أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - غرف الإشاعات المغلقة ودورها السلبي في تغذية الطائفية في الشرق الأوسط ‏















المزيد.....

غرف الإشاعات المغلقة ودورها السلبي في تغذية الطائفية في الشرق الأوسط ‏


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8545 - 2025 / 12 / 3 - 06:54
المحور: قضايا ثقافية
    


‏غرف الإشـاعات المغلقة ودورها السلبي في تغذية الطائفية في الشرق الأوسط


‏مقدمة

‏تُعدّ الإشاعة إحدى أدوات الصراع الاجتماعي والسياسي الأكثر خطورة في المجتمعات المتعددة الهويات، خصوصًا في الشرق الأوسط الذي عانى لعقود من هشاشة البنية المجتمعية، وتوظيف الانقسامات الطائفية في السياسة والحرب والإعلام. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، ظهرت ظاهرة غرف الإشاعات المغلقة — سواء على تطبيقات المحادثة أو مجموعات التواصل المغلقة — التي تحولت إلى مساحات لتداول روايات غير موثوقة، وتضخيم الخوف والكراهية، وتغذية النزاعات الطائفية عبر آليات نفسية واجتماعية دقيقة.

‏يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على هذه الظاهرة، وتفسير كيفية مساهمتها في إنتاج الطائفية وتعزيزها، وتحليل بنيتها ووظائفها، إضافة إلى اقتراح سبل الحد من آثارها.


‏---

‏أولاً: مفهوم غرف الإشاعات المغلقة

‏تعرف غرف الإشاعات المغلقة بأنها:
‏مساحات تواصل افتراضية ذات عضوية محدودة أو انتقائية، يتم فيها تداول معلومات غير موثوقة أو مضخمة، يتم تمريرها ضمن جماعات متشابهة الهوية أو الانتماء، وتُقدَّم كحقائق نهائية غير قابلة للتحقق.

‏وتتميز بما يلي:

‏1. السرية والانغلاق: عضوية مشروطة أو انتقائية، غالبًا تطلب توصية أو انتماء طائفي أو سياسي.


‏2. مركزية مصدر الشائعة: شخص أو نواة صغيرة تتحكم بالسردية.


‏3. غياب التحقق: حيث تُعامل الأخبار باعتبارها «حقائق مؤكدة».


‏4. تجانس الأعضاء: ما يُنتج ظاهرة "غرفة الصدى" التي تعزز الأحكام المسبقة.




‏---

‏ثانياً: البيئة الشرق أوسطية المحفّزة لانتشار الإشاعات الطائفية

‏يُعد الشرق الأوسط بيئةً خصبة لانتشار غرف الإشاعات المغلقة لعدة أسباب:

‏1. ضعف الثقة بالمؤسسات الرسمية

‏يؤدي ضعف الشفافية وتضارب الخطاب الرسمي إلى لجوء الناس لمساحات بديلة للحصول على «المعلومة»، حتى لو كانت مضللة.

‏2. تعدد الهويات الدينية والمذهبية

‏التنوع الطائفي دون إدارة سليمة له يُحوِّل الهوية إلى إطار صراعي، يجعل أي معلومة طائفية قابلة للاشتعال.

‏3. استخدام الفاعلين السياسيين للطائفية

‏تُستثمر الإشاعات كأداة تعبئة انتخابية أو عسكرية، وتُستخدم لتأجيج الجماهير أو تشويه الخصوم.

‏4. انخفاض الثقافة الرقمية

‏تؤدي محدودية الوعي الإعلامي إلى تصديق أي خبر يبدو متوافقًا مع رأي الجماعة أو انحيازها.


‏---

‏ثالثاً: آليات تغذية الطائفية داخل غرف الإشاعات المغلقة

‏1. صناعة الخوف

‏تنشر هذه الغرف قصصًا حول «اعتداءات مرتقبة»، «خطر داهم»، «مؤامرات طائفية»، بهدف خلق حالة طوارئ عاطفية تستثير الانحياز الغريزي للجماعة.

‏2. شيطنة الآخر

‏يتكرر تصوير الطائفة الأخرى بأنها:

‏لا أخلاقية

‏عدوانية

‏خائنة

‏متآمرة بالوراثة أو الهوية


‏وبذلك تُبنى صورة نمطية سلبية تُحوِّل الاختلاف إلى عداء.

