أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عامر عبد رسن - المدد الدستورية بين النص والتعطيل السياسي: مسؤولية القضاء وحدود التدخل




المدد الدستورية بين النص والتعطيل السياسي: مسؤولية القضاء وحدود التدخل


عامر عبد رسن

الحوار المتمدن-العدد: 8563 - 2025 / 12 / 21 - 14:16
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


ليست الأزمات الدستورية في الدول الانتقالية ناتجة، في الغالب، عن فقر النصوص أو غموضها، بل عن هشاشة الالتزام بها، وعن ميل القوى السياسية إلى التعامل مع الزمن الدستوري بوصفه متغيرا تفاوضيا لا قيدا ملزما. وفي هذا السياق تحديدا،
تبرز أهمية الدور الذي اضطلع به القضاء العراقي، ممثلا برئاسة مجلس القضاء الأعلى، في مرحلة ما بعد مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على نتائج الانتخابات النيابية، وما رافقها من تأكيد صارم على احترام المدد الدستورية وعدم الانزلاق إلى
فراغ مؤسسي أو تعطيل إرادة الناخب. لقد جاء الإصرار على دعوة رئيس الجمهورية إلى انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب في الموعد المحدد دستوريا، الموافق التاسع والعشرين من كانون الأول 2025، مقرونا بتأكيد أن تتمخض تلك الجلسة عن
انتخاب رئيس للمجلس ونائبين له دون تأجيل أو إبقائها جلسة مفتوحة، ليشكل موقفا دستوريا بامتياز، لا يمكن قراءته بوصفه تدخلا في عمل السلطة التشريعية، بل بوصفه حراسة للشرعية الدستورية وحماية لمنطق الدولة.
أولا: الزمن الدستوري بوصفه ركيزة للشرعية ؛ في الفقه الدستوري المقارن، لا ينظر إلى المدد الدستورية بوصفها تفاصيل إجرائية، بل باعتبارها عنصرا جوهريا من عناصر الشرعية. فالسلطة التي تتجاوز الزمن الممنوح لها دستوريا، أو تعطل
انتقال السلطة في موعده، تتحول – ولو بحسن نية – إلى سلطة فاقدة للمشروعية الجزئية، إن لم يكن الكلية. وقد أدرك واضعو الدساتير الحديثة أن أخطر أشكال الانحراف الدستوري لا يتم عبر الانقلابات الصريحة، بل عبر التأجيل المقنّع،
والجلسات المفتوحة، والتفسيرات الانتقائية للنصوص. لذلك، جاءت النصوص الدستورية في معظم الديمقراطيات محددة للمدد، قاطعة في الآجال، غير قابلة للتعليق إلا في أضيق الظروف وبآليات استثنائية واضحة.
ومن هذا المنطلق، فإن الإصرار على احترام موعد انعقاد الجلسة الأولى، وإنهائها بانتخاب هيئة رئاسة المجلس، لا يمثل تشددا شكليا، بل هو حماية لمبدأ التداول السلمي للسلطة داخل المؤسسة التشريعية نفسها.
ثانيًا: القضاء الدستوري بين الرقابة والتوازن ؛ يخطئ من يظن أن دور القضاء الدستوري يقتصر على الفصل في المنازعات بعد وقوعها. ففي الأنظمة الدستورية الراسخة، يضطلع القضاء بدور وقائي لا يقل أهمية عن دوره العلاجي.
وهو ما يعرف في الفقه الدستوري بـ الرقابة الوقائية على المسار الدستوري.
إن متابعة مجلس القضاء الأعلى، وتواصله مع قادة الكتل السياسية، لم يكن بهدف توجيه الإرادة السياسية أو فرض خيارات بعينها، بل كان رسالة دستورية واضحة مفادها أن:
• الدستور ليس مجالا للاجتهاد السياسي المفتوح،
• وأن القضاء لن يقف موقف المتفرج إزاء محاولات تعطيل النصوص أو الالتفاف على المدد،
• وأن حماية الدستور تعني، في جوهرها، حماية التوازن بين السلطات.
وهنا يتجسد القضاء بوصفه سلطة توازن لا سلطة هيمنة، وسلطة ضبط لا سلطة توجيه.
ثالثا: الفصل بين السلطات في فلسفة مونتسكيو والتجربة العراقية ؛ حين صاغ مونتسكيو مبدأ الفصل بين السلطات، لم يكن يقصد الفصل الفيزيائي أو القطيعة المؤسسية، بل كان يؤسس لفكرة أعمق:
