أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عامر عبد رسن - العراق في زمن التحولات العالمية الكبرى : مسؤولية القرار في مواجهة اللامتوقع















المزيد.....

العراق في زمن التحولات العالمية الكبرى : مسؤولية القرار في مواجهة اللامتوقع


عامر عبد رسن

الحوار المتمدن-العدد: 8545 - 2025 / 12 / 3 - 14:15
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


مقدمة: حين يتقدّم الحدث المستحيل على الحسابات التقليدية ؛ في عالم كان يظن أن هندسة القوى الكبرى قادرة على ضبط حركة التاريخ، تأتي الحرب الأوكرانية لتكشف هشاشة أوروبا، وتفضح قدرة “الحدث المستحيل”—أو تداعيات الاحداث غير المتوقعة كما أسماها صاحب كتاب -البجعة السوداء نسيم نيكولاس طالب— .
ما هو الحدث المستحيل؟ ولماذا يُغيّر العالم؟ في كتابه الشهير البجعة السوداء، يضع نسيم طالب قاعدة صادمة: الأحداث الأكثر تأثيراً في حياة الدول والأفراد هي الأحداث التي لم يتوقعها أحد.
هذه البجعات السوداء تتصف بثلاث خصائص:
1. نادرة وغير قابلة للتنبؤ وفق النماذج التقليدية.
2. ذات تأثير هائل يعيد رسم التاريخ.
3. يقوم الناس بعد وقوعها باختراع روايات تبرّرها كأنها كانت متوقعة. بمعنى آخر، العالم لا يتحرك بالتخطيط، بل بالمفاجآت الثقيلة التي تكسر الحسابات، وتكشف هشاشة الأنظمة التي ظنّت أنها مستقرة. وتستغلها الدول او المجموعات القوية.
العراق اليوم—كما سنرى—يمتلك جميع العوامل التي تُنتج “حدثاً مستحيلاً” قد يقع في لحظة انكسار سياسي، أو اقتصادي، أو أمني، أو خارجي. إن نموذج البجعة السوداء لا يشرح فقط ما حدث في 2003 أو 2014، بل يشرح ما يمكن أن يحدث غداً إذا استمرت الطبقة السياسية في تجاهل إشارات الانهيار الهادئة والذي يسبق العاصفة. فأوروبا التي بنت استراتيجياتها على ثبات التحالف الأطلسي، وجدت نفسها فجأة أمام واقع لا يشبه ما درسته في مراكز البحوث.
لقد دخلت الحرب الأوكرانية وهي تعتقد أن الولايات المتحدة ستخوض معها حرباً مصيرية، فإذا بها تكتشف أن واشنطن تنظر للعالم من زاوية الداخل الأميركي فقط. صعود ترامب، انقسام الكونغرس، الضغط الاقتصادي، والتعب الاجتماعي… كلها عوامل جعلت أمريكا تتعامل مع أوكرانيا كـ“بند تفاوضي”، لا كحليف وجودي. بالضبط أوكرانيا احدى فقرات لائحة الطعام لا شريك جالس على الطاولة. فارتأى ترامنب تقاسم ثرواتها مع بوتين !. وهكذا تحولت أوكرانيا إلى تجسيد معاصر للبجعة السوداء:
حرب ظُنّ أنها قصيرة فتحوّلت إلى استنزاف طويل، وحليف اعتُقد أنه ثابت فإذا به يتراجع، وقارة كانت مستقرة فإذا بها تواجه أخطر ركود اجتماعي منذ الحرب العالمية الثانية.
وفنزويلا: نموذج آخر للسياسة الصادمة ؛ السيناريو لا يتكرر في أوروبا وحدها.
فنزويلا اليوم تعيش نموذجاً قريباً من “غلوائستان” كما يسميه نسيم طالب في كتابه—عالم الذيل الثقيل حيث تتراكم الأزمات الصغيرة إلى أن يقع الانفجار الكبير-. الانهيار الاقتصادي، الخراب النقدي، تآكل الدولة، الهجرة الجماعية… كلها عناصر صنعت بيئة جاهزة للحدث المستحيل. وتأتي إدارة ترامب، بأسلوبها المبني على “الصفقة/الضغط/الصدمة”، لتضيف طبقة أخرى من عدم اليقين، وتجعل فنزويلا مثالًا جديداً على كيفية صناعة الأزمات في عالم لا تحكمه المؤسسات بل الشخصيات المتقلبة. هل العراق: البجعة السوداء القادمة؟ إذا كانت أوكرانيا دخلت حرباً ظنتها قابلة للسيطرة، وفنزويلا دخلت أزمة ظنتها قابلة للإدارة، فإن العراق يتحرك نحو منطقة أخطر: منطقة الحدث المستحيل أو الحدث غير المتوقع والذي يصنعه الداخل أكثر مما يصنعه الخارج.
1. الفوضى السياسية: نظام بلا مركز قرار ؛ فالعراق يعيش اليوم حالة من “اللايقين البنيوي”: – تعدد مراكز القوى، – الانقسام داخل لقوى الإطار، – ضعف قدرة الدولة على التنبؤ بسلوك الشارع، – تراجع الثقة العامة، – هشاشة الإدارة الاقتصادية. هذه كلها ليست مؤشرات أزمة فقط؛ إنها علامات اقتراب حدث كبير، لأن فجوات المجال السياسي الخالي تنتظر دائماً قوة غير محسوبة لتملأها.
2. إيران: شريك مضغوط لا قادر ولا مرتاح ؛ طهران اليوم لديها ملفات أثقل من قدرتها: غزة، اليمن، سوريا، العراق، اقتصاد مأزوم، وضغط دولي متصاعد ، انفلات شعبي. نفوذها في العراق أصبح جزءاً من معادلة صراع دولي، لا جزءاً من توازن داخلي. وكل ضغط تتعرض له في الجبهات الأخرى ينعكس على بغداد مباشرة.
