أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - مصرُ… التي من أجلها تُشرقُ الشمسُ














المزيد.....

مصرُ… التي من أجلها تُشرقُ الشمسُ


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 8517 - 2025 / 11 / 5 - 11:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


Facebook: @NaootOfficial

يغمرني شعورٌ قويّ بأن الملك "رمسيس الثاني حين قال عبارته الخالدة: "هي التي من أجلها تشرق الشمس" لزوجته الملكة الجميلة "نفرتاري"، رمز الحب والأنوثة والوفاء في التاريخ المصري القديم، لحظةَ تشييد معبدها العظيم في أبو سمبل، موجِّهًا واجهته صوب الشروق، أنه قد استعار تلك العبارة من "التاريخ" حين قالها مغازلا صانعتَه: “مصرُ التي من أجلها تشرق الشمس".
في حضرة التاريخ الذي لا يشيخ، اصطفَّت الأهراماتُ كأنها أعمدةُ المعبد الأخير، في حفل أشبه ببعثٍ فرعونيٍّ حديثٍ، تماهى فيه الضوءُ بالظل، والعزفُ بالدهشة، والقِدَم بالحداثة، والأصالة بالرقي، فتحت مصرُ قلبها للعالم لتستقبل ملوكه وزعماءه ليشهدوا هذا الحدث التاريخي الجلل: افتتاح المتحف المصري الكبير Grand Egyptian Museum. وعند بوابة الحضارة المشرعة على الأبد، وقفت القاهرة في أبهى أثوابها، عروسًا مشرقة يزفّها التاريخُ إلى الغدّ، ليقول العالم مرة أخرى: هذه هي مصر التي أشرقتِ الشمسُ على أعتابها كي تدوّن دفتر الحضارة.
لم يكن الافتتاح حدثًا ثقافيًّا بروتوكوليًّا اعتياديًّا، بل فعلَ تأكيدٍ على أن المصري حين يضع حجرًا، يزرع معه فكرة، وحين يغرس فكرة، يُكتب لها الخلود. بدا الحفل مثل قصيدةٍ موسيقيةٍ ضخمة: أزياء فرعونية تتهادى على أنغام الأوركسترا، أضواءٌ تتراقص فوق الواجهة الزجاجية، وجمهورٌ من القارات الخمس يشهد أن الحضارة لا تُستورد بل تُستعاد.
أشرق المتحفُ الذي طال انتظاره عقودًا وسنواتٍ. صبرنا عليه كما يصبرُ الفنانُ على لوحته الأخلد، والموسيقيُّ على سيمفونيته الأشهر، والشاعرُ على ميلاد قصيدته العمدة، وكما يصبرُ الفلاح على إشراق التمر على هامة نخلة استغرق غرسها وريّها سنواتٍ طوالا. أخيرًا نهض المتحفُ الكبيرُ أمام الأهرامات، لا كظلٍّ لها، بل كصوتٍ آخر من أصواتها الخالدة.
المتحفُ الكبير ليس مبنىً شاسعًا يضم مئات الآلاف من خوالد أجدادنا، بل سيرةٌ معمارية لكبرياء الإنسان الذي قرأ الزمن، وقرّر أن يكتبه من جديد بالحجر المثقف والنور.
تقدَّم الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي"، لا ليعلن عن افتتاح متحفٍ عظيم فحسب، بل عن لحظةٍ فارقةٍ في مُدونة الوعي المصري، عن رسالة مصرية للعالم تقول إن الماضي ليس ما مضى، بل ما يستمر في الحاضر خالدًا لا يموت. هذا وطنٌ عظيم يُعيد تشكيل ذاكرته بصوتٍ حديث يقول للعالم: ما زال القلب ينبض، وما زال الحلم يكافح ليغادر أرضه ويتحقق في واقعنا جمالا يسُرُّ الناظرين.
حين ارتفعت الأنغامُ في ساحة المتحف، كان الأجداد يصغون من وراء الرمال، راضين على أحفادهم الذين بجّلوهم وجمعوا خوالدهم؛ لأنهم أدركوا أن الفنّ ليس رفاهية، بل وطنٌ حقيقيٌّ يقيم فيه الجمال.
لم يُشيد المتحفُ ليُنافس الأهرامات، بل ليحاكيها. واجهةٌ من زجاجٍ مغزول بالضوء، أروقةٌ واسعةٌ كصدر وطن، وأحجارٌ صموت، لكنها تتكلم لغة لا يفهمها إلا من أحبّ هذه الأرض. صمّم المعماريُّ المتحفَ داخل مثلثٍ هندسيٍّ ضخم يحاكي شكل الأهرامات في النسب والزوايا، بحيث تصطف محاوره البصرية الثلاثة مباشرةً مع أهرامات خوفو وخفرع ومنقرع. فلسفته المعمارية أن يكون المتحف امتدادًا بصريًّا وزمنيًّا للحضارة المصرية كما رسمها الأجداد. يدخل الزائرُ من الساحة، ثم يصعد عبر الدَّرَج العظيم الذي تصطفُّ على جانبيه تماثيلُ الملوك بترتيبٍ زمنيٍّ متدرّج. كل خطوة هي انتقالٌ زمني إلى أعماق التاريخ. وفي القمة، ينفتح المشهدُ على الأهرامات، لحظة التوحّد بين العمارة الجديدة والماضي الخالد. هنا لم يَبنِ المعماريُّ الذكيُّ جدرانًا، بل بنى فكرةً تقول إن مصر بوسعها جمع القديم والحديث في سطرٍ واحد من كتاب الزمن. وراء كل تمثالٍ في المتحف قصة ومعرفة وكفاح، ووراء المشروع كله حكايةُ شعبٍ عنيد لا يتخلّى عن الأمل ولا يتنازل عن تحقيقه. من وزير فنان حَلُم بالفكرة، إلى رئيس واع رحّب بها، إلى معماري أبدع في تصميمه، وآخر سهر على القياسات، إلى عاملٍ حمل الأحجار، إلى فنانٍ صمّم الإضاءة، إلى مؤرخ رتّب الكنوز في مواضعها التاريخية، جميعهم كتبوا هذا الفصل الجديد في ملحمةٍ عنوانها "مصرُ التي من أجلها أشرقت الشمس".
المتحف لا يكتفي بعرض الآثار العظيمة، بل يُعيد تقديم مصر كفكرة فلسفية: بلدٌ يقرأ الزمنَ لا يحفظه فقط. العمارة هنا وسيلة لإحياء العلاقة بين الإنسان والزمن والمكان، بحيث تجعل الزائر جزءًا من السرد الحضاري لا متفرجًا عليه. هذه هي الفلسفة المعمارية للمتحف التي تجعله جسرًا بين زمنين ومنطقة عبور بين الماضي والحاضر.
المتحف الكبير وعدٌ بمستقبلٍ ثقافيٍّ وسياحيٍّ يليق بمصر، ودعوةٌ لأن نُعيد تعريف علاقتنا بالتراث لا بوصفه ماضيًا منسيًّا، بل طاقةً روحيةً تُغذّي وعينا الحديث بأمجاد الأجداد.

