أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عامر عبد رسن - خطر التصعيد الموجَّه: محاولات جرّ العراق إلى مواجهة مع إسرائيل وسط عودة واشنطن إلى بغداد















المزيد.....


خطر التصعيد الموجَّه: محاولات جرّ العراق إلى مواجهة مع إسرائيل وسط عودة واشنطن إلى بغداد


عامر عبد رسن

الحوار المتمدن-العدد: 8519 - 2025 / 11 / 7 - 18:11
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


بين رواياتٍ أمنيةٍ إسرائيليةٍ تتحدّث عن «خطرٍ متنامٍ من الأراضي العراقية» وتُصوِّر سيناريو «ضربةٍ جوّية بمسيّرات وصواريخ تعقبها مناورة برية عبر سوريا نحو وادي الأردن»، وبين مسارٍ رسميٍّ عراقيٍّ يصرّ على سياسة فكّ الاشتباك، والاقتراب المنهجي من الولايات المتحدة عبر قنواتٍ دبلوماسيةٍ واقتصاديةٍ (نفطيةٍ خصوصًا)، تتبدّى أمامنا مواجهةٌ سرديّة بامتياز: سرديةٌ تريد تكريس صورة «العراق منصةً لهجومٍ على إسرائيل»، وأخرى تعمل لتثبيت «العراق شريكًا اقتصاديًا وأمنيًا متوازنًا يسعى لتجنيب نفسه حرب الوكالة».
مقالنا هذا يُقيم الدليل على أنّ هناك محاولةً منظّمةً لجرّ العراق إلى صدامٍ مباشر مع إسرائيل — محاولةٌ تُسهم فيها جهات داخليةٌ تسعى إلى ابتزاز النظام السياسي وهزّ توازنه — في مقابل تقدّمٍ ملموس في مسار إعادة بناء العلاقة مع واشنطن، تجسّده تسمية مبعوث خاص للولايات المتحدة إلى العراق، وتوقيع صفقات نفطية كبرى بعقود طويلة الأجل مع شركات أميركية، بما يشي بأن بغداد تتحرّك باتجاه تحصين الداخل بدل فتح جبهة الخارج.
(1) من أين جاءت «قصة الهجوم القادم من العراق»؟ : ظهرت القصة في صياغاتٍ عدّة خلال الأيام الأخيرة من أكتوبر/تشرين الأول وبدايات نوفمبر/تشرين الثاني 2025 في الإعلام الإسرائيلي والناطق بالإنجليزية. أبرَزُها ما نشرته The Jerusalem Post عن أنّ الجيش الإسرائيلي والموساد يستعدّان لتهديدٍ بأسلوب 7 أكتوبر، وأن «الطريقة الأساسية ستكون إطلاق صواريخ ومسيّرات من الأراضي العراقية»؛ مع تأكيداتٍ على أنّ مصادر التهديد هي «ميليشيات موالية لإيران» في العراق. هذا الطرح عزّزته منصّات أخرى مثل Kurdistan24 التي ذكرت صراحةً سيناريو «هجومٍ بريٍ عبر سوريا نحو حدود الأردن»، وأوردت أنّها تستند إلى تقريرٍ عبري من Walla؛ فيما نقل The Media Line خلفيةً إضافية: ضخّ أموالٍ وتسليحٍ إيرانيٍ متزايد داخل المجموعات العراقية، وزيارة إسماعيل قاآني الأخيرة إلى العراق لتشديد التنسيق. هذه المجموعة من الروايات تُصنع منها سردية أمنية متكاملة تُفيد بأنّ العراق — لا لبنان أو غزة فقط — قد يصبح «جبهةً إضافية» في لحظةٍ إقليميةٍ مترعة بالهشاشة.
