أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إسماعيل نوري الربيعي - جدلية التحوّل ورؤية التاريخ في قصيدة المؤرخ والشاعر خالد السعدون















المزيد.....

جدلية التحوّل ورؤية التاريخ في قصيدة المؤرخ والشاعر خالد السعدون


إسماعيل نوري الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 8567 - 2025 / 12 / 25 - 09:14
المحور: الادب والفن
    


في هذه القصيدة المكثفة من حيث البنية والدلالة، يقدّم المؤرخ والشاعر خالد السعدون نصاً يقوم على رؤية فلسفية للتاريخ والحياة، رؤية تجعل من التحول قانوناً كلياً لا يقبل التعطيل ولا المساومة. ولأن النص لا يكتفي بالتعبير الوجداني بل ينزع إلى بناء تصور فكري شامل، فإن مقاربته عبر منهجية البنيوية التوليدية تبدو مناسبة، بوصفها منهجاً يربط البنية الداخلية للنص بالسياق الاجتماعي والتاريخي المنتج له، ويكشف ما يسميه لوسيان غولدمان "رؤية العالم" الكامنة خلف الخطاب الأدبي. تنطلق البنيوية التوليدية من فرضية أساسية مفادها أن النص الأدبي ليس تعبيراً فردياً محضاً، بل هو بنية دالة تعكس وعياً جمعياً أو وعياً طبقياً أو تاريخياً، يتجسد في صيغ لغوية ورمزية. وبناء على ذلك، فإن قصيدة خالد السعدون يمكن قراءتها بوصفها تعبيراً عن وعي تاريخي عقلاني، تشكّل في سياق خبرة طويلة بالتحولات السياسية والاجتماعية، خبرة المؤرخ الذي يرى في الثبات موتاً، وفي الاستقرار الطويل علامة زوال.
أول ما يلفت النظر في البنية العميقة للنص هو مركزية مفهوم التحول. فالقصيدة تفتتح بجملة تقريرية شبه تعريفية "سمة الحياة تحول متتال"، وهذه الجملة تؤدي وظيفة بنيوية تأسيسية، إذ تقوم مقام المسلمة الأولى التي ستتوالد منها باقي الدلالات. في مصطلحات البنيوية التوليدية، يمكن اعتبار هذه الجملة نواة دلالية أو بنية عميقة، تتفرع عنها بنيات سطحية متعددة عبر الأمثلة والتشبيهات والتحذيرات. يؤكد الشاعر أن الاستقرار ليس حالة إيجابية، بل علامة إنذار "فإذا استقرت آذنت بزوال". هنا ينتقل النص من توصيف كوني إلى بعد تاريخي سياسي، من دون أن يصرّح بذلك مباشرة. فالبنية الدلالية العميقة تحيل إلى المجتمعات والأنظمة التي تجمّد الزمن، وتمنع التداول، وتقاوم التغير. هذا الانتقال غير المباشر من الطبيعي إلى الاجتماعي ينسجم تماماً مع مفهوم "التماثل البنيوي" عند غولدمان، حيث تتشابه بنية النص مع بنية الواقع الاجتماعي الذي يعكسه. في المستوى التركيبي، يعتمد النص على خطاب تعليمي إرشادي، يتجلى في أفعال الأمر "دقق تجد"، "فاضبط خطاك"، "إن زاغ منك الذهن". هذا الخطاب لا يخاطب فرداً بعينه، بل يخاطب ذاتاً جماعية عقلانية، ما يعزز فرضية أن المتكلم هنا ليس شاعراً فردياً فقط، بل هو حامل لرؤية جماعية، أو ما تسميه البنيوية التوليدية "الذات المتعالية" التي تتجاوز الفرد لتعبّر عن وعي تاريخي أوسع. أما البنية الزمنية في القصيدة، فهي قائمة على التعاقب لا على الخطية البسيطة. الزمن هنا ليس ماضياً منجزاً ولا حاضراً مستقراً، بل سلسلة من اللحظات المتتابعة "إن ينتهي الداني يجيء التالي". هذا التصور الزمني يتقاطع مع الرؤية الجدلية للتاريخ، حيث لا وجود لنقطة توقف، بل حركة دائمة تنتج الجديد من قلب القديم. وبهذا المعنى، فإن القصيدة تنتج ما يمكن تسميته بنية زمنية توليدية، حيث يولّد الزمن نفسه بنفسه عبر التعاقب.
