أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - راقي نجم الدين - سباق الضفادع: عندما يصبح الجشع رياضة وطنية














المزيد.....

سباق الضفادع: عندما يصبح الجشع رياضة وطنية


راقي نجم الدين
(Raqee S. Najmuldeen)


الحوار المتمدن-العدد: 8141 - 2024 / 10 / 25 - 13:23
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في عالم تتباين فيه الفرص والامتيازات، حيث تتداخل أحلام الناس مع واقعهم، نجد أن البعض لا يكتفي بما لديه، حتى وإن كان ما يملكه يحقق له السعادة والراحة. الجشع، الذي يتغلغل في كل جوانب الحياة، يدفع الأفراد للسعي المستمر نحو المزيد، دون التفكير في حدود أو قيم. وكأننا أمام مشهد يمثل "جشع الضفادع"، تلك المخلوقات التي تُعرف بأنها من أكثر الكائنات جشعاً. فالضفدع، رغم صغر حجمه، لا يشبع أبداً، يلتهم كل ما يمر أمامه دون حساب. هذه الصورة تعكس بوضوح طمع الإنسان الذي لا حدود له.
لنبدأ من أبسط الأمثلة: الشخص الذي يمتلك منزلاً واحداً، لكنه لا يستطيع التوقف عند هذا الحد، بل يسعى بشغف لشراء منزل آخر. ومن يمتلك منزلين لا يهدأ حتى يجد نفسه يتطلع إلى الثالث، وهكذا. إنه يعيش في وهمٍ مفاده أن زيادة الممتلكات تعزز من قيمته الذاتية، فسعادته تكمن في الامتلاك وليس في الاستمتاع بما لديه. يشبه حاله تلك المتسولة العجوز التي، عندما فارقت الحياة، وجدوا في بيتها آلاف الدولارات وآلاف العملات المختلفة التي كانت قد جمعتها على مر السنين. عاشت حياتها وهي تحصي أموالها وتتلذذ بالنظر إليها، دون أن تستفيد منها بشيء، وكأن هدفها كان مجرد زيادة الأرقام والتفرج على ما جمعت. هكذا، يتحول الامتلاك إلى غايةٍ بحد ذاته، لا يثمر عن شيء سوى عبء جديد، فلا مالها أغناها، ولا جشعها أشبعها.
وما يزيد من غرابة هذا السلوك هو أنه لا يقتصر على الممتلكات الكبيرة. انظر إلى من يتفاخر بأحدث سيارة، ومع ذلك تجده يحسدك على أبسط ما تمتلك، كقلم بسيط لا قيمة له في ميزان الأشياء. إنه جشع يتغذى على التنافس المرضي، رغبة لا تعرف حدوداً في الاستحواذ على كل شيء، حتى وإن كان ذلك لا يزيده شيئاً. في عمق هذا السعي المحموم، تُطمس القدرة على التقدير، وكأنهم يعيشون في سباقٍ عبثي لامتلاك كل ما هو مادي وخارجي، مهما كان ضئيلاً، على حساب القيم الإنسانية الأصيلة التي تُشكل جوهر الحياة.
الجشع لا يقتصر على الممتلكات، بل يمتد حتى إلى العلاقات الشخصية. الرجل الذي لديه زوجة طيبة وجميلة قد يمل منها مع مرور الوقت، فيبدأ بالبحث عن "طراز أحدث"، امرأة أكثر جاذبية وبريقاً. وكأن المرأة بالنسبة له مجرد عنصر آخر في قائمة المقتنيات التي يسعى لتجديدها بين الحين والآخر، مما يخلق حالة من عدم الرضا المستمر، حتى في أعز العلاقات الإنسانية.
ثم تأتي الأوساط الأكاديمية، حيث لا يخلو الأمر من جشعٍ من نوع آخر. تجد الأستاذ الجامعي يسعى لتحقيق أرقام قياسية في عدد الرسائل التي يشرف عليها. ظننت أنه يحب العلم؟ بالطبع لا، فهو مجرد ضفدع آخر في سباق الكم على حساب الجودة. لا نتائج جديدة، لا ابتكار، فقط تكرار ممجوج لمنهجية البحث التي باتت أشبه بالمعلبات الجاهزة. وكأن الهدف هو تكديس الأوراق أكثر من تطوير العقول.
والآن نصل إلى الموظف الذي ينال الترقية. هل سبق أن رأيت موظفاً حصل على ترقية وظيفية وأصبح بعدها سعيداً قانعاً؟ بالطبع لا! فقد تحول هذا المترقي إلى ضفدع جديد في سباقٍ لا نهاية له. بدلاً من أن يركز على تطوير أدائه والنهوض بفريقه، يحوّل منصبه إلى ساحة للاستفادة الشخصية، ويسعى للبقاء في منصبه أطول فترة ممكنة. وما إن يقضي فترة طويلة في هذا المنصب، حتى تتجه عيناه إلى منصب أعلى، غير مكترث بمدى ملاءمته أو استحقاقه لهذا المنصب الجديد. فالمهم لديه هو الصعود المستمر دون توقف. وهكذا، يتحول الطموح المشروع إلى جشع مَرَضي، يستنزف روح العمل، ويخنق كل فرصة للتقدم الحقيقي.
في كل حالة، هناك دائماً تبريرات جاهزة لتغليف هذا الجشع وتقديمه وكأنه طموح مشروع. لكن في الحقيقة، النفس المريضة تختبئ خلف هذه التبريرات، مبررة كل رغبة مفرطة وكل جشع لا يعرف الشبع. الجشع، عزيزي القارئ، لا يعرف حدوداً، ويشوه كل شيء يلمسه. يحول الطموح إلى عبء، والعلاقات إلى معارك، والعمل إلى ساحة للبحث عن المكاسب الشخصية.
كما قال الإمام علي بن أبي طالب (ع): "اطلبوا الخير من بطون شبعت ثم جاعت، لأن الخير فيها باق، ولا تطلبوا الخير من بطون جاعت ثم شبعت، لأن الشح فيها باق." هذه الحكمة تلخص جوهر المشكلة؛ فالإنسان الذي لم يعرف الجوع المادي أو المعنوي ربما يكون أكثر قدرة على تقدير ما لديه، بينما من ذاق الحرمان ثم حصل على ما أراده، قد يصبح أسيراً لرغبة لا تنتهي في المزيد، لأن خوفه من العودة إلى النقص يظل يحركه.
ربما علينا أن نتعلم من الضفادع أن القفز من بركة إلى أخرى لا يؤدي بالضرورة إلى السعادة، بل قد يتركنا ضائعين في مستنقع من الرغبات غير المحققة!



