أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عامر عبد رسن - عصر اللا – نصر















المزيد.....

عصر اللا – نصر


عامر عبد رسن

الحوار المتمدن-العدد: 8538 - 2025 / 11 / 26 - 19:25
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


نهاية مفهوم الحسم في صراعات الشرق الأوسط
«الضربة التي لا تقتلك: مأزق الحسم الإسرائيلي في صراعٍ متعدّد الجبهات»
منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، انفتح الشرق الأوسط على فصلٍ جديد من تاريخه الصاخب، حيث تهاوت المعادلات القديمة التي رُسمت بالنار والاتفاقات، وتقدّمت إلى المشهد خرائط جديدة تُكتب بالدم والرماد معاً. فالهجوم الذي قادته المقاومة الفلسطينية على غلاف غزة لم يكن مجرّد حدث أمني، بل زلزال استراتيجي أعاد اختبار بنية الردع الإسرائيلي، وامتحن قدرة التحالف الأميركي – الغربي على حفظ ما تبقّى من توازنٍ هشّ في الإقليم.
توالت بعدها حلقات النار: من الجنوب اللبناني إلى البحر الأحمر، ومن سماء دمشق إلى ضواحي الدوحة، ومن صواريخ الحوثيين إلى صواريخ إيران، لتتحوّل الحرب من معركة محدودة إلى “نظام صراعي متعدّد الجبهات”، حيث تتقاطع القوة بالنفوذ، والسياسة بالعقيدة، والردع بالرمزية. غير أنّ المفارقة الكبرى لم تكن في اتساع رقعة الصراع، بل في غياب الحسم رغم فائض القوة؛ إذ لم ينجح نتنياهو في ترجمة التفوّق العسكري إلى إنجازٍ سياسي، ولم تتمكّن واشنطن من إعادة هندسة الإقليم وفق منطق الهيمنة التقليدية، فيما أثبتت طهران أنّ الضربة التي لا تقتلها… تُعيدها أكثر صلابة وانتشاراً.
اليوم، بعد مرور عامين على اندلاع هذه الحرب المركّبة، يقف الشرق الأوسط أمام معادلة جديدة: قوى تمتلك السلاح دون السيادة، وأخرى تملك الشرعية دون السيطرة، وإسرائيل في مركز الدائرة، تمتلك القوة لكنها تفقد الاتجاه. وبينما يتبدّل مفهوم النصر من السيطرة إلى البقاء، تُعيد هذه المواجهة تعريف الردع بوصفه توازناً في الوهن لا في الغلبة، وتطرح سؤالاً جوهرياً على منظّري الحرب والسياسة:
هل وصلت إسرائيل إلى حدّ قدرتها القصوى؟ أم أنّ المنطقة كلّها تعيش اختبار “ما بعد الحسم”، حيث يتحوّل الاستنزاف إلى شكلٍ جديد من توازن القوة؟

