أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راقي نجم الدين - ماكنتوش كواليتي ستريت: الحلوى التي اجتمعت فيها الذكرى والتصميم














المزيد.....

ماكنتوش كواليتي ستريت: الحلوى التي اجتمعت فيها الذكرى والتصميم


راقي نجم الدين
(Raqee S. Najmuldeen)


الحوار المتمدن-العدد: 8549 - 2025 / 12 / 7 - 01:01
المحور: الادب والفن
    


منذ أن أبصرت النور عام 1936، لم تكن كواليتي ستريت مجرد مجموعة من الحلوى الملفوفة بألوان زاهية، بل مشروعاً تصميمياً متكاملاً تقف خلفه رؤية جرافيكية واعية اسهمت في بناء هوية بصرية خالدة، جعلت منها علامة متجذرة في الذاكرة الجماعية حول العالم. لقد أدرك هارولد ماكنتوش، المؤسس، أن التصميم ليس مجرد غلاف للحلوى، بل هو الجسر الذي يعبر من خلاله المنتج إلى وجدان المستهلك. لذلك، فإن نجاح كواليتي ستريت لم يكن ليحدث لولا تدخل المصمم الجرافيكي الذي ترجم القيم الرمزية والوجدانية إلى عناصر بصرية ملموسة.
لقد شكل التغليف عنصراً ثورياً في تجربة كواليتي ستريت، حيث تم استبدال الصناديق الكرتونية التقليدية بعلب معدنية أنيقة تفيض بالألوان وتبعث في النفس الإحساس بالاحتفاء. لم يكن هذا القرار مجرد خيار تعبوي، بل خطوة تصميمية واعية لتحقيق تجربة حسية متكاملة. فعندما تُفتح العلبة، تنطلق عبير الشوكولاتة لحظة الفتح، وهي لحظة مصممة بعناية تتيح للحواس أن تسبق التذوق، وتؤسس لطقس شعوري يبدأ من الرائحة ويتعزز بالألوان والملمس. هنا يبرز دور التصميم الجرافيكي في بناء هذه "الخبرة الحسية" الشاملة، التي لا تقتصر على المذاق فحسب، بل تبدأ من لحظة رؤية العلبة ولمس سطحها اللامع، إلى عملية فتحها ومشاهدة التناغم البصري بين الورق الملون والحلوى. هذه الفكرة – أن التصميم يشارك في بناء المتعة ويوجه الحواس – تُجسد جوهر العمل الجرافيكي الناجح، حيث يصبح الشكل حاملاً للمعنى، والتغليف وسيطاً للذاكرة، والتجربة الحسية أداة اتصال بصرية وعاطفية في آنٍ واحد.
شخصيتا "الآنسة سويتلي" و"الميجور كواليتي" اللتان زينتا عبوات كواليتي ستريت لعقود، لم تكونا مجرد شخصيتين تسويقيتين، بل رمزاً لهوية العلامة. تم ابتكارهما برؤية فنية استندت إلى تصميم كلاسيكي مستوحى من حقبة الريجنسي، وقد نفذهما الفنان هارولد أوكس بأسلوب يعكس ثنائية النقاء والهيبة. المصمم هنا لم يبتكر صورة فحسب، بل زرع سردية داخلية في وعي المستهلك، ربطت بين الحلوى وبين قصة أدبية رومانسية مستوحاة من مسرحية لج.م. باري، ما أضفى على المنتج قيمة ثقافية فوق قيمته الغذائية.
لم يقف دور التصميم الجرافيكي عند حدود التغليف والشخصيات، بل امتد إلى الحملات الإعلانية التي حافظت على التناسق البصري واللغوي عبر العقود. بدءاً من أول إعلان تلفزيوني في 1958، إلى حملات الثمانينات التي ركزت على "الأصناف المفضلة"، لعب المصمم الجرافيكي دوراً محورياً في نقل الرسالة العاطفية للعلامة، وفي خلق رابط وجداني بين المستهلك والمنتج. التصميم لم يكن ديكوراً دعائياً، بل لغة تواصل تشبه الشعر، تتحدث إلى الحواس بعمق وجمالية.
مع تطور الزمن، ظل التصميم في كواليتي ستريت مرناً ومواكباً، دون أن يفقد ملامحه الأصيلة. فتمت إزالة الشرائط والزينة الكلاسيكية مع مطلع الألفية الجديدة، واستبدلت بعرض واضح للحلوى، مع الحفاظ على الألوان المشعة والتكوينات المتوازنة التي تعكس البهجة والمشاركة. وفي العقد الأخير، أطلق المصممون عبوات التوب البلاستيكية، وعلباً لهواة الجمع بتصاميم معاصرة وألوان جديدة، ومنها حلوى الشوكولاتة البيضاء، ليبرهنوا على أن التصميم الجرافيكي ليس حارساً على الشكل، بل قوة تجديد قادرة على خلق المفاجأة.
في كل مرة يفتح فيها علبة كواليتي ستريت، يشاركنا المصمم الجرافيكي مشهداً صغيراً من مسرح الحياة، حيث الألوان والرموز تروي قصة عابرة للزمن. ليس من المبالغة القول إن هذا المنتج ما كان ليخلد في الذاكرة لولا التصميم، الذي لم يصمم له فحسب، بل صممه معه الزمن، بالتعاون مع الذوق الجمعي والثقافة البصرية العالمية. فكواليتي ستريت ليست فقط قصة نجاح في صناعة الحلوى، بل درس بصري حي في كيف يصنع التصميم الجرافيكي قيمة مضافة، ويتحول من عنصر تجميلي إلى صانع ذاكرة.



