أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - المعلّمة الجميلة!














المزيد.....

المعلّمة الجميلة!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 8556 - 2025 / 12 / 14 - 11:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


Facebook: @NaootOfficial
تذكّرتُ الأغنية الشهيرة التي كتبها وغناها "ليونارد كوهين" ويقول فيها: There s a Crack in everything, that s how the Light gets in. فلولا الشقوق في الجدار، وفي الحياة كذلك، ما تسلل النورُ إلى عيوننا وأرواحنا.
هذا المقال أكتبه لأقدّم التحية لمعلمات محترمات أدركن المعنى الحقيقي لمهمّة التعليم والتربية، وأقول "مهمّة" لا "مهنة"، لأنها رسالةٌ ثقيلة ترقى إلى رسالات الرُّسل، لا محض وظيفة يؤديها المرءُ ليتقاضى عليها أجرًا.
فيديو قصير صادفني كنسمةٍ حلوة وسط صحراء العالم، عن معلّمةُ أخرجت تلميذًا صغيرًا من الفصل، ثم انفتح أمامَه بابُ الحب. دخل القاعة المجاورة ليجد زملاءه يحيطونه بالشموع ويغنّون أغنية عيد الميلاد، وفي خلفية المشهد تقف المعلمة تحمل التورته عليها اسمُه. هكذا رتب الجمعُ الطيب لهذا الطفل اليتيم "لحظة أمومة" لم يعشها منذ رحلت أمُّه عن العالم. اختارت المعلمة أن تأخذ مكان الأم الغائبة، ولو لدقائق منزوعة من يوم دراسي، لتملأ بالنور تلك الشقوق التي تكوّنت في قلب الطفل اليتيم. التعليم قد يكون وظيفة، أمّا التربية فهي رسالةُ استدعاءٌ للرحمة من أعماق القلب لتصنع هالةً من النور فوق رؤوس الصغار. ومن يَنَلِ الرحمةَ في طفولته، من العسير أن يضنَّ بها على الناس حين يكبر. ذلك الصبي لن ينسى هذا اليوم. قد ينسى جملةً نحوية أو معادلة حسابية، لكنه لن ينسى أنّ امرأةً واحدة جعلته يشعر أنّ العالم ليس مكانًا عدائيًا، بل ساحةٌ للحب والحنوّ. تلك الذكرى الصغيرة ستُنبت داخله رجلاً نبيلا، يعرف كيف يمدّ يده في مقبل الأيام إلى طفلٍ آخر، وكيف يضيء شمعةً في عتمةٍ مماثلة.
ليتني أعرفُ اسم هذه المعلمة أو جنسيتها، لكنني أحيّي في شخصها كلّ من يشبهها من عظماء التعليم. ومن عمق التاريخ نستدعي "آنا سوليفان"، التي لم تكتفِ بتعليم الطفلة الكفيفة الصمّاء “هيلين كيلر” القراءة والحساب والفيزياء، بل علّمت العالمَ بأسره أن "النور" يُرى ولو فُقد البصر، لأنه يبحث عن الشقوق والصدوع والكسور لكي يتسلل وينساب مثل جداول رقراقة من البهاء النقيّ.
ومن الريف المصري في مطلع القرن الماضي نستدعي أسماءً سبقت الطريق إلى تعليم البنات ودفعت كُلفة التغيير من أعصابها وسمعتها ودموعها في زمن كان يرى تعليم البنات مَعّرةً وهوانًا. "عائشة التيمورية" رفعت في نهايات القرن التاسع عشر شعار: العلم للمرأة، وتلحقها "زينب فواز" بقلمٍ شرس يفضح التجهيل ويؤرخ لسِيَر العالمات، ثم "ملك حفني ناصف" في بدايات القرن العشرين ثم "نبوية موسى"، التي حولت الفكرة إلى حركة مؤسسية وفتحت أبواب مدارس البنات على مصاريعها. أولئك الرائدات العظيمات لم يطرقن أبواب البيوت المعتمة وحسب، بل طرقن أبواب العقل، لكي يصير الحرفُ حقًّا اجتماعيًا معلنًا، بعدما كان سرًّا تبوح به البنات لبعضهنّ تحت ضوء مصباح كيروسين، وتخفيه عن الألسن التي تخشى من نور المعرفة.
ومن صفحات التاريخ تتلألأ أسماءٌ ناصعةٌ حملت مشاعل التعليم كقبسٍ من ضوء الخليقة. فهذه اليابانية "آنّا بوري" التي جابت قُرى الريف الياباني بعد الحرب العالمية الثانية، تعلّم الأطفال تحت السقوفٍ المهدّمة؛ لأن المعرفة عندها أسبق من السكن. و"ماري ماكلويد بيثون" التي أسست عشرات المدارس للملونين في أمريكا، مؤمنةً بأن العدالة تبدأ من مقعدٍ صغير في فصلٍ، وخُلّد اسمها في نصب تذكاري في واشنطن. وفي الهند نذكر "سابيتريباي فولي"، أول معلّمة تُناضل لتعليم الفتيات الفقيرات عام ١٨٤٨ وتعرّضت للبصق والسباب من الطبقات العليا، التي كانت آنذاك تحتقر الطبقات الدنيا وتنبذها.
ومن مصر الراهنة لابد أن نتذكّر المعلمة المسيحية الجميلة التي منعت الغشَّ في لجنة الامتحان، ولا أريد أن ألوّث ضوء هذا المقال بسرد تفاصيل ما فعلته بعض الأمهات الغافلات حين اعتدين عليها لفظيًّا وجسديًّا، بل وسببن دينها بألفاظ منحطّة رقيعة. ولولا تدخّل الأمن لفتكن بها. وكم كنتُ أرجو أن تُكرَّم هذه المعلمة المحترمة من وزير التعليم شخصيًّا ويُردُّ لها اعتبارها إعلاميًّا، وأن تُحاكم الأمهاتُ المعتديات بتهمتين. الأولى: التعدي على موظف محترم أثناء تأدية وظيفته، والثانية بموجب المادة: ٩٨ (و) المعروفة بـ: "ازدراء الأديان"، التي يُلاحق بها المفكرون دون سبب! وطالبتُ بهذا في "منتدى القيادات النسائية"، ورحّبت العضواتُ، ولكن شيئًا لم يحدث بكل أسف. وليتني أعرف اسمَ المعلمة الجميلة لأعتذرَ لها وأرسلَ باقة زهور. نماذجُ متباعدة في الجغرافيا، متقاربة في الروح: معلّماتٌ فهمن أن الحرفَ ثورة، وأن النور صنوُ النبل والقيم. ليت المعلّمين يدركون أن الطفل ليس رقمًا في كشف الحضور، ولا رأسًا فارغًا نحشوه بالمعلومات ليسكبها في ورقة الامتحان ثم ينساها. بل هو كوكبٌ صغير يحتاج من يلمّع نوره، لا من يطفئه بالقسوة والتجهيل ونزع القيم من الضمير.