حرب طويلة بلا حسم: لماذا؟
منذ هجوم 7 أكتوبر 2023، دخلت المنطقة في سلسلة من الحروب المحدودة والمتداخلة: غزة، الجبهة الشمالية مع حزب الله، الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، والهجمات الحوثية على الملاحة في البحر الأحمر. هذه الحروب لم تنزلق إلى “حرب شاملة”، لكنها أيضاً لم تنتهِ بحسم واضح. هذا ليس صدفة، بل هو نمط يُفسَّر بنظرية الردع المتبادل المحدود: كل طرف يرفع الكلفة على الآخر بما يكفي لمنعه من التوسّع، دون أن يدفعه إلى نقطة حرب وجودية. تقارير الكونغرس ومراكز الأبحاث وثّقت الأُطر العامة لهذا المسار وتداعياته منذ الأيام الأولى.
سنتناول في هذه الدراسة على تحليل الصراع الراهن في الشرق الأوسط ضمن منظومتي نظريات الحرب المحدودة (Limited War Theory) والردع المتبادل المحدود (Mutual-limit-ed Deterrence)، وهما من أكثر الأطر استخداماً لفهم الحروب التي تُدار في ظلّ قيود سياسية واقتصادية وعقائدية تمنع الوصول إلى الحسم المطلق.
فمنذ الحرب الباردة، أشار توماس شيلينغ (Thomas Schelling) في نظريته حول “الإكراه والتلويح بالقوة” إلى أن الردع الناجح لا يقوم على تدمير الخصم بل على إقناعه بأن كلفة التصعيد تفوق مكاسبه. في ضوء ذلك، يمكن فهم السلوك الإسرائيلي والإيراني، ومعهما وكلاء الطرفين، على أنه حرب توازن كلفة أكثر من كونه سباق تفوّق عسكري.
تُبرز النظرية أيضاً مفهوم “العتبة الحرجة للصراع” (Conflict Threshold)، أي النقطة التي يتوقّف عندها أحد الطرفين عن التوسّع خوفاً من الانزلاق إلى حربٍ شاملة. ما نشهده اليوم هو سلسلة من الحروب الجزئية التي تلامس هذه العتبة دون تجاوزها:
إسرائيل تُكثّف الضربات، لكنها تتجنّب صداماً مباشراً مع إيران.
إيران تختبر قدراتها الصاروخية، لكنها لا تسعى لحربٍ تفتح أبواب الحصار الكامل.
الولايات المتحدة تُوازن بين حماية إسرائيل ومنع انهيار منظومة الاستقرار النفطي والتجاري.
في هذا السياق، يتحوّل الصراع من مفهوم النصر العسكري إلى إدارة البقاء الاستراتيجي، ومن الحسم بالمعارك إلى الحسم بالزمن. وهنا تكمن المفارقة التي تسعى هذه الورقة إلى تفكيكها: كيف تحوّل فائض القوة الإسرائيلي إلى مأزق استراتيجي؟ وكيف أصبحت الأطراف غير الدولتية—من حزب الله إلى الحوثيين—أدوات لإعادة تعريف الردع الإقليمي؟
إنّ هذا الإطار النظري لا يكتفي بوصف مسرح العمليات، بل يفسّر منطقها العميق:
صراعٌ يُدار لا ليُربح، بل ليُستمر.
وحربٌ تُخاض لا لتكسر الخصم، بل لتُبقيه منهكاً داخل حدود قدرته.
أهداف نتنياهو المُعلَنة… وماذا تحقق؟ ؛ صاغت القيادة الإسرائيلية أهداف الحرب باكراً: “إسقاط حكم حماس وتفكيك قدراتها”، إزالة التهديد من غزة، إعادة الرهائن، وضمان أمن الحدود. لاحقاً أضاف نتنياهو تصوّرات لـ“اليوم التالي” تشمل تجريد غزة من السلاح مع بقاء “مسؤولية أمنية إسرائيلية” غير مُحدَّدة زمنياً. هذه الأهداف موثّقة زمنياً ولفظياً في سجلات علنية. السؤال: إلى أين وصلت؟
1. تدمير قدرات حماس/إسقاط الحكم ؛ تحققت إنجازات عسكرية مهمة (قتل قادة بارزين، تفكيك ألوية، عمليات واسعة داخل المدن)، لكن خبراء مستقلين (RAND وغيرها) يجادلون بأن “تدمير” التنظيم كلياً هدفٌ قد لا يكون قابلاً للتحقق بوسائل عسكرية فقط، وأن مسار “إعادة التشكل” بعد كل جولة يظل قائماً ما لم تُحسم بيئة الحكم والأمن والاقتصاد في “اليوم التالي”. هذا يضع الهدف بين إنجاز تكتيكي وتحدٍّ استراتيجي مفتوح.
2. إزالة التهديد من غزة ؛ قدرة حماس على إطلاق نيران مستمرة تقلّصت في فترات، لكنها لم تُلغَ تماماً، وما تزال بؤر قتال وبيئات دعم قادرة على التعافي. المقاربة التي تمزج بين “تفكيك القدرات” و“حكم اليوم التالي” لم تُحسم داخلياً في إسرائيل نفسها، ما انعكس في خلافات داخلية ونداءات من قيادات أمنية لعقد نقاش استراتيجي واضح. هذا التعثّر المؤسسي جعل الهدف عرضة للتأجيل.
3. إعادة الرهائن ؛ تحقق جزء عبر صفقات وقف إطلاق نار قصيرة ومتقطعة، لكن بقى الملف هو الأكثر حساسية للرأي العام الإسرائيلي، وتبدّل شروطه مع كل جولة تفاوض وضغط عسكري. طرح البيت الأبيض في 2025 “خطة من 20 بنداً” لوقف الحرب وإعادة الرهائن، وقيل إن الطرفين قبلا المرحلة الأولى مبدئياً، لكن التنفيذ ظل رهناً بسياق ميداني وسياسي متقلب.
4. ضمان أمن الحدود (الشمال والجنوب) ؛ على الجبهة الشمالية، انتهت جولة 2024 باتفاق وقف إطلاق نار برعاية أميركية–فرنسية، تضمّن تكرار مرجعيات القرار 1701 وانسحاب حزب الله جنوب الليطاني ونشر الجيش اللبناني. لكن تقارير حقوقية وبرلمانية ودراسات الأزمات أشارت إلى هشاشة الردع المتبادل؛ أي أن الاتفاق يخفض الوتيرة ولا يلغي احتمال الاشتعال. بمعنى: تراجع التماس لا يعني “تحييد الجبهة” بنيوياً.
الولايات المتحدة: من “تفويض الردع” إلى “هندسة صفقة” ؛ مرّت رعاية واشنطن بثلاث مراحل تقريباً:
