أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - التوحُّد… ثمارٌ وراءها ألمٌ














المزيد.....

التوحُّد… ثمارٌ وراءها ألمٌ


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 8510 - 2025 / 10 / 29 - 10:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


Facebook: @NaootOfficial

(لم أكن أعرف الكثير عن "طيف التوحّد". كان مجرد مصطلح يمر في الأحاديث والتقارير الطبية. لم ألمسه ولم يلمسني، حتى صادفني في معرض الكتاب، مقالٌ كتبته الأستاذة "فاطمة ناعوت" في "المصري اليوم”. محتواه لم يكن معلوماتيًا بقدر ما كان إنسانيًا.
كانت تكتب عن نجلها "عمر"، ذلك الشاب الذي "يشرح القلب" كما وصفته، وتحكي في سطور صادقة عن رحلته مع التوحد، وموهبته الفنية التي أزهر بها. ولأول مرة شعرتُ أن التوحد ليس "مرضًا" بل تجربةٌ مختلفة، عالمٌ موازٍ يعيش فيه أبناؤنا بمنطق خاص وقانون خاص وجمال خاص، ولكنه مليء بالأشواك.
علق المقالُ بذهني، حتى جمعني لقاءٌ مع الأستاذة "فاطمة ناعوت"، وتحدثنا عن "عمر”. كانت كلماتها صادمة وصادقة. حكت لي كيف يظن الناس دائمًا أن "عمر" كائن ساحر، مُلهم، لا يُشبه من يُصنفون تحت "طيف التوحد". السبب في ذلك أنها لا تكتب عن الألم، ولا تسرد المآسي، بل تخطُّ لحظات الفرح وتشطبُ من المضبطة كواليس الأوجاع والمرارات والانكسارات والهزائم التي تمرُّ بها خلال اليوم كأمٍّ لصبيٍّ على “طيف التوحد”. اختارت بحسِّها المسؤول أن تكتب فقط عن الإشراقات ولحظات الانتصار؛ لكي تمنح الناسَ الأملَ. حتى خُيّل للجميع أن حياة "عمر" حلمٌ مُلوّن لا يعرف الدموع. لكن، الحقيقة مختلفة. مؤلمة، وقاسية. "فاطمة ناعوت" اختارت دائمًا أن تكتب عن "الجمال”. فهي تكره البكائيات، وتخشى أن يتسلل اليأسُ إلى قلب أي أم لديها طفلٌ يعاني من التوحد. لم تُرِد أن يرى أحدٌ هذه الزوايا القاسية، وأصرّت أن تُقدم ابنها للعالم كما تراه هي: فنانٌ، مُلهم وجميل لا تنقصه الحياةُ؛ بل هو الذي يزيدها عمقًا وعذوبة.
لكن الرحلة لم تكن سهلة. كانت مليئة بالليالِى الطويلة، بلحظات الانهيار Meltdown التي تفاجئ المتوحدين وتعرفها كل أمٍّ لها ابنٌ متوحد، بالصراخ، بالدموع، بالجروح، بالكدمات، بالأصابع المكسورة، بالرفض القاطع لأي طعام، بالوزن الزائد الذي كافحتْ طويلا حتى تصلَ بابنها إلى وزنه المثالي الذي نراه اليوم في الصور، وبالإرهاق والتعب الذي يُمكن أن يُمزق أعصاب أكثر الأمهات ثباتًا. لكنها لم تستسلم. واجهت. صبرت. أصرّت على أن تُعيد تشكيل العالمَ حول ابنها، حتى صار اجتماعيًّا، إلى حدٍّ ما، ورياضيًّا، ومُبدعًا، يملأ اللوحات بالجمال بدلًا من الانطواء والتشرنق، وتحوّل الألمُ إلى فن.
حين فكّرت الأمُّ "فاطمة ناعوت" في تدوين تجربتها مع التوحد في كتاب، توجهت بمسودته إلى صديق العائلة البروفيسور العظيم ا. د. "أحمد عكاشة"، أستاذ الطب النفسي الشهير، ليكتب المقدمة. فقال لها: "أنا لم أفعل شيئًا، ولا أي طبيب فعل شيئًا لأنه اضطراب غامض لا علاجٌ معروفٌ له حتى الآن. أنتِ فعلتِ كل شيء". لكنه أهداها مقدمة جميلة لكتابها "عمر من الشرنقة إلى الطيران". وكان الأستاذُ على حق. "فاطمة" لم تكتب حكاية، بل أعادت كتابة القدر.
أكتبُ هذا المقال اليوم لأنني أدركت أن "طيف التوحد" ليس مجرد اضطراب، بل هو "مرض الجمال" كما تسمّيه الأمُّ “فاطمة ناعوت”. مرضٌ لا تراه العيون، بل تعيشه القلوب. رحلة تتطلب أمًا لا تُشبه الأمهات، أمًا تقاتل وحدها وتنهار وحدها وتبني وحدها وتُضيء الطريقَ لطفل لا يتكلم، لكنه يرسم. لا يُعانق، لكنه يُبدع. لا يحتمل الضوضاء، لكنه يصنع عوالمَ صاخبةً في خياله وفي لوحاته.
إذا كنتِ أمًا لطفل من هؤلاء، لا تشعري بالذنب. ولا بالضعف. ولا تنكسري. نعم، إنها رحلة مُرهقة، لكنها أيضًا تصنعكِ من جديد. تُعريكِ من الزيف، وتمنحكِ صبرًا لا يملكه سواكِ. وكل من يرى ابنك بعد سنوات سيقول لك ما قاله عكاشة لفاطمة: "أنتِ من فعلتِ كل شيء".
سلامًا على فاطمة ناعوت، وسلامًا على عمر، وسلامًا على كل أم بطلة لديها بطل من أصحاب مرض الجمال.)
***
هذا المقالُ الملهم كتبه الصحفي الميداني "كريم البحيري"، المدوّن وصانع الأفلام الوثائقية والمشغول بقضايا العدالة الاجتماعية وحقوق العمال والمهمشين. أنشره في زاويتي بجريدة "المصري اليوم"؛ أولا لكي أوثق لحظة حنوٍّ دافئة من صديق لصديقته، وثانيًّا لكي تقرأه كلُّ أمٍّ مثلي أهداها اللهُ ابنًا جميلا مثل "عمر"، لكي توقن أن الجهد يُثمر ولو بعد حين.
التوحّد يجتاح العالمَ كطوفان صامت يهدد الطفولة والعائلة والتعليم والمجتمع؛ ولابد من مواجهته. وهنا أشيدُ بدور العالِم الكيميائي-الحيوي المصري-الكندي "رامز سعد" الذي ساعدني في رحلتي، والذي أفنى عمرَه في المعامل للبحث عن المعادن الثقيلة التي تضرب المتوحدين، وكيفية كشفها بتحليل خلايا الشَّعر، والتخلص منها ببروتوكول الغذاء السليم. وأدعو الله أن تهتم الدولة المصرية بأبحاثه، وأن يتكاتف رجالُ الأعمال الشرفاء لتحقيق حُلمه في تشييد "مدينة الأحلام للتوحد"، لكي ترعى أبناءنا بعد رحيلنا.


