أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - الجميلة -حور محمد-… وجهُ الشمس














المزيد.....

الجميلة -حور محمد-… وجهُ الشمس


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 8535 - 2025 / 11 / 23 - 11:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حين تُكسَر طفلةٌ جميلة في بلدٍ علّم العالمَ معنى الجمال، فالجرحُ لا يكون في قلبها، بل في قلب الوطن. وحين تقفُ صبيّةٌ مليحة على حافة شرفة فصلها، محاولةً الهربَ من قسوة زميلاتها، لا تكون هي على وشك السقوط، بل قيمُ مجتمع راسخ علّم الدنيا القيمَ والأخلاق، ثم فقد بَوصَلَتَه لحظةً، فاهتزّت عليه الأرض.
"حور محمد"، صبية سمراءُ مشرقة، تشبه النيلَ وقتَ السَّحر، وتلويحةَ شمس الغسق حين تسقطُ على وجه نفرتاري. وجه مصريٌّ من تلك التي تُعرَف بلادُها قبل أن تنطق، لأنها تحمل جين مصر. هذا الوجه الجميل وجد نفسه محاصرًا بقبحٍ لا يشبه مصر: تنمّرٌ، رفض، كسرٌ للنظارة، اعتداءات من زميلات الفصل… فضاقت الدنيا على طفلة تتهيأ للحياة، وبحثت عن نافذة تطير منها إلى رحابة عالم أجمل يليق بطفولتها.
الضحيةُ طفلةٌ، والجُناةُ أطفالٌ. وليس في لوائح المدارس قانونٌ يعاقب الأطفال إن أجرموا، لكن في قانون التربية ما كان يردّهم عن جرائمهم، فقط لو انتبهت المدرسةُ والأسرةُ ومنظومةُ التعليم والإعلام والمسجد والكنيسة لواجباتهم، وتضافرت جهودُهم لإنشاء جيلٍ راق مهذّب يتقنُ فنَّ "احترام الآخر"، ذلك الفن الذي تُعلّمه اليابانُ لأطفالها قبل أن يتعلّموا الكلام واللعب. التنمّر ليس "هزار عيال”، بل خطيئةٌ تُرتكب في العلن، وتكسر قلوبَ الأطفال في السرّ. لو عرف الناس، وأظنهم يعرفون، حجمَ التخريب الذي يتركه في الروح، لوضعوه على رأس الخطايا الكبرى، كما تفعلُ الدولُ المتحضرة، ولا يمرُّ باعتذار وابتسامة بل وإنكار.
"حور" الجميلة، ليست أول طفلة تتعرّض للإيذاء، وليست آخرهن بكل أسف؛ ما لم نُغيّر أسلوب استيعابنا لهذه الكارثة الاجتماعية. القضية تمسُّ آلاف الأطفال الذين يعودون إلى بيوتهم كل يوم بندوب في القلب وقد خسروا جزءًا من ثقتهم بأنفسهم، لأن زميلًا ضحك، ومعلمة تجاهلت، ومديرًا لم يُدرك حجم مسؤوليته وخطورة دوره في تنشئة مستقبل الوطن.
أطفالُنا ليسوا صفحاتٍ بيضاءَ؛ بل هم مرايا لنا، يعكسون سلوكنا إن كان راقيًا أم مشينًا، ويحاكون خطابنا وأسلوب حديثنا عن الناس ومعهم. وحين يذهب طفلٌ إلى المدرسة حاملاً سُمّ التمييز أو العنصرية أو السخرية… فالمصدرُ يكون البيت، لا الشارع. ربّوا أبناءكم على الحبّ والاحترام، من أجلهم هم، قبل أن يكون من أجل أولاد الناس. علّموهم أن الجمال يكسو وجوه جميع البشر دون استثناء؛ لأن الخالقَ جميلٌ لا يصنع إلا الجميلَ. علموهم أن السُّمرة المصرية خريطةُ تاريخ كامل من المجد والعلوم والفنون. لونٌ صقلته الشمسُ فوق حجارة المعابد، واختارته أرضُنا السمراءُ "كيميت" لأن يُشبه شخصية هذا البلد البهيّ.
المدرسةُ، يجب أن تكون كما كانت بالنسبة لجيلي: مكانًا آمنًا وجميلا نركضُ إليه فرحًا كل صباح لأننا نقضي فيه أوقات علم وفرح وحبٍّ، لا مكانًا يُهرب منه طيرانًا من النوافذ! ضعوا في الجدول "حصة الأخلاق" التي كانت مقررة علينا في مدارس الراهبات. ولا يجوز تجاهل ألم طفل، مهما بدا في عيوننا هيّنًا وبسيطًا، لأن مسطرة الأطفال أصدق وأصفى من مساطرنا العقيمة التي نقيس بها الأشياء وفق أهوائنا. مسؤولية المدارس ليست تعليم القراءة والكتابة؛ بل غرس القيم والأخلاق والتهذّب. تحتاج مدارسُنا إلى برامج تثقيفية واضحة لمواجهة التنمّر وتكريس النبل والتحضر في نفوس الصغار، وبرامج تدريب للمعلمين على التعامل النفسي السويّ مع الطلاب، وإدارة مدرسية ترى الأطفال بوصفهم مشاعرَ تكسوها أجسادٌ، لا أرقامًا في كشوف الحضور.