مرحلة بايدن (أواخر 2023–2024): “تفويض ردعي” واسع لإسرائيل مع دعم عسكري–سياسي (خطابات دعم وزيارات وإقرار مساعدات/دفاع صاروخي)، في إطار منع توسّع الحرب وضبط قواعد الاشتباك (خصوصاً مع إيران وحزب الله)، وتغذية مسار “وقفات إنسانية/صفقات رهائن” كلما أمكن.
تحوّل 2025 (إدارة ترامب): تسريع مبيعات السلاح والإسناد السياسي، ثم الانتقال إلى طرح “خطة 20 بنداً” كأداة لربط إنهاء الحرب بإعادة الرهائن وترتيبات حكم مؤقت في غزة، مع مجموع عقود تسليح كبيرة مُعلَنة. مع ذلك، ظهرت تصريحات متذبذبة أو حادة في محطات؛ لكنها لم تعنِ تراجعاً جوهرياً عن “دعم أمني كثيف”، بل اقترنت بضغط سياسي على تل أبيب في ملفات محددة (كجدل الضمّ). الخلاصة: دعم قوي مع محاولات هندسة تفاوض.
إيران و“محور” الأذرع: امتصاص الضربات وتعظيم الكلفة ؛ أطلقت إيران أول هجوم مباشر واسع بالطائرات المسيّرة والصواريخ (نيسان/أبريل 2024) رداً على ضرب قنصليتها بدمشق. جرى اعتراض واسع بدعم دفاعات أميركية وأوروبية وإقليمية. تلا ذلك نمط “الرد–الردع” دون انزلاق لحرب شاملة: رسائل نارية متبادلة، عمليات نوعية محدودة، وضربات ثأرية محسوبة. التحليلات (CSIS، ISW) قدّرت أن التأثيرات الميدانية المباشرة كانت محدودة لكن الأثر الاستراتيجي طويل: تعميق التنازع تحت سقف الحرب الشاملة، ورفع مخاطر الخطأ.
على جبهة البحر الأحمر، تحوّلت هجمات الحوثيين إلى رافعة استراتيجية غير متماثلة: تعطيل طرق، رفع أقساط التأمين، وتحويل مسارات الشحن حول رأس الرجاء الصالح. هذا “اقتصاد حرب” يُلقي أعباءً على سلاسل التوريد العالمية ويصعّب تسويات سريعة. تقارير متخصصة وثّقت الذروة في 2024 وتجدد الهجمات في 2025 وتأثيراتها على النفط والشحن.
“قصف الدوحة” وتحوّلات الشرعية الإقليمية ؛ شكّل الهجوم الإسرائيلي على مجمع سكني في الدوحة (أيلول/سبتمبر 2025) سابقة نوعية: أول ضربة معلنة داخل دولة خليجية، استهدفت قيادات حمساوية أثناء مسار تفاوضي. مجلس الأمن عقد جلسة طارئة، وصدر تنديد أممي واسع، وبرز سؤال: هل تتوسّع شرعية العمل القسري الإسرائيلي خارج ساحات الاشتباك التقليدية؟ عملياً، لم يؤدِّ الهجوم إلى حسم سياسي لصالح إسرائيل، بل زاد تعقيد الوساطات العربية والإسناد الدولي، وأعاد فتح ملف “كلفة التطبيع” شعبياً ونخبوياً في الخليج.
حزب الله: ردع متبادل وهشّ ؛ جولة 2024 انتهت باتفاق وقف النار، لكن الأدبيات (ICG، برلمانات، مراكز أبحاث) ترى أن ميزان الردع “يتنفس”: ضربات دقيقة إسرائيلية، كمونات صاروخية لحزب الله، هشاشة داخلية لبنانية، وكلفة اجتماعية–اقتصادية هائلة على شمال إسرائيل وجنوب لبنان. هذا يخلق “سلاماً مسلّحاً” يُمكن كسره بخطأ واحد أو اغتيال نوعي. أي أن هدف نتنياهو “تأمين الشمال” لم يتحقق كيقين استراتيجي، بل كهدنة قابلة للاهتزاز.
لماذا استمرّت الجبهات مفتوحة؟ ؛ وفق نظريات الإكراه compellence) ) والردع deterrence)) ، تتطلّب “الإكراه” قدرة على إنزال كلفة إضافية مستدامة لتغيير سلوك الخصم، مع “مسار نجاة” واضح له. في غزة، يجادل خبراء RAND أن البديل السياسي–الأمني القابل للحياة لم يتبلور مبكراً، فظل الإكراه العسكري يُنتج تآكل قدرات دون “تحوّل سلوكي–حكومي” قابل للقفل. وعلى الجبهات الأخرى، يحافظ الردع المتبادل المحدود على خطوط حمراء غير مكتوبة: إيران لا تريد حرباً شاملة، وإسرائيل لا تريد احتواءً استراتيجياً بلا سقف، والولايات المتحدة لا تريد مستنقعاً إقليمياً مفتوحاً. النتيجة: حرب استنزاف ذكية (smart attrition) عبر أطراف ووكلاء ومجالات (بحر، جو، سايبر، اقتصاد).
ماذا عن “الضربة التي لا تقتلك تقويك”؟ ؛ جزئياً نعم، وجزئياً لا. إيران ومحورها تعلّموا وتكيّفوا: تحسين دفاعات، توزيع مراكز ثقل، وشرعنة خطاب “الصمود” شعبياً. إسرائيل أيضاً تعلّمت: ابتكار أدوات اعتراض مشتركة مع حلفاء، تحسين استخبارات الاستهداف، وتطوير مقاربة أكبر للاصطياد القيادي (decapitation) خارج غزة (سوريا، لبنان، قطر لاحقاً). لكن كلا المعسكرين دفع أثماناً باهظة، وبنى خطوطاً حمراء جديدة. التكيّف لا يعني قوة مطلقة، بل مرونة تحت كلفة عالية وضغط دولي/اقتصادي. هنا تبدو خلاصة CSIS وISW مفيدة: النتائج “التكتيكية” يمكن أن تكون كبيرة، لكن “الحسم الاستراتيجي” يتطلب هندسة سياسية/أمنية ما بعد النار.
أين تقف واشنطن اليوم؟ : الأثر الأميركي مركّب:
a) عسكري/مالي: مليارات في المساعدات والمبيعات لإسرائيل عبر إدارتين متتاليتين (أرقام موثّقة)، بما يضمن استمرار القدرة على القتال والدفاع الصاروخي، ويبعث برسالة ردعية لإيران وحلفائها.
b) سياسي/تفاوضي: الانتقال من “تفويض الردع” إلى “هندسة صفقة” (خطة 20 بنداً) لإغلاق مسار غزة على نحو يربط الرهائن بأمن إسرائيل وترتيبات حكم انتقالي. لكن كلما ازداد الضغط على الأرض، تقلصت فرصة التنفيذ السلس.
c) خطوط حمراء: إدارة ترامب لوّحت بكلفة على إسرائيل إن ذهبت إلى ضمّ شامل للضفة، في إشارة إلى أن “الدعم المطلق” ليس شيكاً على بياض، وأن واشنطن توازن بين دعم الحليف وبين عدم تقويض أي هندسة سلام/تسوية تراها قابلة للعيش.

