أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ادم عربي - في الحب والزواج!














المزيد.....

في الحب والزواج!


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8555 - 2025 / 12 / 13 - 20:50
المحور: المجتمع المدني
    


بقلم :  د. ادم عربي
لولا أن الحُب اقتحم حياة جان جاك روسو في لحظة حاسمة من حياته ، لكان التاريخ قد عرف رجلاً آخر تماما. فذلك المفكر الذي نتغنّى بأفكاره اليوم لم يكن سوى شاب هش تمسّه قسوة الواقع من كل جانب. كان يمكن للوجود أن يدفعه نحو هاوية الجريمة لولا تلك المرأة التي أحبّته بصفاء يكاد يشبه نعمة سماوية. من خلالها تعلّم روسو أن الجمال ليس فكرة مجرّدة، بل خبرة حسية تُرى في وجه امرأة، وتُشم في رائحة زهرة، وتُسمع في صدق كلمة، وتُعاش في لحظة حب.
وهنا تكمن المفارقة والمقاربة، فعلاقة روسو بالمجتمع تشكّلت على قاعدة وجدانية مبكرة، فصار أكثر تصالحاً مع العالم. بينما شبابنا اليوم يُساقون إلى الجنون والانهيار والإجرام، لا لأنهم فاسدون، بل لأن العالم حولهم لم يعترف بحقّهم في أبسط ما يصنع إنسانية الإنسان وهو الحُب. إن من يُحرَم من الحبّ لا يبحث عن الجريمة، بل يجد المجتمع يدفعه إليها دفعا؛ إذ كيف لمن حُرم من العاطفة أن يرى لحياته ثمنا أو معنى؟
ولأن مجتمعاتنا لم تتحرر بعد من العقلية الاستبدادية الموروثة ، ذلك الاستبداد الشرقي الذي يخشى كل ما هو إنساني ، فهي، أي مجتمعاتنا ، ما زالت تتعامل مع الحب كأنه تهديد سياسي أو فعلة مشبوهة. فنراها تطارد العشاق، وتُخفي العاطفة تحت الأرض كما أخفت أحزاب المعارضة يوما أفكارها.
هكذا يُصنع جيل كامل بلا تجربة وجدانية، ثم نندهش من انهياره الأخلاقي والنفسي.
ذات يوم جلست مع شاب عاشق حد الثمالة يحدثني بثقة العارفين عن قصة حب امتدت سنوات وسنوات. ظننته قيسا يتلو أساطيره، لكنه فاجأني بقراره الزواج من امرأة أخرى غير تلك التي ملأت حياته. حين سألته: لماذا؟ أجابني بمنطق يفضح العمق النفسي للمجتمع أكثر مما يفضح ذاته.
قال: "من خان مرة يخون مرات، ومن أحبّ مرة يمكن أن يحبّ غيري."
هكذا يصبح الحب جريمة محتملة، والخيانة فرضية جاهزة، والثقة مجرد سذاجة.
هكذا يفكّر من لم يسمح له المجتمع بأن يعيش الحب بشكل طبيعي ، فيتقوقع داخل خوفه من المرأة ومن ذاته ومن العالم من حوله.
وعندما نقارن ذلك بأوروبا، نرى بوضوح أن الحب هناك ليس رفاهية، بل مؤسسة اجتماعية، وآلية حماية ضد الانحراف. المجتمع يشجّع الحب لا لأنه ماجن ، بل لأنه عقلاني، فالإنسان الذي يجد علاقة عاطفية صحية يكون أقل ميلا للهروب نحو الانحراف أو العنف.
أما في مجتمعاتنا، فالحب ليس مفقوداً  وحسب؛ بل ممنوع، مُصادر، محاصر. لذلك يبدو للعاشقين كطيف أسطوري، كعنقاء لا وجود لها إلا في الخيال. فالحب، ككل قيمة إنسانية، لا يعيش إلا في ظل الحرية؛ فإذا غابت الحرية خنق الحب معها ، فلا حب دون حرية.
وليس غريبا، في ظل غياب الحب الحقيقي، أن تنهار زيجات استمرت سنوات طويلة من العاطفة . فهذه السنوات لم تكن حبا بل تمثيلاً  متبادلا؛ وكل علاقة تُبنى على القناع لا تصمد أمام أول مواجهة مع الحقيقة. والزواج، بما فيه من تماس مباشر مع حقيقة الإنسان، يكشف هشاشة الوهم ويُسقط كل زخارف العشق التي صُنعت في الظلام.
ومجتمعاتنا تزيد الأمر سوءاً ،  فهي تجعل الزواج معركة، والطلاق استراحة. تنصح الأعزب بالهروب من الزواج، وتنصح المتزوج بالهروب منه أيضا!
ولو تأملنا قليلاً، لوجدنا أن ارتفاع معدلات الطلاق ليس لغزا، بل نتيجة طبيعية لطريقة تفكير مجتمع لا يعرف لماذا يتزوج، ولا كيف يحب، ولا كيف يُؤسّس علاقة إنسانية على الصدق.
والدولة، بدورها، لم تخذل أحدا في هذا المسار؛ فقد نجحت نجاحا باهراً في صناعة مناخ اقتصادي واجتماعي يجعل الزواج استثناء، والطلاق قاعدة، والعزوف عن الزواج ظاهرة جماعية.
في بلادنا،  تراجعت العدالة الزواجية حتى أصبح جيش العاجزين عن الزواج، من نساء ورجال، ظاهرة متنامية، يقابلها تمدد صامت لأسر تتشكل من زوج وزوجات، أو من علاقات غير مستقرة، أو من مطلقين ومطلقات يعيشون على هوامش النظام الاجتماعي.
وهكذا يتضح أن المأساة ليست في الحب ذاته، بل في مجتمع يخاف الحب، وزواج يفتقر إلى الحقيقة، ودولة تُشرعن العجز عبر اقتصاد خانق.
وكل ذلك يظل مرآة واحدة تُظهر وجه السؤال الأكبر وهو
كيف يمكن لحياة بلا حب أن تنتج إنساناً  سويا؟