تحليل المصدر واللغة : هذه المواد لا تصدر في إطار بيانات رسمية بأختام الدولة الإسرائيلية، بل تقديرات منسوبة إلى «مصادر عسكرية أو استخبارية» تظهر في وسائل الإعلام، وغالبًا ما تُستخدم لتحقيق ثلاثة أهداف متزامنة:
A. الردع الاستباقي: تسريب «سيناريو مرعب» لإفهام الخصم بأنّ ثمن الهجوم سيكون باهظًا، وبالتالي دفعه للتراجع.
B. تهيئة الرأي العام: خلق إدراكٍ جمعي لدى الجمهور الإسرائيلي وحلفائه بأن «الجبهة العراقية» مرشّحةٌ للاشتعال؛ ما يبرّر توسيع بنك الأهداف لاحقًا.
C. الضغط غير المباشر على بغداد: إيصال رسائل عبر واشنطن ولندن وغيرهما مفادها أنّ على الحكومة العراقية ضبط الفصائل بحزم وإلا «ستُضطر إسرائيل للرد داخل العراق».
وتشير Kurdistan24 وJPost إلى هذا التلازم بين التحذير وإيصال الرسائل عبر الولايات المتحدة، بما يشي بأن السردية الأمنية مقصودة لتوليد أثرٍ دبلوماسي وقانوني مسبق.
(2) العراق الرسمي: استراتيجية «إطفاء الحرائق» بدل إشعالها ؛ في مقابل هذه الرواية، سلوك الدولة العراقية خلال العامين الماضيين، وبالأخص في ذروة التوتر الإقليمي، يُظهر خطًا ثابتًا نحو تجنّب الانخراط في حرب الوكالة. لدينا تصريحٌ رسمي بالغ الدلالة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني في يوليو/تموز 2025 يؤكد أنّ الحكومة أحبطت 29 محاولة هجوم بالصواريخ والمسيّرات نفّذتها فصائل مُتحالفة مع إيران خلال ذروة الاشتباك الإيراني–الإسرائيلي؛ هذا الإعلان ليس تفصيلاً، بل قرينة دولة على أنّ بغداد تتحمّل كلفة سياسية وأمنية لكبح الانزلاق إلى الحرب. كما تتحدّث The New Arab عن نجاح بغداد في إبقاء الفصائل هادئة خلال «حرب يونيو» بين إيران وإسرائيل. هذه الوقائع تعزّز فرضية أنّ المركز الحكومي يعمل على إبقاء العراق خارج نطاق الاشتعال المباشر رغم ضغوط الواقع.
لماذا تستمر محاولات جرّ العراق إذن؟ السبب مركّب:
A. الأبعـاد الداخلية — شبكات النفوذ والمكاسب من المواجهة : هناك شبكات مسلّحة مرتبطة بمصالح سياسية واقتصادية واسعة تُدرك أن تصعيد جبهات عسكرية أو سياسية (بما في ذلك فتح جبهة مع إسرائيل) قد يُنتج أدوات ضغط تُستخدم للتفاوض مع المركز. بالنسبة لشركاء محليين كقوى كردية—وبخاصة أجنحة محسوبة على البارزانين—فهم يشعرون اليوم بأن بعض اتفاقيات النفط والغاز وإجراءات تشريعية وقضائية سابقة ألغت أو قلّصت مواقع نفوذ إقليمية تقليدية، ما يجعل هذه الشبكات ترى في إحراج الحكومة أو إرباك المشهد السياسي ورقة تفاوضية لإعادة وزنها الداخلي وللمطالبة بمصالح اقتصادية وسياسية أكبر.
B. الأبعاد الإقليمية — التلويح كأداة نفوذ إيرانية : على مستوى الإقليم، تُدار حسابات النفوذ بآليات “التهديد الرمادي” أكثر من خيار الانطلاق الكامل. في هذا الإطار، قد تعتبر طهران أن وجود قوة عراقية مسلحة متاحة للتلويح يمثل «احتياطي ضغط» على إسرائيل والغرب، تُوظف فائدته مفاوضياً. هذه الديناميكية ليست تهديداً مُطلقاً بقدر ما هي وسيلة تفاوضية: الإشارة وحدها تُحفظ مكاسب تفاوضية في فضاءات النفوذ الرمادي، بينما تستمر التبادلات الإقليمية في التأرجح بين الضغوط والتسويات.
