أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جاسم الفارس - الاقتصاد الإسلامي: حينما تلتقي القيم بالمعرفة في بناء العدالة الإنسانية















المزيد.....

الاقتصاد الإسلامي: حينما تلتقي القيم بالمعرفة في بناء العدالة الإنسانية


جاسم الفارس

الحوار المتمدن-العدد: 8551 - 2025 / 12 / 9 - 02:55
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


كتبت الباحثة سارة هشام مقالا عن كتابي فاعلية العقل الاقتصادي الاسلامي - مقاربة وتاصيل فاحببت مشاركته ليطلع عليه القراء الكرام
أ. سارة هشام حسان
كلية الدراسات العليا الافريقية – جامعة القاهرة

في زمن تتزايد فيه الدعوات لمراجعة النماذج الاقتصادية السائدة، يبرز الدكتور جاسم الفارس صوتاً فكرياً عميقاً، يقدم في كتبه مثل "في الاقتصاد الإسلامي" و"فاعلية العقل الاقتصادي الإسلامي" رؤية متجددة تعيد الاعتبار للقيم الإنسانية والمعرفية في التحليل الاقتصادي. هذا الفكر ليس مجرد نظرية، بل دعوة حانية للعودة إلى جذورنا الحضارية، حيث يصبح الاقتصاد جسرًا يربط بين الروح والمادة، يبني مجتمعات تعج بالعدل والرحمة. ينطلق الدكتور الفارس من نقد جذري للاقتصاد الوضعي، معتبرًا أنه "أخفقت الاقتصاديات الوضعية في تحقيق الخير المنشود، لأنها حصرت الأهداف في الجوانب المادية مثل القضاء على الفقر، وتلبية الحاجات المادية الأخرى"، مما أدى إلى تفاقم التفاوتات الاجتماعية والأزمات الأخلاقية. لكن هذا النقد ليس قاسيًا، بل هو دعوة لطيفة للعودة إلى جذورنا الإنسانية، حيث يصبح الاقتصاد أداة لبناء جسور التكافل بين البشر، مستلهمًا من التراث الإسلامي الذي يجعل الإنسان محور الكون.

من الأخطاء الكبيرة الشائعة في دراسة الفكر الاقتصادي هو بقاء البحث يبدأ من تصورات أفلاطون وأرسطو في العصور القديمة، ثم يقفز مباشرة إلى القرن الثامن عشر، متجاهلاً الجهود العلمية والأخلاقية في القرون الوسطى، بدعوى أنها "عصور جهل وظلام". هنا يتألق فكر الدكتور جاسم الفارس في كشف هذا الاستلاب الفكري، إذ يؤكد على أن علماء النهضة الأوروبية أنكروا أسلافهم من المفكرين في العصر الوسيط، مصرين على ارتباطهم باليونان والرومان، معتبرين العلم "محض ظاهرة أوروبية". غير أن التفاتنا اليوم إلى أهمية التدقيق في تاريخ العلوم، والبحث عن نشأتها في مختلف الحضارات، يجعلنا نعيد النظر في تلك المواقف المزدرية. يبرز الفارس دور الحضارة الإسلامية كعصر ذهبي لتكوين الروح العلمية، حيث أنبتت الأخلاق الإسلامية نظريات عميقة حول التعامل الاقتصادي والمشكلات الاجتماعية. يصف جورج سارتون المسلمين في زمن ازدهار الدولة الإسلامية – من منتصف القرن الثامن إلى نهاية الحادي عشر – بأنهم "عباقرة الشرق في القرون الوسطى، قدموا للحضارة الإنسانية مآثر عظمى"، في كتابات أصيلة بالعربية، التي كانت لغة العلم العالمية. هذا التراث، الذي أقام المسلمون حضارات تمتد من شواطئ بحر العرب إلى الأندلس، يحمل رسالة إنسانية متجددة، كما يؤكد الفارس، تجعل الاقتصاد ليس أداة هيمنة، بل وسيلة للتقدم الإنساني، محاربًا التخلف والتبعية.

