أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راقي نجم الدين - توم وجيري حين تصبح العداوة لعبة والخصومة حاجة














المزيد.....

توم وجيري حين تصبح العداوة لعبة والخصومة حاجة


راقي نجم الدين
(Raqee S. Najmuldeen)


الحوار المتمدن-العدد: 8390 - 2025 / 7 / 1 - 20:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هل توم وجيري فعلاً خصمين لدودين؟ الظاهر يحملنا على تصديق ذلك دون تردد. فمنذ اللحظة الأولى التي يظهر فيها القط توم وهو يطارد الفأر جيري، لا نرى سوى سلسلة لا تنتهي من الكر والفر، والمطاردات، والفخاخ، والانفجارات، والأذى المتبادل. كل شي في هذا العالم المرسوم يدل على عداء كامل بلا رحمة. ولكن، ما إن نمعن النظر في العلاقة بين هذين الكائنين الكرتونيين، يبدأ الشك يدخل إلى يقيننا. هل هما حقاً أعداء؟ أم أن ما يجمعهما أعمق من الصراع الظاهري، وأكثر تعقيداً من مجرد مطاردة بين مفترس وفريسة؟
في عام 1940 قدم وليام هانا وجوزيف باربيرا شخصيتي توم وجيري للجمهور، ومنذ ذلك الوقت صارت مغامراتهما علامة مميزة في مخيلة ملايين الناس حول العالم. ورغم انقضاء أكثر من ثمانين سنة، لا ينطفئ بريقهما، بل يزداد لمعاناً كلما أُعيد عرض حلقة أو أُنتجت نسخة جديدة بسحر عصري. الغريب في الأمر هو أن الثنائي، مع كل المشاهد الكوميدية والصراخ والركض، لم يتكلما بكلمة لسنوات، وكأن حركات أجسامهما كافية لتشرح كل المشاعر: غضب، شماتة، انبهار، وفي بعض اللحظات حتى حزن أو حنان.
ما يثير الفضول حقاً هو تلك اللحظات العابرة التي ينقلب فيها ميزان العلاقة. نرى توم ينقذ جيري من خطر داهم، أو نرى جيري يبكي حين يظن أن توم قد مات، أو يتعاون الاثنان ضد خصم مشترك. هذه اللحظات ليست كثيرة، لكنها تحدث. ومجرد حدوثها كافٍ ليهز ثقتنا في فرضية العداء المطلق. يبدو أن هناك نوعاً من الاتفاق غير المعلن بين الطرفين، اتفاق يجعل من العداء لعبة، ومن الصراع طقساً مشتركاً، لا وسيلة للإبادة، بل وسيلة للوجود معاً.
هناك من يعتقد أن توم ليس عدواً حقيقياً، بل مجرد قط يُرغم على مطاردة جيري كي يُرضي سيدته، ويضمن بقاءه في المنزل، تلك المرأة التي لم يظهر وجهها قط، وظل حضورها مقتصراً على صراخها وخطواتها وتهديداتها، دون أن نعرف ملامحها يوماً. ولأن توم لا يريد إيذاء جيري فعلاً، نجده في معظم الأحيان يفشل بطريقة كاريكاتيرية تثير الضحك والشفقة في آن. أما جيري، ذلك الفأر الصغير الذي يظهر ظريفاً وذكياً، فلا يتورع عن افتعال المعارك أيضاً، وكأن وجود توم وحده هو ما يعطي حياته طعماً، وتزداد اللعبة حيوية. كأنهما، ببساطة، لا يستطيعان العيش دون بعضهما. تراهما يركضان، يتشاجران، ثم يقع أحدهما في فخ الآخر بكل سذاجة بطولية، ثم يعود كل شيء كما كان، بلا ثأر، بلا نهاية، وكأن الحلقة دائرية لا تنكسر.
هذا النمط من العلاقة هو ما يُعرف في أدبيات السوسيولوجيا والثقافة بـ"العدو الضروري" أو "الفَرِنْمي" – أي الصديق العدو. هما ثنائية تبدو متعارضة لكنها في العمق متكاملة. غياب أحدهما يشبه نفاد قطعة من لعبة البازل. ولهذا، حتى أشد لحظات العنف بينهما تحمل بُعداً هزلياً لا يصل إلى التدمير الحقيقي. فلو كان أحدهما عدواً حقيقياً، لما استمرت العلاقة 85 عاماً في الذاكرة الجماعية بهذا القدر من البهجة.
ما يجعل توم وجيري أكثر من مجرد شخصيتين في مسلسل كرتوني هو أنهما يقدمان نموذجاً رمزياً لعلاقاتنا البشرية المعقدة. فنحن أحياناً نتخاصم مع من نحب، ونشاكس من نرتاح إليه، ونجد متعة في المناوشات اليومية التي تخفي في جوهرها نوعاً من التواطؤ العاطفي. كثيراً ما تكون العداوة الظاهرة قناعاً يغطي تعلقاً داخلياً، ورغبة دفينة في البقاء مع الآخر، حتى لو على هيئة خصم.
توم وجيري ليسا عدوين لدودين، بل هما شركاء في رقصة لا تنتهي، تؤدى على إيقاع المطاردة، في عالمٍ لا يخضع لقوانين الواقع، بل يتغذى على خيال لا يعرف السكون. عداوتهما مجرد مسرحية عبثية يؤديانها بحرفية، وكل مشهد جديد ليس إلا فصلاً آخر من علاقة غير قابلة للتصنيف. وربما لهذا السبب بالذات، ما زلنا نتابعها حتى اليوم، ونضحك، ترى، من نكون نحن في حكايات الآخرين - توم أم جيري؟

