أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم الفارس - التكامل بين الثقافة والاقتصاد ضرورة حضارية















المزيد.....

التكامل بين الثقافة والاقتصاد ضرورة حضارية


جاسم الفارس

الحوار المتمدن-العدد: 7861 - 2024 / 1 / 19 - 14:00
المحور: الادب والفن
    


تلتقي الثقافة بالاقتصاد من حيث كلاهما تنظيم. فالثقافة تنظيم معنوي، والاقتصاد تنظيم مادي. في التوازن بينهما، يتحقق الرفاه. يقوم الاقتصاد، بوصفه علما اجتماعيا، على مسألتين. الأولى إن الإنسان كائن اجتماعي، والثانية الإنسان سلوك متعدد الأبعاد.
يعد السلوك الثقافي أحد أهم مظاهر هذا السلوك، وهذا السلوك يعد أحد القوى الفاعلة في بناء العلاقات الاجتماعية، لذلك يمكننا أن نعيد صياغة المسألة تحت عنوان الإنسان والاقتصاد والمجتمع. وإن العامل المشترك بينهم هو الثقافة، لذلك فالثقافة تعد العنصر الأساس في بناء الإنسان والاقتصاد. والنتيجة بناء المجتمع، وهو الفضاء الحيوي الذي تتحقق فيه المواطنة.
تمثل الثقافة عوامل الاختلاف والائتلاف بين المجتمعات الإنسانية، ذلك أن المجتمعات الإنسانية تتشابه من حيث كليات الثقافة، وكذلك في تفاصيلها، ولم يعد الاهتمام بالثقافة مقتصرا على علم الأنثروبولوجيا. وإنما أصبحت موضع اهتمام العلوم الاجتماعية، السياسة والاقتصاد.
الثقافة في اللغة هي الذكاء وسرعة الفهم، وجودته. فقد ذكر الخليل بن أحمد الفراهيدي أن الثقف مصدر الثقافة وفعله ثقف. إذا لزم، وثقفت، وثقفت الشيء، وهو سرعة تعلمه، وقلب ثقف، أي سريع التعلم (العين، الجزء الخامس، صفحة 139.) وعند إسماعيل الجوهري في الصحاح، ثقف الرجل ثقفا وثقافة، أي صار حاذقا، وثقف ،أيضا، ثقفا، مثل تعب، تعبا، أي صار، حاذقا. (الجزء الرابع ص 1313. )
أما الثقافة في الاصطلاح فهي مجموعة من الأشكال والمظاهر لمجتمع معين، وتشمل عادات وممارسات وقواعد ومعايير كيفية العيش والوجود، في الملابس وفي الطقوس، وقواعد السلوك والمعتقدات. أو هي كل المعلومات والمهارات التي يمتلكها البشر، وهي كل القيم المادية والروحية، ووسائل خلقها واستخدامها ونقلها التي يخلقها المجتمع خلال سير التاريخ.
والثقافة، بالمعنى الخاص، هي تنمية الملكات العقلية، أو تسوية بعض الوظائف البدنية، ومنها تثقيف العقل والبدن، لأن الثقافة تشكل عنصراً مهما في الحياة الاجتماعية، كونها تمثل فلسفة ذلك المجتمع. في النظر إلى الحياة والعالم، والدين والتقاليد. بها يعرف الإنسان، وبها يعرف المجتمع، وفي ضوء هذه المعرفة توضع السياسات الاقتصادية التي تسهم في الارتقاء بالإنسان والمجتمع.