#ادم_عربي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في التسيير والتخيير...هل الإنسان مسيّر أم مخيّر؟
- أزمة النظام العالمي!
- أزمة الزواج في مجتمعاتنا!
- التطور الأخلاقي والقتل الإنساني!
- من القوة إلى المدين الأكبر....مآلات الرأسمالية المالية وأسطو ...
- شيئان لمْ نتعلّمهما بعد ... أنْ نقول -لا- وأنْ نسأل -لماذا؟-
- الضرورة والصدفة جدلياً!
- البيروقراطية وشرورها!
- المال هو الإله الحقيقي للعصر الحديث!
- الدولة ومدنيتها!
- هل الرأسمالية مثالاً يُحتذى به؟
- مراثي النسيان!
- إرث الاشتراكية: قراءة في مرحلة ما بعد الانهيار!
- في ثورة أكتوبر الاشتراكية (5) والأخير
- في ثورة أكتوبر الاشتراكية (4)
- في ثورة أكتوبر الاشتراكية (3)
- في ثورة أكتوبر الاشتراكية (2)
- في ثورة أكتوبر الاشتراكية(1)
- طريقة فهم المنهج الجدلي!
- على شاطئ السماء!


المزيد.....




- هجوم بطائرة مسيرة يستهدف بعثة الأمم المتحدة في كادوقلي ويوقع ...
- السودان: 6 قتلى في قصف استهدف مبنى للأمم المتحدة بكادوقلي
- اعتقالات واعتداءات في الضفة الغربية خلال اقتحامات الجيش الإس ...
- بعد 22 عاما... غوتيريس يعلن من بغداد انتهاء مهمة بعثة الأمم ...
- فلسطين: إسرائيل تواصل التطهير العرقي والتصعيد بأراضينا
- -أنت وضيع يا نتنياهو-.. ضحيت بالأسرى من أجل الكرسي!
- -السيد ترامب يراقبكم بالمطار-.. تفاصيل عن مكتب جديد يتعقّب ا ...
- تظاهرات تونسية ضد الاعتقالات السياسية وتضييق الحريات
- من هو برهم صالح الذي تولى منصب مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللا ...
- تقييم لاستراتيجية الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين .. ما الجدي ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ادم عربي - في الحب والزواج!