إلى هنا تنتهي هذه القراءة، ولعلها أثارت فيكم السؤال كما أثارته فينا.



#راقي_نجم_الدين (هاشتاغ)       Raqee_S._Najmuldeen#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا يبقى التصميم خارج إطار النقد التشكيلي؟
- الألقاب الأكاديمية بين الزينة والجوهر
- سياحة المؤتمرات: وهمٌ أكاديمي أم فرصة للظهور؟
- بلاغة الاختصار
- سباق الضفادع: عندما يصبح الجشع رياضة وطنية
- التطور المفاهيمي لتعليم التصميم
- أصداء الابتكار: صراع وجهات النظر
- التسلسل الهرمي للمهن: تأملات في شذوذ الإدراك البشري
- دور ركوب الدراجات في الاقتصاد والبيئة ونظريات المؤامرة وسط ا ...
- فضح النفاق: سيكولوجية انتقاد الآخرين وتجاهل عيوبنا
- إعلانات التوظيف الأكاديمي: هل تفتقر الجامعات العربية إلى الش ...
- سباق التسلح الأكاديمي: مستوعب سكوباس وتصنيف الجامعات
- التصميم الجرافيكي ليس اتصالاً بصرياً
- سحر المؤثرات البصرية
- البلاغة البصرية والتصميم الجرافيكي
- صُنع في التصميم: تبادل الادوار بين الوظيفية والجمالية
- نتائج البحوث في حياتنا
- غلاف الكتاب يتحدث
- الجمال والوظيفة: تحليل مؤسسي
- النقد التصميمي وتدريسه


المزيد.....




- أمريكا: هبوط اضطراري لطائرة بملعب غولف.. ومصادرة كوكايين بقي ...
- سوريا.. عشائر الجنوب تعلق على بيان الرئيس أحمد الشرع
- سوريا.. أحمد الشرع يعلق على أفعال بعض الدروز في السويداء وال ...
- سوريا: الرئاسة تعلن وقف إطلاق نار -فوري- في السويداء وتدعو ك ...
- الشرع: سوريا ليست ميدانا لمشاريع الانفصال
- فريدريش ميرتس ..لماذا يشكر إسرائيل على قيامها بـ-أعمال قذرة- ...
- الاحتلال يوسع اقتحاماته بالضفة ويجبر فلسطينيين على هدم منازل ...
- لماذا لا تُصنّع هواتف -آيفون- في أميركا؟
- قوات العشائر السورية تدخل عددا من البلدات في محافظة السويداء ...
- القنبلة التي قد تعيد تفجير الصراع بإقليم تيغراي الإثيوبي


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راقي نجم الدين - توم وجيري حين تصبح العداوة لعبة والخصومة حاجة