وفي ضوء الأهمية العلمية والاجتماعية والاقتصادية للثقافة. فقد انشغل في تعيين تعريف لها عدد من العلماء. ولنبدأ من القرون الوسطى الأوروبية، إذا مفهوم الثقافة يرتبط بالمدلول اليوناني، الذي يشير إلى أن الثقافة، زراعة العقل وإنمائه. وفي عصر النهضة، يقتصر المفهوم على مدلوله الفني والأدبي الذي يؤكد على الإبداع والتربية. وفي القرن التاسع عشر مع النهضة العلمية، استخدموا المناهج العلمية في المسائل الإنسانية، وخصصوا أبوابا خاصة للمفهوم. فعلى سبيل المثال، اعتمد فرنسيس بيكون صورة التثمير الزراعي للدلالة على أحد أهداف الفلسفة الكامن في مفهوم الثقافة. في حين ذهب فولتير إلى أن مهمة الثقافة هي إنماء العقل وغرسه بالذوق والفهم، وتزيينه بالمعرفة. أما هوبز فأكد على أهمية العمل في الثقافة، وهو ما يبذله الإنسان لغاية تطويرية مادية أم معنوية. وظل هذا المفهوم طاغياً في الحقل الثقافي. وحين انتقل المفهوم إلى ألمانيا أصبح يدل على التقدم الفكري الذي يحصل عليه الفرد أو المجموعات الإنسانية اتساقا مع التصور الألماني لتاريخ البشرية، الذي يعد درجات التقدم الفكري معيارا أساسيا للتمييز بين مراحله. ففي القرن التاسع عشر عالج المفكرون الألمان، انطلاقا من تاريخ الثقافة، طبيعة الحياة الروحية، والعلاقة بين علوم الثقافة والطبيعة، فدرس هيغل ونيتشه الخطوط العريضة للتفكير الفلسفي والاجتماعي القائم على القيم المجسدة في نتاجات هذا المفهوم. وعلى طبيعة القيم المتعلقة به.
أما في إنجلترا فقد اتخذ المفهوم بعدا آخر، فقد نظر إليه المفكرون الإنجليز من زاوية تطبيقاته العملية، فعرفها ماثيو أرنولد بأنها عملية ترقي نحو الكمال الإنساني تتم بتمثل أفضل الأفكار التي عرفها العالم، وبتطوير الخصائص الإنسانية المتميزة. ويرى أن الثقافة الدينية أرقى من الثقافة العلمانية. من حيث قدرة الأولى على تعليم الاستقامة والانضباط. نلاحظ من التعريفات أن الثقافة تقتصر على العناصر اللامادية في المجتمع، الأخلاق والقانون والعرف الذي تنشأ من جراء التفاعل بين الناس، وتأخذ طابعا إلزاميا إلى جانب العنصر المادي للثقافة، فضلا عن العلاقات بين الناس، وبين العناصر المكونة للثقافة. ويعرفهاروبرت بيرستد بقوله : ان الثقافة هي الكل المركب الذي يتألف من كل ما نفكر فيه، أو نتملكه بوصفنا اعضاء في المجتمع .
ينطوي هذا التعريف على رؤية للثقافة تجمع ثلاثة عناصر هي الفكر، والسلوك، والمنجز المادي، وبذلك يمكننا القول إن الثقافة مصب لينابيع ثلاثة، هي :
1- الخيارات الثقافية.
2- العلاقات الاجتماعية,
3-أنماط الحياة.
نلاحظ من خلال المعاني اللغوية والاصطلاحية للثقافة. جملة من المعاني الثاوية في البعدين اللغوي والاصطلاحي، وهي :
1- أنها نابعة من النفس الإنسانية/ الفطرة البشرية.
2- تعني البحث والتنقيب والظفر بمعاني الحق والخير والعدل، وبالتالي فهي مفهوم يفتح الباب أمام العقل البشري لكل المعارف والعلوم.
3- يركز المفهوم في جانبه المعرفي على ما يحتاجه الإنسان طبقا لظروف بيئته. وثبات المعرفة هنا مهم جدا، فالإنسان يظل مثقفا ما دام ثابت المعرفة. بما يحتاج إليه في زمانه وعصره ومجتمعه. وثبات المعرفة هو ثبات ارتباط الإنسان بمجتمعه وقضاياه. بغض النظر عن كم المعلومات. إن الثقافة، بهذا المعنى، هي إدراك قضايا الإنسان والمجتمع. أما إذا وقفنا عند الثقافة بمعنى المعلومات والعادات والقيم، فهذا ينتج لنا مثقفا تبعيا لنمط حضاري معين، أو يخرب المجتمع من أجل عقيدته.
