أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حنان محمد السعيد - خلف الأقنعة المقدسة: وحدة القالب النفسي للمتشددين عبر الأديان















المزيد.....

خلف الأقنعة المقدسة: وحدة القالب النفسي للمتشددين عبر الأديان


حنان محمد السعيد
كاتبة ومترجمة وأخصائية مختبرات وراثية

(Hanan Hikal)


الحوار المتمدن-العدد: 8562 - 2025 / 12 / 20 - 18:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لو قمنا بتجربة "تعتيم" بصرية على أسماء الآلهة ورموز الكتب المقدسة، وراقبنا سلوك الجماعات المتشددة حول العالم، لوجدنا أنفسنا أمام "نمط ظاهري" (Phenotype) متطابق بشكل يثير الريبة.
فمن أحياء "مئة شعاريم" في القدس، إلى معاقل "طالبان"، ومجتمعات "الأميش" المسيحية، وصولاً إلى متطرفي "الهندوتفا"؛ يرتدي الجميع نفس الأقنعة النفسية، ويمارسون ذات الانغلاق، ويحولون جسد المرأة إلى ساحة المعركة الأولى.
بصفتي متخصصة في العلوم المخبرية، اعتدتُ البحث عن الأنماط المتكررة لتعريف العوامل الممرضة.
وعندما ننظر إلى "التشدد" كظاهرة عابرة للأديان، نكتشف أنه ليس مجرد إيمان روحي، بل هو "آلية دفاعية" وبنية إدراكية يمكن تشريحها مخبرياً وسياسياً.
الدماغ الأصولي: المقايضة النفسية بالأمان
لا يختار الإنسان التشدد عبثاً، بل هو "مقايضة" دماغية للهروب من قلق الوجود. يعاني العقل المتشدد مما نسميه "التصلب المعرفي" (Cognitive Rigidity)؛ حيث تسيطر "اللوزة الدماغية" (مركز الخوف) على المشهد، مُعطلةً دور "القشرة الجبهية" المسؤولة عن التفكير النقدي.
يقدم التشدد "حقنة مهدئة" عبر تبسيط العالم المعقد إلى ثنائية (حق مطلق) و(باطل مطلق).
هذا "الحسم المعرفي" يريح الدماغ من عناء الاحتمالات، ويجعل من الزي الموحد (الأسود الطاغي، اللحى، القبعات الخاصة) "غشاءً خلوياً" يحمي الفرد من "التلوث الثقافي" الخارجي، تماماً كما يحمي الغشاء الخلية من وسطٍ معادٍ.
هل هو "داء نفسي"؟
بعض الدراسات في علم النفس العصبي (Neuropsychology) بحثت في "الأسس البيولوجية للتطرف"، ووجدت خصائص مشتركة :
السمة النفسية التفسير السلوكي
ارتفاع حساسية الاشمئزاز (Disgust Sensitivity) المتشددون لديهم رد فعل بيولوجي قوي تجاه "الغريب" أو "المختلف"، ويرونه "لوثاً" بيولوجياً أو روحياً.
الحاجة إلى الحسم (Need for Closure) عدم القدرة على تحمل الشك؛ الدماغ يطلب إجابة فورية وقاطعة ليهدأ القلق، والدين المتشدد يقدم هذه الإجابات الجاهزة.
ضعف المرونة الإدراكية صعوبة في تغيير المهام أو تقبل تغيير المعطيات، مما يؤدي للتمسك الحرفي بالنصوص القديمة.