C. الأبعاد الدولية — سردية الهجوم وفرص الضغط، وتحوّل الاستثمار الأميركي : دولياً، فإن تداول سردية إعلامية أو استخبارية عن «احتمال هجوم» مصدره العراق يمنح تل أبيب أو فواعل أخرى هامشاً قانونياً وسياسياً للتصرف أو لتوسيع أهدافها عند الحاجة، وفي المقابل يمد بعض اللاعبين الدوليين بذرائع للضغط على بغداد لحصر أو تفكيك البنى المسلحة. وفي المشهد نفسه، أثارت قرارات شركات أميركية كبيرة بالعودة للاستثمار في جنوب العراق (النفط، الغاز، البنى التحتية) مفاجأة بين شركاء محليينً—خاصة في الإقليم—الذين شعروا أن مكاسبهم الاقتصادية الفعلية تقلصت بعد اتفاقات نفطية وقانونية أو تغييرات مؤسسية. فجأة، ومع تعيين ممثل رئاسي أميركي جديد في بغداد (شخصية وصفوها بأنها لطيفة وتركّز على شراكات اقتصادية كبيرة بدلاً من رسائل تصعيدية)، وجد هؤلاء الشركاء أنفسهم أمام معادلة جديدة: دعم أميركي اقتصادي قوي في الجنوب قد يعيد هندسة موازين القوة الداخلية ويُضعف أوراق نفوذ تقليدية لدى فواعل إقليمية ومحلية.
(3) تعيين مبعوث أميركي خاص… وترسيخ مسار الشراكة : في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2025 أعلن الرئيس دونالد ترامب تعيين مارك سافايا مبعوثًا خاصًا للعراق — وهو أول مبعوث من هذا النوع منذ عقود بحسب متابعات مراكز رصد إعلامي — ما يشير إلى أولوية أميركية متجدّدة للملف العراقي. ورغم أن خلفية سافايا المهنية «غير نمطية» (رجل أعمال وناشط محلي في ميشيغان)، إلا أنّ المغزى السياسي للتعيين أوضح: قناة مباشرة لتسريع الملفات الأمنية–الاقتصادية، وتكثيف التواصل مع الطيف العراقي الواسع، بما في ذلك الوسط السياسي والاقتصادي والمجتمعي. تقارير Iraq Business News وAsharq Al-Awsat (English) وMichigan Advance تؤكد تاريخ التعيين وخلاصات التوجه السياسي الكامن وراءه. هذا التطوّر يُقرأ في بغداد كـإشارة ثقة بأنّ العراق يتقدّم خطوة نحو علاقة أكثر رسوخًا مع واشنطن، لا سيما إذا اقترن بملفّاتٍ اقتصاديةٍ كبيرة.
أثر المبعوث على مشكلة الفصائل ؛ وجود مبعوث يعني:
1. خط اتصال دبلوماسي سريع لمعالجة حوادث الأمن الرمادي (المسيّرات، الصواريخ، الاستهدافات الغامضة)،
2. منصة توافق لتحصين ترتيبات الطاقة والاستثمار،
3. مظلّة تفاوض لإسناد الحكومة العراقية في مساعي ضبط السلاح خارج إطار الدولة، بتوازنٍ أدقّ بين الضغط والحوافز (اقتصاد، تمويل بنى تحتية، حماية استثمارات).
هذا المسار يناقض مصالح الجهات التي تقتات على الفوضى، ما يفسّر جزءًا من تصعيد خطاب «جبهة العراق» في الإعلام الإقليمي.
