أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إسماعيل نوري الربيعي - الضوء الذي يعيد كتابة القصيدة؛ قراءة في قصيدة إيمان بلبلي















المزيد.....

الضوء الذي يعيد كتابة القصيدة؛ قراءة في قصيدة إيمان بلبلي


إسماعيل نوري الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 8551 - 2025 / 12 / 9 - 19:08
المحور: الادب والفن
    


تفتتح الشاعرة قصيدتها بإعلان وحدة جوهرية بينها وبين الشعر من خلال قولها "أنا والشعر صنوان صديقان مترادفان"، وهذا الإعلان يوجّه القارئ فوراً إلى أفق توقعات محدد يقوم على تصور علاقة ثابتة ومتناغمة بين الذات الشاعرة والكتابة، غير أن استمرار النص يكسر هذا الأفق بعبارات مثل "أشاكسه أحياناً أتمرد أكتب بحروف مبهمة" حيث ينتقل النص من صورة التناغم إلى صورة الصراع، فيبدأ القارئ بعملية إعادة تأهيل لتوقعاته الأولى ويجد نفسه أمام علاقة دينامية لا تُبنى على التماثل وإنما على حركة دائمة بين الألفة والانفصال، وهذا الكسر المبكر لأفق التوقعات هو جوهر العملية التأويلية في نظرية استجابة القارئ لأنه يدفع المتلقي إلى ممارسة فعل القراءة بوصفه مشاركة فاعلة في إنتاج المعنى. تستدعي القصيدة قارئاً ضمنياً يتمتع بقدرة على استيعاب الإشارات الوجدانية واللغة المجازية التي تقدمها الشاعرة، فقولها "أكتب بحروف مبهمة تعابير ليس لها نهايات" لا يقترح على القارئ معنى منغلقاً وإنما يدعوه إلى المشاركة في ملء الفراغات الدلالية الكامنة في غياب النهايات، الأمر الذي ينسجم مع مفهوم القارئ الضمني لدى وولفغانغ إيزر الذي يرى أن النص يوجّه قارئاً مفترضاً يتفاعل معه بصفته شريكاً في صنع الدلالة، وتمثل هذه الجملة تحديداً نقطة انفتاح واسعة تستدعي من القارئ الضمني ممارسة التخييل الاستجابي الذي يعيد بناء المعنى وفق خبرته الخاصة مع الغموض والكتابة واللغة، وبذلك يتحول النص من خطاب مغلق إلى مساحة تقبل تعدد القراءات.
الفجوات النصية واستثارة المخيلة
تعتمد القصيدة على الفجوات النصية بوصفها آلية جمالية تتيح للقارئ ممارسة فعل التخييل وتحويل الصورة من فضائها المحدود إلى فضاء منفتح، فعندما تقول الشاعرة "وفي العتمة تضيء الحروف بين أصابعي تتراقص تغرد" فإن الفجوة تقع بين العتمة والإضاءة وبين الجسد واللغة، إذ لا يصرح النص بطبيعة الضوء ولا بطبيعة الحركة، فيتحول القارئ إلى فاعل تأويلي يُسند إلى الضوء وظيفة رمزية أو وجدانية أو إلهامية بحسب تجربته، وبذلك تحتفظ القصيدة بطاقتها الجمالية لأنها لا تمنح المعنى مباشرة بل تجعل القارئ يخلقه من خلال سدّ هذه الفجوات، وهو ما يتوافق مع التصور الإيزري بأن الفجوات هي المحرك الأساس لعملية القراءة لأنها تدفع المتلقي إلى استكمال ما لم يقله النص في مستوى صامت من الدلالة. حين تكتب الشاعرة "سريانها يقض مضجع الإحساس يستنفر خلاياه لإكمال السرد" يصبح فعل التلقي نفسه جزءاً من حركة النص الداخلية، فالقصيدة تصور الكلمات بوصفها كياناً حياً يتدفق ويستفز الإحساس ويحرضه على خلق سرد لم يكتمل بعد، وفي هذا الموضع تحديداً لا يعود النص مجرد خطاب شعري بل يتحول إلى تجربة زمنية تتشكل تدريجياً في وعي القارئ، إذ يضطر إلى التفاعل مع فكرة أن الإحساس نفسه يتعرض للاستنفار من أجل إتمام ما لم يُكتب، وبذلك يشارك القارئ في إنتاج السرد لا بوصفه متلقياً فقط ولكن بوصفه شريكاً في الحركة التي يقترحها النص، الأمر الذي يجعل عملية القراءة امتداداً لعملية الكتابة كما لو أن السرد يكتمل في وعي القارئ لا في صفحة القصيدة.
التخييل الاستجابي وصورة الجنية
تدخل القصيدة مرحلة جديدة من التخييل حين تقول الشاعرة "تمر جنيتي بقنديلها الفضي تحرر الشعر من قوارير السبات"، وتعمل هذه الصورة بوصفها نقطة ذروة في العملية الاستجابية لأن ظهور الجنية يدفع القارئ إلى تخيل حضور قوة خارقة أو تجسيد رمزي للإلهام، كما أن القنديل الفضي يمثل ضوءاً لا يعرّفه النص لكنه يتركه مفتوحاً أمام القارئ لكي يمنحه المعنى الذي يتلاءم مع تجربته الخاصة مع الخيال أو الإبداع، أما عبارة "قوارير السبات" فتمثل فجوة دلالية واسعة لأنها لا تحدد ما إذا كان السبات يخص الشعر أو الذات أو اللغة، وهو ما يجعل القارئ ينخرط في إعادة تفسير طبيعة السكون وطبيعة اليقظة، وبذلك يصبح التخييل الاستجابي هو الأداة التي يعبر بها القارئ من مستوى الصورة إلى مستوى المعنى. تصل القصيدة إلى مستوى عال من الحسية التأويلية حين تقول الشاعرة "ينتفض يثمل يغدقني قبلات"، وفي هذا المقطع تختفي المسافة بين الذات والشعر ويصبح النص نفسه جسداً يتفاعل، وهذا الانمحاء بين الذات والكتابة لا يكتمل إلا عبر القارئ الذي يتحمل مسؤولية تحويل هذه المفردات إلى تجربة دلالية، فالنص لا يحدد نوع الانتفاض ولا طبيعة الثمالة ولا مدلول القبلات، وهذه المساحات الخالية تجعل فعل القراءة فعلاً تشاركياً بالمعنى الذي يطرحه ستانلي فيش الذي يرى أن النص لا يخلق معناه إلا داخل جماعة تأويلية، وفي هذه القصيدة يكوّن كل قارئ جماعته الخاصة وفق خبرته العاطفية أو الجمالية أو الوجدانية، فيتحول النص إلى كيان متعدد يختلف معناه بتغير المتلقي. تستعيد الشاعرة في النهاية شكل العلاقة الأولى لكنها تستعيده وقد مرّ بتحولات، إذ تقول "نعود حبيبين ملتصقين نكمل بالود ما فات"، وهذه العودة ليست تكراراً للبداية بل هي عودة مغايرة لأن القارئ مرّ عبر مسار طويل أسهم في إعادة صياغة العلاقة بين الشاعرة والشعر، وقد أصبح النص في وعي القارئ كياناً حياً يمر بأطوار من التوتر والاختلاف والظلمة والضوء واليقظة والاتحاد، وهذا التحول يخلق أثراً جمالياً عميقاً لأن فعل القراءة يحقق اكتمال الدائرة التي رسمتها القصيدة، وهو اكتمال لا ينتمي إلى البناء اللغوي فقط بل إلى التجربة الاستجابيّة التي يمر بها المتلقي.
النص كحدث لا كيان ثابت
تنتمي هذه القصيدة إلى ذلك النوع من النصوص التي تتجلى فيها الفكرة المركزية في نظرية استجابة القارئ والتي ترى أن النص حدث يتجدد في كل قراءة، فقصيدة بلبلي لا تتعامل مع اللغة ككيان مغلق بل تعتمد الإيحاء والغموض والفراغات لتظل قابلة للخلق المتجدد، وعندما يواجه القارئ عبارات مثل "تعابير ليس لها نهايات" أو "تحرر الشعر من قوارير السبات" فإنه يدخل في تجربة تأويلية لا تمنحه جواباً واحداً بل تقترح عليه سلسلة من الاحتمالات التي يختار منها ما ينسجم مع تجربته المعرفية، وبذلك تتحقق ديناميكية النص بوصفه فعلاً زمنياً يقوم على التفاعل لا على الثبات، فكل قراءة تخلق نصاً جديداً، وكل قارئ يعيد كتابة القصيدة بما يتوافق مع أفق توقعاته وإمكاناته التخيلية. تمنح القصيدة إمكانات واسعة للتلقي لأنها تقترح ثلاثة مستويات رئيسة للتفاعل، مستوى جمالي مرتبط بالإيقاع الوجداني والصور الشعرية، ومستوى شعوري يتفاعل مع توتر العلاقة بين الشاعرة والشعر، ومستوى تأويلي يمنح القارئ حرية إعادة تشكيل التجربة وفق خلفيته المعرفية، وهذه المستويات تجعل القصيدة قابلة للتمدد داخل تجربة القارئ بحيث تتحول من نص يتلقى إلى نص يَتكوّن داخل وعي المتلقي، وهنا يبرز دور القارئ بوصفه منتجاً للمعنى لا مستهلكاً له، وهو جوهر نظرية استجابة القارئ في صورتها الحديثة.



