|
|
تاريخ الشعر السياسي العربي
ياسر يونس
شاعر ومترجم وكاتب
(Yasser Younes)
الحوار المتمدن-العدد: 8561 - 2025 / 12 / 19 - 14:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الشعر السياسي في العصر الجاهلي (قبل الإسلام-622م) المفهوم: عبر الشعر السياسي عن الصراع بين القبائل وكان الشاعر هو صوت القبيلة الذي يذكر بأمجادها ويحشدها في مواجهة القبائل الأخرى إما للغزو وإما للثأر كما كان يدافع عن القبائل المحالفة والموالية لقبيلته. السمات: اللغة المباشرة والخطابية والحماسة والانفعالية والحِكم والسرديات التي تُمجد أيام العرب. ويمكن القول بأن الشعر السياسي في العصر الجاهلي وفيما تلاه من عصور كان قائمًا على المدح والهجاء حيث كان الشاعر يمدح قبيلته ومن والاها ويذم القبيلة المعادية ومن والاها. وعلى مر عصور الشعر العربي كان الشعر السياسي عمومًا يقوم على المدح والهجاء. أهم الشعراء عمرو بن كلثوم (المتوفى سنة 600م) : ذاع صيته في حرب قبيلتي بكر وتغلب، قال بعد أن قتل عمروًا بن هند : بأي مشيئةٍ عمرو بن هندٍ تطيع بنا أعشى قيس الوشاة وتزدرينا تهدَّدنا وأوعدنا وعيدًا متى كنا لأمك مقتوينا فإن قناتنا يا عمرو أعيت على الأعداء قبلك أن تلينا وقال مفتخرًا بقومه: وقد علم القبائل من معدٍ إذا قبب بأبطحها بنينا بأنا المطعمون إذا قدرنا وأنا المهلكون إذا ابتلينا فكما يتضح من الأبيات الأمر كان هجاءً أو مدحًا. امرؤ القيس (500-540م): كان شعره السياسي مختلفًا بعض الشيء إذ كان أحيانًا يستعمل الرمزية بدلًا من المباشرة، قال: الحربُ أوّلٌ ما تكونُ فُتيَّةً تسعى بزينتها لكلِّ جَهولِ أعشى قيس (المتوفى سنة 629م): اختلف شعره قليلًا بحكم أنه كان كثيرًا ما يفد على ملوك الفرس والغساسنة فتأثر بهذا الاحتكاك الثقافي، قال هاجيًا: أَبْلِغْ يَزِيدَ بَني شَيْبَانَ مَالُكَة *** أَبا بَيْتٍ، أَمَا تَنْفَكُ تَأْتكل ألستَ مُنْتَهِما عَنْ نَحْتِ أَثْلَتِنا *** وَلَسْتَ ضَارَها ما ألت الإبل النابغة الذبياني (المتوفى سنة 605م): صاحب المدائح الشهيرة في ملوك المناذرة أنموذجًا للشاعر الرسمي المادح للسلطة، وكان شعره من الناحية الفنية ناضجًا ومميزًا، قال مادحًا: وَإِن يَرجِعِ النُعمانُ نَفرَح وَنَبتَهِج وَيَأتِ مَعَدّاً مُلكُها وَرَبيعُها وَيَرجِع إِلى غَسّانَ مُلكٌ وَسُؤدُدٌ وَتِلكَ المُنى لَو أَنَّنا نَستَطيعُها وَإِن يَهلِكِ النُعمانُ تُعرَ مَطِيَّهُ وَيُلقَ إِلى جَنبِ الفِناءِ قُطوعُها وقال مفتخرًا: إِنَّا نُقَدِّمُ لِلْفَخارِ ثَلاثَةً هَرِماً وَعَوْفاً عَمَّهُ وَسِنانا وَنَعُدُّ خارِجَةَ الْمَكارِمِ إِذْ سَعى بِحَمالَةٍ فَاسْتَخْلَصَتْ غَطَفانا وَالْحارِثَيْنِ مَعاً نَعُدُّ وهاشِماً وَيَزِيدَ إِنْ عُدَّ الْكُماةُ طِعانا المكانة: كان الشعر السياسي في العصر الجاهلي يحل محل الدبلوماسية والإعلام في العصور الحديثة، كما كان يقوم بدور التأريخ للأحداث الهامة.