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- توقيع -فاروق حسني-... على جدارية التاريخ
- التوحُّد… ثمارٌ وراءها ألمٌ
- -ولنا في الخيال حبٌّ-… السينما في أَوْجِها
- -الجونة- … وطنُ الجمال والفن
- أكتوبر … فصلُ الأمجاد المصرية
- حين تتكلم مصرُ... تصمتُ المدافع
- وجهُ مصرَ في اليونسكو
- لعبةُ الحَبَّار
- الإنسان… جسرٌ أم بحر؟
- هندسة عين شمس … العظيمة
- -أولاد- الدكتورة -سهير-
- -زهرة النار-… الحلمُ يخفقُ في الرماد
- -القمة-: -غزّة- امتحانُ الضمير العالمي
- اليوم العالمي للقانون… العدلُ ماءُ الحياة
- سبتمبر … شهر أمي
- الأخلاقُ والمحبة والتجديد… ثلاثيةُ الرسالة في خطبة الوزير
- زجاجُ سيارتي المصدوع… والفلاسفة
- “نجيب محفوظ-… سيدُ المفارقات
- الضحايا جلاّدون … في The 8 Show
- “مريم-… أيقونةُ الحنوّ الكوني


المزيد.....




- إسرائيل وفوز ممداني.. تخشى على يهود نيويورك أم على نفسها؟
- إسرائيل تهاجم ممداني وتدعو يهود نيويورك للهجرة
- استطلاع لـ سي إن إن: 66% من اليهود صوتوا لمنافسي زهران ممدان ...
- أضرار بالغة بالجامع الأزرق في مدينة مزار شريف جراء الزلزال ب ...
- وزير إسرائيلي يهاجم ممداني.. ويوجه دعوة إلى يهود نيويورك
- ألمانيا ـ حظر جمعية إسلامية في ولاية براندنبورغ
- 9 نقاط تشرح إستراتيجية جماعة نصرة الإسلام بالساحل
- حكومة نتنياهو تهاجم زهران ممداني وتدعو يهود نيويورك للهجرة إ ...
- ألمانيا تحظر جمعية إسلامية وتفتش مقرات اثنتين أخريين
- وزارة الداخلية الألمانية تعلن حظر جمعية إسلامية وتفتيش مقرات ...


المزيد.....

- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - مصرُ… التي من أجلها تُشرقُ الشمسُ