جاسم الفارس
الحوار المتمدن-العدد: 8555 - 2025 / 12 / 13 - 20:11
المحور:
قضايا ثقافية
-
الطبيب ليس نتاج القاموس الطبي، إنما نتائج دراسة تمتد لخمس سنوات، إذا اكتفى بالشهادة الأولية. يتخصص فيها بعضو من أعضاء الإنسان، فهذا طبيب القلب، وهذا طبيب العيون، وذاك طبيب الأذن والأنف والحنجرة، وما إلى ذلك.
ولكن هذا الطبيب إن كان مسلما، فهو يقرأ النص الديني بدقة فيما يتعلق باختصاصه، وحتى غير اختصاصه، وحكم الطبيب هو الأكثر دقة من حكم الفقيه، لأن الفقيه لم يقرأ الطب ولا قاموس الطب. ولا يحسن الجراحة. فالقرن الواحد والعشرين غير القرن السادس الهجري، تغيرت ادوات الحضارة واساليب الخطاب.
أريد من هذا المدخل أن أضع أمام الاخ الشيخ محمد الشماع قضية مهمة، ألا وهي هناك فرق بين الدين والتدين. فالدين يحدده النص الإلهي، وكل ما عداه تبع له، وتطبيق له حسب الفهم والظرف التاريخي والاجتماعي، بما في ذلك أحاديث النبي عليه السلام. إن الدين هو أحكام القرآن الحكيم المطلقة، وهو النص المؤسس للفكر الديني الذي هو نسبي ونتاج حركة تطور المجتمع وحركة التاريخ، إذ هناك فرق بين الوحي والفكر البشري؟
فإذا كانت التدين تخصص الفقهاء. بمدارسهم المختلفة، فإن الدين ملك الانسانية جمعاء المؤمنين منهم وغير المؤمنين، هو دعوتهم لعبادة الله عزوجل والتمسك بالعقل والعلم والحب والعدل والانصاف بدءا من الرسول المبلِغ، وانتهاء بالشيخ محمد الشماع. والى قيام الساعة. فالرسول المبلغ مطالب باتباع الوحي، مثلما الشيخ محمد الشماع، مطالب باتباع الوحي. وكل المسلمين مطالبين بذلك ايضا .
﴿وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۗ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 120]
﴿ٱتَّبِعۡ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِينَ﴾ [الأنعام: 106]
﴿وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَاتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا ٱئۡتِ بِقُرۡءَانٍ غَيۡرِ هَٰذَآ أَوۡ بَدِّلۡهُۚ قُلۡ مَا يَكُونُ لِيٓ أَنۡ أُبَدِّلَهُۥ مِن تِلۡقَآيِٕ نَفۡسِيٓۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّۖ إِنِّيٓ أَخَافُ إِنۡ عَصَيۡتُ رَبِّي عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٖ﴾ [يونس: 15]
وكذلك اتباع ما انزل الينا من القران الحكيم كما في قوله تعالى
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُم بُرۡهَٰنٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ نُورٗا مُّبِينٗا 174 فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعۡتَصَمُواْ بِهِۦ فَسَيُدۡخِلُهُمۡ فِي رَحۡمَةٖ مِّنۡهُ وَفَضۡلٖ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَيۡهِ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا﴾ [النساء: 174-175]
﴿وَهَٰذَا ذِكۡرٞ مُّبَارَكٌ أَنزَلۡنَٰهُۚ أَفَأَنتُمۡ لَهُۥ مُنكِرُونَ﴾ [الأنبياء: 50]
الشيخ الشماع يريد أن يجعل من رجال الدين - المنظومة الفقهية هنا - مختصين بالدين، مثل كهنة اليهود والمسيحيين وعلى الناس اتباعهم، واتباع فتاواهم وأحكامهم، دون حاجة إلى تدبر آيات القرآن الحكيم، والعمل بموجبها. فالمنظومة الأخلاقية القرآنية من الوضوح والدقة، لا تحتاج إلى كبير عناء لفهمها مثلا:
﴿فَإِنَّمَا يَسَّرۡنَٰهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلۡمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِۦ قَوۡمٗا لُّدّٗا ﴾ [مريم: 97]
﴿وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ﴾ [القمر: 22]