الشعر السياسي في صدر الإسلام (622م-661م) المفهوم: أصبح الدين أساس الانتماء وحلت الأمة محل القبيلة وتشكلت السلطة المركزية فأصبح الشعر هو وسيلة التعبير عن الدعوة الإسلامية والقيم الدينية للإسلام وهجاء المشركين والدعوة إلى الجهاد والدفاع عن نبي الإسلام. السمات: لم تتغير المباشرة واللغة الخطابية كثيرًا ولكن برز اقتباس الألفاظ القرآنية كما استمر الطابع الانفعالي والحماسي. وكالعادة كان معظم الشعر السياسي إما مدحًا أو هجاءً، والغريب أن الحجاج الديني لم يظهر بصورة واضحة في شعر تلك الفترة. أهم الشعراء: حسان بن ثابت ( المتوفى سنة 674م): كان شعره امتدادًا للشعر السياسي في العصر الجاهلي إذ جاء مباشرًا حماسيّا، ولكنه استخدم ألفاظًا واقتباسات قرآنية، قال: هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا حَنِيفًا ... رَسُولَ اللهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ
عبد الله بن رواحة (المتوفى سنة 629م): ركز على معايرة المشركين وترغيبهم في الإسلام وكان شعره كحسان مباشرًا حماسيًّا ويستخدم ألفاظًا قرآنية، ولكن ظهرت عنده نزعة زهدية، قال: يا رب لولا أنت ما اهتدينا … ولا تــصــدقــنـا ولا صــلــيـنـا فــأنـزلـن سـكـيـنة عـلـيـنا … وثــبــت الأقـــدام إن لاقـيـنـا إنَّ الـكـفار قـد بـغوا عـلينا … إذا ارادوا فـــتـــنــة أبـــيـــنــا كما أُنشدت بغض القصائد في رثاء الرسول بعد وفاته إلا أنها لم تكن نزعة عامة فالمسلمون انشغلوا بعدها بأحداث حروب الردة والفتنة الكبرى، قال حسان: ما بَالُ عَينِكَ لا تَنَامُ كأنّمَا كُحِلَتْ مآقِيها بكُحْلِ الأرْمَدِ جزعاً على المهديّ، أصبحَ ثاوياً يا خيرَ من وطىءَ الحصى لا تبعدِ وبوجه عام كان الشعر العربي في صدر الإسلام أقل جودة منه في العصر الجاهلي الذي سبقه والعصر الأموي الذي تلاه. وبطبيعة الحال عبر الشعر في فترة الخلافة الراشدة عن أحداث حروب الردة وفي أواخر الخلافة الراشدة عبر عن أحداث الفتنة الكبرى ولكن على استحياء، كما ظهر شعراء الخوارج كبداية للمعارضة السياسية.. وكان أبرز شعراء الخوارج: قطري بن الفجاءة (المتوفى سنة 697): كان ثائرًا ومقاتلًا ويُعتبر أول شعراء الخوارج وكانت قصائده بطبيعة الحال شديدة الحماسة ولكن مع نزعة زهد في الحياة وطلب للشهادة، قال: أقولُ لها وقد طارتْ شعاعاً من الأبطالِ ويحكِ لن تُراعِي فإنكِ لو سألتِ بقاءَ يومٍ على الأجلِ الذي لكِ لم تُطاعي فصبراً في مجالِ الموتِ صبراً فما نيلُ الخلودِ بمستطاعِ
الطرماح بن عدي الطائي (المتوفى سنة 660م): كان جُل شعره في نصرة آل البيت وكان رسولًا بين علي ومعاوية ثم انضم إلى الحسين. وكان شعره خطابيًّا حماسيًّا ومثله مثل قطري بن الفجاءة كان يفصح فيه عن طلبه الشهادة، قال: يا ناقتي لا تذعري من زجري **** و امضي بنا قبل طلوع الفجر بخير فيان و خير سفر **** آل رسول الله اهل فخر وقال: انا الطرماح ارميكم بصاعقة **** من حر سيفي وقلبي غير مرهوب
