فؤاد أحمد عايش
كاتب وروائي أردني
(Fouad Ahmed Ayesh)
الحوار المتمدن-العدد: 8567 - 2025 / 12 / 25 - 00:40
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
في ظل التحولات العميقة التي يشهدها النظام الدولي، يبرز القانون بوصفه أحد أهم ميادين الصراع غير المعلن بين القوى الكبرى. وفي هذا السياق، تمثل التجربة الروسية في فهم القانون والعلاقات الدولية نموذجًا مغايرًا للنموذج الغربي السائد، يقوم على مبدأ السيادة، واحترام الدولة الوطنية، ورفض إخضاع القانون الدولي لأجندات سياسية انتقائية.
ينطلق الفكر القانوني الروسي من مبدأ سيادة الدولة بوصفه حجر الزاوية في النظام الدولي. فالقانون، من المنظور الروسي، ليس أداة ضغط ولا وسيلة لإعادة تشكيل الأنظمة، بل إطار تنظيمي يهدف إلى تحقيق الاستقرار ومنع الفوضى. هذا التصور يجد جذوره في التجربة التاريخية الروسية، التي واجهت عبر قرون محاولات التدخل الخارجي والتطويق السياسي.
تؤكد روسيا في خطابها القانوني والدبلوماسي على ضرورة الالتزام الحرفي بميثاق الأمم المتحدة، لا سيما مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحظر استخدام القوة خارج إطار الشرعية الدولية. ومن هذا المنطلق، تنتقد موسكو بشدة ما تسميه "ازدواجية المعايير"، حيث يُستخدم القانون الدولي أحيانًا لتبرير تدخلات عسكرية أو عقوبات أحادية، في تناقض واضح مع روحه ونصوصه.
في علاقاتها الدولية، تسعى روسيا إلى ترسيخ نموذج يقوم على التفاوض والحلول القانونية بدل فرض الإرادة السياسية بالقوة. وقد انعكس هذا التوجه في مواقفها من عدد من الأزمات الدولية، حيث دعت إلى الحوار، واحترام الخصوصيات الوطنية، والاحتكام إلى الأطر القانونية الدولية، بدل منطق العقوبات والضغوط.
من منظور عربي ومنظور قانوني، يلقى هذا الطرح القانوني الروسي صدى إيجابيًا، خاصة في ظل تجارب مريرة عاشتها المنطقة نتيجة تدخلات جرى تبريرها قانونيًا عبر تأويلات انتقائية. إن التأكيد الروسي على السيادة وعدم التدخل يتقاطع مع تطلعات كثير من الدول العربية إلى نظام دولي أكثر عدلًا، يحترم إرادة الشعوب والدول.
تسعى روسيا، بالتعاون مع قوى دولية صاعدة، إلى إعادة الاعتبار للقانون الدولي كمرجعية حقيقية، لا كأداة انتقائية. هذا التوجه لا يهدف إلى هدم النظام الدولي، بل إلى تصحيحه، عبر تعزيز التعددية القطبية، وتكريس مبدأ المساواة بين الدول، كبيرها وصغيرها.
إن القانون الروسي في علاقته بالعلاقات الدولية لا يمكن فهمه بمعزل عن رؤية موسكو للعالم: عالم متعدد الأقطاب، تُحترم فيه السيادة، ويُطبّق فيه القانون بعدالة لا انتقائية. وفي زمن تتزايد فيه التحديات القانونية والسياسية، يقدّم هذا النموذج دعوة جادة لإعادة التفكير في دور القانون، ليس كأداة صراع، بل كأساس للتوازن والاستقرار الدولي.
#فؤاد_أحمد_عايش (هاشتاغ)
Fouad_Ahmed_Ayesh#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