(4) العقود النفطية الكبرى: لماذا تُربك {اقتصاد الحرب} ؟ ؛ بالتوازي، عاد عملاق النفط الأميركي ExxonMobil عبر Heads of Agreement مع شركة نفط البصرة وسومو لتطوير حقل مجنون العملاق وتوسيع بنى التصدير. بحسب رويترز، تم توقيع الاتفاق في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2025، وتصف JPT الاتفاق بأنه عودة فعلية بعد خروجٍ سابق، مع إمكانات تمتد إلى بنى تخزين آسيوية تعزِّز أمن التصدير العراقي. هذه العودة تعتبر نوعية تُعيد إدماج شركة أميركية كبرى في مفصلٍ حيوي من قطاع الطاقة العراقي، وتفتح الباب أمام شراكات طويلة الأجل — وهي بالضبط البيئة المضادة لمنطق «جرّ العراق إلى الحرب»: فالمشاريع الكبرى تحتاج استقرارًا تشغيليًا، انخفاض مخاطر أمنية، وتفاهمات سياسية–قانونية تحمي التدفقات النقدية، وكلها تتعارض مع أجندات التصعيد.
لماذا يُقلق هذا المسار بعض القوى المسلّحة وشركاء الداخل التقليديين؟
1. التحالف الاقتصادي الجديد يحدّ من أوراق النفوذ التقليدي: إن تعمّق الشراكة العراقية-الأميركية في مجالات الطاقة، والنقل، والتخزين، والصناعات البتروكيمياوية، يخلق شبكة مصالح متكاملة تضمّ الحكومة والمستثمرين والقطاع الخاص، وكلّها تحافظ على الامن ، لكونها تدفع ثمناً مباشراً لأي اضطراب أمني أو سياسي. هذا التحالف الثلاثي الجديد يعني عملياً تضييق مساحة الابتزاز السياسي أو الأمني للمركز، وهو ما يجعل بعض القوى المسلّحة تنظر بقلق إلى تقلّص قدرتها على فرض أجندتها بالقوة أو بخلق الأزمات.
2. الحوكمة والشفافية تُضعف الاقتصاد الرمادي: تدفق التكنولوجيا والخبرة الأميركية إلى حقول الجنوب لا يحمل معه فقط المعدات الحديثة، بل منظومات رقابة ومحاسبة ومتابعة رقمية دقيقة. هذه الممارسات تقلّص من حجم الاقتصاد الموازي الذي تغذّت عليه لسنوات شبكات السلاح والتهريب، وتعيد ضبط التدفقات المالية داخل النظام المصرفي والضريبي الرسمي. وهذا التحوّل يُفقد بعض القوى مواردها “الرمادية” التي طالما استخدمتها كغطاء مالي أو سياسي.
3. رواية وطنية جديدة تُغيّر المزاج العام: نجاح هذه الشراكات يعيد صياغة الخطاب السياسي الداخلي من “الاشتباك يجلب النفوذ” إلى “الاستقرار يجلب العقود وفرص العمل”. ومع الوقت، يصبح الاستقرار قيمة استثمارية، لا مجرد شعار سياسي، ما يعني أن القوى التي تعتمد على منطق الصراع المستمر ستفقد جمهورها وأدواتها في التجييش، مقابل صعود خطاب الدولة المؤسسية والتنمية الاقتصادية.
4. مخاوف شركاء الإقليم من إعادة توزيع النفوذ: إلى جانب القوى المسلّحة، يراقب شركاء محليون — خصوصاً القوى الكردية وفاعلين بالاعلام قريبين من قيادات بارزانية — هذه التحولات بقلقٍ متزايد. فبعد اتفاق النفط والغاز الأخير وتقليص بعض الامتيازات المالية والقانونية لبعض قيادات الإقليم، بدأ الشعور يتعزّز بأن “الجنوب” يتحوّل إلى مركز الثقل الاستثماري والسياسي في البلاد بدعم أميركي مباشر.