وعلى الإعلام مسؤولية ضخمة لا يؤديها. يملك الضوءَ لكنه يترك أطفالنا في العتمة. ليته يفرد مساحات توعوية تكافح التنمّر وتغرس القيم، وحملات تثقيفية دراما لا تُطبّع السخريةَ باعتبارها ضحكًا وظُرفًا، بل خطايا تهزُّ أركان السماء وتهدّم المجتمع.
وفي وسط هذا المشهد المؤلم، أشرقت لفتة إنسانية نبيلة من الجليل المستشار النائب العام: "حمادة الصاوي"، حين تواصل مع والد "حور" للاطمئنان عليها، وتلك رسالة تقول إن الدولة ترى أبناءها، وتنتصر لهم، وتحمي طفولتهم. أشكره وأدعوه لاستمرار متابعة مثل هذي القضايا التي تمسّ أرواح الصغار، لأن مستقبل الوطن يبدأ من سلامة طفولته.
وأما الجميلة "حور محمد"، فأقول لها ما كتبتُه على صفحتي بالأمس: يا حبيبتي أنت قمر 14 وجمالك صافٍ ومصريٌّ خالصٌ لا غشَّ فيه. اسمك جميلٌ ومثقف مشتقٌّ من خيوط الجنّة. كم أحبّك وكم كنتُ أتمنى أن أحظى بطفلة تشبهك، تكون شقيقة لابني الأسمر الوسيم "عمر"، الموهوب في الرسم مثلك. وأنا مثلك، أضع على عيني نظارةً أحبّها؛ لأنها تجعلني أرى الناس في "فاترينة زجاجية". اعلمي يا صغيرتي أن اللواتي تنمّرن عليك يعرفن كم أنت جميلة وموهوبة؛ لكن خانهن التعبير عن حبهن لك. عيشي يا "حور" واكبري وصيري مشعلا ينير دروب الوطن.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلفيون … ولاهون… وبينهما متحف!
- الفارسةُ … -يسرا-
- على أبواب المتحف… كلُّنا مصر
- مصرُ… التي من أجلها تُشرقُ الشمسُ
- توقيع -فاروق حسني-... على جدارية التاريخ
- التوحُّد… ثمارٌ وراءها ألمٌ
- -ولنا في الخيال حبٌّ-… السينما في أَوْجِها
- -الجونة- … وطنُ الجمال والفن
- أكتوبر … فصلُ الأمجاد المصرية
- حين تتكلم مصرُ... تصمتُ المدافع
- وجهُ مصرَ في اليونسكو
- لعبةُ الحَبَّار
- الإنسان… جسرٌ أم بحر؟
- هندسة عين شمس … العظيمة
- -أولاد- الدكتورة -سهير-
- -زهرة النار-… الحلمُ يخفقُ في الرماد
- -القمة-: -غزّة- امتحانُ الضمير العالمي
- اليوم العالمي للقانون… العدلُ ماءُ الحياة
- سبتمبر … شهر أمي
- الأخلاقُ والمحبة والتجديد… ثلاثيةُ الرسالة في خطبة الوزير


المزيد.....




- إسبانيا ... فضيحة تحرش جنسي بقاصر في الكنيسة الكاثوليكية
- في حوار مع الجزيرة نت.. أمين عام الجماعة الإسلامية ببنغلاديش ...
- نيجيريا: خطف 315 تلميذا ومعلما من مدرسة مسيحية في ولاية الني ...
- -حذر من عودة نفوذ الإخوان-.. أنور قرقاش يدعو لمحاسبة طرفي ال ...
- الاحتلال يخطر بهدم منازل قرب المسجد الأقصى
- جامعة أكسفورد البريطانية.. صرح أكاديمي نشأ من صراع بين الملك ...
- نيجيريا: خطف 315 تلميذا ومعلما من مدرسة مسيحية في ولاية الني ...
- العنف ضد المسيحيين.. اختطاف 215 طالبًا بمدرسة كاثوليكية وسط ...
- جامعة أكسفورد البريطانية.. صرح أكاديمي نشأ من صراع بين الملك ...
- ايران في المركز الثالث بدورة العاب التضامن الاسلامي


المزيد.....

- رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي ... / سامي الذيب
- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - الجميلة -حور محمد-… وجهُ الشمس