حقيقة قرآنية مهمة جدا، تفتح لك بوابات للتعامل مع القرآن الكريم
﴿وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنٗا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمٗا 63 وَٱلَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمۡ سُجَّدٗا وَقِيَٰمٗا 64 وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصۡرِفۡ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا 65 إِنَّهَا سَآءَتۡ مُسۡتَقَرّٗا وَمُقَامٗا 66 وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمۡ يُسۡرِفُواْ وَلَمۡ يَقۡتُرُواْ وَكَانَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ قَوَامٗا 67 ﴾ [الفرقان: 63-67]
﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2]
﴿إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ 190 ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا سُبۡحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ 191 رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدۡخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدۡ أَخۡزَيۡتَهُۥۖ وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٖ 192 رَّبَّنَآ إِنَّنَا سَمِعۡنَا مُنَادِيٗا يُنَادِي لِلۡإِيمَٰنِ أَنۡ ءَامِنُواْ بِرَبِّكُمۡ فَـَٔامَنَّاۚ رَبَّنَا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرۡ عَنَّا سَيِّـَٔاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلۡأَبۡرَارِ 193 رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخۡزِنَا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ إِنَّكَ لَا تُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ 194 ﴾ [آل عمران: 190-194]
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ﴾ [المائدة: 1]
تتناول الآية قضية اخلاقية حقوقية، فالوفاء قيمة أخلاقية لا تحتاج إلى كبير عقل لكي يفهم قيمة الوفاء بالعقد واحترامه، والعقود يتولى اهل الاختصاص صياغتها لضمان الحقوق .
يضع الشيخ محمد الشماع شروطا لفهم النص. عددها في 16 نقطة، منها أن يكون عالما ربانيا تربى على يد علماء ورعين، وأن تكون وأن يكون ذا فكر وقاد وذكاء حاد. وأن يتجرد للعلم. وعدم طلبه للدنيا (مثلا – كما اراه - ألا يرشح لمجلس النواب). لأن هذا المجلس دنيوي بامتياز.
دراسة العلوم الشرعية وإتقانها، وغير ذلك من النقاط التي هي من اختصاص كليات العلوم الإسلامية التي تفرغت لدراسة علوم الشريعة والحديث والتفسير والفقه وأصوله، وما إلى ذلك. هذا الفصل الذي أضر بالدين، وأضر بالعقل الإسلامي، وهو من نتائج السياسات الاستعمارية التي سيطرت على البلاد، فكان أول مشاريعها فصل الدين عن العلم والحياة، فصارت كليات علمية خاصة تدرس العلوم التطبيقية. والعلوم الصرفة، وكليات تدرس علوم الشريعة، ولا علاقة بين الإثنين، في حين كان العلم الإسلامي في عصر النهضة الإسلامية الأولى والدين صنوان لا يفترقان، كان الأطباء والمهندسون والصيادلة والفلاسفة لا يفصلون بين علمهم ووعيهم الديني. كالخوارزمي والحسن بن الهيثم والرازي وابن سينا والكندي وابن رشد والقائمة تطول .
إن القرآن الحكيم يبني إنسانا عاقلا علمياً أخلاقيا، فاعلاً، كفؤاً في ميادين عمله، ويمارس دوره في إعمار العالم على وفق هدى الله، ويبني مؤسسات فاعلة في نهضة المجتمع، ويبني امة معتصمة بحبل الله، لها دورها في بناء العالم في حين أن دعوة الأخ الشماع هي بناء مواطن خريج كلية الشريعة، أحيانا، حتى في اختصاصه لا يفهم.