3. ترامب يعود… ومعه عصر الصدمات ؛ تعيين مارك سافايا مبعوثاً خاصاً للعراق هو الخطوة الأولى في استراتيجية “ترامبية” واضحة: – إعادة ضبط العلاقة مع بغداد، – تقليم النفوذ الإيراني، – فرض شريك حكومي قادر على التفاهم مع واشنطن، – وإدخال العراق في “صفقة الشرق الأوسط الكبرى” بشكل مباشر. والأخطر أن ترامب ليس رئيساً تقليدياً؛ هو صانع أزمات ومحب للقرارات الصادمة، ورجل يقرأ السياسة بمنطق رجل الأعمال: الربح والخسارة لا الولاءات.
4. الاقتصاد العراقي: هشاشة تنتظر شرارة ؛ الاقتصاد العراقي اليوم يشبه تماماً وصف طالب للهياكل الهشة: {ثروة نفطية عالية , إنتاج شبه معدوم.، مال حكومي وفير ، بطالة شبابية خانقة ، إنفاق عام ضخم – خدمات منهارة}. وهذا يعني أن أي صدمة—داخليّة أو خارجيّة—قد تتحوّل إلى انفجار اجتماعي
. 5. مجتمع شاب ناقم… وحانق بأخلاقيات جيل Z ؛ وربما تكمن أخطر عناصر “البجعة السوداء العراقية” في التركيبة السكانية نفسها. فالعراق بلد فتيّ: أكثر من 60٪ من سكانه تحت سن 25. وهذا الجيل—معظمه جيل الـ Z—ليس نسخة محدثة من الأجيال السابقة، بل جيل آخر تماماً في الوعي والأخلاق والتوقعات وطريقة الاحتجاج:
• هو جيل سريع الغضب وسريع التنظيم،
• يرفض المقايضات التقليدية بين الأمن والحرية،
• لا يعترف بالرموز السياسية القديمة،
• يعيش على وسائل التواصل حيث يمكن لحادثة صغيرة أن تتحول خلال ساعات إلى انتفاضة،
• يملك معايير عالية للكرامة والشفافية،
• ولا يخشى الصدام مع السلطة أو المجتمع التقليدي.
يا ساسة العراق افهموا ؛ جيل Z في العراق لا يقبل “تأجيل الإصلاح” ولا يؤمن بأن الاستقرار هدف بحد ذاته. هو جيل يريد نتائج فورية، وخدمات ملموسة، وعدالة في الفرص، واحتراماً لكرامته الشخصية. وعندما يُحبط… فإنه ينتظر أي متغيير لينفجر. وهذه الصفة وحدها—في ضوء هشاشة الاقتصاد وتراجع الثقة بالمؤسسات—كافية لصناعة “حدث مستحيل” قد يبدأ من حادث بسيط، ثم يمتد بسرعة لا تسمح لأي حكومة بإطفائه. بكلمة أخرى: جيل Z هو العاصفة التي لا تراها الطبقة السياسية العراقية لأنها مازالت تنظر بعيون 2005 وليس بعيون 2025. وهذا يعني أن أي صدمة—داخليّة أو خارجيّة—قد تتحوّل إلى انفجار اجتماعي لا يمكن إيقافه.
العراق بين إيران وأمريكا: توازن على حافة السكين ؛ ربما أن العراق ليس أوكرانيا، لكنه أيضاً ليس دولة مستقرة. هو بين نفوذ قوي لإيران، وتصميم متجدد لترامب لإعادة رسم المشهد الإقليمي، وضعف داخلي يجعل الدولة غير قادرة على تحمل مفاجأة جديدة. وما يزيد التعقيد أن الطبقة السياسية العراقية تنظر إلى المشهد وكأنها خارج الزمن، غير مكترثة بتغيّر قواعد اللعبة، ولا مهتمة بإشارات الانهيار الصامت. منطق البجعة السوداء:
لماذا العراق مرشح لصدمة كبيرة؟ طبقاً لجداول المقارنة فأن الدول التي تقترب من الحدث غير المتوقع ،تشترك في ثمانية مؤشرات:
1. هشاشة سياسية.
2. اقتصاد غير متوازن.
3. إنكار للمخاطر.
4. صراعات داخلية.
5. تداخل النفوذ الخارجي.
6. غياب الاستراتيجية.
7. بيروقراطية عاجزة.
8. مجتمع متوتر ومستعد للاشتعال.
وللأسف العراق يمتلك كل هذه المؤشرات بلا استثناء. وهذا ما يجعل أي حدث صغير—انخفاض سعر النفط، صدام سياسي، أزمة حدود، هجوم إرهابي، أزمة كهرباء—مرشحاً للتحول إلى أزمة وطنية واسعة.
الإطار أمام مسؤولية القرار: لا تعيدوا خطأ أوروبا ؛ فأوروبا افترضت أن أمريكا ثابتة. الإطار يفترض أن إيران ثابتة. والبلدان معا اكتشفا متأخرين أن الثبات مجرد وهم. الإطار التنسيقي اليوم أمام قرار لا يحتمل المجاملة: اختيار رئيس وزراء للمرحلة المقبلة ليس ترفاً سياسياً ولا باباً للمحاصصة، بل قرار أمن قومي يحدد: –
شكل العلاقة مع أمريكا، – حجم النفوذ الإيراني، – بناء قدرات الدولة على الصمود، – مصير الشارع العراقي، – وموقع العراق في أي صفقة إقليمية مقبلة.
اختيار شخصية ضعيفة أو مترددة أو مجاملة لأجنحة داخلية سيجعل العراق يدخل إلى العاصفة بلا درع، ويقع في الحدث المستحيل الذي نحذّر منه .
ختاماً: العراق على عتبة مفصل تاريخي ؛ العراق يقف اليوم على بوابة زمن جديد، زمن لا تُصنع فيه السياسة بالوعود بل بالمفاجآت، ولا تُدار فيه الدول بالتحالفات بل بالنجاة من الصدمات، ولا تنجو فيه إلا الدول التي تستعد للحدث المستحيل قبل وقوعه. ولهذا، فإن مسؤولية الإطار ليست اختيار رئيس وزراء… بل منع البجعة السوداء من دخول العراق.



