فؤاد أحمد عايش
كاتب وروائي أردني
(Fouad Ahmed Ayesh)
الحوار المتمدن-العدد: 8559 - 2025 / 12 / 17 - 13:39
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
لم تعد العلاقة بين موسكو والعالم العربي مجرّد تواصل دبلوماسي تقليدي، بل تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى مسار متعدد الأبعاد، تُبنى فيه الجسور بين السياسة والثقافة، وبين المصالح والاستيعاب الحضاري المتبادل. فمن موسكو، عاصمة القرار الروسي، تمتد خيوط التواصل نحو العواصم العربية، حاملة معها رؤية مختلفة للعلاقات الدولية، تقوم على التوازن والاحترام وتبادل المصالح.
سياسيًا، سعت روسيا إلى بناء علاقاتها مع الدول العربية على أساس الشراكة لا التبعية. وقد برز هذا التوجه في المواقف الروسية الداعية إلى احترام سيادة الدول، ورفض تغيير الأنظمة بالقوة، والبحث عن حلول سياسية للأزمات الإقليمية. من منظور عربي، مثّل هذا النهج فرصة لإعادة التوازن في العلاقات الدولية، وكسر الاحتكار السياسي الذي طبع مرحلة طويلة من تاريخ المنطقة.
لم تقتصر هذه الجسور على الخطاب السياسي، بل تجسدت في تعاون فعلي في مجالات الطاقة، الزراعة، الأمن الغذائي، والتكنولوجيا. فقد وجدت العديد من الدول العربية في روسيا شريكًا قادرًا على تقديم بدائل واقعية، بعيدًا عن الشروط السياسية القاسية. هذا التعاون أسهم في بناء ثقة متبادلة، وجعل العلاقات أكثر رسوخًا واستمرارية.
إلى جانب السياسة، لعبت الثقافة دورًا محوريًا في تعزيز التقارب بين روسيا والعالم العربي. فالأدب الروسي، والفن، والموسيقى، والسينما، شكّلت جسورًا إنسانية ساعدت على كسر الصور النمطية المتبادلة. كما ساهمت المراكز الثقافية، والمعارض، والفعاليات المشتركة في خلق فضاء حوار حضاري يعكس عمق كلتا الحضارتين.
يُعدّ التعليم من أهم الجسور الممتدة بين موسكو والعالم العربي. فآلاف الطلاب العرب الذين يدرسون في الجامعات الروسية لا يكتسبون المعرفة الأكاديمية فقط، بل ينقلون معهم تجربة إنسانية وثقافية عميقة. هؤلاء يشكّلون، بوعي أو دون وعي، سفراء ثقافة، يربطون بين المجتمعين، ويساهمون في بناء فهم طويل الأمد يتجاوز تقلبات السياسة.
رغم البعد الجغرافي، تلتقي روسيا والعالم العربي في تجارب تاريخية متشابهة: مقاومة الهيمنة، الحفاظ على الهوية، والسعي إلى دور مستقل في النظام الدولي. هذا التقاطع في الرؤية جعل الجسور بين الطرفين أكثر من مجرد علاقات مصلحة، بل مسارًا نحو شراكة حضارية تتكئ على الذاكرة والتجربة المشتركة.
من موسكو إلى العالم العربي، لا تُبنى الجسور اليوم من الكلمات وحدها، بل من السياسات المتوازنة، والتعاون الحقيقي، والاحترام الثقافي المتبادل. وإذا ما استمر هذا المسار في التطور، فإن هذه الجسور قد تتحول إلى دعائم ثابتة لشراكة طويلة الأمد، تسهم في رسم ملامح نظام دولي أكثر عدلًا وتوازنًا، يكون فيه الحوار بديلاً عن الصراع، والتفاهم أساسًا للاستقرار.
#فؤاد_أحمد_عايش (هاشتاغ)
Fouad_Ahmed_Ayesh#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