الشعر السياسي في العصر الأموي (661-750م) المفهوم: ظل الشعر يدافع عن الدعوة ولكن انتقل إلى الدفاع عن الخلفاء وشرعيتهم وهجاء خصومهم. ومع تطور حركة الخوارج وظهور الصراع بين الأمويين والعلويين اتسع نطاق القصائد بعض الشيء، ولكن عادت العصبية القبلية وعاد الشعراء إلى تأجيجها. كما استمر رثاء آل البيت تزامنًا مع كل نكبة. السمات: ظل الوضوح والمباشرة مهيمنين على القصائد كما استمرت الاقتباسات القرآنية ولكن: اشتدت الخصومة وظهر التكفير في القصائد أصبح النيل من نسب الخصوم دارجًا على لسان الشعراء ظهرت نزعة إلى الجدل والحجاج، وخصوصًا في شعر الخوارج ظهرت الأشعار التي توالي آل البيت وتبكي على ما حدث لهم كما بدأت الإشادة بالفتوحات أهم الشعراء
أنصار الأمويين: جرير (المتوفى سنة 728): برع في المديح مثلما برع في الهجاء، وكان شعره الغزلي رقيقًا صادق العاطفة وجاءت أغراض شعره متنوعة. وكان الناطق الأول بلسان الدولة الأموية، قال في مدح الخليفة عبد الملك بن مروان: أَغِثني يا فَداكَ أَبي وَأُمّي بِسَيبٍ مِنكَ إِنَّكَ ذو اِرتِياحِ فَإِنّي قَد رَأَيتُ عَلَيَّ حَقًّا زِيارَتِيَ الخَليفَةَ وَاِمتِداحي الأخطل ( المتوفى سنة 709م) : كان شعره جزلًا ومرآة للشعر السياسي في العصر الأموي واتسم بصراحة التعبير ووضوحه وكان كثيرًا ما يفحش القول في قصائده. وبرع في المديح كما في الهجاء، قال في مدح عبد الملك بن مروان: الخائض الغمر، والميمون طائره خليفة الله يستسقى به المطر حشد على الحق عيافو الخنا انف إذا ألمت بهم مكروهة صبروا الفرزدق (المتوفى سنة 728م): اعتمد في شعره على قوة السبك وبراعة الاستهلال، وبرع في مدح الخلفاء لكنه مدح أيضًا أئمة العلويين، قال في الإمام علي بن الحسين بن علي: هَذا الّذي تَعرِفُ البَطْحاءُ وَطْأتَه وَالبَيْتُ يعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ هذا ابنُ خَيرِ عِبادِ الله كُلّهِمُ هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهِرُ العَلَمُ وقال في مدح الخليفة يزيد بن عبد الملك: وما وجد الإسلام بعد محمد وأصحابه للدين مثلك راعيا ضربت بسيف كان لاقي محمد به أهل بدر عاقدين النواصيا
شعراء المعارضة العلوية: هم الشعراء الذين دافعوا عن حق أل البيت وعبروا عن مظلوميتهم، وكان شعرهم لا يختلف عن شعراء الدولة في الخطابية والحماسة والتمجيد لكن للطرف الآخر، وظهرت فيه مسحة البكاء على حال آل البيت. أهم هؤلاء الشعراء: الكميت بن زيد (المتوفى سنة 743م): شاعر شيعي تحرر من الأساليب التقليدية كالوقوف على الأطلال وعمل على التجديد في الصور وعلى الاستدلال المنطقي كي يوظف ذلك في الحجاج والجدل حيث شكك في شرعية الخلفاء. وأشهر قصائده كانت الهاشميات التي يعبر اسمها عن فحواها. ومثل شعراء العصور الإسلامية عبر عن القيم الدينية ولكن شعره مسحة من الحزن والغضب بسبب الأحداث التي عاصرها كما اتسم بطول قصائده، قال: وقالوا وريناهاأبانا وأمنا وما ورثتهم ذاك أم ولا أب يرون لهم فضلًا على الناس واجبًا سفاهًا وحق الهاشميين أوجب
وبالطبع كان أهم ما تركه لنا شعر العصر الأموي هو نقائض جرير والأخطل والفرزدق التي كان ملهاة إعلامية للناس. وظهر أيضًا شعراء البلاط الأموي الذين استجدوا الخلفاء بالمدائح. وكان لواقعة كربلاء أثره الذي استمر في الشعر العربي حتى الآن.