التقدير الاستراتيجي: أين تعثّر نتنياهو وأين نجح؟
a) نجاح تكتيكي–عملياتي: تقويض كثيف لقدرات حماس، ضربات موجعة لحزب الله، رسائل قوة مباشرة لإيران.
b) تعثّر استراتيجي: عدم ترجمة المكاسب العسكرية إلى معادلة حكم وأمن مستدامة في غزة (أو الشمال)، ما أبقى “التهديد” في حالة سيولة.
c) كلفة دولية–إقليمية: تصاعد كلفة الشرعية، توتر مع حلفاء، وانكشافات غير مسبوقة (هجوم الدوحة) أضعفت حجة “الحدود الحمراء” الإسرائيلية وزادت ثمن أي تصعيد لاحق.

السيناريوهات المقبلة (12–18 شهراً) ؛
1. تسوية تدريجية على مسار غزة (مرجّح مشروط): إذا مضت “خطة 20 بنداً” إلى مراحل تنفيذية—تحرير رهائن، خطوط انسحاب، ترتيبات أمنية انتقالية، وتمويل إعادة إعمار—قد يتكوّن مسار هدوء نسبي، لكن بجيوب اشتعال قابلة للانفجار.
شرطه: توافق داخلي إسرائيلي أوسع، وآلية حكم فلسطينية لا تعيد إنتاج “فراغ أمني”.
2. ردع متبادل هشّ شمالاً (مرجّح): وقف النار مع حزب الله يبقى قائماً، لكن قابلية الكسر مرتفعة مع كل اغتيال أو خطأ تقدير. وهنا سيبقى عامل الولايات المتحدة/فرنسا حاسماً في الضبط.
3. اقتصاد حرب في البحر الأحمر (مستمر): الحوثيون سيواصلون استخدام “تكتيك إغلاق الممرات” لرفع الكلفة، مع موجات شدّ وجذب تبعاً للضغط الإيراني والمفاوضات الخلفية. التأثير على الطاقة والشحن سيتبدّل موجياً، لا هيكلياً،
ما لم تُعالج جذور الحرب في اليمن وتوازنات طهران–واشنطن.
4. مسرح إيران–إسرائيل (محسوب): تبادل “الضربات المدروسة” سيستمر مع هامش خطأ، لكن ما لم يقع خلل كبير، ستبقى الحرب الشاملة غير مرجّحة. أي انزلاق سيكون غالباً من حادثة عالية الخطر (سلاح نوعي، خسائر كبيرة، اختراق سيبراني يطال بنى تحتية حرجة).