لقد تجاوز التدين باجتهاداته وخلافاته النص الديني المؤسس، القرآن الحكيم، وصار هو المعيار الذي يقيم بواسطة الإنسان وليس بمقدار. امتلائه بالقرآن الحكيم، ولم ينتبه الشيخ محمد الشماع إلى أن الذي يطالبنا باتباعه هو نتاج مراحل تاريخية واجتماعية وسياسية. علت فيها المصالح الفردية على الدين، بغية تكريس سلطات تجاوزت الدين بنصوص سلطتها واجتهادات فقهاء تسوغ سلوك السلاطين وسلطتهم الدينية، بأحاديث سيقت على لسان النبي صلى الله عليه وسلم. والامة اليوم بحاجة الى ممارسة النقد العلمي لمتن الحديث في ضوء القران والعلم والوعي الحضاري وتخليصه من الاسرائيليات، فالأمة ليست بحاجة اليوم الى معرفة حديث انشغال اليهود بسوءة موسى عليه السلام
«َأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين وَالْحسن وخلاس بن عَمْرو عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:
إِن مُوسَى كَانَ رجلا حيياً ستيراً، لَا يرى من» جلده شيءٌ استحياء مِنْهُ، فآذاه من آذاه من بني إِسْرَائِيل، فَقَالُوا: مَا يسْتَتر هَذَا التستر إِلَّا من عيب بجلده: إِمَّا برصٌ، وَإِمَّا أدرة، وَإِمَّا آفَة، وَإِن الله أَرَادَ أَن يُبرئهُ مِمَّا قَالُوا لمُوسَى، فَخَلا يَوْمًا وَحده، فَوضع ثِيَابه على الْحجر ثمَّ اغْتسل، فَلَمَّا فرغ أقبل إِلَى ثِيَابه ليأخذها، وَإِن الْحجر عدا بِثَوْبِهِ، فَأخذ مُوسَى عَصَاهُ وَطلب الْحجر، فَجعل يَقُول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حَتَّى انْتهى إِلَى مَلأ من بني إِسْرَائِيل، فرأوه عُريَانا أحسن مَا خلق الله، وأبرأه الله مِمَّا يَقُولُونَ، وَقَامَ الْحجر، فَأخذ بِثَوْبِهِ فلبسه، فَطَفِقَ بِالْحجرِ ضربا بعصاه، فوَاللَّه إِن بِالْحجرِ لندباً من أثر ضربه ثَلَاثًا أَو أَرْبعا أَو خمْسا، فَذَلِك قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِين آذوا مُوسَى فبرأه الله مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْد الله وجيها} [الْأَحْزَا
««الجمع بين الصحيحين للحميدي» (3/ 197):ب]»
«الجمع بين الصحيحين للحميدي» (3/ 198):
لو تأملنا الآية جيدا لوجدناها ليست موضع الشاهد، فعري موسى لا يتعلق بذنب او اثم حتى يبرئه الله عزوجل، وغير ذلك كثير، فالأمة بحاجة الى تكريس العقل والعلم وتنمية قدرات الابداع لدى شبابها لنطور حضارتنا بعناصرها الاقتصادية والفكرية، وان نبحث في مقصد الجمال والحرية في القران الحكيم على سبيل المثال لنعزز مكانة الانسان في المجتمع
إن القدرة. والمعرفة الإيمانية. والحضارية التي ينبغي الاشتغال بها اليوم هي البحث في مشاكل العقل الإسلامي وتخلفه، وسكونه، وانشغالاته السطحية، على الشيخ محمد الشماع والذين معه مع كل احترامي لهم العمل على إعادة توثيق العلاقة بين القرآن والعقل المسلم في ميادين العلوم كافة بغية الارتقاء بالإنسان والأمة الى حيث أراد الله عز وجل، من خلال تفعيل مفهوم الاستخلاف والتسخير، فقد وضع الله عزوجل الإنسان في موضع الخلافة، وسخر له الكون بغية إعمار العالم، لتحقيق السلام والعدل، والانصاف والارتقاء الإنساني والحضاري. وبالتالي الارتقاء بالحياة..
#جاسم_الفارس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