أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - ‏مخاطر الخطاب الطائفي على السلم المجتمعي والوطن















المزيد.....

‏مخاطر الخطاب الطائفي على السلم المجتمعي والوطن


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8546 - 2025 / 12 / 4 - 02:57
المحور: قضايا ثقافية
    



‏مقدمة

‏يشكّل السلم المجتمعي أساس استقرار الدول وبناء مستقبلها التنموي. إلا أنّ تنامي الخطاب الطائفي في العديد من المجتمعات العربية مثّل تهديدًا مباشرًا لبنية الدولة ووحدة المجتمع. فالخطاب الطائفي ليس مجرد اختلاف مذهبي أو ديني، بل هو عملية تسييس للهويات الفرعية وتحويلها إلى أدوات صراع. تهدف هذه الدراسة إلى تحليل الآثار الخطيرة التي يخلّفها الخطاب الطائفي على المجتمع والدولة، ومناقشة التحديات السياسية والاجتماعية والأمنية المرتبطة به.


‏---

‏أولاً: تعريف الخطاب الطائفي ومكوناته

‏الخطاب الطائفي هو كل تعبير شفهي أو مكتوب أو سلوكي يقوم على:

‏شيطنة الآخر بسبب طائفته أو مذهبه.

‏إثارة النعرات والكراهية بين الجماعات.

‏تسييس الهوية الدينية وتحويلها من خيار روحي إلى أداة تعبئة سياسية.

‏تقويض الهوية الوطنية الجامعة لمصلحة الانتماءات الضيقة.


‏يُعرّفه مركز الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (OHCHR, 2021) بأنه شكل من "أشكال التحريض الذي يُسهم في التمييز والنزاعات وتهديد الأمن البشري".


‏---

‏ثانياً: مظاهر الخطاب الطائفي في المجتمعات

‏يتجسد الخطاب الطائفي عبر:

‏1. المنابر الدينية المسيسة التي تبث رسائل إقصاء.


‏2. الإعلام التقليدي والرقمي عبر محتويات تحريضية.


‏3. النقاشات السياسية التي تستغل الهويات الطائفية لتعبئة الجمهور.


‏4. الخطابات اليومية المنتشرة في المدارس، والجامعات، وأماكن العمل.


‏5. الأحزاب والتنظيمات الطائفية ذات البنى المغلقة.




‏---

‏ثالثاً: المخاطر الاجتماعية للخطاب الطائفي

‏1. تصدع الهوية الوطنية

‏أخطر آثار الخطاب الطائفي هو ضرب الهوية الوطنية الجامعة، وتحويل الولاء من الوطن إلى الطائفة. يؤدي ذلك إلى:

‏تراجع الانتماء الوطني.

‏إحلال الهويات الفرعية محل الهوية الجامعة.

‏ضعف الشعور بالمواطنة والحقوق المشتركة.


‏تشير دراسة Varshney (2002) إلى أن المجتمعات التي تتغلب فيها الروابط الطائفية على الروابط الوطنية تكون أكثر عرضة للانقسامات والعنف الأهلي.


‏---

‏2. تفكك النسيج الاجتماعي

‏الخطاب الطائفي يحوّل الاختلاف الطبيعي إلى صراع وجودي. وينتج عن ذلك:

‏انهيار الثقة بين أفراد المجتمع.

‏زيادة الصور النمطية السلبية.

‏انتشار الشك والاحتقان.

‏انغلاق الجماعات على ذاتها.


‏يصف Putnam (2007) هذا التراجع بأنه "تآكل رأس المال الاجتماعي"، وهو عامل رئيسي في فشل المجتمعات بالاستقرار.


‏---

‏3. انتشار الكراهية والعنف المجتمعي

‏عندما يُشرعن الخطاب الطائفي الكراهية، يصبح العنف خيارًا طبيعيًا. ومن مظاهر ذلك:

‏الاعتداءات المتبادلة.

‏العنف الرمزي واللفظي.

‏التطرف الديني والمذهبي.

‏الاضطرابات الاجتماعية.