السلطة لا تقيد إلا بالسلطة، والحرية لا تصان إلا بتوازن القوى. وفي هذا الإطار، فإن تدخل القضاء لحماية المدد الدستورية لا يشكل خرقا لمبدأ الفصل بين السلطات، بل هو التطبيق العملي له. فالسلطة القضائية، حين تمنع تغول السلطة التشريعية
على الزمن الدستوري، أو تحصن الانتقال البرلماني من العبث السياسي، إنما تمارس وظيفتها الدستورية الأصيلة.
وفي التجربة العراقية، حيث ما زالت الثقافة الدستورية في طور الترسخ، يصبح هذا الدور أكثر إلحاحا. ذلك أن غياب الحسم القضائي في محطات سابقة فتح الباب أمام أعراف سياسية خاطئة، جرى تبريرها لاحقا تحت عناوين الظروف الاستثنائية
أو التوافق الوطني، فيما كانت نتيجتها الفعلية إضعاف الدولة وتآكل الثقة بالمؤسسات.
رابعا: الجلسة المفتوحة… ثغرة دستورية أم ممارسة سياسية؟ ؛ من أخطر الممارسات التي شهدها النظام البرلماني العراقي في مراحل سابقة، ظاهرة الجلسة المفتوحة، التي تحولت من استثناء إجرائي إلى أداة تعطيل سياسي. فالجلسة الأولى لمجلس النواب،
وفق المنطق الدستوري، ليست ساحة تفاوض مفتوح، بل محطة تأسيسية لا تحتمل الفراغ، لأن بقاء المجلس دون هيئة رئاسة يعني شلل السلطة التشريعية برمتها.
من هنا، فإن الدعوة الصريحة إلى عدم ترك الجلسة الأولى مفتوحة، والإصرار على استكمال انتخاب رئيس المجلس ونائبيه في الجلسة ذاتها، تمثل قطعا مع عرف سياسي غير دستوري، وترسيخا لقاعدة مفادها أن المؤسسات لا تدار بمنطق الانتظار، بل بمنطق الحسم الدستوري.
خامسا: التعاون بين السلطات لا يعني الذوبان بينها ؛ يخطئ من يقرأ هذا الموقف القضائي بوصفه اصطفافا سياسيا أو تدخلا في شؤون البرلمان. فالتعاون بين السلطات، كما استقر في الفقه الدستوري الحديث، لا يعني تداخل الصلاحيات،
بل تناغم الأدوار في إطار حدود واضحة. إن دعوة القضاء إلى احترام المدد الدستورية لا تصادر حق البرلمان في اختيار قيادته، ولا تملي عليه أسماء أو اتجاهات، بل تضعه أمام مسؤوليته الدستورية والتاريخية. وهذا هو جوهر التعاون:
• القضاء يحرس المدد،
• السياسة تمارس الاختيار،
• والدستور هو المرجعية العليا للطرفين.
سادسًا: البعد الرمزي للدور القضائي ؛ في الدول الخارجة من أزمات سياسية متراكمة، يكتسب السلوك الدستوري بعدًا رمزيًا يتجاوز أثره القانوني المباشر. فحين يرى المواطن أن القضاء يقف بحزم لحماية المدد، وأن لا أحد فوق النص، تتعزز الثقة بالدولة،
ويعاد الاعتبار لفكرة القانون بوصفه مرجعية جامعة. وعلى العكس، فإن أي تهاون في هذه اللحظات التأسيسية يفسر شعبيا بوصفه عودة إلى منطق الصفقات والتعطيل، وهو ما لا يحتمله العراق في هذه المرحلة الدقيقة.
ختاما: حماية الدستور حماية للدولة ؛ إن إصرار القضاء على احترام المدد الدستورية، وإنجاز استحقاقات الجلسة الأولى لمجلس النواب في موعدها وبصورة مكتملة، لا يمثل موقفا عابرا، بل هو تعبير عن وعي عميق بخطورة اللحظة السياسية.
هو موقف يؤكد أن:
• الدستور ليس نصا معلقا،
• وأن الزمن الدستوري ليس مادة تفاوض،
• وأن القضاء، حين يحرس المدد، إنما يحرس الدولة ذاتها.
وفي بلد أنهكته الاستثناءات، تبدو العودة إلى صرامة النص الدستوري ليست ترفا قانونيا، بل ضرورة وطنية، لأن الدول لا تبنى بالنيات الحسنة، بل بالمؤسسات التي تحترم الزمن، وتخضع للقاعدة، وتقبل بأن السلطة توقف السلطة حفاظا على الحرية والدولة معا.