#إسماعيل_نوري_الربيعي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أين يقف اليسار العراقي في لحظة العراق الراهنة؟
- سردية الزمن الجميل: قراءة في مقولة نازك الأعرجي
- الهوس بالسلالة: كيف تحوّل الماضي إلى خرافة هوية معاصرة؟
- إجلال في الوجدان أكثر من المساندة في الصناديق
- الاقتصادي الدولي نوزاد الهيتي؛ قراءة في سيرة اقتصادي مؤثر
- التاريخ والتأويل
- العالم رهن النظرية
- العرب وتفاعلات السلطة والمجتمع


المزيد.....




- الإعلان عن الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي ...
- تتويج الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د ...
- -ضايل عنا عرض- يحصد جائزتين في مهرجان روما الدولي للأفلام ال ...
- فنانون سوريون يحيون ذكرى التحرير الأولى برسائل مؤثرة على موا ...
- -تاريخ العطش- لزهير أبو شايب.. عزلة الكائن والظمأ الكوني
- 66 فنا وحرفة تتنافس على قوائم التراث الثقافي باليونسكو
- فنان من غزة يوثق معاناة النازحين بريشته داخل الخيام
- إلغاء حفلات مالك جندلي في ذكرى الثورة السورية: تساؤلات حول د ...
- أصوات من غزة.. يوميات الحرب وتجارب النار بأقلام كتابها
- ناج من الإبادة.. فنان فلسطيني يحكي بلوحاته مكابدة الألم في غ ...


المزيد.....

- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إسماعيل نوري الربيعي - الضوء الذي يعيد كتابة القصيدة؛ قراءة في قصيدة إيمان بلبلي