أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسر يونس - بين -بودلير- وأبي نواس















المزيد.....

بين -بودلير- وأبي نواس


ياسر يونس
(Yasser Younes)


الحوار المتمدن-العدد: 7521 - 2023 / 2 / 13 - 12:21
المحور: الادب والفن
    


(من مقدمة ترجمتي الشعرية لمختارات من "أزهار الشر" للشاعر الفرنسي "شارل بودلير"، الطبعة الثانية، مركز الحضارة العربية، القاهرة، 2023)

بين بودلير وأبي نواس:

لسنا الآن بصدد دراسة مقارنة بين شاعرين، ولكن المتأمل للشعر العربي والفرنسي يجد أن أبا نواس وبودلير ظاهرة فريدة في الشعر العربي تكررت في الشعر الفرنسي، وقد يكون ذلك بسبب تشابه تكوينهما النفسي، وقد يكون بسبب أثر الثقافة العربية في الأدب الفرنسي ولكن كل هذا لا يعنينا الآن ولا يتسع المجال لبحثه في هذه العُجالة، ولكن ما يعنينا هو الإشارة إلى التشابه العجيب بين شعر الشاعرين الكبيرين؛ رغم اختلاف لسانهما وبيئتهما وعلى الرغم من مئات السنين التي تفصل بينهما.
وهناك عدة ظواهر مثيرة للعجب في حياة الشاعرين؛ فمثلًا المرحلة التي عاش فيها أبو نواس كانت مرحلة ازدهار لكل شيء في المجتمع العربي من فلسفة وعلم وأدب، وحتى في باب الاجتهاد والتأليف في الدين، كانت نهضة أفرزت عقولًا مثل الجاحظ وواصلًا بن عطاء وكثيرين غيرهما.
وقد أشرنا إلى ما كان من نهضة قبل وخلال حياة بودلير في أوروبا والمجتمع الفرنسي. والأغرب من ذلك تشابه الشاعرين في الصفات الجسدية فقد أجمعت المصادر العربية على أن أبا نواس كان ناحل الجسد ضعيف البنية وكذلك كان بودلير، كما كان الاثنان عاشقين للنبيذ ماجنين. وكلنا يعرف عصابة المُجَّان التي كان ينتمي لها أبو نواس. وقد عرضنا أثناء حديثنا عن حياة بودلير لما كان عليه من طيش ومجون دفع أهله للحجر عليه.
وكان بودلير في خبيئة نفسه يحتقر أمه وكذلك كان أبو نواس إذ ذكرت المصادر أنها كانت تجمع بين الرجال والنساء في مقابل المال، كما أن الشاعرين أسرفا في الإقبال على اللذات والنزوات مما زاد جسميهما ضعفًا على ضعف، حيث حضرت الشاعرين المَنيَّة وكلاهما لم يكمل ستين عامًا، إذ عاش أبو نواس أربعة وخمسين عامًا وعاش بودلير ستة وأربعين عامًا، أما شعرهما فقد تضمن ألفاظًا صريحة عند الحديث عن جسد المرأة والمتعة، بل كتب أبو نواس كثيرًا من الغلمانيات. ويسترعي الانتباه أن أبا نواس ثار على لغة عصره وأعرافه الأدبية واستخدم أحيانًا لغة الشارع في شعره إذ يقول:

«يا رغيفًا ردَّه البقالُ يبسًا وصَلابه»

وعارض أيضًا الوقوف على الأطلال وبكاءها، فقد كان شعراء عصره لايزالون يسيرون على نهج الأقدمين، فعاب عليهم ذلك وخرج عنه وذكر موقفه من ذلك صراحة في مواضع عدة من شعره، ومثال ذلك قوله:

لا تبكِ ربعًا عفى بذي سَلَمِ وبز آثارَهُ يد القِدَم
وعُجْ بنا نجتلي مُخدرةً نسيمها ريح عنبرٍ ضَرِم

ولعل هذا يذكرنا بثورة بودلير على اللغة في شعره. وإذا أردنا أن نُفصّل الحديث في ما في شعر الشاعرين من تشابه فلن يتسع المجال لذلك، ولكن سوف نمر مرور الكِرام على أبيات للشاعرين تُبرز مدى اتفاقهما.
ولسنا في حاجة للبرهنة على أن أبا نواس وبودلير خرجا عن قيم عصرهما الخُلقية، وشبّبا بالمرأة صراحةً بل شبَّب أبو نواس بالغلمان أيضًا. ومن يريد أن يستدل على ذلك فعليه بشعرهما يقرؤه.
ولكن الغريب أن المجتمع العربي المحيط بأبي نواس كان أكثر رفقًا به من المجتمع المحيط ببودلير فلم يحذف من شعره شيئًا بل تداوله الناس كما هو مما يدل على الحرية الفكرية وقتئذ وتعايش جميع الاتجاهات الفكرية فأنتج ذلك عقليات عظيمة وقرائح قل أن يجود بمثلها عصر.
ويمكننا القول بأن لمجون الشاعرين أثره في هذا الشبه الذي لمحناه في شعرهما وإن كان لأبي نواس فضل السبق. ونحن الآن أمام قصيدتين للشاعرين كلتاهما تحكي قصته مع الشيطان!!!
في قصيدة أبي نواس نجد قصة تجمع بينه وبين الشيطان الذي يتهدده أبو نواس بالتوبة وإقامة الفرائض لو لم يجعل حبيبه يرجع إليه وفي النهاية يرضخ له إبليس ويعود له حبيبه ومن القصيدة هذه الأبيات:

لما جفاني الحبيب وامتنعتْ عني الرسالات منه والخبرُ
دعوتُ إبليس ثم قلت لهُ في خلوةٍ والدموع تنهمرُ
إنْ أنتَ لَم تُلق لي المودة في صدر حبيبي وأنتَ مُقتدرُ
لا قلتُ شعرًا ولا سمعت غنا ولا جرى في مفاصلي السُكُرُ
ولا أزال القرآن أَدْرُسُهُ أروح في درسهِ وأبتكرُ

والموضوع هنا لا شك حديث ومبتكر ويدل على مدى ثورة أبي نواس على القيم والأعراف الأدبية وعلى سبقه لكثير من شعراء الغرب الذين أولعوا بالشيطان في شعرهم. فللشيطان في شعر أبي نواس مكانة كبيرة وقد ذكره في قصائد عدة، أما قصيدة بودلير فهي تحكي أن الشيطان زاره في الصباح لكي يعرف منه ما هو أجمل ما فيه؟ أي أجمل ما في الشيطان، والشاعر حائر لأن كل ما فيه بديع ولا يستطيع أن يجيبه، ولكن أشد ما يُبهره في شيطانه هو التناسق الذي في شكله. ولا يخفى على القارئ أن شيطان بودلير هو المرأة التي يعجبه كل ما فيها وفي هذه القصيدة يقول:

ذات صباحٍ زارني في حجرتي
إبليس كي يوقع نفسي في الرذيلَهْ
سألني أن أنتقي أجمل ما
في جسمهِ من المفاتن الجميلَهْ

وكما نرى كان أبو نواس مباشرًا في علاقته مع الشيطان جريئًا وأكثر صراحة. فهو لا يستحي من أن يُعبر عما يجيش في نفسه من تقدير لإبليس وهو يُسخره لكي يأتي بحِبِّه إليه نادمًا على جفائه، أما بودلير فلم يفصل بين عشيقته وبين إبليس فهي شيطانة وهو يخطئ ويقع في المعاصي؛ لأنه لا يقوى على مقاومة إغراء حواء، أما أبو نواس فليس هناك ما يغريه بل هناك جفاء من قِبَل عشيقته أو عشيقه وسعيٌ منه هو للرذيلة إلى حد أن يتهدد إبليس ويتوعده بتوبته.
وأخيرًا نجد الشاعرين على مدار حياتهما تنتابهما نوبات من الخجل مما كانا يرتكبان من معاصٍ فنجد أبا نواس يقول:

إلهَنا ما أعدلَكْ مليك كل من مَلَكْ
لبَّيكَ قد لبيتُ لكْ لبَّيك إن الحمد لكْ

ونجد بودلير في صحوة من ضميره يقول:

في قلب كل رجلٍ
بذلك الوصف جديرْ
يعيش صِلٌّ أصفر
الرأس كمَلْكٍ في سريرْ
يزجرهُ إن قال
إنهُ لشهوةٍ أسيرْ

وعندما يحس كلاهما باقتراب نهايته ينظم من الأبيات ما يقر فيه بالخطأ ويضع كل أمله في الله، كما عند أبي نواس، وفي الرب الذي لا يحتاج إلى أن يوجد كي يسود، كما عند بودلير. وكأنما هذه الأبيات التي نظماها هي توبة واعتذار عن كل ما اقترفاه من مآثم.
فها هو أبو نواس يقول:

يارب إن عَظُمَتْ ذنوبيَ كثرةً فلقد علمتُ بأن عفوك أعظمُ
مالي إليك وسيلةٌ إلا الرجا وجميل عفوك ثُم إني مُسلِمُ

وها هو بودلير يعلن مثل هذا الموقف فيقول:

بوركتَ يا سوط
العذاب وتبارك الأنينْ
لَمْ تَكُ نفسي في يديكِ
مثل لُعبةٍ تهونْ
* * *
يا عاليًا في حِكمتِهْ
مُقدَّسًا في رحمتِهْ

** * ** * ** * ** * ** * ** * ** * **



#ياسر_يونس (هاشتاغ)       Yasser_Younes#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة إلى روح الصديق العزيز والمفكر الشجاع الدكتور سيد القمن ...
- قصيدة -الحكيم والحقيقة- من ديواني -الكل يصفق للسلطان-، مركز ...
- قصيدة الشاعر الصالح من ديواني -لا تُعارض-، مركز الحضارة العر ...
- قصيدة وهم الخازوق من أحدث دواويني الصادر عن مركز الحضارة الع ...
- قصيدة دَيْدن الجراد من أحدث دواويني الشعرية الصادر منذ أيام ...
- -الشيخ قفة - قصيدة عامية ساخرة من وحي الشيخ قفة
- رؤوس أقلام عن ثقافة الانغلاق ورفض الحداثة
- كانوا يرونهم دواعش
- انتحارية هنا استشهادية هناك
- متلازمة دولة الخلافة
- عبد الله بن سبأ والطابور الخامس
- الوليد بن يزيد ولفحة -ربيع عربي- في العصر الأموي
- إسلام البحيري في عش الدبابير
- قصيدة الإرهابي الدجال
- التعددية اللغوية والتواصل بين العرب
- قصيدة سقطت كل أقنعتك آخر قصيدة في المخلوع الإخواني محمد مرسي
- من يمسك البقرة من قرنيها
- في جوف حمار
- الوصايا العشر كي تصبح كاتباً إسلامياً
- مفسر القرآن صاحب الكتب الماجنة


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسر يونس - بين -بودلير- وأبي نواس