أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إسماعيل نوري الربيعي - كريم شغيدل: حين يتحول السؤال إلى معرفة














المزيد.....

كريم شغيدل: حين يتحول السؤال إلى معرفة


إسماعيل نوري الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 8566 - 2025 / 12 / 24 - 03:52
المحور: الادب والفن
    


في الثناء على موهبة الشاعر والأكاديمي كريم شغيدل، لا نكتب سيرةً ولا نعيد ترتيب محطاتٍ معروفة، بل نفتح فضاءً للتأمل في تجربة فكرية تشكّلت خارج العجلة، ونمت خارج الإغواء السريع، واستقرت في منطقة نادرة بين الحساسية الشعرية والصرامة المعرفية. إن الحديث عن شغيدل هو حديث عن عقلٍ يعمل في العتمة ليصنع ضوءه الخاص، وعن كتابة لا تُطمئن القارئ بقدر ما تدعوه إلى اليقظة. ليس كريم شغيدل اسما يضاف إلى رف الباحثين، ولا صدىً يتردد في قاعة أكاديمية، بل هو اشتغال طويل النفس على الأسئلة التي تؤجل نفسها عمدا. يكتب وكأنه يحفر، لا على سطح النص، بل في طبقاته العميقة، حيث تتجاور اللغة مع السلطة، والجمال مع الإيديولوجيا، والشعر مع التاريخ. لذلك تبدو كتابته فعلا ثقافيا متراكما، لا حدثا عابرا، وموقفا معرفيا لا يُقاس بضجيجه، بل بأثره البطيء والعميق. في مشروعه الكبير حول الحداثة الشعرية في العراق، يتجلى جوهر موهبته. فكتاب "خطاب الحداثة: دراسة ثقافية لمشروع الحداثة الشعرية في العراق" لا يُقرأ بوصفه كتابا عن الشعر فحسب، بل بوصفه محاولة لفهم لحظة ثقافية كاملة، بكل ما فيها من توتر وادعاء وتناقض. الحداثة عند شغيدل ليست بطولة لغوية، ولا قطيعة نظيفة مع الماضي، بل سؤال مفتوح على الاحتمالات، ومجال صراع بين الرغبة في التحرر وإغراء السلطة الجديدة. إنه لا يتعامل مع الحداثة بوصفها إنجازا منجزا، بل بوصفها خطابا تشكل في سياق اجتماعي وسياسي وثقافي محدد، وتداخلت فيه الطموحات الجمالية مع رهانات التمثيل والهيمنة. لذلك لا يحتفي بالنص لأنه مختلف فقط، ولا يدينه لأنه غامض، بل يسأل عن شروط ظهوره، وعن اللغة التي شرعنته، وعن المؤسسات التي احتضنته أو عارضته. هنا تتجلى نبرة الباحث الذي لا ينحاز إلى النص قبل أن يفهمه، ولا يصطف مع التيار قبل أن يفككه.
يشتغل شغيدل على الشعر بوصفه فعلا ثقافيا، لا مجرد تعبير ذاتي. يرى في القصيدة مساحة تتقاطع فيها الذائقة مع الإيديولوجيا، واللغة مع السلطة، والذات مع الجماعة. لذلك فإن تحليله للحداثة الشعرية لا يقف عند التقنيات والأساليب، بل يتجاوزها إلى سؤال الخطاب: من يتكلم؟ وباسم من؟ ولأي جمهور؟ وما الذي يُقال، وما الذي يُقصى، وما الذي يُخفى تحت لافتة التجديد؟ في هذا الكتاب، لا نجد إغراء السرد التاريخي السلس، ولا متعة التصنيف السريع، بل نواجه قراءة تتقدم بحذر، وتعود إلى الوراء، وتفكك ما يبدو بديهيا. إن شغيدل لا يمنح القارئ خلاصات جاهزة، بل يدفعه إلى التفكير معه، وإلى الشك في المسلمات التي اعتادها. لذلك تبدو قراءة الكتاب أشبه برحلة ذهنية، تتطلب الصبر، لكنها تكافئ القارئ بفهم أعمق للمشهد الشعري، وللثقافة التي أنجبته.
اللافت في كتابة شغيدل هو قدرته على الجمع بين التحليل الصارم والحس اللغوي العالي. فالجملة عنده ليست أداة نقل فحسب، بل بنية مشدودة، لها إيقاع داخلي، وتوتر خفي. اللغة لا تُستخدم لتجميل الفكرة، بل لتكثيفها، ولحمايتها من التبسيط. لذلك لا يشعر القارئ أنه أمام نص أكاديمي بارد، بل أمام كتابة تعرف أن الفكر لا يعيش بلا لغة، وأن اللغة تفقد معناها إن لم تُحمّل بالأسئلة. كشاعر، حتى حين لا يكتب القصيدة صراحة، يحمل شغيدل حساسية شعرية واضحة. تظهر في اختياره للمفردات، وفي ميله إلى المفارقة، وفي قدرته على التقاط المعنى من حوافه لا من مركزه الصلب. هذه الحساسية تمنح كتابته الأكاديمية بعدا إنسانيا، وتمنعها من التحول إلى تمرين تقني. فهو لا يكتب ليُثبت، بل ليكشف، ولا يسعى إلى الإغلاق، بل إلى فتح منافذ جديدة للتأويل. إن ما يميز شغيدل، في مشروعه عن الحداثة، هو رفضه للثنائيات السهلة. لا يقف مع التراث ضد الحداثة، ولا مع الحداثة ضد التراث، بل يرى العلاقة بينهما علاقة توتر خلاق، لا صراع إلغاء. وهو في ذلك يتجنب الخطاب الاحتفالي، كما يتجنب الخطاب الإدانوي، مفضلا مقاربة تفهم قبل أن تحكم، وتفكك قبل أن تصنّف. هذا الموقف المعرفي يجعل من كتابه مرجعا لا لأنه يقدّم أجوبة نهائية، بل لأنه يعلّم القارئ كيف يطرح السؤال. كيف يقرأ النص خارج الهالة، وكيف يشكك في اللغة حين تدّعي البراءة، وكيف يرى في الحداثة إمكانية للتحرر، كما يرى فيها خطرا حين تتحول إلى أيديولوجيا مغلقة.
إن الثناء على كريم شغيدل هو ثناء على هذا النوع من الاشتغال الثقافي النادر، الذي لا يساير، ولا يهادن، ولا ينعزل. اشتغال يعرف أن الثقافة ليست زخرفة، بل ساحة صراع رمزي، وأن الشعر ليس ملاذا بريئا، بل ممارسة لها آثارها وأسئلتها. في زمن يميل إلى الاختصار، وإلى تحويل الأفكار إلى شعارات، يختار شغيدل الطريق الأصعب: طريق التفكير البطيء، والكتابة المسؤولة، والمساءلة المستمرة. هكذا تتبدى موهبة كريم شغيدل لا بوصفها مهارة فردية فحسب، بل بوصفها ضرورة ثقافية. ضرورة لعقل لا يطمئن، ولقراءة لا تكتفي، ولكتابة تعرف أن المعنى لا يُعطى، بل يُنتزع من قلب التعقيد. وفي هذا، بالضبط، تكمن قيمته، ويستحق ثناءً لا يقوم على الإطراء، بل على الاعتراف.



