أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - عيني ترى… لا شيءَ اسمُه: -العمى-














المزيد.....

عيني ترى… لا شيءَ اسمُه: -العمى-


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 8384 - 2025 / 6 / 25 - 10:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


Facebook: @NaootOfficial
بالأمس، كنتُ في زيارة لصديقي طبيب العيون الأشهر والأجمل د. "حازم يس" رفقةَ أصدقاء يرغبون في فحص عيونهم. أحيانًا ما أتوسّط لأصدقائي لكي يراهم الطبيبُ المرموق دون قائمة انتظار، بحكم ما بيننا من صداقة قديمة. ورغم صداقتنا القوية، لم يحدث أن فحص عينيّ من قبل. وكلما سألني أقولُ له: "أنا تمام!” لم أشأ أن أُثقِل عليه وأختلسَ لنفسي من وقته الثمين ما يستحقُه مرضاه. ولكن، ولسبب ما وأنا أصافحه للانصراف، وجدتني أبتسمُ وأقول له عابرًا: (من كام سنة كده، وأنا باعمل كشف نظارة في مستشفى "الوطني للعيون"، نبهني صديقي الدكتور الكبير "فتحي فوزي" أن ضغط عينيّ مرتفع شوية، وأوصى بضرورة المتابعة دوريًّا، وحذّرني لمخاطر الإهمال و...)، ولم أكمل كلامي، إذ وجدتُ ملامحَ القلق قد ارتسمت على وجه صديقي أ.د. "حازم يس"، وجذبني من يدي وأجلسني أمام جهاز فحص العيون قائلا: (ازاي أول مرة أسمع الكلام ده؟! بتاخدي علاج ايه؟)، فضحكتُ وأكملتُ كلامي: (طبعًا نسيتُ الأمر ولم أتابع! مش بحب أشغلك يا صديقي!) راح يفحصُ عيني ورحتُ أقولُ لنفسي: (أتابع نفسي ازاي ووقتي كله لابني "عمر"، وعملي ومشاغلي… مادامتُ قادرة على القراءة والكتابة، يبقى خلاص و...!). أفقتُ من أفكاري على صوت صديقي يقول بقلق: (We have a Situation). ضغط العين أثّر على العصب البصري! وجزع قلبي وأنا أتأمله يُدوّن في الروشتة أسماء فحوصات يجب عملُها فورًا: (أشعة مقطعية للشبكية، فحص العصب البصري، قياس مجال الرؤية.) قال بحسم وشيء من الغضب بسبب إهمالي واستخفافي: (عاوز الأشعات دي فورًا. فورًا يعني فورًا، تعمليها بكرا في المستشفى الوطني، ومنتظرك بعد بكره.)
وأنا أغادرُ العيادة، قرأ ابني المتوحد "عمر" على وجهي ملامحَ خوفٍ لم أستطع إخفاءها! فربّت على يدي كعادته حين يودُّ الاطمئنان! فطمأنتُه أن كل شيء جميل. لكنني لم أنم من الرعب! ماذا سيفعلُ ابني إن فقدتُ البصرَ؛ وأنا عينُه التي يرى بها العالم؟! كيف أعيشُ والقراءةُ والكتابةُ كل حياتي؟!
أكتبُ إليكم هذا المقال قبل توجّهي لإجراء الفحوصات المطلوبة. ولستُ أدري ماذا ينتظرُني في مقبل الأيام. لكن ثقتي في رحمة الله بابني لا حدود لها. وثقتي في عِلم صديقي العالمي د. حازم يس” لا حدودَ لها، فقد رأيته بنفسي يصنع معجزاتٍ طبيّة لمرضاه، بارك الله في علمه وحياته.
الآن، قررتُ أن ألجأ إلى الحيلة الذهنية التي تُنجيني وقت الخطر، وتجعلني أرسمُ الواقعَ كما يروقي لي، لا كما هو. تلك الحيلة جعلتني أرى "برج الكهرباء" نخلةً شاهقةً كاملة الأناقة، وجعلتني أظنُّ أن تصدّعَ نافذة قطار قنصها حجرٌ مارق، لوحةٌ تشكيلية فنية مدهشة! حتى الحشرات المخيفة مثل الصرصار والخنفساء والبعوضة، نجحتُ أن أرى جمالَها كونها تشبه الفراشاتِ الجميلة "تشريحيًّا"، ولها نفس العبقرية في التصميم من خالق الوجود المهندس الأعظم، سبحانه.