‏3. إنشاء رواية بديلة للتاريخ

‏تركّز الإشاعات على إعادة كتابة الماضي بصورة انتقائية، عبر:

‏تضخيم المظالم

‏إبراز أحداث عنف منعزلة كأنها نمط ثابت

‏تجاهل فترات التعايش


‏ممّا يُنتج إحساسًا دائمًا بالتهديد.

‏4. تعزيز "غرفة الصدى"

‏في الغرف المغلقة، لا توجد آراء مضادة، بل تُعاد مشاركة الرسالة نفسها بصيغ مختلفة، مما يجعل الإشاعة أكثر قبولًا، وفقاً لآلية «الانتشار عبر التكرار».

‏5. استثمار الانفعالات

‏تعتمد الإشاعات الطائفية على:

‏الغضب

‏الحقد

‏الإحباط

‏الخوف من المستقبل


‏وهي مشاعر تغيب معها قدرة العقل على التحليل المنطقي.


‏---

‏رابعاً: دور التكنولوجيا في تكريس الإشاعات الطائفية

‏1. خوارزميات التحيز

‏تمنح المنصات الاجتماعية أولوية للمحتوى المثير للانفعالات، ما يجعل الإشاعات الطائفية ذات انتشار أوسع.

‏2. الخصوصية المشددة

‏تطبيقات مثل:
‏واتساب، تيليغرام، سيغنال، مجموعات فيسبوك المغلقة
‏تجعل من الصعب تتبع مصدر الإشاعة أو الحد من انتشارها.

‏3. سهولة إنشاء الهويات الوهمية

‏تستخدم بعض الجهات حسابات مجهولة لبث روايات محددة داخل مجموعات طائفية.


‏---

‏خامساً: الآثار النفسية والاجتماعية والسياسية

‏1. تمزيق النسيج الاجتماعي

‏تُفقد المجتمعات المختلطة قدرتها على التعايش والثقة، وتُستبدل بالمراقبة والريبة.

‏2. تعزيز العنف المباشر

‏تاريخياً، كانت الإشاعة مقدمة للقتل الطائفي في عدة حالات، مثل:

‏العراق 2006

‏سوريا بعد 2011

‏لبنان في الحرب الأهلية

‏رواندا 1994 (نموذج دولي مشابه)


‏3. تعطيل الإصلاح السياسي

‏تُستخدم الإشاعات لصرف الأنظار عن قضايا الفساد والحقوق المدنية، عبر صناعة انقسامات طائفية مُضخّمة.

‏4. تحطيم الهوية الوطنية

‏تحول الإشاعة الهوية المذهبية إلى مركز الولاء، على حساب الهوية الجامعة.


‏---

‏سادساً: سبل الحد من أثر غرف الإشاعات الطائفية

‏1. تعزيز التربية الإعلامية

‏دمج مهارات التحقق من المعلومات في المناهج الدراسية والبرامج الشبابية.

‏2. تمكين الإعلام المستقل

‏كلما زادت الشفافية ووضوح المعلومات الرسمية، تراجعت الحاجة للإشاعات.

‏3. تشريعات تحمي ولا تقمع

‏وضع قوانين لمكافحة خطاب الكراهية دون المساس بحرية التعبير.

‏4. مبادرات الحوار بين المكوّنات

‏إطلاق منصات رقمية مشتركة تُبنى على الثقة المتبادلة.

‏5. تطوير أدوات تقنية للكشف عن الإشاعات

‏تطبيقات للتحقق الآلي من الصور والمقاطع والرسائل المنتشرة في وسائل التواصل.


‏---

‏خاتمة

‏تُعد غرف الإشاعات المغلقة من أخطر ما أنتجته التحولات الرقمية في الشرق الأوسط، لأنها تعمل في بيئة اجتماعية هشّة، وتستغل الانقسامات التاريخية، وتعيد إنتاج الطائفية بشكل متسارع عبر آليات نفسية وتكنولوجية معقدة. إن التصدي لهذه الظاهرة لا يتم فقط عبر ضبط التواصل الرقمي، بل عبر إصلاح الثقافة السياسية، وتعزيز الثقة، وتطوير الوعي الجمعي. فالمجتمع الذي يملك مؤسسات قوية وإعلامًا شفافًا وقدرة على الحوار، يصبح أقل عرضة لتأثير الإشاعات وأكثر قدرة على حماية نسيجه الوطني.