بعيدًا عن الطرح التقليدي الذي يقصر الاقتصاد الإسلامي على مسائل "الربا" و"الزكاة"، ينطلق الفارس من نقطة جوهرية: أن الاقتصاد الإسلامي هو مشروع حضاري قائم على المعرفة، يرسم معالمه من تصورات الإسلام للإنسان والكون والحياة. هنا، يؤكد على أهمية إعادة قراءة التراث الإسلامي، حيث يقول في سياق نقاشه للأبعاد الحضارية: "ولأن الاقتصاد يعد بحق تكثيفًا للحضارة، فإن تحديد أصوله ينبغي أن يكون استنادًا إلى القرآن الكريم والسنة الصحيحة دون اغفال العطاء الفكري لعلماء الاقتصاد المسلمين، من أجل أن يكون بحق اقتصادًا إسلاميًا يساهم بدور فاعل وكفوء وكبير في تصحيح مسار الحضارة الإنسانية المعاصرة". هذه الكلمات تذكرنا بأن الاقتصاد ليس مجرد أرقام باردة، بل تعبير عن تراحمنا تجاه بعضنا البعض، يساعد في خلق عالم أكثر سلامًا وتوازنًا، مستلهمًا من الرسالة الإسلامية التي لا تقتصر على العبادات، بل تدعو إلى حماية المجتمع، الدفاع عن استقلاله، وصيانة كرامة الإنسان، محاربة الاستعمار والنهب، نحو عدل ومساواة حقيقيين.

**منهج معرفي وليس فقط معاملات**

يرى الفارس أن الاقتصادات الوضعية فصلت بين "القيمة" و"الأداء الاقتصادي"، مما أدى إلى تشوهات أخلاقية ومجتمعية، في حين أن الاقتصاد الإسلامي يؤسس على *العدل والتوازن والتكافل* ليس بوصفها قيماً مؤطرة للسلوك الاقتصادي فحسب، بل في بناء نموذج معرفي بديل، يتعامل مع *المال أداةً لخدمة الإنسان*، لا العكس. وفي هذا السياق، يبرز دور العقل الاقتصادي الإسلامي كأداة فاعلة، حيث يؤكد في كتابه "فاعلية العقل الاقتصادي الإسلامي" على ضرورة تطوير منهجيات إسلامية أصيلة لمواجهة الاستلاب الفكري، مشددًا على أن "علم الكلام يحمل في طياته أبعادًا اجتماعية واقتصادية عملية تتجاوز كونه علمًا عقائديًا نظريًا". هذا المنهج يدعونا بلطف إلى النظر في كيفية جعل اقتصادنا يعكس قيمنا الإنسانية، مثل مساعدة الضعفاء وتعزيز الروابط الأسرية والمجتمعية، مستمدًا من نظام إسلامي شامل يعالج جميع شؤون الحياة، نحو خير وعدل يشمل الجميع.

**الاقتصاد والمعرفة: علاقة عضوية عميقة**

يُؤكد الدكتور جاسم على أن *الاقتصاد لا يمكن فصله عن منظومة المعرفة الإسلامية*، وأن أي نموذج اقتصادي منبثق عن الإسلام يجب أن يُقرأ في ضوء مقاصد الشريعة، والتصور الإسلامي للوجود. هنا، يقدم رؤية تكاملية، حيث يقول: "إن الاقتصاد قوة بناء، وقوة هدم كذلك، والإنسان هو الذي يحدد ذلك حين يحسن استخدامه أو يسيء الاستخدام؛ فعلى الصعيد الدولي، تحول الاقتصاد بأيدي الرأسمالية إلى أداة للهيمنة". ويضيف في سياق نقاشه للبعد المعرفي: "يقوم الاقتصاد الإسلامي على مبادئ عامة أساسية تمثل أركانه وخطوطه العريضة التي تميزه عن باقي المذاهب الاقتصادية الأخرى"، مما يجعله اقتصادًا قيميًا يركز على الكينونة الإنسانية. في تطبيق هذه الرؤية، يركز الفارس على مقولات اقتصادية رئيسية مثل الملكية، السعر، والدولة، مستلهمًا من متكلمين مثل القاضي عبد الجبار، ليثبت أن الاقتصاد الإسلامي يتجاوز النظرية إلى العملي، قائمًا على التوحيد كأساس للعدل الاجتماعي. وفي ظل الأزمات العالمية الحالية، مثل الانهيار البيئي والتفاوت الاجتماعي، يصبح هذا النموذج بديلاً حقيقيًا يجمع بين الروحانية والعقلانية، يشجع على معاملة الآخرين برفق وإنصاف، مستلهمًا من الرسالة الإسلامية التي تحمي الثروات وتحارب الشعور بالنقص تجاه الدول المتقدمة.

