سمير حنا خمورو
(Samir Khamarou)
الحوار المتمدن-العدد: 8546 - 2025 / 12 / 4 - 13:00
المحور:
الادب والفن
نجمة السينما الهندية "شبانة عزمي" ؛ شهرتها الواسعة لم تُبعدها يومًا عن الواقع الاجتماعي والسياسي في بلدها.
تحتفل المؤسسات السينمائية والثقافية الهندية بمناسبة مرور اكثر من 50 سنة على بداية الممثلة شبانة عزمي Shabana Azmi مسيرتها المهنية في صناعة السينما الهندية، التي امتدت إلى أكثر من 160 فيلمًا، معظمها ضمن السينما المستقلة والواقعية الجديدة، على الرغم من أن عملها امتد إلى الأفلام السائدة "بوليوود" بالإضافة إلى تمثيلها في عدد من المشاريع الدولية. تُعد شبانة عزمي واحدة من أكثر الممثلات الهنديات شهرة، وهي معروفة بتصويرها للشخصيات النسائية المميزة وغير التقليدية في كثير من الأحيان عبر العديد من الأنواع.
وكان مهرجان (القارات الثلاث السينمائي) في مدينة نانت الفرنسية، قد كرم شبانة في دورته الأخيرة بالاحتفاء بها، وعرض 5 من افلامها المميزة هي ؛ "برعم" ANKUR، "نهاية الليل" NISHANT، وفيلم "سوق" MANDI، من اخراج شيام بينيكال Shyam BENEGAL، وفيلم "البريء" MASOOM للمخرج شيخار كابور Shekhar KAPUR، وفيلم "معنى" ARTH للمخرج ماهيش بهات Mahesh BHATT.
شبانة عزمي، ممثلة عالمية مرموقة وشخصية بارزة في كلٍّ من الموجة السينمائية الهندية الجديدة، المعروفة غالبًا بـ"السينما الموازية" cinéma parallèle، وايضا حققت نجاحًا في الافلام التجارية الضخمة. نجمة كبيرة حازت على خمس جوائز وطنية كأفضل ممثلة في الهند، وهو رقم قياسي. لكن شهرتها الواسعة لم تُبعدها يومًا عن الواقع الاجتماعي والسياسي في بلدها. وهي سفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة، وأول هندية تحصل على جائزة غاندي الدولية للسلام لالتزامها بالدفاع عن حقوق المرأة ومحاربة الفقر.
ولدت شبانة عزمي في 18 أيلول/ سبتمبر 1950 في حيدر أباد، الهند، وهي أبنة الشاعر (كايفي عزمي) والممثلة المسرحية (شوكت عزمي)، لديها شقيق واحد، بابا عزمي، وهو مصور سينمائي . نشأت شبانة ضمن مجتمع من الفنانين والمثقفين اليساريين، المشبعين بقيم "الرحمة الإنسانية" و"العدالة الاجتماعية". كان والدا شبانة عضوين في الحزب الشيوعي الهندي. حتى بلوغها التاسعة، عاشت العائلة في "قاعة الشقة الحمراء" Red Flat Hall، وهي بلدية تابعة للحزب الشيوعي الهندي تضم ثماني عائلات. خُصصت لكل عائلة غرفة واحدة، وتشاركت حمامًا ومرحاضًا واحدًا مع العائلات الأخرى.
تصف عزمي أجواء المنزل بأنها "بوهيمية تمامًا". ووفقًا لها، فإن أعضاء الحزب "أعادوا تعريف العلاقة بين الزوج والزوجة"؛ فمعظم النساء لديهن وظائف، ولم يكنّ المسؤولات الوحيدات عن تربية الأطفال. عندما كانت والدتها تُشارك في جولة مسرحية مع مسرح بريثفي Prithvi Theatre، كان والدها يعتني بشبانة وشقيقها. كما ساعد زوجته في التدرب على مسرحيتها أو فيلمها الجديد؛ إذ كان يؤمن بأن من واجبهم كعائلة "تمكينها من التدرب على أدوارها كلما احتاجت".
تميزت طفولة شبانة بالعديد من الحفلات والندوات التي كانت تُقام في منزلها؛ حيث كان الناس من مختلف مناحي الحياة يأتون للاستماع إلى أمسيات شعرية يلقيها والدها ومثقفون بارزون آخرون. كانت الفتاة الصغيرة مفتونة بهذه الجلسات. قالت في لقاء معها : "كنت أجلس في حالة انتباه شديد، لا أفهم حتى نصف ما يُلقونه، لكنني مع ذلك كنت متحمسة. كانت كلماتهم الجميلة تعزف على مسامعي الصغيرة كالموسيقى".