بيئة الاستزراع والسموم
في المختبر، نحن نعلم أن "العفن" (Mold) كائن انتهازي لا ينمو إلا في ظروف محددة: رطوبة عالية، ظلام، وغياب للتهوية.
هكذا هي الأصولية؛ هي "عفن فكري" يستلزم "وسطاً زرعياً" مكوناً من الفقر والجهل والقمع.
بمجرد استقرار هذا العفن، يبدأ بممارسة "الإقصاء التنافسي"؛ فيفرز سموماً فكرية (تكفير، تخوين، تحريم) تقتل التنوع في المجتمع، وتجعل البيئة "حامضية" لا تتحمل وجود الفنون أو التعددية.
وبدلاً من أن يكون الدين وسيلة للارتقاء، يتحول إلى أداة لتعطيل نمو المثقفين والمبدعين لضمان انفراد العفن بالوسط تماماً.
جسد المرأة: المعمل الوراثي للجماعة
تتطابق الأصوليات في هوسها بجسد المرأة لأنها في نظرهم ليست فرداً، بل "حاضنة بيولوجية" للهوية و"معمل وراثي" يضمن استمرار أبواغ الجماعة.
السيطرة على لباس المرأة وحركتها هي سيطرة على "خطوط النقل" الثقافي، وهي "ترمومتر" يقيس من خلاله المتشدد مدى نقائه وتفوقه الأخلاقي الموهوم على الآخرين.
التآزر الجرثومي وفناء الدولة
تصل البشاعة إلى ذروتها في بلدان مثل (لبنان، سوريا، والعراق)؛ حيث يلتقي أكثر من مذهب متصلب في بيئة واحدة.
هنا ننتقل من "النمو الفردي" إلى "التآزر الجرثومي" (Microbial Synergism)؛ حيث يتعاون حطام الأصوليات المتصارعة مع "النظام الفاسد" و"المستعمر" لتسريع فناء الدولة:
• النظام الفاسد: يلعب دور "فني المختبر" الذي يغذي العفن ليستخدمه كـ "بعبع" يخيف به الشعب والمجتمع الدولي، مبرراً بقاءه كضرورة لمنع الحرب الأهلية.
• المستعمر والإمبريالية: يوفرون "السماد" والتمويل لهذه الجماعات لتفتيت النسيج الوطني، وتحويل الصراع من صراع على "السيادة والموارد" إلى صراع "هويات وعقائد".
• الانتحار البيولوجي: عندما تنهار الدولة، تبدأ هذه الجماعات بقضم ما تبقى من "جثتها"، فتدمر المؤسسات الرسمية والتعليم، مما يدفع "الخلايا الحية" (العقول والكفاءات) للهجرة، تاركين الوطن لقمة سائغة للعفن والمصالح الخارجية.

كيف استخدمت القوى الإمبريالية الجماعات الأصولية لضرب الحركات التحررية واليسارية والقومية.
• الآلية: بما أن الأصولي يرى "اليساري" أو "الليبرالي" عدواً عقائدياً (بسبب كسر التقاليد أو العلمانية)، فإن الدول الإمبريالية دعمت هذه الجماعات لإضعاف الحركات التي كانت تطالب بتأميم الموارد أو الاستقلال الاقتصادي.
• المثال الشهير: دعم "المجاهدين" في أفغانستان لمواجهة الاتحاد السوفيتي، حيث تم استغلال "الولاء للجماعة" و"الرغبة في الاستشهاد" لخدمة أجندة الحرب الباردة.
استراتيجية "البعبع" أو "الشرعية بالخوف" (The Bogeyman)
هنا تستفيد الديكتاتوريات المحلية من وجود المتشددين لترسيخ حكمها.
• الآلية: النظام الديكتاتوري يغذي (أو يغض الطرف عن) نمو الجماعات المتشددة ليضع المجتمع والغرب أمام خيارين أحلاهما مر: "إما استبدادي (الذي يحمي المدنية والاستقرار) أو هؤلاء المتطرفون (الذين سيعيدونكم للعصور الوسطى)".
• النتيجة: يتم استخدام المتشددين كـ "فزاعة" لإسكات الأصوات الديمقراطية، وتبرير القوانين القمعية وحالات الطوارئ تحت شعار "محاربة الإرهاب".
استراتيجية "كبش المحرقة" (The Scapegoat)
عندما تنتهي صلاحية هذه الجماعات أو عندما يشتد الضغط الدولي على النظام، يتم التضحية بها.
• الآلية: لأن هذه الجماعات تنغلق على نفسها وتستخدم خطاباً صدامياً، يسهل جداً "شيطنتها" جماهيرياً وتحميلها مسؤولية كل إخفاقات الدولة (الاقتصادية والاجتماعية).
• التوظيف السياسي: يتم تصويرهم كسبب وحيد للتخلف، مما يصرف الأنظار عن الفساد الهيكلي في السلطة أو النهب الإمبريالي للموارد.
الخاتمة: هل من مضاد حيوي؟
إن مواجهة هذا التحلل لا تكون بمجرد مسح العفن عن السطح أو نقاش النصوص، بل بتغيير "الوسط الزرعي" جذرياً.
العلاج هو "تهوية" المجتمعات بشمس العدالة الاجتماعية، وتجفيف منابع الجهل، وإعادة بناء وسط أساسه المواطنة لا الطائفة، والعلم لا الخرافة.
عندما نمتلك السيادة على عقولنا وأرضنا وغذائنا، سيموت هذا العفن تلقائياً؛ فهو في النهاية لا يزدهر إلا في غياب الحياة الحقيقية، وفي صمت القبور التي يحاولون تحويل أوطاننا إليها



