أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - الفارسةُ … -يسرا-














المزيد.....

الفارسةُ … -يسرا-


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 8528 - 2025 / 11 / 16 - 11:57
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كأنها لوحة رسمتها ريشةُ "جيوفاني بولديني"، وقفت "يسرا" في كامل سحرها وأناقتها أمام السفير الفرنسي بالقاهرة "إيريك شوفالييه"؛ ليقلّدها أحدَ أرفع أوسمة فرنسا والعالم: “فارسة جوقة الشرف" Chevalier de la Légion d’Honneur، تقديرًا لمسيرتها المشرقة في عالم الفن والحراك الثقافي المصري والعربي، طرّزت خلالها فصلا كاملا من ذاكرة القوى الناعمة المصرية، التي كانت في كثير من الأوقات ذخيرةَ الوعي الجمعي في محاربة الفساد والتطرف والإرهاب.
لم يكن المشهد الأنيقُ احتفالاً دبلوماسيًّا وحسب، بل اعترافًا بأن الفنّ أحدُ أهم الجسور بين الحضارات، وأن فنانة مصريةً جميلة رسمت لبلادها صورةً ساطعة أمام عيون العالم، ببريقٍ من الوعي الفني المثقف الذي يعرف مكامن الوهن في المجتمع، فيطرق باب مكافحتها بجسارة وموهبة.
"يسرا"، أو "سيڤا" كما نعرفها، هي أول فنانة مصرية تنال هذا الوسام الفرنسي الرفيع، إلى جوار المخرجة الجميلة "ماريان خوري" التي نالته عام 2022، والفنان الرائع "جميل راتب" الذي ناله عام 1995، ومن المحيط العربي نالته جارة القمر "فيروز" عام 1998، لتنضم "يسرا" إلى قائمة نخبة عالمية تضم فناني وموسيقيين وأدباءَ وساسةً وعلماءَ وباحثين، منهم الباحثة المصرية د. “جيهان زكي” عالمة الآثار المصرية التي نالته العام الماضي 2024.
جسدت "يسرا"، خلال ثمانين فيلمًا وعشرين مسلسلا، روح الدراما الإنسانية المثقفة التي تحارب الأدرانَ المجتمعية بسلاح الفن. جسّدت صوتَ "الباحث عن هوية" في "لا تسألني من أنا"، وصوتَ "الوطن" في "الإرهاب والكباب"، وكانت "صفعة على وجه الزيف" في "طيور الظلام"، وصوتَ "الضمير" في "صاحب المقام"، وصوت "الأمل" في "المنسي"، وصوت "الحب المُهدَر" في "عمارة يعقوبيان"، وصوتَ "العقل الساخر" في "رسالة إلى الوالي"، وصوت "الوعي الجمعي" في "البداية"، وصوت "الكرامة المقهورة" في "كراكون في الشارع"، وصوتَ "الثورة والكفاح النسوي" في "ليلة العيد"، صوتَ "الانكسار" في "الراعي والنساء"، وصوتَ "الأخلاق" في "معالي الوزير"، وصوتَ "الحرية" في "الكرنك"، وصوتَ "الأرستقراطية اللاهية" في "دانتيلا"، وغيرها من الأدوار التي حفرت بصمتها في ضمير ووعي العقل العربي.
"يسرا"، فنانةٌ كتبت سيرتَها كما تُصاغ القصائد؛ بوعي وثقافة وشفافية وجمال وصدق، وخفّة ظلّ. منذ أن خطت خطواتها الأولى على الشاشة، أدركت أن الفن ليس طريق شهرة على سجادة حمراء ناعمة، بل امتحانُ ضوء عصيٌّ وشاقٌّ مفخخ بالأشواك. بدأت بشخصياتٍ تبحث عن ملامحها، ثم نضجت أمام عيوننا حتى صارت أيقونةً سينمائية تمتلك ترفَ الاختيار والتنوّع: سيدة المجتمع، فتاة الليل، المعذَّبة، المرأة العاملة، الفقيرة، المقهورة، الأم، المثقفة الثائرة. وأما على أرض الواقع فكانت دائمًا "الصوت الحرّ" في "يسرا الإنسانة" التي تخرج من الشاشة لتدافع عن الحقّ والخير والجمال.
أبدًا لم تكن نجوميّةُ الفنانةِ “يسرا” قشرةً لامعةً، بل جوهرًا أصيلًا يتجدّد. كانت كلُّ مرحلةٍ في مسيرتها درسًا في كيف يمكنُ لفنّانة أن تستعمرَ قلوبَ من لم يعرفوها إلا عبر الشاشة، كما استعمرت قلوبَ من عرفوها عن قربٍ وتعاملوا مع بساطتها وعذوبتها وطيبتها وحنوّها.