4- الثقافة، عملية متجددة، دائمة لا تنتهي. إذ أن معاني التهذيب والتقويم والإحياء والتأصيل والتجديد، متجددة دائما ولا تنتهي، وهي دليل على حيوية الفكر، وجمودها يعني تخلف الأمة.
إن ابتكار مناهج توحد المشتركات بين الثقافة الوطنية والثقافة الإسلامية. والثقافة الأوروبية دليل فاعلية العقل وحيويته، الأمر الذي يعطي للمجتمع دفعة قوية نحو الأمام.
في العصر الذهبي عصر المعتزلة، وفي إطار الترجمة التي أنجزها بيت الحكمة، دخلت مفاهيم جديدة إلى حيز الثقافة الإسلامية. تمثلتها هذه، فأنتجت علوما جديدة، كان على رأسها الفلسفة و (علم الكلام) .
في عصر الأشاعرة. حدث الافتراق مع الثقافة اليونانية ظاهريا، لكنها في الحقيقة ظل ثاوية في الفكر الأشعري، لا سيما الكتابات الفلسفية، كما نراها في فكر الغزالي. أبو حامد (تهافت الفلاسفة) وفي الفلسفة السياسية عند الجويني (غياث الأمم).
وفي إطار هذا التفاعل مع الثقافة اليونانية سلبا وإيجابا، بدأت تنمو التناقضات تدريجيا في جهاز الثقافة الإسلامية بين تياراتها المتعددة، ولم تتخلص من عملية (جلي) التراث لإحضار ما يمكن أن يحيا في ظل عصر التكنولوجيا. وفيزياء الكون، وجلي الثقافة الأوروبية، بغية تطبيق مفاهيمها على أرضنا التراثية، الأمر الذي ولد (أزمة العقل المسلم)، و(أزمة الثقافة) تبعا لذلك، ولذلك نلاحظ أن مفاهيم السياسة والاقتصاد والاجتماع والأدب لم تتشكل في إطار وعي أزمة الثقافة والفكر، إنما جاءت إما من الماضي، أو من أوروبا. فعلى سبيل المثال، إن الفكر السياسي للأحزاب الإسلامية هو إحياء الفكر السياسي التراثي (الماوردي، وأبويعلى الفراء والغزالي). ولم تدرس أي حركة سياسية إسلامية فكر ابن رشد السياسي، على سبيل المثال. ولم يستوعبوا حتى دستور المدينة الذي نظمه النبي محمد عليه السلام في إدارة العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية داخل دولة الإسلام الأولى.
إن إعادة وعي الثقافة والاقتصاد وطبيعة العلاقة بينهما يعد ضرورة حضارية لتجاوز أزماتنا. المتعددة.
انشغل مفكر اقتصادي عراقي مرموق، هو الدكتور باسل البستاني في تفسير العلاقة بين الثقافة والاقتصاد. لذلك سنعطيه اهمية متميزة.