تخرجت شبانة من كلية (سانت كزافييه) في مومباي، وحصلت على شهادة في علم النفس. خلال دراستها الجامعية، أسست فرقة مسرحية هندية مع زميلها فاروق شيخ، وفازا معًا بالعديد من الجوائز في مسابقات الدراما الجامعية. انجذبت إلى التمثيل بعد أن "أُعجبت " بأداء الممثلة والسياسية جايا بهادوري. ساند والدها اختيارها لمهنة التمثيل، فانضمت بعد ذلك إلى (معهد السينما والتلفزيون الهندي) FTII في بوني، حيث حصلت على الميدالية الذهبية لأفضل طالبة في التمثيل.
وخلال سنتها الأخيرة في معهد السينما، عُرض عليها التمثيل في فيلمين عندما كان عمرها 23 عامًا؛ "القرار " Faslah للمخرج خواجة أحمد عباس Khwaja Ahmad Abbas، و"الزواج " Parinay عام (1974) للمخرج كانتيلال راثود Kantilal Rathod، لكن فيلم "برعم " (1974) للمخرج شيام بينيكال كان أول أفلامها، الذي حاز على إشادة النقاد فور عرضه وأثار أنتباه الجمهور و المخرجين إليها، وحصلت على أول جائزة وطنية لأفضل ممثلة عن دورها، وأول ترشيح لها لجائزة مجلة فيلم فير Filmfare لأفضل ممثلة.
مثّل فيلم "برعم " ANKUR الظهور الأول للمخرج "شيام بينيكال، الذي جسّد مسيرة الجيل الأول من المبدعين البنغاليين العظماء (ساتياجيت راي Satyajit Ray وريتويك كاتاك Ritwik Ghatak)، وشبانة عزمي، التي رسّخت مكانتها كوجهٍ جديد لهذا الإحياء لما يُسمى بالسينما "الموازية"، وريثة الواقعية الجديدة، لكنها مُوجّهة أكثر نحو جمهور أوسع. تُجسّد عزمي، دور شابة فقيرة تُكافح الضغوط الاقتصادية والجنسية التي يُمارسها عليها رجل من طبقة أعلى. فيلم "برعم "، المُستوحى من قصة حقيقية، يندرج في سياق إصلاحي وواعي اجتماعيًا، مُنددًا بالتفاوتات في المناطق الريفية الهندية. عُرض الفيلم في مهرجان برلين السينمائي وحقق نجاحًا باهرًا في الهند.
أُعجب المخرج بينيكال بموهبة شبانة، فاختارها أيضًا في أفلام "نهاية الليل" Nishant بدور سوشيلا، زوجة مدير المدرسة عام (1975)، الهوس Junoon عام 1978 تؤدي دور زوجة جاويد خان (شاشي كابور) زعيم إقطاعي متهور، تدور أحداث القصة حول ثورة الهند عام 1857، وفيلم السوق Mandi بدور سيدة بيت الدعارة روكمينيباي عام (1983)، جوهر Susman بدور كوراما زوجة رامولو النساج الماهر عام (1978)، الصوت الداخلي Antarnaad عام (1991).
كما أنها لعبت دور البطولة في فيلم "نزهة" Picnic للمخرج ج. ساسيكومار J. Sasikumar عام (1975)، ومع ساتياجيت راي في "لاعبو الشطرنج" Shatranj Ke Khilari عام (1977)، ومع مانموهان ديساي Manmohan Desai في "لقد كان عندي أنتوني ذات مرة" Amar Akbar Anthony عام (1977)، "رعاية" Parvarish اخراج مانموهان ديساي Manmohan Desai عام (1977)، فيلم "بركان" Jwalamukhi اخراج براكاش ميهرا Prakash Mehra عام (1980)، وفيلم "لماذا يغضب ألبرت بينتو؟" Albert Pinto Ko Gussa Kyoon Aata Hai للمخرج سعيد اختر ميرزا Saeed Akhtar Mirza عام (1980). فيلم "يلمس" Sparsh اخراج ساي بارانجبي Sai Paranjpye عام (1980).
بين عامي 1983 و1985، حازت عزمي على ثلاث جوائز وطنية لأفضل ممثلة عن أدائها في فيلم أطلال Khandhar، وخاندار (1984) لمرينال سين، و"زوج" Paar عام (1984) لغوتام غوزي Goutam Ghose. ثم ببطولة "سفر التكوين" Genesis اخراج مرينال سين Mrinal Sen عام (1986)، "في يوم من الأيام فجأة" Ek Din Achanak اخراج مرينال سين عام (1989) وفيلم "التي" Sati للمخرجة وكاتبة السيناريو والممثلة أبارنا سين Aparna Sen عام (1989)، كما مثلت أيضًا في فيلم "السيدة سوزاتزكا" Madame Sousatzka عام (1988) للمخرج الانكليزي جون شليزنجر John Schlesinger.