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على هامش -الدهشة-!
- -صبحي-… المايسترو يشرقُ في -الأمم المتحدة-
- -أم كلثوم-… المسرحُ في أَوجِه
- أندهشُ … حين لا أندهشُ
- “فيروز-… ما نجا منّا
- الجميلة -حور محمد-… وجهُ الشمس
- سلفيون … ولاهون… وبينهما متحف!
- الفارسةُ … -يسرا-
- على أبواب المتحف… كلُّنا مصر
- مصرُ… التي من أجلها تُشرقُ الشمسُ
- توقيع -فاروق حسني-... على جدارية التاريخ
- التوحُّد… ثمارٌ وراءها ألمٌ
- -ولنا في الخيال حبٌّ-… السينما في أَوْجِها
- -الجونة- … وطنُ الجمال والفن
- أكتوبر … فصلُ الأمجاد المصرية
- حين تتكلم مصرُ... تصمتُ المدافع
- وجهُ مصرَ في اليونسكو
- لعبةُ الحَبَّار
- الإنسان… جسرٌ أم بحر؟
- هندسة عين شمس … العظيمة


المزيد.....




- حرب السودان.. أوروبا بين دعم الإغاثة واحتواء تهديد الإخوان
- الجالية اليهودية بعد هجوم سيدني: لم نتلقَّ تحذيرا من إسرائيل ...
- تمر الذكرى الـ38 لانطلاقة حركة المقاومة الإسلامية حماس
- حادث إطلاق نار يستهدف محتفلين يهود عند شاطئ بونداي في سيدني ...
- أستراليا تعلن حصيلة جديدة لضحايا الهجوم -الإرهابي- على الجال ...
- 12قتلى بهجوم على حفل يهودي في مدينة سيدني
- بالصور.. رصاص يحوّل عيدا يهوديا إلى ساحة رعب في سيدني
- مقتل 12 شخصا في إطلاق نار على محتفلين بعيد يهودي بأستراليا
- تغريدة لليهود.. رئيس وزراء بريطانيا -في مأزق- بعد هجوم سيدني ...
- أكبر من البيت الأبيض.. ألق نظرة داخل مركز الحضارة الإسلامية ...


المزيد.....

- رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي ... / سامي الذيب
- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - المعلّمة الجميلة!