هذه الحيلة الذهنية "التحايلية" صنعها من قبل فنان تشكيلي بلجيكي مجنون اسمه "رينيه ماجريت". رسم تفاحةً، وكتب أسفلَها: "هذه ليست تفاحة!" رسم غُليونا، وكتب تحته: "هذا ليس غليونا!" وأطلق على تلك اللوحات: "خيانةُ الصور". فالغليون المرسوم، ليس غليونًا حقيقيًّا من الخشب؛ بوسعك أن تحشوه تبغًا، وتدخن، كذلك ليس بوسعك أن تقضمَ التفاحةَ المرسومة! أما المعنى الفلسفي الأعمق الذي قصده الفنانُ هو الدعوة للنظر إلى عمق الأشياء، لا إلى ظاهرها. لأن "اسم" الشيء ليس الشيء نفسه، بل مجرد كلمة تشير إلى شيء. فكلمة "وردة"، لا تحمل لونَ الوردة ورائحتَها وجمالَها. هي كلمة أطلقها أحدُهم من قديم الزمان على هذا الكائن اللطيف؛ فورثنا الكلمةَ كدالٍّ على مدلولٍ:"الوردة"، وأورثناها لأولادنا وأحفادنا بالتبعية. لكن الدلالةَ والجمالَ والشكلَ والعطرَ في "الوردة" ذاتها، لا في “اسمها”. فاللغةُ عاجزةٌ دائمًا عن كشف هُوية الشيء. لذا نجد "ماجريت" في لوحة أخرى يرسمُ مجموعةً من الأشياء: حذاء، بيضة، شمعة، قبعة، مِطرقة، كوب؛ ثم يكتب جوار كلّ شيء اسمًا مخالفًا لاسمه المعروف: الحذاءُ=قمرٌ، البيضةُ=شجرةُ أكاسيا، الشمعةُ=سقفٌ، القبعةُ السوداء=ثلجٌ، المطرقةُ=صحراءُ، الكوبُ=رعدٌ. أعطى الفنان لنفسه الحقَّ في إعادة تسمية الأشياء بأسماء جديدة. لماذا؟! هو حرٌّ. أليس الفنانُ حرًّا؟! نعم. للفنان نفس حق "المجنون"، وتلك أحد أسرار عبقرية الفن: الحرية.
الملامحُ البشرية مختفية في أعمال "رينيه ماجريت"؛ لأن فلسفته تقول إن التعيينَ والتحديدَ والشخصنة محضُ عبث. فمثلما أسماءُ الأشياء عبثٌ اعتباطيّ لا تصفها ولا تميزها، فالملامحُ كذلك لا تحدّد البشرَ ولا تميز جوهرهم.
سأستعيرُ فلسفةَ "رينيه ماجريت" وأقول لنفسي: (عيناي سليمتان… ولا شيء اسمه العمى)! فكيف أقلقُ واللهُ والعلمُ حقيقتان أراهما كل يوم بعينيّ "المبصرتين"؟!
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- “صبحي- … فارسًا يكشفُ المستور
- في -عيد الأب-… أقدّمُ لكم أبي
- هجرةُ النساء في ...”ليلة العيد-
- يرشقون نوافذَ القطارات! مِقصلةُ الفرص الجميلة!
- -سميحة أيوب- … عِناقٌ أخير
- مباركٌ شعبي مصر
- رسالة إلى -مصر الخير-…. -المتوحّدون- وحيدون!
- -فرير الخرنفش- … يستثمرون في الشمس
- “دقّة قديمة-… عزفٌ على أوتار الهُويّة المصرية
- عيد ميلاد -عادل إمام-… الخالد في ضمائرنا
- زلزالٌ …. إبني …. و-غزّة”!
- -الحُبُّ- يسقطُ …. في أرض السلام و-الحب-!!!
- مدارسُ الراهبات
- أطفالُ غزة… الرصاصةُ الرحيمة …. والموتُ جوعًا!!
- هنا بيروت: التعدديةُ ثراءٌ ... لا إقصاء
- الأوقافُ والأزهرُ في وداع البابا -فرنسيس-
- “صلاح دياب-… عاشَ ليحكي
- -فرحًا مع الفرحين- … عيد قيامة مجيد
- البابا …. غاسلُ أقدامِ الكادحين
- -السَّعفُ-… حين يغدو الوطنُ جديلةَ حُبٍّ


المزيد.....




- ألمانيا: السوري المشتبه بتنفيذه عملية الطعن بمدينة بيليفيلد ...
- المواطنون المسيحيون يؤكدون دعمهم للقيادة وللقوات المسلحة الا ...
- مفتي القاعدة السابق: هذه الرؤى جعلت بن لادن يعتقد أنه المهدي ...
- حزب الله يُصدر بيانًا حول -النصر الإلهي- للجمهورية الإسلامية ...
- بعد تفجير انتحاري داخل كنيسة بدمشق.. هل المسيحيون مهددون في ...
- -رحل صدام والجمهورية الإسلامية لا تزال موجودة-.. دبلوماسي سا ...
- السنة الهجرية: حقائق عن التقويم القمري الذي سبق الإسلام بمئت ...
- -تعازي الرئيس غير كافية-... أكبر رجل دين مسيحي في سوريا ينتق ...
- -سرايا أنصار السنة- تتبنى تفجير الكنيسة بدمشق والبطريرك يازج ...
- المسيحيون في سوريا.. قلق وتخوف بعد هجوم كنيسة مار الياس


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - عيني ترى… لا شيءَ اسمُه: -العمى-