أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - الضحايا جلاّدون … في The 8 Show














المزيد.....

الضحايا جلاّدون … في The 8 Show


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 8447 - 2025 / 8 / 27 - 12:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


Facebook: @NaootOfficial

٨ اشخاص، دخلو المسرحَ يدفعهم حلمُ الثراء السريع. دخلوا أندادًا يبتسمون لبعضهم البعض، ليكتشفوا فورًا أن المسرح ليس "طوابقَ" تفصلها سلالمُ، بل "طبقاتٍ اجتماعية" تُفرّق وتُمزّق وتُمايز، وتقسّم الأندادَ إلى: مُترف جبار ينعم برغد الطابق الثامن، وفقير ذليل يتعفن في عتمة الطابق الأول. شيء يشبه طبقية "الكوميديا الإلهية"، حين جعل "دانتي" الجحيمَ في القاع، والفردوسَ في الأعلى. وماذا عن الفرار من هذا الواقع الديستوبي المرعب؟ لا مهرب! فقد وقع اللاعبون في متاهات "كافكا" حيث لا خروج.
منهم من دخل لعلاج ابنته، أو بدافع الشهامة لإنقاذ صديق. ومنهم من دخل لسداد ديون هائلة أوقعه فيها الطمع، ومنهم من دخل بعد تذوق مرارة الفشل، ومنهم من دخل انتقامًا من الفقر. وبينهم مثقفٌ واحد، دخل بعين "المتلصص" على عُري الإنسان في مواجهة المحن، لكي يكتب رواية من طمي الواقع الحي، نابضة بأنين المتألمين وصراخ الجوعى. ماذا يحدث للإنسان، حين تُسلب كرامته، هل يتضامن مع المقهورين مثله، أم يتحوّل إلى كائن مسعور، يقتاتُ على إهانة الأضعف ليشعر أن له ظلّاً في المرآة؟ هذا ما يجعل الطابق الأول مُستباحًا، والطابق الثامن مُحصنًّا كمملكة إقطاعية. اللعبة لن تعطيهم الأموال مجانًا كما ظنوّا حين دخلوا، ولن تسحق كرامتهم كما اكتشفوا بعد اليوم الأول، لكنها سوف تجعلهم جلادين يسحقون بعضهم البعض. وذاك هو الإذلال الحقيقي.
نتكلم عن المسلسل الكوري "عرضُ الثمانية" The 8 Show، الذي تعرضه المنصات الآن، ويحاكي المسلسل الشهير "لعبة الحبار" في أن المحن والإذلال هما الاختبار الحقيقي الذي يُظهر معدن الإنسان: هل سيظلُّ إنسانًَا، أم يتحوّل إلى وحش مسعور ينهش ضحاياه، لا جلاده.
هذه الدراما الكورية تتبع ثمانية لاعبين في لعبة مغلقة، أو لنقل "مختبر فلسفي" يفضح عُري الإنسان حين يوضع في قفص محكم، بلا بدائل ولا أبواب إلا حُلم الثراء المسموم. الغرف المتراصة رأسيًّا ليست محض ديكور، بل تجسيدٌ صارخ للطبقية الانتهازية، التي لم تتكوّن بالكدّ والسعي، بل بمحض اختيار غافل يشبه المقامرة. مَن يعيش فوقك يراك حشرةً، ومن يرزحُ تحتك تراه ذليلا. ومع مرور الوقت، يتحوّل الضحايا، بلا وعي، إلى جلادين ينهش بعضهم بعضًا، وكأن البؤس قادرٌ أن يتحوّل إلى سوط. فالضحايا لم يثوروا على الظالم الخفيّ، ولم يتكاتفوا لينجوا معًا كرفاق عذاب، بل تحولوا إلى أعداء لأنفسهم، يبتكرون أدوات تعذيب لا تخطر على بال أعتى الجبابرة. هذا هو "عُري" الإنسان إذا لم يتسلّح بالقيم النبيلة.
وسط هذا الخراب، يطلّ "سؤالٌ الأخلاق" كوميض: هل يمكن للإنسان أن يحافظ على إنسانيته وهو مُهان؟ المسلسل يُلمّح أن الحنوّ ممكن، لكن ثمنه باهظ. بعض اللاعبين اختاروا التضحية، ليقولوا إن "الحبَّ" يظل آخرَ ما يُسرق من الإنسان، حتى في قفص زجاجي موصد. لكن منهم من انهار وتحوّل إلى وحش قاس يلعق دماء الآخرين.
اللاعبون تخلّوا عن أسمائهم، لأنها جزء من كرامة الإنسان، واعتمروا أرقامَ طوابقهم أسماءً. رقم (١) هو الذليل قاطن الدور الأول، ورقم (٨) هي قاطنة الدور الثامن الثرية اللاهية السادية التي تتلذّذ بتعذيب الآخرين بطرائق مبتكرة حرّمتها "معاهدة جنيف" حتى في الحروب. مثل حرمانهم من النوم ليالى طويلة مع فتح عيونهم بكماشات وتجويعهم وتعطيشهم، إلا بما يحفظ وظائفهم الحيوية لئلا يموتوا. لكن المدهش أنها في لحظة ما رفضت القتل، أولا لأن موتَ أي لاعب يوقف اللعبة فورًا، وثانيًّا لأن القتل يُنهي حالة تعذيب جيرانها التي تُسبب نشوتها وتلذذها.
لم يُفصح المسلسلُ عن النظام الذي يُديرُ اللعبة. فقد شيدوا هذه البناية وتركوها تُديرُ نفسَها بنفسِها. الضحايا غدوا أبطالَ التعذيب الذاتي، لكي تتفرغ النفوسُ الشاغرة التي صنعت اللعبة للاستمتاع، من مقاعد المتفرجين، بمشاهد تعذيب الضحايا لأنفسهم. وكلما ازدادت درجات العذاب، تضاعفت الأموالُ وطال الوقت.
المسلسل يقدّم إجابة سوداء على سؤال لم يُطرح: الناس يعرفون قانون اللعبة الظالم، ومع ذلك يلعبونها. فالأمل في الفوز والنجاة، حتى لو كان كاذبًا، أقوى من الحقيقة. قانون اللعبة، لم يُصمم ليعدل بين الناس، بل ليُديم صراعهم، تمامًا كما تعمل الرأسمالية المتوحشة حين تبيع الوهم أكثر مما تبيع البضائع. هذا المسلسل يضع الإنسان أمام مرآة ميدوزا، بلا مكياج، ليكتشف أنه كائنٌ عبثيٌّ يلهث وراء وهم الصعود، مستمتعًا بسقوط الآخرين، ويظن أن القانون حبلُ نجاة، بينما هو في الحقيقة مقصلة معلّقة، مادام بل قلب.
ويبقى سؤال: ما وظيفة "المثقف" وسط هذا الخراب؟ هل يكتفي بأن ينجو ويحوّل التجربة إلى "رواية"، إذْ الكتابة نفسُها فعلُ مقاومة؟ أم يجهد ليُنقذَ المظلومين؟