الشعر السياسي في العصر العباسي المفهوم: مع اتساع الفتوحات واتساع الصراعات الداخلية وقيام ثورات كبرى (الزنج والقرامطة والعلويين والصراع بين الأمين والمأمون) ومع ظهور قوى الترك والفرس ومحاولتهم السيطرة على مقاليد الحكم اتسع نطاق الشعر وآفاقه كما صفت لغته نتيجة حركة الترجمة وخصوصًا عن اليونانية، والانفتاح على ثقافات البلاد المفتوحة.
السمات: استمر الدفاع عن شرعية الخلفاء والولاة وكذلك استمر التعبير عن مظالم العلويين وأحوال الشعوب (الرعية) وعن الخلافات المذهبية داخل الإسلام كما استمر على نطاق واسع تمجيد الفتوحات وظهر نقد الولاة الفاسدين الظلمة وأصبح هناك: شعر رسمي للدولة شعر معارض شعر ثوري واتسع المجاز والاستعارة والبعد عن عمود الشعر التقليدي وساد النقد اللاذع والسخرية والميل إلى التحريض ولكن ظهر أيضًا البعد الفلسفي والحِكم. وأبرز ما قيل تعبيرًا عن هذه التحولات في الشعر بيت أبي نواس التالي: قل لمن يبكي على رسم درس واقفًا ما ضر لو كان جلس أهم الشعراء: أبو نواس البحتري أبو تمام دعبل بن علي الخزاعي ابن الرومي أبو العتاهية وكان بعض الشعراء يمثل المعارضة والموالاة في آن واحد فيمدح الخلفاء والولاة ثم يهجو بعضًا منهم حسب مقتضى الحال، وأبرز هؤلاء أبوالطيب المتنبي الذي مدح سيف الدول ثم مدح كافورًا وهجاه كما مدح أبا شجاع الخصم اللدود لكافور الأخشيد. كما ظهر الشعر الاحتجاجي والشعر الاحتجاجي الساخر (أبو الشمقمق مثالًا) وبلغ الشعر العربي ذروة روعته وأوج مجده في هذا العصر. أمثلة: المتنبي في مدح كافور الأخشيد واستجدائه: إذا ضرَبتْ في الحرْبِ بالسّيفِ كَفُّهُ تَبَيَّنْتَ أنّ السّيفَ بالكَفّ يَضرِبُ تَزيدُ عَطَاياهُ على اللّبْثِ كَثرَةً وَتَلْبَثُ أمْوَاهُ السّحابِ فَتَنضُبُ أبا المِسْكِ هل في الكأسِ فَضْلٌ أنالُه فإنّي أُغَنّي منذُ حينٍ وَتَشرَبُ في هجاء كافور الأخشيد: لا تشتر العبد إلا والعصا معه إن العبيد لأنجاس مناكيد وقال: يُعد إذا عُد العجائب أولًا كما يُبتدى في العد بالإصبع الصغرى وقال دعبل بن علي في رثاء آل البيت: أَلَم تَرَ لِلأَيّامِ ماجَرَّ جَورُها عَلى الناسِ مِن نَقصٍ وَطولِ شَتاتِ وَمِن دُوَلِ المُستَهتِرينَ وَمَن غَدا بِهِم طالِباً لِلنورِ في الظُلُماتِ فَكَيفَ وَمِن أَنّى يُطالِبُ زُلفَةً إِلى اللَهِ بَعدَ الصَومِ وَالصَلَواتِ سِوى حُبِّ أَبناءِ النَبِيِّ وَرَهطِهِ وَبُغضِ بَني الزَرقاءِ وَالعَبَلاتِ
وقال منتقدًا الوزير الساخط بن عباد: أولى الأمور بضيعة وفساد ***** أمر يدبّره أبو عباد خرق على جلسائه فكأنهم*حضروا لملحمة ويوم جلاد يسطو على كتابه بدواته *** فمضمخ بدم ونضح مداد وكأنه من دير هزقل مفلت ***حرد يجر سلاسل الأقياد فاشدد أمير المؤمنين وثاقه ***فأصح منه بقية الحدادِ