في موضع آخر، يقدّم النص تحذيراً صارماً من مخالفة "قانون الحياة". القانون هنا مفهوم محوري، لأنه ينقل التحول من كونه ملاحظة إلى كونه قاعدة حاكمة. "إن زاغ منك الذهن عن قانونها تهوي وتسحق تحتها بنعال". الصورة هنا عنيفة وقاسية، وتعكس تصوراً حتمياً للتاريخ. من منظور بنيوي توليدي، تمثل هذه الصورة مستوى من التوتر بين الذات والنسق، حيث لا مجال للفعل الحر خارج إدراك قوانين التحول. الحرية هنا ليست في مقاومة القانون، بل في فهمه والتكيف معه. تبلغ البنية الاجتماعية للنص ذروتها في الأبيات التي تتناول الحكم والبلاد. "كل البلاد إذا تأبد حكمها صارت سجوناً لا تطاق بحال". في هذا المقطع، ينتقل النص صراحة من المستوى الكوني إلى المستوى السياسي، ويكشف بوضوح عن الرؤية الاجتماعية التي تحكمه. التأبيد هنا نقيض التحول، والسجن هو الصورة المجازية للجمود. هذا التقابل الثنائي بين التحول والسجن، بين التعاقب والتأبيد، يشكّل أحد أهم الثنائيات الضدية التي تنتظم البنية الدلالية للقصيدة، وهي ثنائيات مركزية في التحليل البنيوي. في المقابل، يقدّم الشاعر نموذج "العاقلين" الذين "رضوا الجديد بدون طول جدال". العقل هنا ليس مجرد قدرة ذهنية، بل هو موقف تاريخي وأخلاقي. العقلاء هم من يدركون منطق التحول، ويقبلون به، بل يستلهمون من الطبيعة حكمها. الطبيعة هنا تؤدي وظيفة مرجعية عليا، تمنح الشرعية للتغير، وتحوّل القبول بالجديد من خيار سياسي إلى ضرورة كونية. في مصطلحات البنيوية التوليدية، يمكن القول إن النص يؤسس لعلاقة تماثل بين بنية الطبيعة وبنية المجتمع، ويجعل من الأولى نموذجاً تفسيرياً للثانية.
ويصل النص إلى ذروة تركيبه الفكري في قوله "فالخير رهن تعاقب الأجيال". هنا تتجسد الرؤية التوليدية بأوضح صورها، إذ يصبح الجيل وحدة التحول الأساسية. كل جيل يحمل خياره ومساره، ولا ضير في الأشكال. هذه المرونة في الأشكال مقابل ثبات القانون تؤكد أن القصيدة لا تدافع عن نموذج محدد، بل عن مبدأ عام. وهذا ما يمنح النص طابعاً مفتوحاً وقابلاً للتأويل عبر سياقات تاريخية متعددة. أما الخاتمة، فهي تتخذ طابعاً أخلاقياً وجودياً. الفهم يؤدي إلى نيل المشتَهى، والتخلي عن "رثاثة الأسمال". الرثاثة هنا ليست مادية فقط، بل رمزية، تشير إلى الأفكار البالية والهويات المتكلسة. وبذلك، فإن التحول لا يكون سياسياً أو اجتماعياً فقط، بل ذاتياً أيضاً. الذات التي تفهم قانون التحول تتحرر من أثقال الماضي، وتدخل في دورة الحياة بوعي جديد. خلاصة القول، إن قصيدة خالد السعدون تشكّل بنية شعرية فكرية متماسكة، تعكس رؤية عالم عقلانية تاريخية، ترى في التحول قانوناً كلياً، وفي الجمود خطيئة وجودية. ومن خلال منهجية البنيوية التوليدية، يتضح أن النص ليس خطاباً وعظياً معزولاً، بل هو نتاج وعي تاريخي جمعي، يتقاطع فيه الطبيعي بالاجتماعي، والفلسفي بالسياسي، ليقدّم تصوراً شاملاً لمعنى الحياة والتاريخ والإنسان. تنتمي هذه القصيدة إلى بحر الكامل، وهو من البحور الصافية القوية، ويشيع استعماله في الشعر الفكري والخطابي والحِكمي، لما يتيحه من سعة إيقاعية وقدرة على احتواء التقرير الفلسفي والنبرة الوعظية العقلانية، وهو ما ينسجم تماماً مع طبيعة النص ورؤيته. والمستندة إلى تفعيلة متفاعلن ثلاث مرات في كل شطر، توظّف زحافات خفيفة لا تخرجها عن سلامة الوزن، تستثمر إيقاع الكامل في بناء خطاب فكري تاريخي صارم، وهذا يؤكد أن الشاعر لم يكتفِ برؤية فلسفية واضحة، بل صاغها داخل نسق إيقاعي راسخ يخدم المعنى ويقوّي أثره.