***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- “مريم-… أيقونةُ الحنوّ الكوني
- في مديح -العُسر- … و-التصوّف-
- أبي … وأبي الروحي
- موسمُ الرياض سعوديًّا… وعقلٌ لا يعجبه العجب!
- أقلامُهنَّ … في ميزان البحث الأكاديمي
- احترامُ جلال الموت
- -مصرُ- و -غزّة”… التاريخُ يشهدُ بما يُغنينا عن الكلام
- فيروز … هاكِ مِنديلي لتُخبّئي دموعَك
- -كتالوج-... الأبوة والأمومة
- الأميرُ النائم … والساهرون على حُلمه
- نغتالُ الوترَ … ونرقصُ على نغمِه!!
- لماذا نكرهُ مَن يحبُّ؟!
- كرامةُ المعلّم… ة
- بين القمحِ والفكر… شكرًا د. “حسام بدراوي-
- مشرقاتٌ … في -منتدى القيادات النسائية-
- صالون العدل
- القديس -دي لا سال”... رائد التعليم في مصر
- عيني ترى… لا شيءَ اسمُه: -العمى-
- “صبحي- … فارسًا يكشفُ المستور
- في -عيد الأب-… أقدّمُ لكم أبي


المزيد.....




- البرلمان يصوّت على مدونة الأحوال الشخصية وفق المذهب الجعفري ...
- جدل إثر تخصيص متحف في البوسنة ريع مخطوطة يهودية ثمينة لدعم س ...
- الجزائر.. إخماد حريق ضخم بالشريعة قرب العاصمة وسط إجلاء العا ...
- بابا الفاتيكان يطالب بوقف العقاب الجماعي والتهجير القسري للف ...
- بابا الفاتيكان يوجه مناشدة قوية لإنهاء الحرب في غزة
- -سأنهي الإسلام في تكساس-.. مرشحة أمريكية تحرق نسخة من القرآن ...
- الحاخام الرئيسي لبولندا: -لا يجب تجويع المدنيين في غزة فهذا ...
- مراهقان خططا لهجمات على معابد يهودية وبرج إيفل.. هل تتوسع ظا ...
- بابا الفاتيكان يوجه مناشدة قوية للمجتمع الدولي لإنهاء حرب غز ...
- تفاعل واسع مع مشاهد -كمين بيت حانون- واستهداف كتيبة نتساح يه ...


المزيد.....

- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - الضحايا جلاّدون … في The 8 Show