الشعر السياسي في الأندلس: البيئة كانت مختلفة والشعر عمومًا كان مختلفًا ودار الشعرالسياسي حول الصراع مع الفرنجة والصراع بين الدويلات المتناحرة وبكاء الأندلس ورثاء المدن. السمات: التصوير الفوتوغرافي والصفاء اللغوي والابتكار. أهم الشعراء: ابن زيدون ابن عمار ابن حمديس الصقلي ابن هانيء الأندلسي لسان الدين بن الخطيب
أمثلة: قال بن حمديس حزنًا على فراقه مدينة صقلية مسقط رأسه: ذكرت صقلية والأسى ..... يجدد للنفس تذكارها فإن كنت أخرجت من جنة.... فإني احدث أخبارها ولولا ملوحة ماء البكـــا ..... حسبت دموعي أنهارها وقال بن عمار في هجاء المعتمد بن عباد:
مما يقبح عندي ذكـر أنـدلـس.. سماع معتضد فيها ومعـتـمـد أسماء مملكة في غير موضعهـا.. كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد وقال أبو البقاء الرندي راثيًا الأندلس: لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا مَا تَمَّ نُقْصَانُ فَلَا يُغَرَّ بِطِيبِ العَيْشِ إنْسَانُ هِيَ الأمُورُ كَمَا شَاهَدْتُهَا دُوَلٌ مَنْ سَرَّهُ زَمَنٌ سَاءتْهُ أزْمَانُ وهذهِ الدارُ لا تُبْقي على أحدٍ ولا يدومُ على حالٍ لها شانُ وقال خلف بن فرج الألبيري في حكام غرناطة: ناد الملوك وقل لهم ماذا الذي أحدثتموه أسلمتم الإسلام في أسر العدا وقعدتمو وجب القيام عليكمو إذ بالنصارى قمتمو لا تنكروا شق العصا فعصا النبي شققتموه
وقال لسان الدين بن الخطيب محرضًا على الدفاع عن الأندلس في مواجهة الفرنجة: فَانْظُرْ بِعَيْنِ الْعِزِّ مِنْ ثَغْرٍ غَدَا ... حَذَرَ الْعِدَا يَرْنُو بِطَرْفِ مُرِيبِ نَادَتْكَ أَنْدَلُسٌ وَمَجْدُكَ ضَامِنٌ ... أَنْ لاَ تَخِيبَ لَدَيْكَ فِي مَطْلُوبِ
الشعر السياسي بعد سقوط بغداد وحتى نهاية القرن الثامن عشر (مرورًا بالعصر الأيوبي والمملوكي والعثماني) المفهوم: مع انتقال مركزية الدولة إلى السلاطين والأمراء لم يعد الشعر يدور حول الخليفة بل حول السلطان والأمير والوالي وقائد الجيش، واهتم بالصراع بينهم وبين الصليبيين والمغول وخفت الشعر المعارض والاحتجاجي. أهم الشعراء الذين كتبوا الشعر السياسي: ابن سناء الملك (المتوفى 1150م)، قال في مدح الوزير شاور والتعريض بأسد الدين شيركوه:
ابن قلاقس السكندري (المتوفى 1172م)، قال في مدح غليوم ملك صقلية النورماندي، والتي فر إليها بن قلاقس من ملاحقة الوزير شاور في مصر:
يُقِرُّ لِغُلْيَلْمِ المليكِ بن غُلْيَلْمِ سليمانُ في مُلْكٍ وداودُ في حُكْمِ وتخدُمُهُ الأَفلاكُ بالسَّعْدِ في العِدَى فيسطو بسيف البرق أَو حَرْبَةِ النَّجْمِ
وقال في مدح الوزير شاور والتعريض بأسد الدين شيركوه: عارضَ الصّفْحُ في يديكَ الصِّفاحا ورأى اليأسُ أن يطيعَ السّماحا فرفعْتَ الجناحَ عن جارِمِ الذّنْ بِ بعفوٍ خفضَتْ منه الجَناحا ووضعْتَ السّلاحَ حين أراك ال حزْمُ والرأيُ أن وضعتَ السلاحا