هذا الواقع الجديد يُضعف موقع الإقليم كممرّ نفطي مستقل ويُعيد ترتيب أولويات الشركات العالمية باتجاه المناطق الأكثر استقرارًا وإنتاجية. المثال الأوضح على ذلك هو شركة شيفرون الأميركية التي كانت قد غادرت العراق عام 2012 متجهة إلى إقليم كردستان، حيث استثمرت نحو 500 مليون دولار في استكشاف الرقع النفطية هناك. لكنّ نتائج الاستكشاف أظهرت وجود كميات غير اقتصادية من النفط والغاز، الأمر الذي دفعها — ومعها شركات أخرى — إلى إعادة تقييم استراتيجيتها والعودة إلى الفرص الواعدة في بغداد وجنوب العراق. هذه العودة لا تمثّل مجرد خيار تجاري، بل تحوّل سياسي-اقتصادي عميق، إذ تُكرّس المركزية الاقتصادية لبغداد والبصرة، وتقلّص من قدرة الإقليم على اجتذاب الاستثمارات الدولية أو استخدام النفط كأداة تفاوضية مستقلة. ومع تعيين الممثل الأميركي الجديد في بغداد — وهو دبلوماسي بملامح هادئة وأسلوب اقتصادي أكثر من سياسي — زادت حساسية هذه التحولات لدى شركاء الشمال الذين بدأوا يشعرون بأن معادلة النفوذ التاريخية تميل مجدداً نحو المركز.


(5) كيف تُستخدم «قضية وادي الأردن والحدود السورية»؟ ؛ تفصيل «تدريبات ميدانية تحاكي هجومًا من هذا النوع على طول الحدود مع وادي الأردن» ظهر في التغطيات الإنجليزية مستندًا لمصادر عبرية؛ الغرض منه، برأينا، مزدوج:
1) ميدانيًا: رفع جاهزية الألوية الشرقية الإسرائيلية لأي اندفاعةٍ من الجبهة السورية، خصوصًا أن سيناريو الهجوم البري يجعل من الأردن بوابةً أو ساحةً حائلة بين تماس السوري–الإسرائيلي؛ أي إنّ «وادي الأردن» هنا جغرافيا ردع بقدر ما هو جغرافيا اشتباك محتمل.
2) سياسيًا: بعث رسائل إلى بغداد ودمشق وعمان بأن أي تهاون في ضبط الحدود سيجعل الرد الإسرائيلي سريعًا وربما متدحرجًا داخل العمق، وهو ما يتطابق مع التقارير التي تحدثت عن رسائل تحذير عبر الولايات المتحدة. إنّ JPost وKurdistan24 تُظهران هذا الترابط بين السيناريو الأمني والضغط الدبلوماسي.
(6) من يُحاول هزّ النظام السياسي في بغداد… ولماذا الآن؟ ؛ خلال الأشهر الماضية، وتحديدًا بعد تعيين المبعوث الأميركي وإعلان صفقات النفط، يمكن رصد ارتفاع في نبرة الخطاب لدى بعض الجهات العراقية المسلّحة وشبكاتها الإعلامية التي تستنفر سرديات الكرامة والرد والقتال الوقائي هذا التوقيت ليس عفويًا:
1. الاستحقاق الانتخابي في 11/11/2025 يحتاج بيئة مضطربة لتقليل المشاركة، وتحويل النقاش من «اقتصاد وإصلاح» إلى «أمن وهوية»، ما يتيح إعادة تعبئة الشارع وفق خطوط الانقسام، ويمنح القوى المسلّحة نفوذًا تفاوضيًا أعلى في ترتيبات ما بعد الانتخابات.
2. الصفقات مع الشركات الأميركية تحتاج أمنًا طويل الأجل؛ بالتالي، أي تصعيد أمني يجعل الحكومة تبدو عاجزة أمام الشارع والمستثمرين، فيُربك المسار الإصلاحي الذي تراهن عليه بغداد.
