ميساء شهاب
كاتبة
(Maysaa Shehab)
الحوار المتمدن-العدد: 8553 - 2025 / 12 / 11 - 12:27
المحور:
المجتمع المدني
كانت المساحات الممتدة أمامنا أقرب إلى الفراغ منها إلى الأرض. لا هَبوب ولا دَبُوب، سوى أثر جملٍ مات منذ زمن، وأشواكٍ يابسة، وتشققاتٍ عميقة في أرضٍ عطشى منذ عقود. بدا المشهد أشبه بالربع الخالي بلا كثبان، أو صحراء نيفادا وقد هجرها الضوء. حتى الباص الذي يقلّنا كان يتحرك ببطء يشبه حركة قافلة تخشى الضياع.
في تلك اللحظة، تسلّل الرعب إلى الجميع. سألت صديقتي أمل:
«أهذا في سورية؟»
ضحكت، وبشيء من السخرية السياسية أجابت:
«فكرتِ حالك بالسعودية؟».
كان تعليقها بسيطًا لكنه كشف حقيقة مُرّة: أجزاء واسعة من سورية تحوّلت فعلاً إلى صحراء ثانية، إلى فراغٍ منسيّ لا تراه الدولة ولا تملك القدرة على خدمته أو استعادته. أدركتُ حينها لماذا هجر أهالي الجزيرة الشمالية مدنهم وقراهم، ولماذا تدفّقوا إلى دمشق وريفها: ليس بحثًا عن الرفاه، بل هربًا من الإهمال والجفاف وانعدام البنية التحتية، هربًا من مناطق تُركت لمصيرها.
الهجرة الداخلية لم تكن خيارًا طوعيًا، بل نتيجة سياسات عقود: مركزية خانقة، تنمية انتقائية، ومناطق كاملة أُخرجت من حسابات الدولة إلا عندما تحتاجها كورقة سياسية أو خزان بشري. وهكذا تحوّلت العاصمة إلى نقطة استقطاب قسرية تحتضن طوفانًا من النازحين داخل وطنهم.
ذلك المشهد الصحراوي لم يكن منظرًا طبيعيًا؛ كان شهادة سياسية
على دولة فقدت توازنها الريفي–المديني،
وتركَت أطرافها تجفّ… حتى جفّ أهلها منها.
#ميساء_شهاب (هاشتاغ)
Maysaa_Shehab#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