خلاصة الحكم الاستراتيجي
1) لم تُعلَن “هزيمة” ولم يتحقق “نصر” لأن الأهداف القصوى لإسرائيل كانت أعلى من قدرة الوسائل العسكرية وحدها على تحقيقها ضمن القيود السياسية–الدولية، ولأن إيران ومحورها أتقنوا لعبة “تعدد الجبهات بتكاليف موزّعة” التي تمنع إسرائيل من تركيز الحسم في ساحة واحدة.
2) الولايات المتحدة حافظت على “مظلّة دعم صلبة” لإسرائيل مع انتقال تدريجي نحو “هندسة صفقة”، ولكنها اصطدمت بحدود القوة عندما لا تتوافر ترتيبات اليوم التالي الواقعية.
3) “الضربة التي لا تقتلك تقوّيك” صحيحة بالقدر الذي نجح فيه كل طرف في التكيُّف والتعلُّم، لكنها لا تعني تفوّقاً مطلقاً: كلا المعسكرين أقوى في بعض الأبعاد وأضعف في أخرى، وحصيلة ذلك “توازن وهن” يطيل أمد الصراع.
توصية موجزة لصانع القرار العراقي (اختياري)
1) تحييد موجات الاضطراب الاقتصادية: متابعة مسارات الشحن عبر رأس الرجاء، التحوّط النفطي، وإدارة التأمين والشحن.
2) توازن الرسائل الدبلوماسية: دعم المسارات التي تُقفل جبهة غزة على خطة تنفيذية قابلة للعيش، مع تجنّب الاصطفاف الذي يجرّ إلى كلف أمنية.
3) رصد المخاطر التقنية–السيبرانية: لأن مسار “التكيّف” يُنذر بتحويل جزء من الاشتباك إلى البنى التحتية الإقليمية.
خلاصة: أهداف نتنياهو المعلنة اصطدمت بحدّ الحسم السياسي–الأمني، لا بقدرته على إيقاع الأذى العسكري. وواشنطن—بنسختيها—دعمت بلا انقطاع، لكنها لم تستطع وحدها أن تُنتج “نهاية حرب” قابلة للدوام. حتى الآن، نظرية الحرب تقول: هذا صراع سيبقى محدوداً ومكلفاً ومتجدداً… إلى أن يُحسم “اليوم التالي” سياسياً.
بالطبع، إليك خاتمة تساؤلية تحليلية تستند إلى ما ورد في المقال والمقدّمة والتأطير النظري، مكتوبة بلغة استراتيجية رفيعة وأسلوب أدبي متأمل، لتغلق الورقة على نغمة فكرية مفتوحة:
الخاتمة: بين نهاية الحرب وبداية اللاتوازن ؛ على امتداد عامين من اللهب، لم تثمر كثافة النار عن وضوحٍ في النتائج. فإسرائيل التي أرادت “إزالة التهديد” وجدت نفسها محاطة بتهديداتٍ متناسلة، وإيران التي سعت إلى ترسيخ الردع عبر الوكلاء اكتشفت أنّ فائض القوة قد يُغري الحلفاء بقراراتٍ لا تسيطر عليها. أما الولايات المتحدة، فباتت تخوض حرباً من دون جنود، لكنها تدفع ثمنها في كل جبهة اقتصادية وسياسية وإعلامية.