في عام 1996، أدى أدائها في فيلم "حريق" Fire للمخرجة ديبا ميهتا Deepa Mehta,، حيث لعبت دور امرأة تتخلى عن زوجها من أجل زوجة أخيها، إلى إثارة جدل كبير في الهند. وهاجم نشطاء قوميون هندوس عدة دور سينما عندما تم عرض الفيلم، مما أجبرهم على حظره لفترة وجيزة. وهو موضوع محظور في ذلك الوقت، كما تشير شبانة عزمي:
تقول "عندما قمت بتصوير فيلم "حريق"، كنت أعلم أنه سيثير جدلاً. أن الناس سوف يشعرون بالانزعاج، والبعض الآخر سيكون سعيدًا لأن أصواتهم قد تم تمثيلها أخيرًا، أن البعض سوف يكون مضطربا. ولكن ستبدأ أيضًا عملية التساؤل، وهي بالنسبة لي القمة. وأن البعض سوف ينزعج. ولكن ستبدأ أيضًا عملية التساؤل، وهي بالنسبة لي القمة."
حازت شبانة عزمي على جائزة الفيلم الوطني الخامسة بفضل أدائها في فيلم "العرابة" Godmother اخراج فيناي شوكلا Vinay Shukla عام (1999). ومنذ عام 2003 مثلت في 18 فيلما، آخرها فيلم " ما علاقة الحب بالأمر؟ " ? What s Love Got to Do With It فيلم كوميدي رومانسي إخراج شيخار كابور، انتاج بريطاني صدر عام 2022. تلعب شبانة دور عائشة خان والدة كازم.
شاركت شبانة في العديد من المسرحيات: من أبرزها مسرحية "ملف ابيض" Safed Kundali عام (1980) للمخرج ميسور إس ساتيو، والمستوحاة من مسرحية "دائرة الطباشير القوقازية"؛ ومسرحية " تومهار، رسائلي لك" Tumhari Amrita للمخرج فيروز عباس خان Feroz Abbas Khan مع الممثل فاروق شيخ، والتي استمرت لخمس سنوات. قامت بجولة في سنغافورة ضمن برنامج فرقة مسرح سنغافورة، حيث مثلت في مسرحية إنغمار بيرغمان المقتبسة من مسرحية إبسن "بيت الدمية" A Doll s House، والتي أخرجها ري بونو Rey Buono. كما قامت بجولة في المملكة المتحدة ودبي والهند مع الإنتاج البريطاني "عيد ميلاد سعيد سونيتا" Happy Birthday Sunita من إنتاج فرقة ريفكو Rifco Theatre Company المسرحية عام 2014.
إلى جانب التمثيل، شبانة ناشطة اجتماعية وبشكل خاص ناشطة في مجال حقوق المرأة. وهي متزوجة من الشاعر وكاتب السيناريو جاويد أختر Javed Akhtar. وهي ايضا سفيرة للنوايا الحسنة لصندوق الأمم المتحدة للسكان. وتقديرًا لمواقف عزمي وأعمالها، منحها رئيس الهند عضويةً مُرشحة (غير منتخبة) في راجيا سابها، المجلس الأعلى في البرلمان. و كرمتها حكومة الهند بجائزة (بادما شري) رابع أعلى وسام مدني في جمهورية الهند، تُمنحه حكومة الهند سنويًا في يوم الجمهورية عام 1998 ووسام (بادما بوشان) عام 2012، وهي ثالث أعلى جائزة مدنية في الهند.
اليوم، شبانة على رأس منظمة "جمعية ميجوان الخيرية" غير الحكومية التي أسسها والدها، تواصل شبانة عزمي نضالها من أجل المساواة من خلال التركيز على تعليم الفتيات الصغيرات، تقول : "بالنسبة لي، لا يمكن لممثل حساس أن يلعب دور الشخص الذي يحارب الظلم طوال اليوم ويعود إلى منزله مستريحًا في مكيف الهواء، ويقول لنفسه: "ليس لدي أي علاقة بهؤلاء الناس".
توضح الممثلة البالغة من العمر 75 عامًا عن رايها في دور السينما في المجتمع فتقول "للسينما القدرة على خلق مناخ من الحساسية يُمكّن من التغيير. وطبعا لا يمكن لفيلم ولا لكتاب أو لوحة فنية أن يُغير العالم بمفرده، بل يمكنها أن تُطلق عملية تساؤل لدى الجمهور. وهذه هي البداية.
لكن عندما سُئلت إن كانت تعتقد أن كل فيلم يجب أن يحمل رسالة سياسية، أجابت دون تردد: "لا".
#سمير_حنا_خمورو (هاشتاغ)
Samir_Khamarou#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