صفي الدين الحلي (المتوفى 1278م): قال مفتخرًا بانتصار القبائل العربية على المغول في الشام : إِنَّ الزَرازيرَ لَمّا قامَ قائِمُها تَوَهَّمَت أَنَّها صارَت شَواهينا ظَنَّت تَأَنّي البُزاةِ الشُهبِ عَن جَزَعٍ وَما دَرَت أَنَهُ قَد كانَ تَهوينا بَيادِقٌ ظَفِرَت أَيدي الرِخاخِ بِها وَلَو تَرَكناهُمُ صادوا فَرازينا
وانحسر الشعر السياسي أكثر فأكثر في العصر العثماني الذي كانت مركزية السلطة خلاله في إسطنبول غير العربية . ولا نكاد نجد منه نماذج يصلح أن نسميها شعرًا ، واستمر هذا الانحطاط حتى نهاية القرن الثامن عشر حيث بدأ ظهور الشعر الوطني المحلي وخصوصًا في العراق والشام ومصر ولكن على استحياء. وركز الشعر على الوعظ الأخلاق والديني باعتباره غرضًا آمنًا من بطش السلطات. كما انتشر الشعر الصوفي الذي كان أيضًا في منأىً من بطش الحكام. أهم شعراء الشعر السياسي: صالح مجدي محمود سامي البارودي أحمد شوقي حافظ إبراهيم ناصيف اليازجي الشدياق أحمد نسيم
وتجدر الإشارة إلى الشاعر صالح مجدي الذي انتقد الخديو إسماعيل انتقادًا لاذعًا فكان علامة فارقة في تاريخ الشعر السياسي العربي الحديث. وعلى النقيض منه كان الشاعر أحمد نسيم الذي مدح الاحتلال الإنجليزي لمصر وأشاد باللورد كرومر المعتمد البريطاني في مصر. وخلاصة القول إن الشعر تخلص من العصبية القبلية وصار ولاؤه وطنيًّا أو قوميًّا أو دافع عن فكرة الجامعة الإسلامية وعن العدالة الاجتماعية وطالب بتقييد سلطة الحكام. كما انتقد التخلف الديني والاجتماعي والسياسي. وقد دفع معظم هؤلاء الشعراء ثمن مقاومتهم للاستبداد والاحتلال، حتى من كان منهم في مكانة علية. أمثلة توضيحية: قال صالح مجدي منتقدًا الخديوي إسماعيل ومحرضًا على الثورة ضده: رمى بلادكم في قعر هاوية ... من الديون على مرغوب جوسيار وأنفق المال لامناً ولا كرما ... على بغي وقواد وأشرار والمرء يقنع في الدنيا بواحدة ... من النسا وهو لم يقنع بمليار ويكتفي ببناء واحد له ... تسعون قصراً بأخشاب وأحجار فاستيقظوا لا أقال الله عثرتكم ... من غفلة ألبستكم ملبس العار
وقال محمود سامي البارودي معبرًا عن معاناته من منفاه: كَفَى بِمُقَامِي فِي سَرَنْدِيبَ غُرْبَةً نَزَعْتُ بِهَا عَنِّي ثِيَابَ الْعَلائِقِ
ويقول فيها مذكرًا بثورته في مصر:
ويقول أحمد شوقي من منفاه في إسبانيا: سلا مصر هل سلا القلب عنها
أو أَساَ جرحهُ الزمانُ المُؤَسِي؟
وطني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي ويقول: كل دار أحق بالأهل إلا في خبيث من المذاهب رجس ويقول: لولا عوادي النفي أو عقباته والنفي حال من عذاب جهنم ويقول: يا ساكني مصر إنا لا نزال على
عهد الوفاء وإن غبنا مقيمينا
هل بعثتم لنا من ماء نهركمُ
شيئا نبل به أحشاء صادينا
كل المناهل بعد النيل آسنة
ما أبعد النيل إلا عن أمانينا! ويقول حافظ إبراهيم منتقدًا التجهيل المتعمد: ذَرَّ الكَتاتيبَ مُنشيها بِلا عَدَدٍ ذَرَّ الرَمادِ بِعَينِ الحاذِقِ الأَرِبِ فَأَنشَأوا أَلفَ كُتّابٍ وَقَد عَلِموا أَنَّ المَصابيحَ لا تُغني عَنِ الشُهُبِ ويقول منتقدًا الواقع السياسي ومؤيدًا لسعد زغلول:
ما لي أَرى بَحرَ السِيا سَةِ لا يَني جَزراً وَمَدّا وَأَرى الصَحائِفَ أَيبَسَت ما بَينَنا أَخذاً وَرَدّا هَذا يَرى رَأيَ العَمي دِ وَذا يَعُدُّ عَلَيهِ عَدّا وَأَرى الوِزارَةَ تَجتَني مِن مُرِّ هَذا العَيشِ شُهدا نامَت بِمِصرَ وَأَيقَظَت لِحَوادِثِ الأَيّامِ سَعدا
أما أحمد نسيم فقد سقط سقطة أكبر من تلك التي سقطها بن قلاقس الذي ذكرناه أعلاه حيث كتب القصائد في مديح المحتل البريطاني، يقول في اللورد كرومر: يا منقذ النيل لا ينسى لك النيل يدا لها من فمِ الاصلاح تقبيل انا نودّعُ فيكَ العرفَ أجمعه وما لنا غيرَ حسنِ الصبرِ تعليل
الشعر السياسي من بداية الحرب العالمية الأولى حتى نهاية الحرب العالمية الثانية
استمر الشعراء على مقاومة الاحتلال والدعوة إلى الوحدة العربية والدفاع عن الكرامة الوطنية وكانت النبرة خطابية تستخدم الشعارات القومية أو الإسلامية. وغلب عليه الطابع الحماسي. ومع قضية فلسطين أصبح يدافع عن الهوية العربية وعن الوطن الفلسطيني ويقاوم الاستيطان ويتفاعل مع الحروب بين العرب وإسرائيل بانتصاراتها القليلة وهزائمها المريرة. أهم الشعراء: أحمد مخيمر صالح جودت إبراهيم طوقان خليل مطران الرصافي عمر أبو ريشة وجميل الزهاوي وعبد الحميد بن باديس والأمير عبد القادر الجزائري وأبو القاسم الشابي
وظهر الشعر الحر وأهم رواده السياب ونازك الملائكة ثم نزار قباني ومحمود درويش وسميح القاسم. واشتهر منهم بالشعر السياسي نوار ودرويش وسميح. كما تفاعل الشعر العامي مع الأحداث بداية من مقاومة الاستعمارإلى الدفاع عن الحقوق وأبرز من مثل ذك بيرم التونسي ومع حركات التحرر وطرد المستعمر انضوى معظم الشعر الوطني تحت راية القومية العربية وعبر عن الصراع العربي الإسرائيلي. ولكن مع اشتداد سلطة النظم العسكرية الحاكمة ومحاولتها تكميم الأفواه دفع الشعراء الذين دافعوا عن الحرية ثمنًا باهظًا فاستجاب معظمهم لطلبات السلطة والعدد القليل الذي لم يستجب زج به في غياهب السجون والمعتقلات فظهر شعر السجون والمنافي. وآثر الشعراء الرمزية على الوضوح كي يتجنبوا بطش السلطات. وظهر شعراء قصيدة النثر وأهمهم أدونيس والماغوط . وتراوحت مواضيع الشعر السياسي بين مقاومة الاحتلال والهوية ومخيمات اللجوء والدفاع عن القدس والاحتجاج ومواجهة قمع السلطات الوطنية وانتقاد هزائمها العسكرية وفسادها. وامتاز الشعر السياسي بالصوت الفردي لا الجماعي وأبرز الشعراء: فدوى طوقان مظفر النواب خليل حاوي صلاح عبد الصبور أمل دنقل أحمد فؤاد نجم محمد الفيتوري البردوني أحمد مطر
ومنذ عام 2011 أي الربيع العربي حتى الآن تراجع الشعر عمومًا وتراجع الشعر السياسي ومن أسباب ذلك ضعف الحركة الشعرية وضعف التعليم وعدم اهتمام الحكومات العربية بالثقافة وكذلك اشتداد القمع السياسي.