وهكذا، يتحول الشرق الأوسط من ساحة للحروب المحدودة إلى نظام صراعي دائم، تتعايش فيه النار مع الدبلوماسية، والعقوبات مع الوساطات، والسلاح مع الحاجة إلى النفط والأسواق. كلّ طرف خرج من الحرب أقوى في جانبٍ وأضعف في آخر:
إسرائيل أكثر خبرة، لكنها أقل هيبة.
إيران أكثر حضوراً، لكنها أقل تأثيراً.
أميركا أكثر انخراطاً، لكنها أقل تأثيراً.
هنا تتقدّم الأسئلة أكثر من الإجابات:
هل دخلنا زمن “السلام المرهق” الذي تُدار فيه الحروب من دون إعلانها، ويُصاغ الردع من دون توقيعه؟
هل تتهيأ المنطقة لمرحلة ردعٍ بالتعب، حيث لا يسقط أحد، لكن لا ينهض أحد أيضاً؟
وهل يمكن للعراق ودول الخليج أن تبني استراتيجيات توازنٍ ذكية تقيها ارتدادات هذا الزلزال الطويل؟
ربما لم تصل إسرائيل إلى نهاية قدرتها، لكنّها بالتأكيد بلغت حدودها النفسية والسياسية. وربما لم تنتصر إيران بعد، لكنها أثبتت أن البقاء في وجه العاصفة شكلٌ من أشكال النصر.
وبين ضربةٍ لا تقتل وهدنةٍ لا تُنهي، تبقى الحقيقة الكبرى أن الشرق الأوسط بعد 7 أكتوبر لم يعد كما قبله:
منطقةٌ تُعيد تعريف القوة، وتكتشف أن الحروب الحديثة لا تُكسب، بل تُدار—وأنّ “الزمن” نفسه أصبح سلاحها الأخير.