3. المبعوث الأميركي يشكّل بطبيعته آلية ضغط مضاد على السلاح المنفلت؛ لذلك، مهاجمة «مسار الشراكة» إعلاميًا وأمنيًا يهدف إلى نزع الشرعية الشعبية عنه.
وهنا تصبح السردية الإسرائيلية عن «هجوم من العراق» أداةً، شاء أصحابها أم أبوا، في معركة التأثير الداخلي داخل العراق؛ فكل رفعٍ لمنسوب التهديد الخارجي يُستثمر داخليًا لإحراج الحكومة، وبالتالي ابتزازها في ملفات المشاريع وتعيينات الدرجات الخاصة والتمويل والقرارات السيادية.
(7) أي خياراتٍ أمام بغداد؟ ؛ الاشتباك السردي الحالي يفرض على بغداد حزمة مزدوجة من السياسات:
أولًا: تثبيت مسار الشراكات الاقتصادية الكبرى :
A. تسريع تحويل «الاتفاقات الإطارية» إلى عقود تنفيذية بجدولة استثمارات واضحة ومعلنة (كما في HOA مجنون)، مع توفير أدوات الضمان (تأمين، تحكيم، حماية مادية للمواقع) لتقليل «علاوة المخاطر». هذا سيُراكم أصحاب مصلحة داخليين لصالح الاستقرار.
B. تنويع محفظة الشركاء الأميركيين (خدمات حقول، أنابيب، خزانات، مرافئ، بتروكيماويات) كي لا تبقى العلاقة رهينة شركة واحدة؛ التنويع يمنح بغداد رافعة تفاوضية أفضل، ويقلّل قابلية الابتزاز.
ثانيًا: سياسة «الخنق الهادئ» لاقتصاد السلاح :
A. تجفيف مصادر التمويل غير الرسمي للفصائل عبر نظم تتبّع المدفوعات، ومكافحة التسرّب من عقود الدولة، وربط المنافذ الجمركية والضرائب بمنصّات رقمية لا تُختَرق.
B. دمج المساحات الرمادية عبر مسارات إعادة تأهيل اقتصادية/اجتماعية (مشاريع خدمات، إسكان، موانئ لوجستية في الجنوب) تخلق بدائل دخل مشروعة.
C. حوافز الانضباط: منح امتيازاتٍ قانونيةٍ واقتصادية لمن يندمج فعليًا في مؤسسات الدولة الأمنية، ومضاعفة الكلفة العقابية على «التمرد المتكرر» (عقود، تمويل حزبي، نفاذ سياسي).
ثالثًا: ضبط السردية الإستراتيجية :
A. شفافية عالية للرأي العام حول الوقائع الأمنية: بوابات إطلاق/هبوط المسيّرات، ضبط الحدود، التحقيقات التقنية، بما يُحبط بروباغندا التوظيف.
B. تركيزٌ اتصالي على المكاسب العينية لمسار الشراكة: فرص العمل، عوائد المحافظات المنتِجة، استثمارات البنى التحتية، وخفض كلفة التأمين على الشحنات — فهذه لغة تُقنع الناخب لا لغة الشعارات فقط.
C. تعزيز الربط الإقليمي مع الأردن والسعودية وتركيا في أمن الطاقة والتجارة، لإضعاف قابلية أي جهة لتحويل «الجغرافيا العراقية» إلى منصة تهديد.
(8) أين يقف الأردن في هذه المعادلة؟ ؛ ذكر «وادي الأردن» ليس تفصيلًا؛ الأردن بوابة استراتيجية بين سوريا وإسرائيل، وأمنه مرتبط مباشرةً بأمن العراق. أي انزلاق نحو سيناريو «اندفاعة برية» عبر سوريا سيضع عمان في قلب المعادلة، وهو ما يدفع بغداد إلى تقوية الربط الأمني–الاستخباري مع الأردن (والسعودية لاحقًا) لتأمين حزامٍ شرق–غرب يُحاصر أي تحرّكٍ غير منضبط. إنّ إدراج الأردن في الرواية الإسرائيلية هو أيضًا وسيلة ضغط على بغداد لكي تقوم بالمزيد… لكنه أيضًا فرصة لبناء ترتيبات أمن حدودي مشتركة تمنع التوظيف السلبي للجغرافيا.
