أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عامر عبد رسن - العراق على حافة القرار : خطورة القرارات الفردية في زمن التحولات الكبرى. الشاب غافريلو برينسِب… ذلك الفتى الذي أطلق رصاصة فاشتعل منها العآلم.














المزيد.....

العراق على حافة القرار : خطورة القرارات الفردية في زمن التحولات الكبرى. الشاب غافريلو برينسِب… ذلك الفتى الذي أطلق رصاصة فاشتعل منها العآلم.


عامر عبد رسن

الحوار المتمدن-العدد: 8551 - 2025 / 12 / 9 - 23:29
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


كان غافريلو برينسِب شاباً يقف عند حافة الحياة، لا يجد لنفسه مكاناً في وطن تمزّقه القوميات وتضيق فيه الفرص حتى عن أحلام الفتيان.
حاول الانضمام إلى الجيش الصربي فرفضوه لصغر جسده وهزال بنيته، فعاد إلى الأزقة محمّلاً بإحباط شاب يشعر أن العالم كلَّه ضاق حتى صار لا يتسع لخطوته.
كان يبحث عن جدوى، عن فعلٍ يثبت به أنه موجود، وأن قصته لن تُطوى قبل أن تبدأ. ذلك الشعور الذي يختلط فيه الغضب بالعجز، والخيبة بالرغبة في إثبات الذات، هو الذي دفعه إلى أن يضع نفسه على طريقٍ لا يعود منه أحد كما ذهب إليه، طريقٍ انتهى برصاصة غيّرت وجه أوروبا والعالم.
الحادثة التي ارتبطت بغافريلو برينسِب هي:
اغتيال ولي عهد النمسا، الأرشيدوق فرانز فرديناند (Franz Ferdinand)
حيث قام غافريلو برينسِب في 28 حزيران / يونيو 1914 بإطلاق النار على: الأرشيدوق فرانز فرديناند، ولي عهد الإمبراطورية النمساوية–المجرية، وزوجته الدوقة صوفي.
وقع الاغتيال في سراييفو، وكان الشرارة المباشرة التي أدّت إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى.

يُقال إن التاريخ كثيرا ما يبدأ من تفصيلة صغيرة، من قرارٍ اتُّخذ في لحظة انفعال، أو من خطوةٍ ظنّ صاحبها أنها لا تُرى.
الشاب الصربي الذي لم يكن يملك من أدوات القوة شيئاً سوى اندفاعه، أطلق رصاصة واحدة… فانفتح من بعدها جرح كوني لم يلتئم إلا بعد أن ابتلع أكثر من 16 مليون إنسان وسقوط المانيا والدولة العثمانية وأحتلال الشرق الأوسط وأفريقيا.
هكذا تتكلم فلسفة التاريخ: إن الأثر لا يُقاس بحجم اليد التي تضغط على الزناد، بل بسياق اللحظة التي تقع فيها تلك الضغطة.

واليوم… نحن في العراق، نقف غالبا عند اللحظة ذاتها؛ لحظة القرار الفردي.
هذا البلد الذي دفع عبر تاريخه الحديث فواتير أخطاء ارتكبتها عقول قليلة في غرف مغلقة، يعرف جيدا كيف يمكن لحماسة شاب، أو غضب قائد، أو سوء تقدير مسؤول، أن يفتح أبوابا يصعب إغلاقها:
قرار غير محسوب، توقيع تحت ضغط، خطاب يوقظ غرائز، أو اصطفاف يجر البلاد إلى ما لا تُحمد عقباه.

فعراق ما بعد الحروب والحصارات والاحتلال والإرهاب، بلد كلّما نهض واجهته قوة أخرى تدفعه نحو الهاوية.
لذلك، فإن أخطر ما يواجهنا اليوم ليس فقط التحديات الاقتصادية أو الأمنية أو الاجتماعية، بل ذلك القرار الفردي الذي يُتخذ خارج رؤية الدولة، أو بعقل متوتر، أو بحسابات حزبية ضيقة.

