أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنان محمد السعيد - الطفل الذهبي















المزيد.....

الطفل الذهبي


حنان محمد السعيد
كاتبة ومترجمة وأخصائية مختبرات وراثية

(Hanan Hikal)


الحوار المتمدن-العدد: 8454 - 2025 / 9 / 3 - 16:47
المحور: الادب والفن
    


في إحدى القرى الخضراء بمدينة الجبل، عاشت "سارة" فتاة في ريعان شبابها، لم تبلغ بعد سوى السابعة عشرة من عمرها حين تزوجت. كان قلبها يمتلئ شغفًا وأملًا في أن تُرزق بطفل يملأ حياتها بهجة، ولكن القدر لم يكن رحيمًا بها في البداية. فقد كانت تمر بتجارب حمل متكررة تنتهي بسقوط الجنين قبل أن يكتمل، مما كان يترك في قلبها أثرًا عميقًا من الحزن والألم.

وبعد سنوات من الانتظار والصبر والدعوات، جاء الفرج. حملت سارة هذه المرة وكان حملها مختلفًا. شعرت بنبض الحياة قويًا في أحشائها، وتعلقت آمالها بهذا الطفل المنتظر. وعندما أشرقت شمس الولادة، أبصرت سارة طفلها الذي كان أشبه بقطعة من الذهب الخالص.

كانت سارة الابنة الكبرى والأكثر جمالًا بين أخواتها، مما أكسبها إعجابًا كبيرًا من الجميع. لم يكن جمالها هو الشيء الوحيد الذي يميزها، بل كانت تتقن المهارات النسائية ببراعة فائقة، فكانت أياديها تخلق من لا شيء أشهى الأطباق وأجمل الحياكات، مما أضاف إلى جاذبيتها سحرًا خاصًا.

ولكن إلى جانب هذه المزايا، كانت سارة تتمتع بشخصية قوية؛ كانت تحب أن تُعامَل كملكة، وأن تُلبى جميع طلباتها دون تردد. لم تكن تقبل أن يُرفض لها أي أمر، وكانت تأمل أن تستمر هذه المعاملة الملكية حتى بعد زواجها.

الآن، بعد أن رزقت بطفلها "الذهبي" الذي كان محط الأنظار ومثار حسد الكثيرين، زاد تعلقها به لدرجة التملك، وأصبح كل همها هو الحفاظ عليه ومنعه من العالم الخارجي، كقطعة ثمينة تخاف عليها من الضياع.

جميل جداً! هذا التباين في المعاملة سيضيف عمقاً كبيراً للقصة. لنمنح الطفل الذهبي اسماً يليق به، ما رأيك باسم "آسر"؟

بعد ثلاث سنوات من قدوم "آسر" الذهبي إلى حياتها، والذي كان بجماله الخارق وشعره وعينيه الذهبيتين محط أنظار الجميع ومثار حسدهم، رزقت سارة بطفلة أخرى. لكن مشاعرها تجاه هذه الطفلة الثانية كانت مختلفة تمامًا، بل متناقضة تمامًا لما شعرت به نحو آسر. فمنذ اللحظة الأولى لولادتها، لم ترَ فيها سارة ابنة بقدر ما رأت فيها وصيفة في بلاطها، وُجدت لتلبية أوامرها والقيام بكل الأعمال الشاقة التي كانت هي ترفضها.

الأهم من ذلك كله، كان عليها ألا تسبق "آسر" أبداً، ولا تتفوق عليه تحت أي ظرف من الظروف. نشأت الطفلة، التي يمكن أن نسميها "ندى"، في أجواء عدائية إلى حد كبير، ووجدت نفسها منذ نعومة أظفارها مكلفة بمهام وأعمال تفوق طاقة أي طفل صغير. كانت أيامها مليئة بالمشقة، بينما كان شقيقها الذهبي يعيش في عالم من الدلال والرعاية المطلقة.

في يوم من الأيام، كان آسر يلعب بالكرة داخل المنزل، فركلها بقوة وكسر مرآة خزانة الملابس. وقف آسر مذهولاً، بينما هرعت ندى لتمسك بقطع المرآة المكسورة حتى لا تسقط وتتفتت على الأرض، ويسهل على والدتها جمعها. هرب آسر بكرته بعيدًا، وعندما حضرت الأم ورأت المشهد، قامت بضرب ندى ضربًا مبرحًا، على الرغم من أنها لم تفعل شيئًا سوى محاولة تأمينهم من خطر كسر المرآة، بينما هرب آسر بفعلته .

أظهرت ندى نبوغًا ملحوظًا منذ صغرها، حيث كانت تحرز جميع الدرجات النهائية بسهولة شديدة، بينما كان آسر ينجح بدرجة متوسطة بكفاح مشترك بينه وبين سارة. وظهر ذلك جليًا منذ نعومة أظفارهم؛ فبينما كانت سارة تلقن آسر جدول الضرب في سن الخامسة، كانت ندى التي لم تتجاوز الثانية إلا بأشهر قليلة تجيب بدلًا منه، مما أثار قلق سارة.