#حنان_محمد_السعيد (هاشتاغ)       Hanan_Hikal#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يجوز ذبح النساء وأكلهن؟.. عن بيولوجيا الإخضاع ووراثة المه ...
- السردية الكبرى: كيف يُعيد الاستعمار الاستيطاني إنتاج نفسه عب ...
- الطب النفسي كسلاح: كيف تتحول الحقيقة إلى وهم خطير
- هل -الإعلانات التي تقرأ الأفكار- مجرد مصادفة؟ تقنية عمرها نص ...
- الطفل الذهبي
- عصر الكلاب
- فارس من هذا الزمان
- حكاية ليلى
- دولة سارّاس
- عيد ميلاد الكونت دراكولا
- دكاكين ابليس
- القفص اللامرئي
- مشروع ما بعد الانسان: تعديل الجينات وزرع الغرسات الالكترونية
- حال المرأة في اليوم العالمي للمرأة
- كيف تحمين نفسك في وسط مجتمع يفتقر للشهامة؟
- الهستريا وبضع الفص .. أساليب قديمة ووسائل حديثة
- حيل الشخصية النرجسية للتهرب من المسؤولية
- إنهم يمتنون عليك بالأخذ
- بين مفهوم الستر ومفهوم التستر
- شنق الضحية وسياسة لوم الطرف الأضعف


المزيد.....




- كاميرا ترصد مشهدًا مرعبًا.. سفينة أشباح في مياه ولاية واشنطن ...
- العثور على 43 طفلاً مفقودًا خلال عملية مداهمة.. وهذا ما يواج ...
- -استعرض قدرات تركيا والهدف منها-.. أردوغان يعلن بدء بناء حام ...
- فيديو منسوب لـ-قصف جوي على موقع حوثي في مكيراس- باليمن.. هذه ...
- سيناريو الهجوم الروسي: أين ستقع الضربة الأولى في أوروبا؟
- المجلس الأمني الإسرائيلي يصادق على إقامة 19 مستوطنة جديدة با ...
- فيديو جديد عن -مجمع الإمام علي- يزعم كشف قاعدة إيرانية -سرّي ...
- أمريكا تستولي على ناقلة نفط ثانية في الكاريبي.. وفنزويلا تصف ...
- ?دراسة: أعراض للاكتئاب ترفع خطر الإصابة بالخرف
- غانا تطالب أميركا بتسليمها وزيرا سابقا متهما بالفساد


المزيد.....

- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حنان محمد السعيد - خلف الأقنعة المقدسة: وحدة القالب النفسي للمتشددين عبر الأديان