نص القصيدة؛
سِمَةُ الحياةِ تَحَوّلٌ مُتتالي
فإذا استَقَرّتْ آذَنَتْ بزَوالِ م
دَقِّقْ تَجِدْ سيماءَها مبثوثةً
في أَلفِ أَلفِ قرينةٍ ومِثالِ
فاضْبُطْ خُطاكَ على تتابُعِ خطْوٍها
إن ينتهي الداني يَجيىءُ التالي
إن زاغَ منك الذّهْنُ عن قانونِها
تَهوي وتُسحَقُ تحتها بنعالِ
غِرٌ بليدٌ من يحاولُ حَبْسَها
كيما يُعيقُ تَبَدّلَ الأحوالِ
كلُّ البلادِ اذا تَأبَّدَ حُكْمُها
صارت سجوناً لا تُطاقُ بحال
والعاقلونَ إذا أرادوا خيرَها
رضوا الجديدً بدونِ طولِ جدالٍ
يستلهمونَ من الطبيعةٍحكمَها
فالخيرُ رَهْنُ تعاقبِ الأجيالِ
وِلُكلِ جيلٍ إذ يجيءُ خيارُهُ
ومسارُهُ لا ضيرَ في الأشكالِ
فإذا فهمتَ الأمرَ نلتَ المُشتهى
.ونَضَوتَ عنكَ رَثاثَةِ الأسمالِ



#إسماعيل_نوري_الربيعي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كريم شغيدل: حين يتحول السؤال إلى معرفة
- القصيدة بوصفها تميمة لغوية ضد وهم الاكتمال؛ قراءة في قصيدة ب ...
- مالك المطلبي ومحمد خضير: قراءة معرفية في سرد المدينة والحلم
- الضوء الذي يعيد كتابة القصيدة؛ قراءة في قصيدة إيمان بلبلي
- أين يقف اليسار العراقي في لحظة العراق الراهنة؟
- سردية الزمن الجميل: قراءة في مقولة نازك الأعرجي
- الهوس بالسلالة: كيف تحوّل الماضي إلى خرافة هوية معاصرة؟
- إجلال في الوجدان أكثر من المساندة في الصناديق
- الاقتصادي الدولي نوزاد الهيتي؛ قراءة في سيرة اقتصادي مؤثر
- التاريخ والتأويل
- العالم رهن النظرية
- العرب وتفاعلات السلطة والمجتمع


المزيد.....




- فنان هندي يصنع تمثالًا لبابا نويل باستخدام 1.5 طنًا من التفا ...
- مكتبة الحكمة في بغداد.. جوهرة ثقافية في قبو بشارع المتنبي
- وفاة الممثل الفلسطيني المعروف محمد بكري عن عمر يناهز 72 عاما ...
- قرار ترامب باستدعاء سفراء واشنطن يفاقم أزمة التمثيل الدبلوما ...
- عرض فيلم وثائقي يكشف تفاصيل 11 يوما من معركة تحرير سوريا
- وفاة الممثل والمخرج الفلسطيني محمد بكري عن عمر يناهز 72 عاما ...
- رحيل محمد بكري.. سينمائي حمل فلسطين إلى الشاشة وواجه الملاحق ...
- اللغة البرتغالية.. أداة لتنظيم الأداء الكروي في كأس أمم أفري ...
- بعد توقف قلبه أكثر من مرة.. وفاة الفنان المصري طارق الأمير ع ...
- نجوم يدعمون الممثل الأميركي تايلور تشيس بعد انتشار مقاطع فيد ...


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إسماعيل نوري الربيعي - جدلية التحوّل ورؤية التاريخ في قصيدة المؤرخ والشاعر خالد السعدون