#راقي_نجم_الدين (هاشتاغ)       Raqee_S._Najmuldeen#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- توم وجيري حين تصبح العداوة لعبة والخصومة حاجة
- لماذا يبقى التصميم خارج إطار النقد التشكيلي؟
- الألقاب الأكاديمية بين الزينة والجوهر
- سياحة المؤتمرات: وهمٌ أكاديمي أم فرصة للظهور؟
- بلاغة الاختصار
- سباق الضفادع: عندما يصبح الجشع رياضة وطنية
- التطور المفاهيمي لتعليم التصميم
- أصداء الابتكار: صراع وجهات النظر
- التسلسل الهرمي للمهن: تأملات في شذوذ الإدراك البشري
- دور ركوب الدراجات في الاقتصاد والبيئة ونظريات المؤامرة وسط ا ...
- فضح النفاق: سيكولوجية انتقاد الآخرين وتجاهل عيوبنا
- إعلانات التوظيف الأكاديمي: هل تفتقر الجامعات العربية إلى الش ...
- سباق التسلح الأكاديمي: مستوعب سكوباس وتصنيف الجامعات
- التصميم الجرافيكي ليس اتصالاً بصرياً
- سحر المؤثرات البصرية
- البلاغة البصرية والتصميم الجرافيكي
- صُنع في التصميم: تبادل الادوار بين الوظيفية والجمالية
- نتائج البحوث في حياتنا
- غلاف الكتاب يتحدث
- الجمال والوظيفة: تحليل مؤسسي


المزيد.....




- الأونروا تطالب بترجمة التأييد الدولي والسياسي لها إلى دعم حق ...
- أفراد من عائلة أم كلثوم يشيدون بفيلم -الست- بعد عرض خاص بمصر ...
- شاهد.. ماذا يعني استحواذ نتفليكس على وارنر بروذرز أحد أشهر ا ...
- حين كانت طرابلس الفيحاء هواءَ القاهرة
- زيد ديراني: رحلة فنان بين الفن والشهرة والذات
- نتفليكس تستحوذ على أعمال -وارنر براذرز- السينمائية ومنصات ال ...
- لورنس فيشبورن وحديث في مراكش عن روح السينما و-ماتريكس-
- انطلاق مهرجان البحر الأحمر السينمائي تحت شعار -في حب السينما ...
- رواية -مقعد أخير في الحافلة- لأسامة زيد: هشاشة الإنسان أمام ...
- الخناجر الفضية في عُمان.. هوية السلطنة الثقافية


المزيد.....

- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راقي نجم الدين - ماكنتوش كواليتي ستريت: الحلوى التي اجتمعت فيها الذكرى والتصميم