لنتخيل معًا كيف يمكن لهذا الاقتصاد أن يغير حياتنا اليومية: في مجتمع يعتمد على التكافل، يصبح الغني سندًا للفقير، والتاجر ملتزمًا بالشفافية، والدولة حارسة للعدل. هذا ليس حلمًا بعيدًا، بل واقعًا يمكن تحقيقه إذا استلهمنا فكر الفارس، الذي يذكرنا بأن الاقتصاد الحقيقي هو ذلك الذي يبني الإنسان، لا يستغله، مستمدًا من حضارة إسلامية أثرت العالم بمآثرها العظمى.

في الختام، يمثل فكر الدكتور جاسم الفارس دعوة للعلماء والمفكرين – ولكل منا – لإعادة بناء المنظومة الاقتصادية الإسلامية مشروعاً حضارياً متكاملاً. إنه ليس مجرد نقد، بل خطة عملية لتحقيق العدالة، مستمدة من جذورنا الإسلامية الأصيلة، مع لمسة إنسانية تجعلنا نشعر بالأمل والفخر بتراثنا. لمن يرغب في التعمق، يُنصح بقراءة كتبه كاملة – مثل "الاقتصاد الإسلامي في إطار نظرية المعرفة الإسلامية" و"دراسات في الاقتصاد الإسلامي" – لاستكشاف تفاصيلها الغنية، وتذكر: كل خطوة نحو العدل هي خطوة نحو عالم أجمل لنا جميعًا. شكرًا للدكتور الفارس على هذا الإرث الذي يلهمنا يوميًا، ويذكرنا بأن عظمة الفكر الإسلامي تكمن في خدمته للإنسانية.



#جاسم_الفارس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجليات العشق والجمال
- قراءة في كتاب (شرخ في اللغة)
- تجليات الجمال في كتاب طارق الشبلي ( أوشام)
- فلسفة الحداثة عند الإمام أبي حامد الغزالي (مشروع حضاري)
- شعرية الظبية وغزالات الحب في نصوص نجمان ياسين الشعرية
- أحفاد معطف غوغول بين اللون والفلسفة قراءة في رواية (احفاد مع ...
- رائحة الشاي الساخنة.. قراءة في نصوص رحمة يوسف
- يسرى الحسيني ..سيرة شعرية
- قراءة اولية في فكر علي محمد اليوسف الفلسفي
- الحرية والامل في نصوص فلونا عبد الوهاب ( عمى مؤقت)
- الامل والحرية في (عمى مؤقت) للأديبة فلونا عبد الوهاب.
- تحولات ( فالح الخضير) في ازمنة الحرب. قراءة في رواية (السير ...
- قراءة في ادب محمد سامي عبد الكريم -رؤية في الخصائص العامة
- التكامل بين الثقافة والاقتصاد ضرورة حضارية
- الإنسان والتاريخ في (حارس المنارة). رواية الأديب فخري أمين
- عن التنوير والتنويرين
- وقفةعلى عتبات الظما للشاعر ماجد الحسيني
- نشوة التحول الحضاري - قراءة في فلسفة داريوش شايغان
- العراق الذي نستحقه
- النهضة والثقافة والتاريخ -قراءة في مشروع مالك بن نبي الحضاري


المزيد.....




- الذهب يرتفع مع ترقب السوق لقرار الفيدرالي بشأن الفائدة
- تداعيات سيطرة قوات الدعم السريع على حقل هجليج النفطي على اقت ...
- الفدرالي الأميركي تحت الأضواء والذكاء الاصطناعي يصنع الحدث
- جيش الإحتلال: إيران عادت لإنتاج صواريخ باليستية بوتيرة عالية ...
- كأس العرب: تونس خارج المنافسة وعين على كأس أفريقيا .. صلاح ي ...
- اليوان تحت المجهر.. هل تتمكن الصين من حماية تفوقها التجاري؟ ...
- ترامب يعلن مساعدات بقيمة 12 مليار دولار للقطاع الزراعي
- الإمارات تعدل بعض أحكام قانون الشركات التجارية
- لقاء حواري لسلطة النقد... توصيات باعتماد فترة انتقالية تدري ...
- الاقتصاد العالمي: تباينات بين الشمال والجنوب في الأداء الاقت ...


المزيد.....

- الاقتصاد السوري: من احتكار الدولة إلى احتكار النخب تحولات هي ... / سالان مصطفى
- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جاسم الفارس - الاقتصاد الإسلامي: حينما تلتقي القيم بالمعرفة في بناء العدالة الإنسانية