#راقي_نجم_الدين (هاشتاغ)       Raqee_S._Najmuldeen#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التطور المفاهيمي لتعليم التصميم
- أصداء الابتكار: صراع وجهات النظر
- التسلسل الهرمي للمهن: تأملات في شذوذ الإدراك البشري
- دور ركوب الدراجات في الاقتصاد والبيئة ونظريات المؤامرة وسط ا ...
- فضح النفاق: سيكولوجية انتقاد الآخرين وتجاهل عيوبنا
- إعلانات التوظيف الأكاديمي: هل تفتقر الجامعات العربية إلى الش ...
- سباق التسلح الأكاديمي: مستوعب سكوباس وتصنيف الجامعات
- التصميم الجرافيكي ليس اتصالاً بصرياً
- سحر المؤثرات البصرية
- البلاغة البصرية والتصميم الجرافيكي
- صُنع في التصميم: تبادل الادوار بين الوظيفية والجمالية
- نتائج البحوث في حياتنا
- غلاف الكتاب يتحدث
- الجمال والوظيفة: تحليل مؤسسي
- النقد التصميمي وتدريسه
- الواقعية السحرية: منطقية اللامنطقي
- الفرق بين الفن والتصميم
- الغيرة المهنية: هزيمة الحاسد النذل
- كيف يمكن للرأسمالية ان تنقذ الفن؟


المزيد.....




- فيديو منسوب إلى عبدالرحمن السديس حول نزاع الهند وباكستان.. م ...
- مصر تحذر إسرائيل.. توسيع العدوان مرفوض
- الصومال: أمطار طوفانية في مقديشو تودي بحياة 10 أشخاص وتشرد ا ...
- رئيس الوزراء الباكستاني: الهند ارتكبت عدوانا صريحا لكننا صمد ...
- عيد النصر بعيون عربية
- الخارجية الهندية تتهم باكستان بانتهاك وقف إطلاق النار
- ماكرون: الهدنة لا تفترض وقف توريد الأسلحة إلى كييف من قبل ال ...
- خلال لقائه بوتين.. عباس يعرب عن رفضه خطة ترامب بشأن غزة
- ساويرس يُثير عاصفة.. سجال حاد بين علاء مبارك ومصطفى بكري في ...
- الشرطة السورية تنتشر على مدخل السويداء تنفيذا للاتفاق مع الح ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - راقي نجم الدين - سباق الضفادع: عندما يصبح الجشع رياضة وطنية