(9) الانتخابات العراقية وقاعدة «الطلب على الاستقرار : الانتخابات المقررة (11/11/2025) تخلق طلبًا شعبيًا على الاستقرار؛ المواطن يريد سعر صرفٍ مستقرًا، وظائف، كهرباء، وخدمات؛ ويعلم أن الحرب ستأكل كل ذلك. لذا، أي سردية تدفع نحو فتح جبهةٍ مع إسرائيل تصطدم مباشرةً مع مصالح الناخب. على الحكومة والقوى الرشيدة تحويل هذا الإدراك إلى حزمة رسائل انتخابية–سياساتية: «كل دولار استثمار إضافي في الجنوب هو درع حقيقي ضد السلاح المنفلت»، و«كل عقد نفطي محكوم بالحوكمة يعني فرص عمل ورفع كفاءة مالية للمحافظات». إنّ ربط ExxonMobil ومسار المبعوث الأميركي بهذه الثيمات ليس «تسويقًا سياسيًا» بقدر ما هو ترجمة اقتصادية للأمن.
(10) ردٌّ على سردية «الهجوم القادم : يجدر ببغداد — دون انفعال — اعتماد مقاربة ثلاثية للرد على السردية:
A. اعتراف مبدئي بالمخاطر: نعم، البيئة الإقليمية هشّة، وهناك فصائل تمتلك قدرات. لكن الدولة تبادر وتمنع؛ ولدينا أرقامٌ رسمية عن الإحباط (29 محاولة).
B. تثبيت خط الفصل: التزام العراق بعدم السماح باستخدام أراضيه للهجوم على دول الجوار، مع توسيع التعاون مع الولايات المتحدة والأردن ودول الخليج لتأمين الحدود والمجال الجوي.
C. قلب الطاولة خطابياً: تحويل سردية «العراق منصة حرب» إلى سردية «العراق منصة استقرارٍ إقليمي» بفضل مشاريع الطاقة العابرة للحدود (أنابيب، كهرباء، غاز مصاحب)، وخطوط تجارتها. كل تقدمٍ في هذه المشاريع يجعل كلفة الحرب أعلى على المخرّبين.
خاتمة: ميزانان يتصارعان… أيّهما نُرجّح؟ ؛ ميزان التصعيد يريد للعراق أن يبقى ميدانًا لا كيانًا؛ يختزل الدولة في جغرافيا مفتوحة للرسائل النارية، ويستثمر في «اقتصاد الفوضى» والتهريب والولاءات الفصائلية. ميزان الاستقرار، في المقابل، يربط بغداد بشراكات أقتصادية تعزز أمدادات الطاقة العالمية بواشنطن والغرب عموما عبر قنوات الاستثمار والحماية والتأمين والسياسة، ويجعل من كل حقل نفطي مطوّر وكل خط أنابيب مؤمّن سدًّا أمام الانزلاق إلى الحرب.
كما لاأن تعيين مبعوث أميركي خاص وعودة ExxonMobil ليسا تفاصيل تقنية؛ إنهما إشارتان إستراتيجيتان إلى أن العراق قادر — إذا شاء — أن يحوّل موقعه من «حدودٍ رخوة» إلى «مركز ثقل» إقليمي في الطاقة واللوجستيات. لهذا بالذات، ستشتدّ محاولات الجرّ إلى المواجهة في الأسابيع المقبلة — إعلاميًا وأمنيًا — لأن نجاح مسار الشراكة ينزع أدوات الابتزاز من يد من تعوّد على إدارة السياسة تحت تهديد السلاح. الردّ الأمثل ليس بتبديل الشعار، بل بـتحصين الوقائع: تسريع العقود، حماية المنشآت، تجفيف اقتصاد السلاح، وتقديم حوافز سلمٍ داخلية تُغني الناس عن بضاعة الحرب. حين يفهم الداخل والخارج أنّ كل صاروخ يُطلق سيخسر مقابله العراق مليارات الدولارات من الاستثمارات، وأنّ كل مسيّرة تمرّ ستؤخر عشرات آلاف الوظائف؛ سيتراجع الطلب على الحرب تلقائيًا. هذا هو جوهر «الردع الاقتصادي» الذي يوازي الردع الأمني — وهو بالضبط ما تفعله بغداد اليوم إن أحسنت الترجمة التنفيذية لما بدأت به سياسيًا واقتصاديًا.



