو اتصلت بالشيخ جميل؛ الذي أكرمني بتواصله الدائم طيلة أيام الحرب، فأخبره عن رَشتة أمهاتنا التي عاودتنا من غير عدس، لا أسمر، ولا أصفر.
في قاع الطنجرة تمدّدت أمعاءٌ مع بعض صلصةٍ، بدت دما متناثرا.
معدتي أغمضت ذاكرتها.
هذا فطور زمن الخيبة، حمله طفل، عارك؛ فاستبسل.
معدتي أغمضت، لكنّ عقلي تيقظ مع أمعاءٍ المعكرونة المدماة، فكانت أشلاءً تقطعت، وسائلُ الصلصةِ كان دما مسفوكا يصيح.
من يغمض عقلي قليلا؟
انا شأني شأن مولاي الشيخ جميل السلحوت الذي عقله لا ينام.
ومن عقله ينامُ في زمنٍ؛ لا يقوى فيه كلّ العربان على إيصال رغيف خبزٍ لأيتامِ غزةَ الجريحة.
#عمر_حمش (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