أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - في الموت والحياة!














المزيد.....

في الموت والحياة!


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8560 - 2025 / 12 / 18 - 14:08
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بقلم : د. ادم عربي
ظلّ خوف الإنسان من الموت، بوصفه النهاية الحتمية لمسار الحياة، أحد المحرّكات الكبرى لتطوّر الثقافة والحضارة. فهذا الخوف، حين اقترن بلغز الموت، لم يكن دائما عنصرَ ضعف، بل تحوّل في محطات كثيرة من التاريخ إلى مصدر طاقة غذّى انماطا من التفكير والسلوك والثقافة. وقد رأينا كيف دفعت الحروب، على وجه الخصوص، إلى إنتاج ثقافة كاملة تهدف إلى تحييد هذا الخوف داخل نفوس المحاربين، بل إلى إعادة تصوير الموت في ساحات القتال بوصفه عبورا ضروريا إلى حياة أخرى يُنظر إليها على أنها أبهى وأسمى وأكثر جاذبية من الحياة الواقعية.
وضمن هذا القبيل  ، يمكن اعتبار خفض مستوى الخوف من الموت في النفوس أحد أهم المعايير التي يُقاس بها تقدّم المجتمعات حضاريا وثقافيا. غير أن هذا التقدّم ذاته ، بما يشمله من تطوّر علمي وثقافي وإنساني ، يجب أن يكون الأداة التي نحقّق بها هذا الهدف. فكلما تراجع الخوف من الموت داخل الإنسان، ارتفع منسوب الحياة فيه، واتّسعت قدرته على عيشها بكامل معانيها وتجاربها.
وليس الخوف من الموت بعيدا، في آثاره المدمّرة، عن الخوف من الفشل. فالإنسان الذي تستبدّ به عقدة الخوف من الفشل يحجم عن المبادرة والعمل، ويتراجع عن خوض التجارب الضرورية لنموّه، خشية السقوط. وهكذا يتحوّل الخوف إلى عائق يشلّ الحركة ويمنع التقدّم، كما يفعل داء القعود بالجسد. غير أنّ الخوف من الموت أشدّ فتكا، لأنه لا يقيّد الفعل فقط، بل يفرغ الحياة من مضمونها، ويحوّل الإنسان إلى كائن حيّ بالاسم، ميت بالفعل، عاجز عن الانتماء الحقيقي إلى الحياة.
ولعلّ هذا المعنى العميق هو ما التقطه كبار المفكرين والأدباء عبر العصور. فمارتن لوثر كينغ رأى أن من ينسى حتميّة الموت لا يصلح للحياة. وشوبنهاور شبّه ما بعد الموت بما قبل الولادة، في إشارة إلى عبثية الرعب منه. وصموئيل جونسون شدّد على أن السؤال الحقيقي ليس كيف نموت، بل كيف نعيش، لأن لحظة الموت قصيرة لا تستحق كل هذا الهلع. أما ليوناردو دافنشي فاعتبر تعلّم الحياة تعلّمًا للموت، فيما حذّر جوزيف أديسون من أن الخوف من الموت قد يدفع الإنسان إلى تدمير نفسه بيده. وأكّد جون روسكين أن الجهل بتوقيت الموت يقود إلى الجهل بطريقة العيش، بينما دعا نيتشه إلى العيش بفخر أو الموت بفخر. وعبّر المتنبي عن المعنى ذاته حين ساوى بين الموت في الأمر الحقير والموت في الأمر العظيم، لأن القيمة ليست في الموت بل في ما نغامر من أجله. وأضاف غوته أن الحياة الفارغة ليست سوى موت مبكر، فيما رأى بنجامين فرانكلين أن كثيرين يموتون وهم أحياء قبل أن يُدفنوا بسنوات طويلة. وأخيرا لخّص سينيكا الفكرة بقوله إن الموت ليس سوى اكتمال مسار بدأ منذ الولادة.
من هنا، تصبح الحاجة ماسّة إلى إعادة النظر في "ثقافة الموت" السائدة في مجتمعاتنا، بحيث تتحوّل من عبء يثقل النفوس إلى رافد يغذّي "ثقافة الحياة". غير أن هذا التحوّل لا يمكن أن يتحقق دون صراع واعٍ مع تلك المظاهر الثقافية والطقوس والعادات التي ترفع منسوب الخوف من الموت، وتجعل منه شبحا دائم الحضور في الوعي الجمعي.
وعند تتبّع تطوّر فكرة الموت تاريخيا، يتجلّى بوضوح الارتباط العميق بين ثقافة الموت وثقافة الحرب. فقد دفعت الحروب، في أشكالها القديمة خاصة، كثيرا من الأمم إلى ابتكار منظومات فكرية وأخلاقية تجعل المحارب يستهين بروحه، ويضبط انفعالاته، ويشحذ دافعه القتالي بالشجاعة والإقدام، عبر تطبيع الموت وإفراغه من رعبه.
ومع ذلك، يمكن القول إن الخوف من الموت ، كما أرى ، هو الخوف الوحيد الذي لا مبرر حقيقيا له، والذي ينبغي للإنسان أن يعمل على اقتلاعه من داخله. فالموت ذاته هو اللحظة التي ينتهي فيها الخوف من الموت؛ إذ لا يعرف هذا الخوف إلا الأحياء وحدهم ، فالميت هو الشخص الوحيد الذي لا يخشى الموت .
أما الموت الذي يستحق الخشية حقا، فليس توقّف الجسد عن الحياة، بل أن يتحوّل الإنسان إلى تابع للموت وهو لا يزال حيا ، أن تنطفئ فيه المعاني، وأن يموت ذكره، ويمّحي اسمه، ويضيع أثره. وحده من يسيء فهم الحياة يخاف الموت   ؛ أما من أحسن فهمها، فإنه يدرك أن الحياة تُقاس بعمقها، لا بطولها، وأن الموت هو نقيض الحياة، بل خاتمتها الطبيعية.ولا يخشى الموت إلا من أساء فهم الحياة فعش كأنك تعيش أبدا ، ولا تجعل الخوف من الموت ينغص عيشك.