ولكن وسط كل ذلك، كان هناك الأب الفخور الذي يرى في ندى أحلامه تتحقق. كان يراقبها وهي تتفوق، ويشعر بأنها ستكون له السند والعوض في الحياة.

أظهرت ندى، حتى وهي لم تتجاوز الخامسة من عمرها، قدرات تفوق التوقعات. لم تكن مجرد طفلة ذكية، بل كانت تملك فطرة عجيبة على مساعدة الآخرين.

وعندما حضر الجد من قريته، وقد أثقلت خطاه آلام التهاب المفاصل المزمن، قال الطبيب إنه قد لا يتمكن من المشي مرة أخرى. وعلى الرغم من انشغال الأب الذي حرص على إعطاء والده الأدوية والدهانات الموصوفة، إلا أن ندى قامت بما هو أبعد من ذلك.

أعدت ندى برنامجًا للعلاج الطبيعي للجد، وأصرت على تنفيذه معه يوميًا. كانت تشجعه بكل ما أوتيت من قوة وإصرار، وتذكره بأن عليه أن يتعلم المشي من جديد. وبفضل إصرارها وجهودها، تحقق المستحيل. عاد الجد إلى قريته وهو يسير على قدميه، وقد تركت ندى في قلبه أثرًا لا يمحى.

وكان الأب الفخور يذكر لكل من يسأله عن سر هذه المعجزة أن الفضل يعود لبرنامج العلاج الطبيعي الذي نفذته ندى، ولم يذكر حتى دوره الحيوي في تقديم الدواء لوالده.

على الرغم من انشغال والد ندى الكبير في توفير متطلبات الملكة سارة وابنها الذهبي التي لا تنتهي، إلا أن دوره كان مؤثرًا في حياتها. بفضل دعمه الخفي وإيمانه بها، تمكنت ندى من التعالي على كل ما تعرضت له من تفرقة وإيذاء، وانشغلت في بناء نفسها وتطوير قدراتها.

حتى عندما كانت تواجه سارة بأفعالها التي لا تخفى على أحد، كانت سارة تقول لها إن ما تقوله ليس إلا غيرة من آسر. لكن ندى، التي تعالت على مثل هذه المشاعر ولم تكن تحاسب أحدًا بجريرة أحد، قالت لها إنها لا تعاني من أي مشكلات مع آسر، ولكن مشكلتها هي مع سارة نفسها. واستمر الأمر على هذا الحال إلى حين.

أنجبت سارة ابنها الثالث بعد منافسة خفية بين نساء العائلة والجيران، فكلهن كن حوامل في الوقت نفسه. كان الطفل، الذي أطلقنا عليه اسم "يوسف"، آية في الجمال وموفور الصحة، مما عزز من مكانة سارة، وفي الوقت نفسه ألقى بعبء جديد وثقيل على كاهل ندى.

في سن التاسعة، وجدت ندى نفسها في دور الأم البديلة؛ تقوم بمهام رعاية المولود الجديد ومساعدة الجميع، بالإضافة إلى الأعمال المنزلية الشاقة مثل التنظيف والغسيل. ورغم كل هذه الأعباء، لم تتخلَّ ندى عن شغفها، فكانت تستمر في بناء عالمها الخاص من خلال القراءة والاطلاع والرسم.

يوماً بعد يوم، تعلمت ندى كيف تبني الحواجز بينها وبين كل ما يزعجها في المنزل. وعلى الرغم من التمييز الكبير الذي كانت تتعرض له في كل شيء، من الطعام والملبس إلى المعاملة والمسؤوليات، تحملت كل ذلك راضية. تعلمت أشياء ساعدتها على تجاوز محنتها، مثل ممارسة التأمل قبل أن تدرك أن ما تفعله يسمى تأملًا، ومارست العبور النجمي عندما كانت تبقى وحيدة في فراشها ليلًا، حيث كانت روحها تطفو حرة في ملكوت السماء.

جعلت من نفسها أفضل ابنة، وأفضل أخت، وأكثرهم تميزًا في دراستها وممارستها للأنشطة والندوات، ودخلت في مسابقات مع مدارس وكليات وجامعات أخرى، وحصلت على جوائز مشرفة. لم تتوقف عند هذا الحد، فقد نالت شهادتها الجامعية في تخصص مرموق، وحصلت على وظيفة ممتازة، وبنت لنفسها مسيرة مهنية رائعة.

ولكن في خضم هذا النجاح، تعرضت لضغوط شديدة للقبول بالزواج، وهي في الثالثة والعشرين من عمرها. رضخت أخيرًا وتزوجت من شخص تحمست له والدتها كثيرًا. وما لبثت أن عرفت سر هذا الحماس؛ فقد كان زوجها نسخة منها، معجبًا بنفسه، يطفو في نرجسيته، لا يريد أن يقوم بأي شيء، ويترك كل المسؤوليات على عاتقها، متبجحًا بأن وجوده أكثر من كافٍ حتى لو لم يفعل شيئًا.