#عامر_عبد_رسن (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعادن العراقية: ثروات منسية
- الذكاء الاصطناعي والطاقة في العراق: علاقة مصيرية للجيل القاد ...
- عصر اللا – نصر
- الثورة الهادئة في مفهوم الشرعية: قراءة دستورية معمّقة في قرا ...
- هيمنة البنوك الحكومية على الائتمان المالي في العراق: حقيقة ا ...
- الكاش يبتلع السياسة: كيف غذّى اكتنازُ 90 تريليون دينار فوضى ...
- خطر التصعيد الموجَّه: محاولات جرّ العراق إلى مواجهة مع إسرائ ...
- هل من الممكن رفع الكفاءة التشغيلية في وزارة النفط ؟
- العراق بين التفاؤل الدولي والواقع الهيكلي: قراءة نقدية في أر ...
- أهمية عودة Exxon Mobil إلى العراق — تحليل اقتصادي
- تحوُّط اقتصادي استراتيجي للعراق في ظلّ بيئة عالمية متقلّبة
- عراق 2035: مدن تبتلع حقولها الخضراء
- حقل إريدو النفطي الواعد بين الإمكان الاقتصادي والمأزق التنفي ...
- العراق في قلب التحوّلات الإقليمية: من تجنّب الصدام إلى صناعة ...
- بين الصدمة والنزيف: قراءة عراقية في رؤيتين لطوفان الأقصى
- إيران بين التصعيد والدبلوماسية: قراءة أمنية في احتمالات الحر ...
- مستقبل البرنامج النووي الإيراني في ضوء محددات التوازن الاستر ...
- ابدأوا من حيث انتهى الآخرون
- القرار الأممي وإعادة تفعيل آلية الزناد: تحديات وفرص للعراق ف ...
- التحالفات الجديدة في الشرق الأوسط: قراءة استراتيجية في ضوء ا ...


المزيد.....




- الرئاسة اللبنانية: إسرائيل وافقت على ضمّ عضو غير عسكري إلى ا ...
- حماية مقابل 3.3 مليار: ألمانيا تفعّل منظومة آرو 3 الدفاعية ا ...
- خبراء ووزراء سابقون في نواكشوط: نحو إيقاظ الوعي المغاربي!
- مصر.. بركة مياه في المتحف الكبير تثير الجدل
- بعد أكثر من عقد على اختفائها... ماليزيا تعتزم استئناف البحث ...
- سرايا القدس تعلن العثور على جثة أسير إسرائيلي بشمال غزة
- محكمة أميركية تصدر حكمها الأول على طبيب باع الكيتامين لماثيو ...
- -كأنها الليلة الأولى للحرب-.. قصف مكثف ونزوح جديد من شرق غزة ...
- موسكو وواشنطن تواصلان اتصالاتهما بشأن خطة ترامب للتسوية في أ ...
- بينيت: قانون تجنيد الحريديم احتيال والنبي موسى أمر طلاب التو ...


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عامر عبد رسن - العراق في زمن التحولات العالمية الكبرى : مسؤولية القرار في مواجهة اللامتوقع