أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - الأميرُ النائم … والساهرون على حُلمه














المزيد.....

الأميرُ النائم … والساهرون على حُلمه


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 8412 - 2025 / 7 / 23 - 11:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


Facebook: @NaootOfficial
بالأمس انكسرَ أملُ "أُمٍّ" ظلّت تهدهده عشرين عامًا، وانطفأت شمعةُ رجاء جاهدَ "أبٌ" ألا يخبو وهجُها. هذا المقالُ ليس رثاءً لشاب غادر إلى حيث يمضي الأبناءُ إلى رحاب الله، تاركين في قلوب ذويهم صدوعًا لا تُرأبُ، بل هو تحية إجلال لأمٍّ وأبٍ حصدا من النُبل والإيمان بالله ما جعلهما أيقونةً تُضيء في كتاب التاريخ، ودرسًا نتأملُه ونتعلَّم منه معنى الأمومة والأبوّة.
لم يكن الأميرُ "الوليد بن خالد بن طلال" رقمًا في سجلّات غيبوبة استطالت سنواتٍ وعقودًا حتى ارتقى إلى فردوس الرحمن الرحيم حيثُ لا ألم ولا غياب، بل كان حكايةً تُروى من حكايا الرجاء والنبل والعطاء الفريد، تَجسّد في أمٍّ وأبٍ لم يسلّما ولدهما للموت السهل، رغم وصايا الأطباء، بل حملاه معًا على أجنحة الدعاء، ووشّياه بأغطية الحنوّ، لا عامًا ولا عشرةً، بل عشرين عامًا عددًا محطمين كل توقعات الطبّ وسجلات السكتات الدماغية التي لا تتجاوز أعمارُها العامين مع العناية الفائقة، ليثبتا للعلمِ وللعالمِ أن "الحُبَّ" ينجحُ فيما يخفقُ فيه العلمُ والعلماءُ.
عام ٢٠٠٥، كان الأميرُ صبيًّا جميلا في الخامسة عشر من عمره يدرسُ العلومَ العسكرية في لندن، ينتظرُه مستقبلٌ مشرقٌ في وطنه مثلما ينتظرُه والداه بشغفٍ أن يعودَ إليهما مصقولا بالعلم ليخدم وطنه. لكن الآمالَ تبعثرت عند ناصية حادثٍ مروّع أسقط الجسدَ في غيبوبة ونزيف دماغي، فأوصى الأطباءُ برفع أجهزة التنفس لغياب الأمل في النجاة. لكن الوالدين رفضا الخضوع لليأس، وتمسّكا بحبال رحمة الله. فمادام القلبُ ينبضُ، فليس من حقِّ إنسانٍ أن يوقف الخفقَ ويستلبَ الحياة. وإن كان لا يشعر بنا، فنحن نشعرُ به، وإن كان لا يرانا، فنحن لا نكفُّ عن تأمله والدعاء له. ومَن قال إنه لا يشعرُ بنا، فلعلَّ رجفةَ الجفن هذه شكرٌ، وحركةَ السبابة هذه صلاة وتشهّد، ونبضة الوريد تلك علّها نجوى امتنان لأمٍّ وأبٍ لا يبرحان سريره في المستشفى السعودي أيامًا وأسابيعَ وسنواتٍ وعقودًا؛ يغسلان وجهَه بالعطور، ويشذبان لحيتَه، ويمشطان شعره، كأنما يستعدُّ لحفل التخرّج، ثم العُرس. كان الوالدان النبيلان يجهزّان ابنهما الأمير النائم كلَّ يومٍ للحياة لا للموت، فكيف لا يشعر بهما ويمتنُّ لهما، رغم أنف الغيبوبة والصمت وإغماضة العينين؟!
كان يمكن أن يُنسَى، لكنّه لم يُنسَ. وكيف يُنسى وجواره والدان لم يصدّقا مواتَ الغيبوبة، بل آمنا بالحياة المختبئة خلف السكون! كانا يكلمانه، كما لو كان يُنصِتُ، ويرسمان له أحلام الغد، كيما يتأهب لتحقيقَها. والده، الأميرُ "خالد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود"، لم يطلب معجزةً، لكنه آمن بها. رفض بحسم نزع الأجهزة الطبية عن وليده، لأن قلبه كان معلّقًا برحمة الله، لا بتقارير الأطباء. فالحياةُ الطافرةُ من وجه ابنه رغم إطباق العينين، لم تخبُ، بل تنتظر.
عشرين عامًا، لم تُطفأ أنوارُ غرفته، ولم يغبِ اسمُه عن الألسن ولا الدعاء. أبسط حركة من إصبعه كانت عُرسًا، أوهن خفقة جفن كانت قصيدة، وكل ومضة تحسُّن كانت عيدًا مؤجلاً.
هذه الأمُّ لم ترفع عينيها عن عيني وليدها، ولا رفعت يدَها عن قلبه لتطمئن إلى استمرار خفقه الذي تتوكأ عليه لتحيا. رهنت حياتَها صلاةً عند سرير وليدها، تروي زهرة الأمل بدموعها تنتظرُ صابرةً أن يناديها: “أمي!”.
وهذا الأبُ، الذي صار وجهه مرآة لأعلى درجات الإيمان برحمة الله. لم يرَ في ابنه جسدًا ساكنًا، بل مشروع معجزةٍ مؤجلة تنتظرُ المشيئة العليّة. لم ينقطع عن زيارة ابنه يومًا: يلاطفه ويسامره ويدعو له ويلتقط معه الصور على رجاء الصحو.
الحادث الأليمُ، الذي وقع في لندن والأميرُ في وهج الصبا، لم يكن نهاية، بل بداية الرحلة الأكثر نبلا بين السُّرر البيضاء وأنابيب المحاليل والتقارير الطبية والسهر على نائم لا يصحو، وأسرة مُحبّة تسهرُ واصلةً الليلَ بالنهار عشرين عامًا دون كلل ولا قنوط، وملايين القلوب التي أحبّته دون لقاء، وعرفته من صورته في زيّ الكلية العسكرية يحلم بمستقبل زاهٍ في الدفاع عن وطنه.
واليوم، وقد ترجّل الأميرُ، ليغادر كما الملوك: بهدوء المطمئن الذي نامَ على وسادةٍ من صلوات ودعاء، ومشى إلى الله على طريقٍ مرويٍّ بدموع أمٍّ وأبٍ أديا واجبهما على خير ما يؤدَى. هو الآن في ضيافة الرؤوف الرحيم الذي وسعت رحمتُه كلَّ شيء. نام الأميرُ بعد عشرين عامًا من التهيؤ لليقظة. نام لأن الحياة استكملت قصيدتَها فيه. أما والداه، فقد نالا وسامًا من نور، لا يُمنح إلا للقلوب التي أحسنت صون الأمانة. أحسن اللهُ عزاءهما وأحسن مقامه في عليّين.