#ياسر_يونس (هاشتاغ)
Yasser_Younes#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صعوبات الترجمة الأدبية - ديوان البر والبحر لإبراهيم الكوني أ
...
-
نبذة عن تاريخ اللغة الفرنسية
-
قصيدة كلمات امرأة صريحة من ديوان -قصَائدُ لَهُنَّ-
-
رينيه فيفيان (ثلاثية الشعر والمثلية الجنسية والإدمان) من أحد
...
-
الشاعرة الفرنسية لويز لابيه (من أحدث كتبي: زهور من بساتينالش
...
-
مصر بين مؤامرتين
-
ترجمة شعرية لقصيدة شارل بودلير -أغنية الخريف-
-
بين -بودلير- وأبي نواس
-
قصيدة إلى روح الصديق العزيز والمفكر الشجاع الدكتور سيد القمن
...
-
قصيدة -الحكيم والحقيقة- من ديواني -الكل يصفق للسلطان-، مركز
...
-
قصيدة الشاعر الصالح من ديواني -لا تُعارض-، مركز الحضارة العر
...
-
قصيدة وهم الخازوق من أحدث دواويني الصادر عن مركز الحضارة الع
...
-
قصيدة دَيْدن الجراد من أحدث دواويني الشعرية الصادر منذ أيام
...
-
-الشيخ قفة - قصيدة عامية ساخرة من وحي الشيخ قفة
-
رؤوس أقلام عن ثقافة الانغلاق ورفض الحداثة
-
كانوا يرونهم دواعش
-
انتحارية هنا استشهادية هناك
-
متلازمة دولة الخلافة
-
عبد الله بن سبأ والطابور الخامس
-
الوليد بن يزيد ولفحة -ربيع عربي- في العصر الأموي
المزيد.....
-
-غرين كارد-.. لماذا استهدف ترامب برنامج تأشيرة التنوع منذ ول
...
-
الشرع يهنئ السوريين من جبل قاسيون على رفع العقوبات
-
واشنطن تدعو لهدنة بالسودان في العام الجديد وتوعّد أفريقي للد
...
-
رسالة جندي أميركي على قذيفة قبل إطلاقها على سوريا..ماذا كتب؟
...
-
فيديو.. الجيش الأميركي ينشر لقطات لضرباته في سوريا
-
غارديان: شركات مسجلة في بريطانيا تجنّد مرتزقة كولومبيين في ا
...
-
هل ستنفجر فقاعة الذكاء الاصطناعي قريبا؟
-
الجيش الأميركي يعلن قصف أكثر من 70 هدفا -داعشيا- في سوريا
-
مقتل 5 فلسطينيين بهجوم إسرائيلي على مدرسة نازحين في غزة
-
سوريا بعد القصف الأميركي: ملتزمون بمكافحة -داعش-
المزيد.....
-
الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد
...
/ علي طبله
-
الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل
...
/ علي طبله
-
قراءة في تاريخ الاسلام المبكر
/ محمد جعفر ال عيسى
-
اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات،
...
/ رياض الشرايطي
-
رواية
/ رانية مرجية
-
ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
المزيد.....
|