إن الإنسان هو البؤرة الذي تلتقي عنده المفاهيم الثلاثة آنفة الذكر. لذلك، يرى أن الوجود الإنساني يتحرك فكريا، كون الفكر هو نبع هذا الوجود، وقنوات التعبير هي روافده، والثقافة هي نهره، والحضارة بحره. إن هذه الفعاليات المعرفية تبدأ بالإنسان لتنتهي في الحضارة، من حيث أن جوهر الفكر هو العقلانية، وحين الانتقال من الفرد إلى المجتمع تصبح (ثقافة)، والثقافة كما رآها البستاني، هي ذلك الفكر المشترك الذي يمثل مرحليا الجانب النوعي للحضارة في ديناميكية حركتها، وبناء على ذلك، فإن الترابط بين الفكر والثقافة يفترض الانتقال من الذات إلى الخارج المجتمعي، أي إلى البيئة. والسؤال هنا هو كيف يتم هذا الانتقال؟ وما شروطه؟ يشكل الانتقال هنا نقلة نوعية تتضمن التحول من صعيد التجريد إلى صعيد التجسيد، أي الاتجاه نحو الواقعية، والأمر يكون على النحو الآتي :
تقع حركة المجتمع في جانبين معنوي ومادي، الجانب المعنوي قاعدته فكرية و امتداده ثقافي علمي في إيجابياته، والجانب المادي تعبيره التطور والتقدم في الإنجاز، الأمر الذي يفترض وجود ترابط بين القيمة المعنوية المتمثلة أساسا بالفكر. وإنفتاحها المتجسد فيما يتحقق من عمل، أي في التحول إلى شكله المادي، وسلامة حركة المجتمع هذه تتطلب التناسق بين جانبها المادي والمعنوي. فإن حصول اختلال بينهما يخلق بالضرورة فجوة تشكل مؤشرا مهيئا لبيئة الاضطراب في تعدد أبعادها، وهنا تقع ثلاث حالات هي: الاولى : تخلف الجانبين عن الحركة والتطور، وهي أسوأ ما يمكن، إذ تعني فقدان المجتمع لقدراته كافة. الثانية : تخلف المادي عن العطاء الفكري، وهي حالة تفصح عن محدودية القدرات المادية للمجتمع وعدم كفايتها ذاتيا للإبقاء بمتطلبات استمرار وجوده الفعال، الأمر الذي يؤدي إلى انحباس الفكر في بيئته المادية، وهي حالة غالبية الدول النامية.الثالثة :هي الحالة التي يتخلف فيها العطاء الفكري عن العطاء المادي، وهي الحالة الأهم من زاوية العلاقة بين الفكر والثقافة. تكمن خطورة هذه الحالة وحيويتها حقا، في أنها تأتي تعبيرا عن ظرف مهدد للهوية، لعدم قدرة المجتمع على رؤية أهدافه وتحديد مساره، ذلك لأن انحسار المسار الثقافي الذي تولده سيفرز باستمراريته ثقافة انحسار، ومن خلالهما يتحول كل طموح المجتمع إلى تحقيق غنيمة مادية، الأمر الذي ينتهي بحصول انفصام بين المجهود والمردود، وتلك حالة عامة اقترنت بظروف الثورة النفطية في السبعينيات من القرن الماضي. وما رافقها من هيمنة للسعي اللاهث وراء الكسب المادي، فأفسدت الذمم، وتراجعت الهمم
إن الخطر الأكبر الذي يواجه المجتمع هو انحسار الثقافة عن المتغيرات المادية في المجتمع، يرى الدكتور البستاني إن هذا الأمر، يعني، (وقوع اختلال في التوازن بين الدفع الذاتي للفرد واستجابة محيطه الممثل بمجتمعه. وفي هذا المفترق تصبح القضية مرتبطة بالكيفية التي يتم من خلالها تجاوز الانفصام تأكيدا لحقيقة أن الإنسان. ليس مجرد وجود منفصل في بنائه، بل إنه كيان مجتمعي في بقائه) ص17. الأمر الذي يقودنا إلى البحث عن القناة التي يمكن أن تحول الخلق الذاتي في إبداعه إلى ثقافة مجتمع في آلية الانطلاق.
وهنا ستظهر أمامنا قضية الحرية ضرورة حضارية. إذ يرى البستاني أن الحرية مفهوم مطلق، لأنها جوهر الذات في هيأتها الإنسانية، غير أن هذه الذات كونها طاقة إنسانية كامنة، فهي لا تنطلق إلا في ظروف بيئية مهيأة لتفتحها، وهذا التفتح بدوره يعني ممارسة الاختيار، فالإنسان حرية، والحرية اختيار، فإذا انعدم الاختيار طوقت الحرية، وانحسر العطاء والانتماء.
في ضوء هذا التصور، فإن الحرية الفردية هي الأساس والمنطلق، والحرية الاجتماعية هي امتدادها، فالفرد لا يمكن أن يعطي لحريته مداها إلا في إطار مجتمعه، والكارثة إذا تناقضت هذه الحرية مع المجتمع. لتصبح الحرية الفردية رهينة ذاتها، بفعل بيئتها الخارجية التي تمنع تفتحها، فالسجين يستطيع أن يخلق فكرا، لكنه لا يستطيع أن ينتجه الا بالإفصاح عنه، ولكن طوق وجوده يمنعه.