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نغتالُ الوترَ … ونرقصُ على نغمِه!!
- لماذا نكرهُ مَن يحبُّ؟!
- كرامةُ المعلّم… ة
- بين القمحِ والفكر… شكرًا د. “حسام بدراوي-
- مشرقاتٌ … في -منتدى القيادات النسائية-
- صالون العدل
- القديس -دي لا سال”... رائد التعليم في مصر
- عيني ترى… لا شيءَ اسمُه: -العمى-
- “صبحي- … فارسًا يكشفُ المستور
- في -عيد الأب-… أقدّمُ لكم أبي
- هجرةُ النساء في ...”ليلة العيد-
- يرشقون نوافذَ القطارات! مِقصلةُ الفرص الجميلة!
- -سميحة أيوب- … عِناقٌ أخير
- مباركٌ شعبي مصر
- رسالة إلى -مصر الخير-…. -المتوحّدون- وحيدون!
- -فرير الخرنفش- … يستثمرون في الشمس
- “دقّة قديمة-… عزفٌ على أوتار الهُويّة المصرية
- عيد ميلاد -عادل إمام-… الخالد في ضمائرنا
- زلزالٌ …. إبني …. و-غزّة”!
- -الحُبُّ- يسقطُ …. في أرض السلام و-الحب-!!!


المزيد.....




- تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وعر ...
- 62 وزيرا وعضوا بالكنيست يطالبون بتواجد يهودي دائم في نابلس
- حرب الإبادة في غزة.. انتهاكات جيش الاحتلال للمستشفيات والمسا ...
- فاشية عصر التنوير المظلم
- الرئيس الإسرائيلي يلتقي الشيخ موفق طريف الزعيم الروحي للطائف ...
- “حدثها الأن” تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي ن ...
- فتوى شرعية بوجوب -كسر الحصار- عن غزة.. الاتحاد العالمي لعلما ...
- إسرائيل تسيطر على المسجد الإبراهيمي.. فماذا يُخطط بن غفير لل ...
- الأوقاف الإسلامية والمسيحية في القدس: درع الهوية المقدسية في ...
- فتوى للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: كسر الحصار عن غزة واجب ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - الأميرُ النائم … والساهرون على حُلمه