‏تُظهر دراسات الأمم المتحدة أن خطاب الكراهية الطائفي غالبًا ما يكون مقدمة للعنف الواسع أو الحروب الأهلية (UNESCO, 2020).


‏---

‏رابعاً: المخاطر السياسية والأمنية للخطاب الطائفي

‏1. إضعاف الدولة وشرعية مؤسساتها

‏الخطاب الطائفي يضرب العلاقة بين المواطن والدولة، عبر:

‏التشكيك في حيادية مؤسسات الدولة.

‏عسكرة الهويات الطائفية.

‏انهيار العقد الاجتماعي.

‏صعود النخب الطائفية على حساب النخب الوطنية.


‏يرى Huntington (1996) أن الطائفية تُضعف الدولة الحديثة لأنها تنتج ولاءات متنافسة داخلها.


‏---

‏2. تمهيد الطريق للفوضى والنزاعات الأهلية

‏عندما ينتشر خطاب طائفي غير منضبط، يصبح المجتمع مهيأً لانفجار عنيف، خصوصاً إذا ترافق مع:

‏غياب العدالة.

‏صراعات سياسية.

‏توظيف خارجي للهويات المحلية.


‏تؤكد تقارير منظمات مراقبة النزاعات (ICG, 2018) أن معظم الحروب الأهلية المعاصرة مرتبطة بخطابات طائفية سابقة تم توظيفها سياسياً.


‏---

‏3. تدخل القوى الخارجية

‏عندما تضعف الدولة من الداخل بفعل الانقسام الطائفي، تكون:

‏أكثر عرضة للتدخلات الخارجية.

‏أكثر قابلية للاستقطاب الإقليمي.

‏أقل قدرة على حماية سيادتها ووحدة أراضيها.


‏يُعدّ “تسييس الطوائف” من الأدوات التي تستخدمها القوى الإقليمية لإضعاف الدول وتقويض استقرارها.


‏---

‏خامساً: المخاطر الاقتصادية والتنموية

‏1. تعطّل التنمية

‏الانقسام الطائفي يؤدي إلى:

‏توقف الاستثمارات.

‏هجرة الكفاءات.

‏ضعف الثقة بالأسواق.

‏انهيار السياحة.


‏تشير تقارير البنك الدولي (2017) إلى أن النزاعات ذات الطابع الطائفي تكلّف الدول خسائر تنموية تمتد لعشرات السنوات.


‏---

‏2. زيادة الفقر والبطالة

‏التمييز الطائفي في العمل والسياسات يزيد:

‏التوتر الاجتماعي.

‏الشعور بعدم العدالة.

‏الاعتماد على الجماعات الفرعية بدل مؤسسات الدولة.



‏---

‏سادساً: الآثار الإنسانية والنفسية

‏1. زعزعة الشعور بالأمان

‏يشعر الأفراد المنتمون للأقليات بالخوف من التمييز أو العنف، مما يؤدي إلى:

‏قلق جماعي.

‏اضطرابات نفسية.

‏انعدام الإحساس بالأمن.


‏2. انتقال الكراهية عبر الأجيال

‏الخطاب الطائفي يعيد إنتاج نفسه تربوياً، في المدرسة والأسرة والإعلام، مما يجعل الانقسام مستداماً لعقود.


‏---

‏خاتمة

‏إن الخطاب الطائفي يُعتبر من أخطر التهديدات التي تواجه السلم المجتمعي ووحدة الوطن. فهو يضرب الهوية الوطنية في جذورها ويُضعف مؤسسات الدولة، ويحوّل المجتمع إلى فسيفساء متناحرة. ومواجهته تحتاج إلى مشروع وطني يقوم على:

‏تعزيز المواطنة الجامعة،

‏نشر خطاب إعلامي مضاد للكراهية،

‏بناء سياسات عادلة،

‏دعم الفضاء المدني والحوار بين المكوّنات،

‏وتحصين المجتمع بالتربية والوعي.


‏من دون هذا التحصين، يبقى الوطن عرضة لتكرار الفورات الطائفية وما تحمله من مخاطر وجودية.


