أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - حين تتكلم مصرُ... تصمتُ المدافع














المزيد.....

حين تتكلم مصرُ... تصمتُ المدافع


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 8496 - 2025 / 10 / 15 - 12:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


Facebook: @NaootOfficial

حين تواجه فوهةُ البندقية وجهَ الطفولة، تكون الحربُ قد اخترقت جُدرَ المنطق وقفزت على جميع الخطوط الحمراء، ويكون الظالمون قد جاوزوا مدى المدى، كما قال الشاعر "علي محمود طه" منذ حرب فلسطين الأولى عام ٤٨. على مدى العامين الماضيين ظلّت الرصاصات تحوّم في سماء غزة فوق رؤوس الأبرياء، دون رجاء في انتهاء. ومع كلّ قذيفة سقطت هناك، سقطت قطعةٌ من ضمير العالم، ومن وعينا بإنسانيّتنا، نحن الذين اعتدنا مشاهدة الخراب كأنّه مشهدٌ من "مسرح العبث" الذي لا يُحاكمه النقّاد لأن قانونه هو اللامعقول. وحين صار الصمتُ أعلى صوتًا من صوت الرصاص، خرج "صوت مصر" من بين ركام السياسة ليقول كلمته الواضحة: كفى.
من غير الممكن وصف فرحة المصريين بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس الذي تم في شرم الشيخ قبل أيام، بمشاركةٍ فاعلة من مصر وقطر والولايات المتحدة وتركيا، تحت رعايةٍ دوليةٍ دقيقةٍ أعادت إلى المنطقة شيئًا من اتزانها المفقود، وأكدت أن "شرم الشيخ" مدينة السلام ومنصة العقل في زمنٍ الحروب.
نداء الرئيس "عبد الفتاح السيسي" بوقف إطلاق النار على غزة لم يكن خطابًا دبلوماسيا بل نداءً وجوديًّا إلى عالم أنهكه العنف والدم. صوته كان صوت وطنٍ يشعر بوجع غزة وخزًا في قلبه. قالها بوضوح أمام العالم: "مصر لن تسمح بإبادة جماعية لشعبٍ أعزل.”
منذ اللحظة الأولى، لم تقف القاهرة في مقعد المشاهد المتألم، بل في خندق الإنسان المسؤول. أدارت المعابر، وفتحت المستشفيات، وأرسلت القوافل الطبية ووقفت حائطًا صدًّا ضد تهجير شعب من أرضه. وظلّ "السيسي" يكرّر في خطاباته أنّ الحلّ ليس في التسويات الجزئية ولا في التهدئات الهشّة، ولا في تهجير يفرّغ الوطن من شعبه والقضية من مضمونها، بل في وقف شامل ودائم لإطلاق النار، وحل الدولتين، ليستعيد الفلسطينيون حقّهم الطبيعي في الحياة الآمنة. لم يستخدم لغة المجاملة السياسية، بل لغة الأب الغضوب الذي يرى أبناءه يتساقطون. لغة القوي الذي يقول كلمة الحق في وجه الظالم. قال: "كفى خرابًا وتشويهًا لوجه الإنسانية. هذه ليست حربًا على الإرهاب، بل حربٌ على الوجود الإنساني ذاته.” وكان صوته صادقًا بما يكفي ليتردد صداه في كلّ قاعة مغلقة.
قوة مصر وثِقلها العالمي لا تأتي من بسالة جيشها العظيم وحسب، بل من حكمتها التي يثبتها التاريخُ عصرًا بعد عصر، ومن قدرتها على جمع الفرقاء حول طاولة واحدة في أحلك اللحظات ظلمةً. في لحظة يتكلم فيها الجميع بلغة التهديد الحنجوري، يعلو صوت القاهرة الهادئ؛ لأنها تتحدث بلغة الضمير ولغة الحق والشرف. لم ترفع القاهرةُ صوتها، بل علّمت العالم كيف يرفع سقفَ إنسانيته.
واليوم، في تطوّرٍ يعكس إصرار القاهرة على تثبيت السلام، لا الفرح به كهدنة، أشار الرئيس "السيسي" إلى ضرورة نشر قوات دولية في قطاع غزة لضمان وقف إطلاق النار ومنع تجدد الصراع، في خطوةٍ تُترجم الموقف الأخلاقي إلى رؤيةٍ عملية تُحمّل المجتمعَ الدولي مسؤوليته تجاه المدنيين. هي ليست دعوة إلى عسكرة جديدة، بل إلى حمايةٍ أممية تُنقذ الأرواح من دوّامة الانتقام.
ولكي نصل إلى هذا المشهد التاريخي الذي طيّب قلوبنها نحن المصريين على أشقائنا في غزة، وجعلنا نفخر بمصريتنا، كانت الدبلوماسية المصرية، ووزير الخارجية العظيم د. "بدر عبد العاطي" لا يتوقف عن العمل والحراك في خطوطٍ متوازية مع جهود الرئاسة، يحمل رسائل القاهرة إلى العواصم الكبرى، وينسّق مع القوى الإقليمية لتثبيت الاتفاق. لم يكن ضيفًا على الأزمة، بل شريكًا في هندسة ترسيخ السلام، يسعى لوقف النار في وثيقة قابلة للحياة لا للاستهلاك الإعلامي. بفضل هذا الجهد المزدوج، صوت القيادة المصرية وحنكة الدبلوماسية، تشكّل الخيط الأول لوقف الحرب الذي تحوّل من فكرة إلى مفاوضة، ومن مفاوضة إلى التزام.
لم تكن المهمة سهلة. فكل هدنة تُعلن تُنسف في اليوم التالي، وكلّ اتفاقٍ يُكتب بالمداد يُمحى بالدم. لكنّ القاهرة لم تتراجع. بقيت تبني من تحت الرماد جسورًا بين الشمال والجنوب، بين الفصائل والضمير العالمي. وحين أعلن "السيسي" أن مصر ستواصل جهودها "مهما كانت العقبات"، لم يكن يتحدث بلغة السياسة وحسب، بل بلغة الواجب الحضاري الذي تعلّمه من ريادة مصر الحضارية منذ آلاف السنين: أن تحمي ما تبقّى من الإنسان داخل هذا العالم الذي ينسى إنسانيته.
اليوم، حين تُذكر لحظة وقف إطلاق النار على غزة، يُذكر اسم مصر. لا لأنها ربحت جولةً دبلوماسية، بل لأنها أنقذت ما تبقّى من المعنى في عصر العنف واللامعنى. القاهرة لم تُطفئ الحرب وحدها، لكنها كانت أول وآخر من تمسّك بغصن الأمل، قبل أن يحترق الكوكب بأسره.