#ادم_عربي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الحب والزواج!
- في التسيير والتخيير...هل الإنسان مسيّر أم مخيّر؟
- أزمة النظام العالمي!
- أزمة الزواج في مجتمعاتنا!
- التطور الأخلاقي والقتل الإنساني!
- من القوة إلى المدين الأكبر....مآلات الرأسمالية المالية وأسطو ...
- شيئان لمْ نتعلّمهما بعد ... أنْ نقول -لا- وأنْ نسأل -لماذا؟-
- الضرورة والصدفة جدلياً!
- البيروقراطية وشرورها!
- المال هو الإله الحقيقي للعصر الحديث!
- الدولة ومدنيتها!
- هل الرأسمالية مثالاً يُحتذى به؟
- مراثي النسيان!
- إرث الاشتراكية: قراءة في مرحلة ما بعد الانهيار!
- في ثورة أكتوبر الاشتراكية (5) والأخير
- في ثورة أكتوبر الاشتراكية (4)
- في ثورة أكتوبر الاشتراكية (3)
- في ثورة أكتوبر الاشتراكية (2)
- في ثورة أكتوبر الاشتراكية(1)
- طريقة فهم المنهج الجدلي!


المزيد.....




- -خطاب ترامب المثير لا يقل إرباكاً عن مناظرة بايدن- – مقال في ...
- أمطار غزيرة تحول شاطئ جزيرة هرمز الإيرانية إلى اللون الأحمر ...
- فون دير لاين: لن نغادر قمة بروكسل دون حل مالي لأوكرانيا
- ما المنتظر من القمة الأوروبية في ظل الاختلافات بين القادة حو ...
- ليبيراسيون: هكذا تمكن القراصنة من اختراق وزارة الداخلية الفر ...
- تقرير أممي يوثق مقتل ألف مدني على يد الدعم السريع بالفاشر
- قمة أوروبية حاسمة تبحث تمويل أوكرانيا بالأرصدة الروسية المجم ...
- وصول نازحي هجليج إلى كوستي بعد رحلة نزوح شاقة
- ما الهاتف الذي اختارته شقيقة رئيس كوريا الشمالية؟
- لحظة تدمير الجيش الأمريكي قارب مخدرات مزعوم وسط البحر


المزيد.....

- العقل العربي بين النهضة والردة قراءة ابستمولوجية في مأزق الو ... / حسام الدين فياض
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - في الموت والحياة!