‏---

‏المراجع

‏مراجع عربية

‏1. خليل، محمد. السلم الأهلي في المجتمعات العربية. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2020.


‏2. العبد الله، فادي. الطائفية في العالم العربي: الجذور والتأثيرات. المركز العربي للأبحاث، 2019.


‏3. منصور، رنا. "خطاب الكراهية وأثره على الأمن المجتمعي". مجلة الأمن العربي، العدد 12، 2021.



‏مراجع أجنبية

‏4. UNESCO. Countering Hate Speech: Global Approaches, 2020.


‏5. Varshney, Ashutosh. Ethnic Conflict and Civic Life. Yale University Press, 2002.


‏6. Putnam, Robert. Bowling Alone. Simon & Schuster, 2007.


‏7. Huntington, Samuel. The Clash of Civilizations. New York: Simon & Schuster, 1996.


‏8. International Crisis Group (ICG). Understanding Sectarian Conflict in the Middle East, 2018.


‏9. World Bank. Economic Costs of Civil Wars, 2017.


‏10. OHCHR. Hate Speech and Human Rights Report, 2021.




#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غرف الإشاعات المغلقة ودورها السلبي في تغذية الطائفية في الشر ...
- سيكولوجيا الأخبار الكاذبة: تحليل نفسي-اجتماعي لآليات الخداع ...
- ‏سباق المسافات الطويلة نحو بناء الوطن: من يسبق من... الخطاب ...
- ‏حماية الذاكرة البصرية للمجتمع: إطار نظري ومقاربة تطبيقية ‏
- كيف تغلبت فرنسا على الهزيمة في الحرب الفرنسية البروسية
- ‏أشكال الخطاب التحريضي ضد الآخر: رواندا نموذجًا
- ‏صناعة المعرفة: من إنتاج الحقيقة إلى هندسة الوعي
- ‏صناعة التطرف: آليات التشكيل وأدوات التأثير في المجتمعات الح ...
- فنون وأشكال الإقصاء السياسي: دراسة تحليلية في آليات التهميش ...
- ‏هل سرق الإنترنت براءة الأطفال؟ دراسة نقدية لتأثير الإعلام ا ...
- ‏عندما يصبح التوجّه السياسي Off the Point
- ‏هل تعيد إسرائيل تكرار حرب عام 1967 وتضاعف مساحات الأراضي ال ...
- ‏مخاطر الاقتراض من البنك الدولي
- مراحل للإبادة الجماعية للأقليات
- ‏المؤسسات المالية الدولية: الأنواع — الملكية — العمل — آليات ...
- ك‏يف تُختطف الطوائف؟ جذور الظاهرة وآلياتها وتجلياتها في العا ...
- ‏أهمية الخطاب الديني والفتوى في وقف الحروب الطائفية
- الشركات القابضة: دراسة تحليلية في المفهوم، الأنواع، الفلسفة، ...
- ‏ثقافة الميليشيات وجذور الشر: دراسة تحليلية وتطبيقيّة
- أنسنة الروبوتات... إلى أين؟


المزيد.....




- ما موقف ترامب تجاه وزير الدفاع بعد تقرير -البنتاغون- عن -خطو ...
- عاجل| ترامب: المرحلة الثانية من اتفاق غزة ستبدأ قريبا
- مفاوضات نادرة بين إسرائيل ولبنان لكنها قد لا توقف الحرب
- غزة مباشر.. شهداء بغارات على خان يونس ونتنياهو يتوعد حماس
- محللان: نتنياهو يوظف التصعيد لإفشال اتفاق غزة وتحصين موقعه ا ...
- نواف سلام للجزيرة: على حزب الله تسليم سلاحه ضمن مشروع بناء ا ...
- ولادة مقاومة جديدة في تونس
- قوة إسرائيلية تتوغل بريف القنيطرة وتقيم حاجزا مؤقتا
- -مسار الأحداث- يناقش جدوى المفاوضات الإسرائيلية اللبنانية ال ...
- أوروبا تعدّل إرشادات لجوء السوريين في دول الاتحاد


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - ‏مخاطر الخطاب الطائفي على السلم المجتمعي والوطن