#عامر_عبد_رسن (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق والسعر العادل لبرميل النفط ؛ حلول سريعة اليوم… أو قرا ...
- العراق في زمن إعادة ترتيب الإقليم كيف تحول الديمقراطية المنز ...
- العراق على حافة القرار : خطورة القرارات الفردية في زمن التحو ...
- العراق في زمن التحولات العالمية الكبرى : مسؤولية القرار في م ...
- المعادن العراقية: ثروات منسية
- الذكاء الاصطناعي والطاقة في العراق: علاقة مصيرية للجيل القاد ...
- عصر اللا – نصر
- الثورة الهادئة في مفهوم الشرعية: قراءة دستورية معمّقة في قرا ...
- هيمنة البنوك الحكومية على الائتمان المالي في العراق: حقيقة ا ...
- الكاش يبتلع السياسة: كيف غذّى اكتنازُ 90 تريليون دينار فوضى ...
- خطر التصعيد الموجَّه: محاولات جرّ العراق إلى مواجهة مع إسرائ ...
- هل من الممكن رفع الكفاءة التشغيلية في وزارة النفط ؟
- العراق بين التفاؤل الدولي والواقع الهيكلي: قراءة نقدية في أر ...
- أهمية عودة Exxon Mobil إلى العراق — تحليل اقتصادي
- تحوُّط اقتصادي استراتيجي للعراق في ظلّ بيئة عالمية متقلّبة
- عراق 2035: مدن تبتلع حقولها الخضراء
- حقل إريدو النفطي الواعد بين الإمكان الاقتصادي والمأزق التنفي ...
- العراق في قلب التحوّلات الإقليمية: من تجنّب الصدام إلى صناعة ...
- بين الصدمة والنزيف: قراءة عراقية في رؤيتين لطوفان الأقصى
- إيران بين التصعيد والدبلوماسية: قراءة أمنية في احتمالات الحر ...


المزيد.....




- الأونروا: حملة تضليل إعلامي منسقة لتفكيكنا بلغت مستويات غير ...
- تفاقم المجاعة في غزة ومئات الآلاف مهددون بسوء التغذية
- إعدام ريان أبو معلا.. جريمة إسرائيلية جديدة بحق الطفولة الفل ...
- محمود عباس: إنكار حق الفلسطينيين في تقرير المصير لن يحقق الس ...
- منظمات حقوقية تدين العدد القياسي الجديد لعمليات الإعدام في ا ...
- ترامب يستعد لتوسيع حملته على المهاجرين في 2026
- مراكز اعتقال و170 مليار دولار.. ترامب يستجمع قواه لتعقب وطرد ...
- ترامب يرصد ميزانية صخمة لأكبر حملة لترحيل المهاجرين
- ألمانيا تصدر 100 ألف تأشيرة لم شمل عائلات اللاجئين في 2025
- ألمانيا .. أكثر من 100 ألف تأشيرة لم شمل للاجئين في 2025


المزيد.....

- الوضع الصحي والبيئي لعاملات معامل الطابوق في العراق / رابطة المرأة العراقية
- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عامر عبد رسن - المدد الدستورية بين النص والتعطيل السياسي: مسؤولية القضاء وحدود التدخل