وفي ضوء هذا التصور تبدو العلاقة بين الإقتصاد والثقافة في إطار حركة العناصر الثلاثة الآتية، وتفاعلها الإنسان، واضحة ومهمة : الانسان وجوهره الفكر الذي هو نتاج خلقه، والثقافة، وهي وجود الإنسان الذي تمثل تراكماته المعرفية والأخلاقية، والحرية التي هي الجسر بين الإنسان والثقافة، وكذلك في ضوء هذه العلاقة تبرز أحد أهم قوى الاقتصاد، ألا وهو الإنتاج الذي هو قدرة الإنسان على تحويل الطبيعة إلى منفعة. ذلك أن تاريخ الحضارات يعني التقدم بتراكم القدرة على الهيمنة على البيئة، وتسخير مواردها من أجل تحقيق إنجاز مادي، نقطة انطلاق وقاعدة للبناء الحضاري. وهنا يبرز الإنتاج محورا مركزيا للتقدم و البناء الحضاري
يخبرنا علم الإقتصاد أن للإنتاج مستلزمات تكمن فيها خصوصياته في أن : 1- . توفر عناصره. يأتي محدودا قياسا بالحاجة إليها، سواء أكان مصدر هذه المحدودية هو الندرة أم سوء نمط التوزيع في الدخول والثروات 2- الحصول على هذه العناصر يتطلب بذل مجهود، وهي صفة ملازمة للسلع الاقتصادية. 3- بذل المجهود يفرض أن يكون لكل عنصر ثمن يستحقه وهو المردود. 4- لكل عنصر إمكانيات بديلة ومتعددة. 5- تعدد هذه الاستخدامات في الإنتاج يعني أن قرار استخدام عنصر في مجال إنتاجي معين يمنع إمكان استخدامه في مجال منافس في ذات المرحلة الإنتاجية.
إن هذا يفرض علينا سؤالا مهما، ألا وهو. هل للزمن تأثير في هذه الفعالية (الإنتاج)؟
يجيب الدكتور البستاني بقوله : (من حيث الجوهر، لكون الإنتاج يشكل عملية تجميع عناصره من أجل خلق منفعة، فهو بالضرورة يحتاج إلى فترة زمنية لإتمامها طال أمدها أم قصر، وإنه في نطاق العملية الزمنية تتحد مشاركة كل عنصر من عناصر الإنتاج فيها من حيث طبيعته ونسبته، وهي طبيعة السلعة أو الخدمة المنتجة. والأثمان النسبية لعناصر الإنتاج، أي كلفتها، ثم درجة التقدم العلمي). ص22
ما الذي ينتج عن العلاقة بين الزمن والإنتاج؟
تنبعث من هذه العلاقة صيغتان: الأولى إن إيجابية مشاركة أي عنصر من عناصر الإنتاج قد تتحول إلى حالة سلبية، إذا حصل اختلال في توازنها، مما يخلق تناقضا في اقتصادية استخدامه بما يحمله الحصول عليه من مجهود، وما يحكمه من ثمن. زيادة على ذلك، فإن المصدر الذي يتضمنه هذا الاختلال، لا يعبر في سلبية تأثيره على فاعلية أو إنتاجية عنصر معين، بل يتعداه إلى بقية العناصر المشاركة في العملية الإنتاجية. الثانية : تميز عنصر الزمن في نوعية المشاركة مقارنة بكل العناصر الأخرى الداخلة في عمليته. فخلافا لتوفر إمكان تعويض بقية العناصر أو استبدالها بدرجات متفاوتة، فإن العنصر الزمني يرفض الاستبدال، وبالتالي فإن ضياعه لا رجعة فيه. وبهذا المعنى يشكل الزمن عنصرا إنتاجيا شموليا في تغطيته، ومانعا في إمكان تعويضه. وضياعه يعني غياب فرصة نهائية فيه.