#إسماعيل_نوري_الربيعي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القصيدة بوصفها تميمة لغوية ضد وهم الاكتمال؛ قراءة في قصيدة ب ...
- مالك المطلبي ومحمد خضير: قراءة معرفية في سرد المدينة والحلم
- الضوء الذي يعيد كتابة القصيدة؛ قراءة في قصيدة إيمان بلبلي
- أين يقف اليسار العراقي في لحظة العراق الراهنة؟
- سردية الزمن الجميل: قراءة في مقولة نازك الأعرجي
- الهوس بالسلالة: كيف تحوّل الماضي إلى خرافة هوية معاصرة؟
- إجلال في الوجدان أكثر من المساندة في الصناديق
- الاقتصادي الدولي نوزاد الهيتي؛ قراءة في سيرة اقتصادي مؤثر
- التاريخ والتأويل
- العالم رهن النظرية
- العرب وتفاعلات السلطة والمجتمع


المزيد.....




- جدل حول إزالة مقبرة أمير الشعراء وسط مخاوف على تراث القاهرة ...
- بدون زينة ولا موسيقى.. السويداء تحيي عيد الميلاد في جو من ال ...
- شانلي أورفا التركية على خريطة فنون الطهي العالمية بحلول 2029 ...
- ريهام عبد الغفور.. صورة الفنانة المصرية تحدث جدلا ونقابة الم ...
- زلزال -طريق الملح- يضرب دور النشر في لندن ويعيد النظر إلى أد ...
- الكوميدي هشام ماجد: أنا ضد البطل الأوحد وهذا دور والدتي في ح ...
- فنان هندي يصنع تمثالًا لبابا نويل باستخدام 1.5 طنًا من التفا ...
- مكتبة الحكمة في بغداد.. جوهرة ثقافية في قبو بشارع المتنبي
- وفاة الممثل الفلسطيني المعروف محمد بكري عن عمر يناهز 72 عاما ...
- قرار ترامب باستدعاء سفراء واشنطن يفاقم أزمة التمثيل الدبلوما ...


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إسماعيل نوري الربيعي - كريم شغيدل: حين يتحول السؤال إلى معرفة