حين تقلّدت "يسرا" وسام "فارسة جوقة الشرف"، لم يكن التكريم فرنسيًا خالصًا، بل كان مصريّ النبض، عربيّ الملامح، إنسانيّ الرائحة. ففرنسا، بلد الجمال والفكر والفنون، لا تمنح هذا الوسام إلا لمن أسهموا في خدمة الثقافة والإنسانية عبر جميع دروب الحياة. بعد حفل التكريم، قالت “الفارسة": "هذا الوسام ليس لي وحدي، بل لكل من علّمني ورافقني في الرحلة”. جملة قصيرة، لكنها تُشبهها: متواضعة ومشعّة في آن. تعرف أن الفنّ الحقيقيّ لا يقوم على "الأنا"، بل على "الآخر" في رفقة الجمع، وهذا هو جوهر النجاح المضفور بالمحبة والعطاء والتعاون.
سرُّ جمال "يسرا" وشبابها الدائم أنها أبدًا لم تضع المساحيقَ على روحها. كانت دائمًا صادقة: مع نفسها، ومع الكلمة، ومع زملائها، ومع جمهورها. لهذا أحبّها الجميع، فصارت المعنى المتجسد للبهجة المصرية حين تتأنّق في بساطتها.
في "مهرجان الجونة للسينما" 2025، دخلنا جاليري فوتوغرافيا "يسرا" الفني، خلال خمسين عامًا، لنتذكّر أن الفنّ الحقيقي رسالةٌ مجتمعية إصلاحية، وسلاحُ مقاومة ناجز، وموقفٌ سياسيٌّ ضد القبح، وليس وقتًا للرفاه والترف.
تكريم "يسرا" في السفارة الفرنسية لم يكن احتفاءً ببريقٍ سينمائيّ ساطع، بل هو كذلك إقرارٌ بأن مصرَ ما زالت، كما هي دائمًا، تُصدّر النورَ للعالم، وأن نجماتنا قادراتٌ على حمل ثقافة بلدٍ بأكمله بوعي وجمال ومسؤولية وموهبة.
وخرجت "يسرا" من حفل السفارة الفرنسية كما دخلته: بثباتٍ يليق بالقمم، وابتسامة فخر بمشوار طويل من الفن الراقي، ونظرة إدراك أن الأوسمة لا تعلّق على الصدور، بل تُسجّل في ذاكرة وطنٍ عظيم، صدَّرَ الفنونَ للعالم في فجر الحضارات.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على أبواب المتحف… كلُّنا مصر
- مصرُ… التي من أجلها تُشرقُ الشمسُ
- توقيع -فاروق حسني-... على جدارية التاريخ
- التوحُّد… ثمارٌ وراءها ألمٌ
- -ولنا في الخيال حبٌّ-… السينما في أَوْجِها
- -الجونة- … وطنُ الجمال والفن
- أكتوبر … فصلُ الأمجاد المصرية
- حين تتكلم مصرُ... تصمتُ المدافع
- وجهُ مصرَ في اليونسكو
- لعبةُ الحَبَّار
- الإنسان… جسرٌ أم بحر؟
- هندسة عين شمس … العظيمة
- -أولاد- الدكتورة -سهير-
- -زهرة النار-… الحلمُ يخفقُ في الرماد
- -القمة-: -غزّة- امتحانُ الضمير العالمي
- اليوم العالمي للقانون… العدلُ ماءُ الحياة
- سبتمبر … شهر أمي
- الأخلاقُ والمحبة والتجديد… ثلاثيةُ الرسالة في خطبة الوزير
- زجاجُ سيارتي المصدوع… والفلاسفة
- “نجيب محفوظ-… سيدُ المفارقات


المزيد.....




- منظمة تشتري المباني العربية لإعادة اليهود لمركز مدينة الخليل ...
- الاحتلال يقتلع 135 شجرة زيتون من ديراستيا شمال غرب سلفيت
- منظمة تشتري المباني العربية لإعادة اليهود لمركز مدينة الخليل ...
- فيديو.. حاخام اليهود السوريين يبارك الشرع في واشنطن
- لماذا يقرأ نتنياهو كتاب -اليهود ضد روما-؟
- فضيحة النصف مليار دولار.. تورط -الإخوان- في نهب تبرعات غزة
- اسلامي: سياسة منظمة الطاقة الذرية هي -الأبواب المفتوحة والاب ...
- -الفوضى صناعة إخوانية-.. هكذا رد ضاحي خلفان على -اتهام الإخو ...
- الخليل.. إسرائيل تغلق المسجد الإبراهيمي للاحتفال بعيد سارة ا ...
- الخليل.. إسرائيل تغلق المسجد الإبراهيمي للاحتفال بعيد -سارة- ...


المزيد.....

- رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي ... / سامي الذيب
- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - الفارسةُ … -يسرا-