بعد فترة قصيرة من زواج ندى وإنجابها لابنتها الأولى، فقدت والدها الذي كان سندها الوحيد في الحياة. لم تتردد والدتها وإخوتها في محاولة منعها من نيل كل مستحقاتها في ميراث والدها، إلا ما كانوا مضطرين لإعطائها إياه.

حتى بعد وفاة سارة، ظل الحال على ما هو عليه، حيث ظل آسر ويوسف يعتمدان على ندى في الكثير من الأمور، على الرغم من علمهم بما تتحمله من مسؤوليات في سبيل تربية ابنتيها. لم يشفع لها ذلك، ولم يتوقفوا عن الضغط عليها، خاصة بعد أن وجدت فرص عمل في الخارج براتب مغرٍ.

لم تتحمل ندى نرجسية زوجها طويلاً، فانفصلت عنه وعادت إلى البلاد مع ابنتيها. ظن آسر ويوسف أنها قد عادت بثرائها، فبدأا في محاولة ابتزازها بشتى الطرق. لكن كل ما كان يشغل بال ندى هو توفير حياة كريمة لابنتيها، خاصة أن زوجها لم يكن يتحمل أي من مسؤولياته المادية.

قررت ندى أن تستعين بآسر، شقيقها الأكبر والمحامي، لمساعدتها في رفع دعوى قضائية ضد زوجها السابق. وذكّرته بوقوفها إلى جانبه في الماضي، كيف تحملت تكاليف عملية عينه ودعمته ماليًا عندما تعثر مشروعه دون أن يرد لها أموالها. وعلى الرغم من أنها كانت تتعامل معه كأي زبون، إلا أنه ظل يماطل ويكذب عليها. وعندما ذهبت بنفسها للاستفسار، اكتشفت الصدمة: لم يرفع آسر أي قضية.

عندما واجهته، انكشفت حقيقة مرعبة لم تكن تتخيلها؛ كمية الحقد والغل التي يكنها لها كانت هائلة. والأدهى من ذلك أن يوسف، الذي ربته بيديها منذ صغره، عاملها بأسلوب أسوأ. كانت صدمة قاسية وغير مفهومة، فكيف تحول من يفترض أن يكونا سندها إلى أعداء، وكيف انقلبت المشاعر لتصبح هي المستحقة للحقد، لا هما؟

قاطعت ندى آسر ويوسف، ونبذت كل ما يتعلق بهما من حياتها. وتذكرت مقولة الكاتب يوسف السباعي: "إنَّ شرَّ ما في النفسِ البشريّةِ هي أنها تعتادُ الفضلَ مِن صاحبِ الفضلِ فلا تعودُ تراهُ فضلًا!".

لقد كانت هذه هي الحقيقة المرة التي اكتشفتها ندى، ففضلها عليهم تحول إلى أمر مسلم به، ولم يعد يُرى على أنه فضل يستحق التقدير.



#حنان_محمد_السعيد (هاشتاغ)       Hanan_Hikal#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عصر الكلاب
- فارس من هذا الزمان
- حكاية ليلى
- دولة سارّاس
- عيد ميلاد الكونت دراكولا
- دكاكين ابليس
- القفص اللامرئي
- مشروع ما بعد الانسان: تعديل الجينات وزرع الغرسات الالكترونية
- حال المرأة في اليوم العالمي للمرأة
- كيف تحمين نفسك في وسط مجتمع يفتقر للشهامة؟
- الهستريا وبضع الفص .. أساليب قديمة ووسائل حديثة
- حيل الشخصية النرجسية للتهرب من المسؤولية
- إنهم يمتنون عليك بالأخذ
- بين مفهوم الستر ومفهوم التستر
- شنق الضحية وسياسة لوم الطرف الأضعف
- تحوّل من جاني إلى ضحية في ثلاث خطوات بتقنية DARVO
- القيم -المهزوزة-
- حلاق النزاهة ولانجيري الشفافية
- هل أنتِ ضحية للتلاعب العقلي Gaslighting؟
- مدرسة المخابرات الألمانية في التجسس على الشعوب


المزيد.....




- ثقافة -419- في نيجيريا.. فن يعكس أزمة اقتصادية واجتماعية
- بريق الدنيا ووعد الآخرة.. قراءة في مفهومي النجاح والفلاح
- يجسد مأساة سكان غزة... -صوت هند رجب- ينافس على -الأسد الذهبي ...
- شاهد..من عالم الأفلام إلى الواقع: نباتات تتوهج في الظلام!
- مقاومة الاحتلال بين الكفاح المسلح والحراك المدني في كتاب -سي ...
- دور الكلمة والشعر في تعزيز الهوية الوطنية والثقافية
- لا شِّعرَ دونَ حُبّ
- عبد الهادي سعدون: ما زلنا نراوح للخروج من شرنقة الآداب القلي ...
- النّاقد السّينمائي محمد عبيدو ل “الشعب”: الكتابات النّقدية م ...
- الرّباط تحتضن عرض مسرحيّة (البُعد الخامس) لعبد الإله بنهدار ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنان محمد السعيد - الطفل الذهبي