فؤاد أحمد عايش
كاتب وروائي أردني
(Fouad Ahmed Ayesh)
الحوار المتمدن-العدد: 8567 - 2025 / 12 / 25 - 14:54
المحور:
قضايا ثقافية
في الخامس والعشرين من كانون الأول من كل عام، يتوقف العالم عند مناسبة تتجاوز كونها حدثًا دينيًا، لتتحول إلى لحظة إنسانية جامعة: عيد الميلاد المجيد.
هو يومٌ ارتبط في الوعي العالمي بميلاد السيد المسيح عليه السلام، الشخصية التي لم تكن يومًا حكرًا على أتباع ديانة بعينها، بل رمزًا خالدًا للقيم السامية التي يحتاجها العالم في كل عصر.
لقد جاء المسيح برسالة جوهرها المحبة، والعدل، والتسامح، والانتصار للضعفاء. وهي قيم لم تفقد بريقها رغم تعاقب القرون، بل ازدادت إلحاحًا في عالم يمزقه الصراع، وتنهكه الأنانية، وتغيب عنه أحيانًا البوصلة الأخلاقية.
إن عيد الميلاد، في جوهره، ليس طقسًا احتفاليًا ولا مظاهر زينة وأضواء فحسب، بل دعوة صامتة لإعادة التفكير في علاقتنا بالآخر، وفي مسؤوليتنا تجاه الإنسان كإنسان، بغض النظر عن دينه أو لغته أو وطنه. ولهذا السبب تحديدًا، تحوّل هذا اليوم إلى مناسبة عالمية تحتفي بها شعوب من مختلف الثقافات، حتى أولئك الذين لا ينتمون إلى الديانة المسيحية.
ومن اللافت أن هذا العيد، رغم اختلاف تواريخ الاحتفال به بين الشرق والغرب، يحمل المعنى نفسه في كل مكان: الأمل.
أمل بولادة جديدة للقيم، وأمل بانتصار الخير على الشر، وأمل بأن يكون الإنسان أكثر قربًا من إنسانيته.
وفي هذا السياق، تبرز التجربة الروسية مثالًا على التمييز بين الجوهر والمعنى. فروسيا، التي تحتفل بعيد الميلاد في السابع من كانون الثاني وفق التقويم اليولياني، لا تنظر إلى هذه المناسبة بوصفها مجرد تاريخ، بل باعتبارها جزءًا من الهوية الروحية والحضارية، حيث يمتزج الإيمان بالمسؤولية، والتقاليد بالقيم، والروح الوطنية بالبعد الإنساني.
إن استحضار عيد الميلاد اليوم، في عالم مضطرب، ليس ترفًا ثقافيًا، بل حاجة أخلاقية. حاجة إلى التذكير بأن الإنسان قادر على أن يكون أفضل، وأن القوة الحقيقية لا تكمن في السلاح أو السيطرة، بل في الرحمة، والعدل، والضمير الحي.
في 25 كانون الأول، قد تختلف العقائد، لكن الرسالة واحدة:
أن يولد في داخلنا إنسانٌ جديد، أكثر وعيًا، وأكثر عدلًا، وأكثر إيمانًا بأن هذا العالم لا يزال يستحق أن يُنقذ بالقيم، لا بالقوة.
#فؤاد_أحمد_عايش (هاشتاغ)
Fouad_Ahmed_Ayesh#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