ويواصل الدكتور البستاني في تفسير الزمن وأثره في البناء الاقتصادي خاصة، والحضاري عامة، فيوضح أثر الزمن في الأحداث الاجتماعية عبر مفهوم الانقلاب والثورة، بوصفهما أكثر الأحداث تأثيرا في حركة التاريخ.
يعتمد البستاني معيار الزمن في التفرقة بين المفهومين، فالمدى الزمني الذي يستغرقه الإعداد للثورة لا يقتصر على عمل القائمين بها من حيث التهيئة لها بوصفها حدثاً تنظيمياً وتخطيطياً، بل يتعداه إلى إطار أكثر شمولية يتضمن العوامل الاجتماعية التي تفاعلت في خلقها. وأهمها الاقتصاد، في حين يشكل الانقلاب لحظة توقف زمنية سرعان ما يستأنف المجتمع مسيرته بتغيرات سطحية لا تمس جوهر العلاقات الاجتماعية والاقتصادية السائدة. وبغية الارتقاء بفاعلية الثقافة في الإقتصاد، يؤكد البستان على مفهوم ثقافة التنمية، فهي عنده امتداد لكلية ثقافتها الحضارية. بما فيها مسارها التنموي، ومع هذا فلها خصوصيتها التي تتمثل في الأبعاد الآتية:
1- إن مرجعيتها تأتي قابلة للتحديد، فهي ثقافة هادفة من حيث التوجه المضمون.
2-هذه القابلية تفتح إمكانيات كبيرة في برمجة حركتها، والتي يمكن إعطاؤها بعدا كميا.
3- هي ثقافة سلوكية المقصد، أي إنها تتوجه إلى ترويج مسار سلوكي يخدم توجهها الهادف. إن مرجعية ثقافة التنمية تتجسد في الغالب في الرؤى أو الأجندات الاقتصادية والاجتماعية المعلنة لمسيرة المجتمع المستقبلية، وهي متكاملة كذلك مع الخطط التنموية المعتمدة، أما برمجة الثقافة التنمية، فتأتي ممارسة ضرورية لضمان تناغم حركتها مع البيئة الكلية للتنمية المتضمنة للأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، هذا التناغم بدوره يفرض المشاركة الفعلية بين شرائح المجتمع، ويوجهها في مسار رؤاها.
مصادر الدراسة
1-فكرة الثقافة - تيري ايجلتون -ترجمة شوقي جلال - المجلس الاعلى للثقافة - مصر - 2005
2-ديناميكية التفاعل الاقتصادي الثقافي - د. باسل البستاني -ط! - دار مجلاوي عمان -الاردن 2011-2012



#جاسم_الفارس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسان والتاريخ في (حارس المنارة). رواية الأديب فخري أمين
- عن التنوير والتنويرين
- وقفةعلى عتبات الظما للشاعر ماجد الحسيني
- نشوة التحول الحضاري - قراءة في فلسفة داريوش شايغان
- العراق الذي نستحقه
- النهضة والثقافة والتاريخ -قراءة في مشروع مالك بن نبي الحضاري
- قراءة في كتاب (جدلية نهج التنمية البشرية المستدامة ..منابع ا ...


المزيد.....




- سلطنة عمان تستضيف الدورة الـ15 لمهرجان المسرح العربي
- “لولو بتعيط الحرامي سرقها” .. تردد قناة وناسة الجديد لمشاهدة ...
- معرض -بث حي-.. لوحات فنية تجسد -كل أنواع الموت- في حرب إسرائ ...
- فرقة بريطانية تجعل المسرح منبرا للاجئين يتيح لهم التعبير عن ...
- أول حكم على ترامب في قضية -الممثلة الإباحية-
- الموت يفجع بطل الفنون القتالية المختلطة فرانسيس نغانو
- وينك يا لولو! تردد قناة وناسة أطفال الجديد 2024 لمشاهدة لولو ...
- فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن ...
- مغن كندي يتبرع بـ18 مليون رغيف لسكان غزة
- الغاوون ,قصيدة عامية بعنوان (العقدالمفروط) بقلم أخميس بوادى. ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم الفارس - التكامل بين الثقافة والاقتصاد ضرورة حضارية