***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -ولنا في الخيال حبٌّ-… السينما في أَوْجِها
- -الجونة- … وطنُ الجمال والفن
- أكتوبر … فصلُ الأمجاد المصرية
- حين تتكلم مصرُ... تصمتُ المدافع
- وجهُ مصرَ في اليونسكو
- لعبةُ الحَبَّار
- الإنسان… جسرٌ أم بحر؟
- هندسة عين شمس … العظيمة
- -أولاد- الدكتورة -سهير-
- -زهرة النار-… الحلمُ يخفقُ في الرماد
- -القمة-: -غزّة- امتحانُ الضمير العالمي
- اليوم العالمي للقانون… العدلُ ماءُ الحياة
- سبتمبر … شهر أمي
- الأخلاقُ والمحبة والتجديد… ثلاثيةُ الرسالة في خطبة الوزير
- زجاجُ سيارتي المصدوع… والفلاسفة
- “نجيب محفوظ-… سيدُ المفارقات
- الضحايا جلاّدون … في The 8 Show
- “مريم-… أيقونةُ الحنوّ الكوني
- في مديح -العُسر- … و-التصوّف-
- أبي … وأبي الروحي


المزيد.....




- حملة عنصرية معادية للإسلام تستهدف ممداني في الأيام الأخيرة ق ...
- بابا الفاتيكان: أرض العراق وسمت بالألم والرغبة بالنهوض من جد ...
- كيف أثرت حرب غزة على الحالة الدينية داخل دولة الاحتلال؟
- محافظة سلفيت والبعثة الكندية في القدس تشاركان المزارعين في ق ...
- قلاع وحصون مدينة نابل: شهادة على تاريخ الإسلام في تونس
- ممداني يتجه لرئاسة بلدية نيويورك.. مسلمون أميركيون بدرجة عمد ...
- شيخ الأزهر يحث إيطاليا على الاعتراف بدولة فلسطين
- بابا الفاتيكان يزور موقع انفجار مرفأ بيروت في أول رحلة خارجي ...
- طلاق غيّر التاريخ: كيف انفصلت كنيسة إنجلترا عن الفاتيكان؟
- مفتي القاعدة السابق يروي قصة هروب ابنة ابن لادن من طهران


المزيد.....

- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - التوحُّد… ثمارٌ وراءها ألمٌ