#عامر_عبد_رسن (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة الهادئة في مفهوم الشرعية: قراءة دستورية معمّقة في قرا ...
- هيمنة البنوك الحكومية على الائتمان المالي في العراق: حقيقة ا ...
- الكاش يبتلع السياسة: كيف غذّى اكتنازُ 90 تريليون دينار فوضى ...
- خطر التصعيد الموجَّه: محاولات جرّ العراق إلى مواجهة مع إسرائ ...
- هل من الممكن رفع الكفاءة التشغيلية في وزارة النفط ؟
- العراق بين التفاؤل الدولي والواقع الهيكلي: قراءة نقدية في أر ...
- أهمية عودة Exxon Mobil إلى العراق — تحليل اقتصادي
- تحوُّط اقتصادي استراتيجي للعراق في ظلّ بيئة عالمية متقلّبة
- عراق 2035: مدن تبتلع حقولها الخضراء
- حقل إريدو النفطي الواعد بين الإمكان الاقتصادي والمأزق التنفي ...
- العراق في قلب التحوّلات الإقليمية: من تجنّب الصدام إلى صناعة ...
- بين الصدمة والنزيف: قراءة عراقية في رؤيتين لطوفان الأقصى
- إيران بين التصعيد والدبلوماسية: قراءة أمنية في احتمالات الحر ...
- مستقبل البرنامج النووي الإيراني في ضوء محددات التوازن الاستر ...
- ابدأوا من حيث انتهى الآخرون
- القرار الأممي وإعادة تفعيل آلية الزناد: تحديات وفرص للعراق ف ...
- التحالفات الجديدة في الشرق الأوسط: قراءة استراتيجية في ضوء ا ...
- العراق أمام مرحلة جديدة من الفرص النفطية والاستثمارية
- الناتو يعلن التزاماً طويل الأمد تجاه العراق: من الأمن السيبر ...
- اتفاق إيران مع الترويكا الأوروبية وتداعياته على العراق


المزيد.....




- زيلينسكي يدعو لإبقاء العقوبات على روسيا طالما رفضت جهود السل ...
- -أرتال من الجيش السوري تتجه للساحل- بعد احتجاجات اللاذقية.. ...
- مستودع ذخيرة يتحول إلى قنبلة: انفجار إدلب يودي بحياة 5 مدنيي ...
- السودان: البرهان يدعو ترامب إلى التدخل لإنهاء الحرب المستمرة ...
- مصر: تطبيق للمساعدة في تشخيص التوحد عند الأطفال
- تسريبات تظهر المبعوث الأمريكي ويتكوف يقدم المشورة لروسيا، وت ...
- لماذا يزور البابا لاون هذه البلدة التركية الصغيرة؟
- سوريا: هدوء حذر بعد مواجهات أعقبت تظاهرات للعلويين في حمص وم ...
- -الرمح الطائر-: شركة صينية تكشف سلاحًا فائق السرعة.. رسالة م ...
- اتفاق تاريخي بين قبرص ولبنان لترسيم الحدود البحرية


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عامر عبد رسن - عصر اللا – نصر