#عامر_عبد_رسن (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل من الممكن رفع الكفاءة التشغيلية في وزارة النفط ؟
- العراق بين التفاؤل الدولي والواقع الهيكلي: قراءة نقدية في أر ...
- أهمية عودة Exxon Mobil إلى العراق — تحليل اقتصادي
- تحوُّط اقتصادي استراتيجي للعراق في ظلّ بيئة عالمية متقلّبة
- عراق 2035: مدن تبتلع حقولها الخضراء
- حقل إريدو النفطي الواعد بين الإمكان الاقتصادي والمأزق التنفي ...
- العراق في قلب التحوّلات الإقليمية: من تجنّب الصدام إلى صناعة ...
- بين الصدمة والنزيف: قراءة عراقية في رؤيتين لطوفان الأقصى
- إيران بين التصعيد والدبلوماسية: قراءة أمنية في احتمالات الحر ...
- مستقبل البرنامج النووي الإيراني في ضوء محددات التوازن الاستر ...
- ابدأوا من حيث انتهى الآخرون
- القرار الأممي وإعادة تفعيل آلية الزناد: تحديات وفرص للعراق ف ...
- التحالفات الجديدة في الشرق الأوسط: قراءة استراتيجية في ضوء ا ...
- العراق أمام مرحلة جديدة من الفرص النفطية والاستثمارية
- الناتو يعلن التزاماً طويل الأمد تجاه العراق: من الأمن السيبر ...
- اتفاق إيران مع الترويكا الأوروبية وتداعياته على العراق
- درع الطفل الأميركي وابتسامة الطفل العراقي: صورة متناقضة لعال ...
- أمريكا وإعادة رسم خرائط الشرق الأوسط: نظرة استقرائية في التح ...
- الدقم بوابة العراق إلى الأسواق العالمية: من تخزين النفط إلى ...
- السياحة العراقية بين الماضي الضائع والمستقبل الممكن : كيف فق ...


المزيد.....




- من سيربح حرب الأصول بين روسيا والغرب؟
- أوبك تبقي على توقعاتها لنمو الطلب العالمي للنفط
- موانئ أبوظبي والمفوضية الاقتصادية الأوراسية توقعان اتفاقية ت ...
- مصر: العلاقات الاقتصادية مع تركيا تشهد زخما غير مسبوق
- تحديات اقتصادية ومالية تواجه عمدة نيويورك الجديد
- مي عزالدين تدخل القفص الذهبي وأحمد السعدني مُهنئًا: -سمعونا ...
- غينيا تدشن منجم الحديد -سيماندو- لتعزيز الاقتصاد
- النفط يقلل مكاسبه رغم ترقب إنهاء الإغلاق الحكومي في أميركا
- رغم انخفاض أسعار الطاقة.. التضخم في ألمانيا يبقى فوق 2%
- ولي عهد أبوظبي يترأس اجتماع اللجنة التنفيذية لمجلس -أدنوك-


المزيد.....

- الاقتصاد السوري: من احتكار الدولة إلى احتكار النخب تحولات هي ... / سالان مصطفى
- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عامر عبد رسن - خطر التصعيد الموجَّه: محاولات جرّ العراق إلى مواجهة مع إسرائيل وسط عودة واشنطن إلى بغداد