‏---

‏المــراجع

‏مراجع عربية

‏1. عبد الله، حسن. الإشاعة وخطاب الكراهية في المجتمعات العربية. المركز العربي للأبحاث، بيروت، 2020.


‏2. أبو زيد، أحمد. الهوية والصراع في الشرق الأوسط. دار الفكر، دمشق، 2019.


‏3. عماد، نبيل. "الإعلام الجديد والطائفية الرقمية". مجلة الإعلام والاتصال، العدد 14، 2021.


‏4. منصور، خليل. الفضاء الإلكتروني وتحولات المجال العام العربي. مركز دراسات الوحدة العربية، 2018.



‏مراجع أجنبية

‏5. Sunstein, Cass. #Republic: Divided Democracy in the Age of Social Media. Princeton University Press, 2017.


‏6. Wardle, Claire & Derakhshan, Hossein. Information Disorder: Toward an Interdisciplinary Framework. Council of Europe, 2017.


‏7. Allcott, Hunt & Gentzkow, Matthew. “Social Media and Fake News in the 2016 Election.” Journal of Economic Perspectives, 2017.


‏8. Pennycook, Gordon & Rand, David. “The Psychology of Fake News.” Trends in Cognitive Sciences, 2021.




#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيكولوجيا الأخبار الكاذبة: تحليل نفسي-اجتماعي لآليات الخداع ...
- ‏سباق المسافات الطويلة نحو بناء الوطن: من يسبق من... الخطاب ...
- ‏حماية الذاكرة البصرية للمجتمع: إطار نظري ومقاربة تطبيقية ‏
- كيف تغلبت فرنسا على الهزيمة في الحرب الفرنسية البروسية
- ‏أشكال الخطاب التحريضي ضد الآخر: رواندا نموذجًا
- ‏صناعة المعرفة: من إنتاج الحقيقة إلى هندسة الوعي
- ‏صناعة التطرف: آليات التشكيل وأدوات التأثير في المجتمعات الح ...
- فنون وأشكال الإقصاء السياسي: دراسة تحليلية في آليات التهميش ...
- ‏هل سرق الإنترنت براءة الأطفال؟ دراسة نقدية لتأثير الإعلام ا ...
- ‏عندما يصبح التوجّه السياسي Off the Point
- ‏هل تعيد إسرائيل تكرار حرب عام 1967 وتضاعف مساحات الأراضي ال ...
- ‏مخاطر الاقتراض من البنك الدولي
- مراحل للإبادة الجماعية للأقليات
- ‏المؤسسات المالية الدولية: الأنواع — الملكية — العمل — آليات ...
- ك‏يف تُختطف الطوائف؟ جذور الظاهرة وآلياتها وتجلياتها في العا ...
- ‏أهمية الخطاب الديني والفتوى في وقف الحروب الطائفية
- الشركات القابضة: دراسة تحليلية في المفهوم، الأنواع، الفلسفة، ...
- ‏ثقافة الميليشيات وجذور الشر: دراسة تحليلية وتطبيقيّة
- أنسنة الروبوتات... إلى أين؟
- قوانين نُورمبرغ ضد اليهود: دراسة تاريخية – قانونية في سياق ا ...


المزيد.....




- الرسالة وراء ارتداء بوتين الزي العسكري المموه وادعاء الانتصا ...
- السعودية.. أبرز 4 تصريحات من محمد بن سلمان عن ميزانية 2026
- سوريا.. السفارة الأمريكية تترجم رأي ترامب بعمل الحكومة السور ...
- ترامب يطلب من مادورو الرحيل.. هل بات غزو فنزويلا قريبا؟
- اعتبارا من اليوم.. أمريكا توقف طلبات الهجرة للأفراد من 19 دو ...
- ما هو فيروس اللسان الأزرق الذي يصيب الماشية؟ وهل هو معد؟
- رئيس هندوراس السابق يغادر السجن في الولايات المتحدة بعد حصول ...
- الولايات المتحدة: المتهم الأفغاني في هجوم على الحرس الوطني ب ...
- إدارة ترامب تصدر قرارا بشأن الهجرة وتفصل قضاة مكلفين بها
- فضيحة -سيغنال- تعود إلى الواجهة.. مصادر توضح لـCNN آخر تطورا ...


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - غرف الإشاعات المغلقة ودورها السلبي في تغذية الطائفية في الشرق الأوسط ‏