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وجهُ مصرَ في اليونسكو
- لعبةُ الحَبَّار
- الإنسان… جسرٌ أم بحر؟
- هندسة عين شمس … العظيمة
- -أولاد- الدكتورة -سهير-
- -زهرة النار-… الحلمُ يخفقُ في الرماد
- -القمة-: -غزّة- امتحانُ الضمير العالمي
- اليوم العالمي للقانون… العدلُ ماءُ الحياة
- سبتمبر … شهر أمي
- الأخلاقُ والمحبة والتجديد… ثلاثيةُ الرسالة في خطبة الوزير
- زجاجُ سيارتي المصدوع… والفلاسفة
- “نجيب محفوظ-… سيدُ المفارقات
- الضحايا جلاّدون … في The 8 Show
- “مريم-… أيقونةُ الحنوّ الكوني
- في مديح -العُسر- … و-التصوّف-
- أبي … وأبي الروحي
- موسمُ الرياض سعوديًّا… وعقلٌ لا يعجبه العجب!
- أقلامُهنَّ … في ميزان البحث الأكاديمي
- احترامُ جلال الموت
- -مصرُ- و -غزّة”… التاريخُ يشهدُ بما يُغنينا عن الكلام


المزيد.....




- لمسة أمل من الفاتيكان: 5 آلاف جرعة دواء في طريقها لأطفال غزة ...
- الملكة رانيا تختار الأناقة الكلاسيكية في لقاء بابا الفاتيكان ...
- كيف نجا الإسلام في البوسنة والهرسك؟
- الملك عبدالله يلتقي بابا الفاتيكان ويدعوه إلى زيارة الأردن
- محافظة القدس: 9820 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في 21 يوما ...
- حملة الملاحقات الأمنية تمتد للادينيين والملحدين وأصحاب الآرا ...
- بعد إلغاء حكم بالسجن خمس سنوات... قطر تفرج عن زعيم الطائفة ا ...
- محافظة القدس: 9820 مستعمرًا اقتحموا المسجد الأقصى خلال موسم ...
- 24% ارتفاعا سنويا في عدد مقتحمي المسجد الأقصى في عيد العرش
- بن غفير يقتحم المسجد الأقصى للمرة الثانية خلال أسبوع


المزيد.....

- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - حين تتكلم مصرُ... تصمتُ المدافع