التاريخ يعلمنا أن قرارا واحدا قد يغيّر مصير قارة… فكيف ببلد كالعراق؟
إننا نعيش زمنا تختلط فيه الضغوط الخارجية مع الاستقطابات الداخلية، ويكثر فيه من يظن أن حماسه كاف لجرّ البلاد إلى تصحيح ما يراه خطأ ، أو تسريع مسار ما. لكن التجربة العراقية تقول بوضوح:
كل خطوة غير مدروسة قد تتحول إلى أزمة سيادية، وكل مزاج سياسي قد يصبح شرارة لأزمة اقتصادية، وكل اصطفاف خاطئ قد يجرّنا إلى صراع إقليمي لا طاقة لنا به.
ولعلّ أخطر ما في اللحظة العراقية الراهنة هو أن الخيارات الخاطئة لا تؤثر على الحكومة فقط، بل على الدولة نفسها: على المجتمع، على الثروة الوطنية، على مسار الاستقرار، وعلى مستقبل أجيال لم تولد بعد.
من هنا يأتي التحذير: العراق لم يعد يحتمل مغامرات جديدة.
لسنا في زمن تسمح فيه الجغرافيا ولا الاقتصاد ولا المعادلات الدولية برصاصة جديدة تُطلق بلا تأمّل، أو قرار يُدفع به إلى الواجهة دون بصيرة.
إن أي خطأ في السياسة المالية قد ينهار معه الاقتصاد، وأي خطأ في الأمن قد يفتح باب الفوضى، وأي سوء تقدير في العلاقات الدولية قد يعيد البلاد إلى عزلة مكلفة.
نحن أمام مرحلة تتطلب عقلاً بارداً، لا يندفع ولا يتهور؛ دولة تعمل بالمؤسسات لا بالأفراد، وتستند إلى الحكمة لا إلى المزاج، وإلى الرؤية لا إلى ردات الفعل.
الخلاصة: إن قصة الشاب الذي أشعل الحرب العالمية الاولى ، تذكّرنا أن التاريخ ليس رواية بعيدة؛ بل درس قريب لكل من يحمل مسؤولية في العراق.
قرار واحد قد يغيّر وجه الوطن، فإمّا أن يقوده إلى نهضة حقيقية… أو يدفع به إلى جولة جديدة من الخسائر.
والحكمة القديمة تقول: خطوة محسوبة… خير من ألف خطوة تعاد.
فلنحسب خطواتنا، لأن هذا البلد أثخنته الأخطاء بما يكفي.



#عامر_عبد_رسن (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق في زمن التحولات العالمية الكبرى : مسؤولية القرار في م ...
- المعادن العراقية: ثروات منسية
- الذكاء الاصطناعي والطاقة في العراق: علاقة مصيرية للجيل القاد ...
- عصر اللا – نصر
- الثورة الهادئة في مفهوم الشرعية: قراءة دستورية معمّقة في قرا ...
- هيمنة البنوك الحكومية على الائتمان المالي في العراق: حقيقة ا ...
- الكاش يبتلع السياسة: كيف غذّى اكتنازُ 90 تريليون دينار فوضى ...
- خطر التصعيد الموجَّه: محاولات جرّ العراق إلى مواجهة مع إسرائ ...
- هل من الممكن رفع الكفاءة التشغيلية في وزارة النفط ؟
- العراق بين التفاؤل الدولي والواقع الهيكلي: قراءة نقدية في أر ...
- أهمية عودة Exxon Mobil إلى العراق — تحليل اقتصادي
- تحوُّط اقتصادي استراتيجي للعراق في ظلّ بيئة عالمية متقلّبة
- عراق 2035: مدن تبتلع حقولها الخضراء
- حقل إريدو النفطي الواعد بين الإمكان الاقتصادي والمأزق التنفي ...
- العراق في قلب التحوّلات الإقليمية: من تجنّب الصدام إلى صناعة ...
- بين الصدمة والنزيف: قراءة عراقية في رؤيتين لطوفان الأقصى
- إيران بين التصعيد والدبلوماسية: قراءة أمنية في احتمالات الحر ...
- مستقبل البرنامج النووي الإيراني في ضوء محددات التوازن الاستر ...
- ابدأوا من حيث انتهى الآخرون
- القرار الأممي وإعادة تفعيل آلية الزناد: تحديات وفرص للعراق ف ...


المزيد.....




- إنفانتينو أمام شكوى لدى محققي أخلاقيات -الفيفا- بسبب جائزة ا ...
- مسؤول أميركي يتحدث للجزيرة عن مفاوضات المرحلة الثانية بغزة و ...
- ترامب ينتقد حكومات أوروبية: -قادة ضعفاء ودول تتدهور-
- الملياردير أندريه بابيش يؤدي اليمين الدستورية كرئيس وزراء ال ...
- غوتيريش يندد بإحالة -الحوثيين- موظفين أمميين إلى محكمة خاصة ...
- بعد تحركات -الانتقالي الجنوبي-ـ هل بات تشظي اليمن قاب قوسين؟ ...
- قمر اصطناعي فرنسي صيني يرصد وميضا كونيا هائلا يعود إلى 13 مل ...
- غزة مباشر.. قصف ونسف بالقطاع وحديث أميركي عن تقدم بمباحثات ا ...
- احتدام الجدل بشأن الخطة الأميركية لإنهاء حرب أوكرانيا
- أديس أبابا.. دعوات للسلام والعدالة بيوم التضامن مع فلسطين


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عامر عبد رسن - العراق على حافة القرار : خطورة القرارات الفردية في زمن التحولات الكبرى. الشاب غافريلو برينسِب… ذلك الفتى الذي أطلق رصاصة فاشتعل منها العآلم.